- الجمعة ديسمبر 21, 2012 9:08 pm
#58889
مقال مروان اسكندر في صحيفة النهار: اللبنانيون والسوريون
21/12/2012
لا شك في أن غالبية اللبنانيين تشعر بمرارة راسخة حيال ممارسات النظام السوري في لبنان طوال فترة السيطرة التي مورست بقسوة على المواطنين اللبنانيين ما عدا شراذم المتملقين الذين منهم عدد غير قليل من غلاة المعارضين اليوم.
ان الارث الذي يدعي اللبنانيون انهم يحفظونه ويحافظون عليه يتمثل في الانفتاح على جميع الاجناس، وفي التعاطف مع فئات المحتاجين والمهددين. ولبنان كان دوماً محطة الراحة للسوريين، كبارهم وصغارهم، منذ توالي الانقلابات العسكرية أوائل الخمسينات من القرن الماضي. والبالغون من اللبنانيين يذكرون بالتأكيد ان خالد العظم الذي فرض القطيعة مع لبنان وساهم في فصل العملتين صرف سنواته الاخيرة مقيماً في لبنان تفادياً للقرارات التعسفية في حقه لجنرالات الانقلابات.
لبنان اليوم يستقبل عشرات الالوف من النازحين السوريين وغالبيتهم من ذوي الحاجات الملحة، سواء الى مدارس لاولادهم أو الى الغذاء والكساء. ولا شك في ان على لبنان واجب المساهمة في استقبال هؤلاء الهاربين من الاقتتال والراغبين في صون مستقبل أولادهم.
مدارسنا يجب ان تفتح أبوابها لابناء السوريين المهجرين واختلاف مستويات التعليم والمناهج يجب الا يكون عائقاً بل محفزاً. والسوريون كلما اكتسبوا العلم في مدارسنا الرسمية المجانية يتحسسون النفسية اللبنانية المتقبلة للغير وخصوصاً من المواطنين العرب.
ومعلوم ان مدارسنا الرسمية، وخصوصاً في الاطراف، أي في البقاع وعكار والجنوب، تشكو من تخمة اعداد المعلمين. فالتعليم الرسمي في لبنان يتميز بانه يتضمن معاهد متوسط اعداد اساتذتها هو استاذ لكل سبعة تلاميذ، وعلى العكس من هذا الوضع، المدارس الخاصة في لبنان المتميزة بمستوياتها تتعاقد مع استاذ لكل 20 تلميذاً، وهذا هو واقع مدارس خاصة لبنانية نجحت في اقتحام مجالات التعليم دولياً، في المنطقة العربية، كما في أوروبا والولايات المتحدة، وحتى في المانيا حيث أبناء موظفي المصرف المركزي الاوروبي يدرسون في مدرسة تابعة لشبكة مدارس لبنانية.
أول من طالب باستيعاب التلامذة السوريين في مدارسنا الرسمية كانت السيدة بهية الحريري، وهي المدرّسة السابقة ووزيرة التربية الناجحة والمدركة تماماً لامكانات وضرورات تحفيز افراد الهيئة التعليمية الرسمية في لبنان وتحسين الاستفادة من الطاقات البشرية والانشائية المتاحة لقطاع التعليم.
من المؤكد ان غالبية التلامذة السوريين من ابناء المهجرين تحتاج الى العلم، من اجل اكتساب المعارف والصداقات، كما من أجل الابتعاد عن مناخ الخوف المهيمن عليهم وعلى عائلاتهم. وبما ان الشعب السوري هو شاب في معظمه، يقدر ان يكون هنالك نحو 25 الف تلميذ وتلميذة مرشحين للانضمام الى مدارسنا الرسمية. وثمة حاجة ليس فقط الى فسح مجال انتماء هؤلاء الاولاد، بل ايضا الى برنامج مدروس يسهل انتماءهم الى مدارسنا الرسمية. ولا شك في اننا سنكسب درساً مهماً نحن اللبنانيين، ألا وهو ان طاقة المعلمين كافية لزيادة اعداد تلامذة المدارس الرسمية بنسبة 50 في المئة دونما صعوبة وهذا الامر يبعد كثيراً عن الاعداد التي ستشلمها المدارس الرسمية بعد استيعاب ابناء الملتجئين الى سلام لبنان.
في المقابل، ثمة عائلات ميسورة لرجال أعمال ومهنيين سوريين، وأصحاب مصانع، وتجار، وشركات مقاولات ومصرفيين الخ. وهؤلاء كما يظهر من اعداد السيارات السورية المرتفعة الكلفة التي تجوب شوارع بيروت ومناطق جبل لبنان ربما تجاوز عددهم 7000 – 8000 سوري مقتدر.
اذا شئنا تحريك اقتصادنا ولو بزيادة معدل الدخل من هذا الباب المنفتح بنسبة 1 في المئة تضاف الى اية عوامل انمائية أخرى، علينا ان نسعى الى تسهيل اعمال السوريين الميسورين وألا نقفل في وجوههم أبواب المصارف وخدماتها اذا كانوا من الفئات المهنية غير الملتزمة للنظام القائم، وحتى لو كانوا على مقربة من أهل النظام، لا يجوز تفادي التعامل معهم لاختلاف المواقف السياسية.
المهم ان يكون لبنان بمؤسساته الخاصة مسهلاً لنشاط السوريين المهنيين والمعطائين، ومن المفروض على المواطنين اللبنانيين ألا يتعاملوا مع هؤلاء بجشع واستسهال.
سوريا ستكون في مستقبل غير بعيد البلد العربي الاكثر حاجة الى اعادة الاعمار ��الاستثمار والتنشيط. والسوريون كان لهم دور ريادي في تطوير اعمال الانشاءات وادخال نظام بيع الشقق الى لبنان، كما ساهموا في تطوير القطاع المصرفي وتطعيمه.
وهنالك سوريون حققوا نجاحات كبيرة على صعد مختلفة لهم نشاطات في لبنان منذ عشرات السنين، وبعض نشاطاتهم يتكامل مع نشاط مؤسساتهم في لبنان. وهؤلاء لا بد ان يضطلعوا بادوار قيادية مستقبلاً في اعادة اعمار سوريا، وتنشيط جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية فيها. وكلما وثقنا علاقاتنا مع هؤلاء الزوار نستطيع الامل في تحقيق مقدار من التكامل بين البلدين أوسع مما تحقق في السابق، واكثر فائدة لفئات متنوعة من اللبنانيين.
الفصل الاخير من هذه السنة شهد نشاطاً ملحوظاً في نطاق ازدياد الطلب على الشقق للاستئجار وفي أحيان كثيرة للشراء وكان السوريون هم ذوي التأثير الاكبر على هذا الصعيد خلال الاشهر الثلاثة المنصرمة.
المدارس الخاصة حققت فوائد ملحوظة من انتساب عدد من ابناء العائلات السورية، وقد استطاعت هذه المدارس استيعاب التلامذة السوريين، كما ان بعض المدارس أدخل برامج لتعزيز المعارف اللغوية لدى هؤلاء.
ان اتاحة مجال العمل لأرباب العمل من السوريين في لبنان وتسهيل شروط الاقامة وانشاء الشركات أمور تعود بجدوى اقتصادية لن تكون موقتة. فعودة السلام الى سوريا ستبين مدى فداحة الاضرار التي لحقت بالمنازل والمخازن والمؤسسات وانشاءات البنية التحتية. واذا كان وسط بيروت قد احتاج الى 15 سنة ليستعيد وهجه الاعماري، فلا شك في ان حمص ودمشق وحلب ستحتاج الى عشرات السنين.
والى حين توافر الخدمات المناسبة، واعادة الاعمار، سيرسخ رجال الاعمال السوريون نشاطاتهم في لبنان، ولا بد ان يوثقوا علاقاتهم مع رجال الاعمال اللبنانيين ممن كانوا ناشطين في سوريا، في مجالات التصنيع والتجارة، والتعليم والخدمات.
التلامذة مسؤولية اخلاقية وانسانية وقومية، وفسح مجالات النشاط للمقتدرين مجال تنموي للبنان في المدى القصير والمتوسط، واذا أحسنا الاستقبال اللائق والمحب نكون قد استعدنا نفس قادة سوريا الكبار ومنهم من كان اصلا وفصلا من لبنان، ومن هؤلاء فارس وفايز الخوري، كما من كبار السوريين شكري القوتلي وسعدالله الجابري وغيرهما كثر.
عودة
21/12/2012
لا شك في أن غالبية اللبنانيين تشعر بمرارة راسخة حيال ممارسات النظام السوري في لبنان طوال فترة السيطرة التي مورست بقسوة على المواطنين اللبنانيين ما عدا شراذم المتملقين الذين منهم عدد غير قليل من غلاة المعارضين اليوم.
ان الارث الذي يدعي اللبنانيون انهم يحفظونه ويحافظون عليه يتمثل في الانفتاح على جميع الاجناس، وفي التعاطف مع فئات المحتاجين والمهددين. ولبنان كان دوماً محطة الراحة للسوريين، كبارهم وصغارهم، منذ توالي الانقلابات العسكرية أوائل الخمسينات من القرن الماضي. والبالغون من اللبنانيين يذكرون بالتأكيد ان خالد العظم الذي فرض القطيعة مع لبنان وساهم في فصل العملتين صرف سنواته الاخيرة مقيماً في لبنان تفادياً للقرارات التعسفية في حقه لجنرالات الانقلابات.
لبنان اليوم يستقبل عشرات الالوف من النازحين السوريين وغالبيتهم من ذوي الحاجات الملحة، سواء الى مدارس لاولادهم أو الى الغذاء والكساء. ولا شك في ان على لبنان واجب المساهمة في استقبال هؤلاء الهاربين من الاقتتال والراغبين في صون مستقبل أولادهم.
مدارسنا يجب ان تفتح أبوابها لابناء السوريين المهجرين واختلاف مستويات التعليم والمناهج يجب الا يكون عائقاً بل محفزاً. والسوريون كلما اكتسبوا العلم في مدارسنا الرسمية المجانية يتحسسون النفسية اللبنانية المتقبلة للغير وخصوصاً من المواطنين العرب.
ومعلوم ان مدارسنا الرسمية، وخصوصاً في الاطراف، أي في البقاع وعكار والجنوب، تشكو من تخمة اعداد المعلمين. فالتعليم الرسمي في لبنان يتميز بانه يتضمن معاهد متوسط اعداد اساتذتها هو استاذ لكل سبعة تلاميذ، وعلى العكس من هذا الوضع، المدارس الخاصة في لبنان المتميزة بمستوياتها تتعاقد مع استاذ لكل 20 تلميذاً، وهذا هو واقع مدارس خاصة لبنانية نجحت في اقتحام مجالات التعليم دولياً، في المنطقة العربية، كما في أوروبا والولايات المتحدة، وحتى في المانيا حيث أبناء موظفي المصرف المركزي الاوروبي يدرسون في مدرسة تابعة لشبكة مدارس لبنانية.
أول من طالب باستيعاب التلامذة السوريين في مدارسنا الرسمية كانت السيدة بهية الحريري، وهي المدرّسة السابقة ووزيرة التربية الناجحة والمدركة تماماً لامكانات وضرورات تحفيز افراد الهيئة التعليمية الرسمية في لبنان وتحسين الاستفادة من الطاقات البشرية والانشائية المتاحة لقطاع التعليم.
من المؤكد ان غالبية التلامذة السوريين من ابناء المهجرين تحتاج الى العلم، من اجل اكتساب المعارف والصداقات، كما من أجل الابتعاد عن مناخ الخوف المهيمن عليهم وعلى عائلاتهم. وبما ان الشعب السوري هو شاب في معظمه، يقدر ان يكون هنالك نحو 25 الف تلميذ وتلميذة مرشحين للانضمام الى مدارسنا الرسمية. وثمة حاجة ليس فقط الى فسح مجال انتماء هؤلاء الاولاد، بل ايضا الى برنامج مدروس يسهل انتماءهم الى مدارسنا الرسمية. ولا شك في اننا سنكسب درساً مهماً نحن اللبنانيين، ألا وهو ان طاقة المعلمين كافية لزيادة اعداد تلامذة المدارس الرسمية بنسبة 50 في المئة دونما صعوبة وهذا الامر يبعد كثيراً عن الاعداد التي ستشلمها المدارس الرسمية بعد استيعاب ابناء الملتجئين الى سلام لبنان.
في المقابل، ثمة عائلات ميسورة لرجال أعمال ومهنيين سوريين، وأصحاب مصانع، وتجار، وشركات مقاولات ومصرفيين الخ. وهؤلاء كما يظهر من اعداد السيارات السورية المرتفعة الكلفة التي تجوب شوارع بيروت ومناطق جبل لبنان ربما تجاوز عددهم 7000 – 8000 سوري مقتدر.
اذا شئنا تحريك اقتصادنا ولو بزيادة معدل الدخل من هذا الباب المنفتح بنسبة 1 في المئة تضاف الى اية عوامل انمائية أخرى، علينا ان نسعى الى تسهيل اعمال السوريين الميسورين وألا نقفل في وجوههم أبواب المصارف وخدماتها اذا كانوا من الفئات المهنية غير الملتزمة للنظام القائم، وحتى لو كانوا على مقربة من أهل النظام، لا يجوز تفادي التعامل معهم لاختلاف المواقف السياسية.
المهم ان يكون لبنان بمؤسساته الخاصة مسهلاً لنشاط السوريين المهنيين والمعطائين، ومن المفروض على المواطنين اللبنانيين ألا يتعاملوا مع هؤلاء بجشع واستسهال.
سوريا ستكون في مستقبل غير بعيد البلد العربي الاكثر حاجة الى اعادة الاعمار ��الاستثمار والتنشيط. والسوريون كان لهم دور ريادي في تطوير اعمال الانشاءات وادخال نظام بيع الشقق الى لبنان، كما ساهموا في تطوير القطاع المصرفي وتطعيمه.
وهنالك سوريون حققوا نجاحات كبيرة على صعد مختلفة لهم نشاطات في لبنان منذ عشرات السنين، وبعض نشاطاتهم يتكامل مع نشاط مؤسساتهم في لبنان. وهؤلاء لا بد ان يضطلعوا بادوار قيادية مستقبلاً في اعادة اعمار سوريا، وتنشيط جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية فيها. وكلما وثقنا علاقاتنا مع هؤلاء الزوار نستطيع الامل في تحقيق مقدار من التكامل بين البلدين أوسع مما تحقق في السابق، واكثر فائدة لفئات متنوعة من اللبنانيين.
الفصل الاخير من هذه السنة شهد نشاطاً ملحوظاً في نطاق ازدياد الطلب على الشقق للاستئجار وفي أحيان كثيرة للشراء وكان السوريون هم ذوي التأثير الاكبر على هذا الصعيد خلال الاشهر الثلاثة المنصرمة.
المدارس الخاصة حققت فوائد ملحوظة من انتساب عدد من ابناء العائلات السورية، وقد استطاعت هذه المدارس استيعاب التلامذة السوريين، كما ان بعض المدارس أدخل برامج لتعزيز المعارف اللغوية لدى هؤلاء.
ان اتاحة مجال العمل لأرباب العمل من السوريين في لبنان وتسهيل شروط الاقامة وانشاء الشركات أمور تعود بجدوى اقتصادية لن تكون موقتة. فعودة السلام الى سوريا ستبين مدى فداحة الاضرار التي لحقت بالمنازل والمخازن والمؤسسات وانشاءات البنية التحتية. واذا كان وسط بيروت قد احتاج الى 15 سنة ليستعيد وهجه الاعماري، فلا شك في ان حمص ودمشق وحلب ستحتاج الى عشرات السنين.
والى حين توافر الخدمات المناسبة، واعادة الاعمار، سيرسخ رجال الاعمال السوريون نشاطاتهم في لبنان، ولا بد ان يوثقوا علاقاتهم مع رجال الاعمال اللبنانيين ممن كانوا ناشطين في سوريا، في مجالات التصنيع والتجارة، والتعليم والخدمات.
التلامذة مسؤولية اخلاقية وانسانية وقومية، وفسح مجالات النشاط للمقتدرين مجال تنموي للبنان في المدى القصير والمتوسط، واذا أحسنا الاستقبال اللائق والمحب نكون قد استعدنا نفس قادة سوريا الكبار ومنهم من كان اصلا وفصلا من لبنان، ومن هؤلاء فارس وفايز الخوري، كما من كبار السوريين شكري القوتلي وسعدالله الجابري وغيرهما كثر.
عودة