صفحة 1 من 1

الدولة المغولية التركية

مرسل: السبت ديسمبر 22, 2012 4:07 am
بواسطة صالح المحسن 9

أول ما قامت هذه الدولة تأسست فى منغوليا، و ذلك انه كانت لجماعة المغول إمارة صغيرة من أسرة تمت إلى قبائل « تغزغز » التركية بصلة، و هاجرت من التركستان الشرقية إلى منغوليا على أثر مهاجرة الأويغوريين إليها سنة 840م، و كان سابع أمرائها « يسوكى بهادرخان » فلما توفى سنة 1175م آلت السلطنة إلى ابنه تيموجن بالوراثة، و لم يكن هو إذ ذاك قد ناهز الثالثة عشر من عمره، و لكن الفتى كان قد بلغ مبلغ الرجال قوة و جسما، فهو يمتطى صهوات الجياد طول النهار، و يجد رماية السهام من القسى، و كان قوى النفس، فعقد عزمه على أن يخلف والده على الزعامة لرجال القائل،،،، إلى أن تلك القبائل أبت زعامته، و حاول الشيوخ أن يتخصلوا من منافسهم الفتى، فصاروا يطاردونه كما يطارد الوحوش، و لكنه ظل يكافح فى سبيل الوصول إلى غايته، و هى زعامة القبائل، و بمرور الزمن بدأ يجتمع حوله نفر من الانصار ممن كانوا يلتفون حول أبيه. و قبل أن يبلغ العشرين أصبح زعيم قبيلته، و لم يرض بمنزلة دون منزلة الزعيم، و حارب إبن عمه « جاموقا » فغلب عليه سنة 1201م، ثم استطاع أن ينشر نفوذه بين جميع القبائل فى شرق منغوليا بعد أن غلب على طغرل خان صديقه القديم، و زعيم قبيلة « كرات » سنة 1203م.

و بعد ثلاث سنوات استولى على غرب منغوليا بعد تشتيت قبائل « نايمان » القوية، و بذلك انضوت تحت لوائه جميع القابئل التركية و غيرها فى بلاد المغول، و جعل منها قوة واحدة، و كان هو قائدها الأوحد، و ذاع صيته فى جميع السهول المترامية إلى يعيش فيها قومه. و فى تلك السنة (1205م 604هـ) عقد تيموجين مؤتمرا عظيما ( قورولتاى )، اجتمع فيه جميع زعماء القبائل و رؤسائها، و أعلن الشامان ( قسيس الديانة الشامانية ) فى هذا المؤتمر: ( أن السماء قد خلعت على تيموجن لقب « جنكيزخان » ) و قد أصبح إسمه من ذلك الحين « جنكيزخان » و هو فى الثانية و الأربعين من عمره، و لقد كان رجلا جبارا مجيدا لفنون الحرب، و مدربا على قيادة الجيوش، شديد البطش، قليل الكلام، غليظ القلب، كثير التفكير.

و استطاع فى مدة قليلة أن يخلق جيشا قويا مدربا احسن تدريب، و جلب من الأتراك الأويغوريين، و الأتراك المسلمين، و الصين اسلحة جديدة و معدات حربية، و أعد إدارة قوية ليفتح بها العالم، ثم استولى على دولة « تانغوت ( هيا ) » الواقعة على حدود الصين الغربية سنة 1207م، و كان قد أخضعها امبراطور كين ( امبراطور الصين الشمالية ) منذ أن قريب، فألقت بنفسها فى اخضان ذلك الفاتح التركى الجديد، و أصبحت له أكبر عون على تحقيق آماله الكبرى، ثم تأخر إخوانه الأتراك بتلك الوحدة، فإتسع سلطانه بإنضمام الأويغوريين إليها فى تركستان عام 1209م، و انضمام « أرسلان خان » خاقان دولة قارلق التركية المسلمة الواقعة فى شمال « ينى صو » فى تركستان، و بذلك صار جنكيزخان خاقانا عظيما، و عنوانا للوحدة التركية، تخضع لسلطانه أكثر القبائل و زعمائها، و بهذا تكاثرت جموعه و تعاظم امره.

بدأ جنكيزخان بالهجوم على الصين سنة 1211م، و اخترق السور العظيم، و قذف بكتابه على البلاد الواسعة فى دون كين، أو الامبراطورية الشمالية حتى استولى على عاصمتها « بكين » وفر الامبراطور الصينى و جنوده أمام القوات التركية المغولية؛ فكانت هزيمة كاملة شاملة سنة 1216م ثم وجه هجومه إلى الغرب، وقضى على دولة « قاراختاى» بعد أن قتل الخاقان « كوشلوك خان » سنة 1218م.

لما فرغ جنكيزخان من فتح هذه البلاد الواسعة أراد أن يستريح من متاعب الحروب، وأرسل وفدا من كبار المسلمين إلى السلطان قطب الدين محمد خوارزمشاه يطلب منه عقد معاهدة بين الدولتين بين الدولتين التركيتين، وأرسل إليه الهدايا النفيسة، وطلب أن ييسر للتجار التردد بين المملكتين، فاستجاب له خوارزمشاه.

و فى سنة 1219م (615هـ) سافر تجار من مملكة جنكيزخان إلى « أترار » وهى بلدة على نهر سيحون فى حدود مملكة خوارزمشاه، فكتب واليها إلى خوارزمشاه يخبره أن هؤلاء جواسيس لجنكيزخان جاءوا فى زى التجار، فأمره بقتلهم و سلب أموالهم، فلما بلغ ذلك جنكيزخان كتب إلى خوارزمشاه يطلب منه إرسال و إليه على « أترار » ليقتص منه، فكانت الاجابة قتل الرسل، فقام جنكيزخان بجميع عساكره الجرارة، و عبر نهر سيحون، و ليس أمامه من يناوشه، أو يشغله عن قصده، و سار حتى اتى بخارى، و دخل هو و جنوده المدينة فدكوها دكا و ملأوا القلوب رعبا (4 ذى الحجة سنة 616هـ) ثم ساروا نحو سمرقند و دخلوها عنوة، و قتلوا بها من قتلو، و فعلو ما فعلوا.

بهذ الفتح الجديد توحد تحت راية جنكيزخان جميع بلاد الترك فى آسيا الوسطى، فنرى أن الكتلة التركية قد تجمعت من تلك البلاد الواسعة التى كانت حياتها فصولا متوالية من الحروب يفنى بعضها بعضا، فأهاب بها هذا القائد التاريخى، و جعلها صفوفا متراصة مستجمعة لمرافقها و قواها و أصبح هؤلاء الأتراك بين عشية و ضخاها خلية يقظة، و معسكرا ملتهبا بالحماس و الحمية نحو الغزو و التوسع إذ بدأ منذ ذلك يفكر فى مد سلطانه إلى الأمم التى كانت قبل ذلك خاضعة لتركستان بإعتبار أنه يحافظ على ذلك الحق، و يثأر للمهزومين، و يتبوأ مكانهم فى الملك الذى لم يستطيعوا أن يحتفظوا به فى تلك الآونة، و كان أعظم باعث على قيام هذه الحوادث و الغزوات فرار خوارزمشاه أمام مطارديه، فوجه عشرين ألفا من خيرة جنده لفتح إيران، و القبض على خورازمشاه، فسار هؤلاء الجند و عبروا نهر جيحون. و كان خوارزمشاه مقيما بغربيه يستعد، فلما احس خوارزمشاه بقربهم منه هرب إلى مازندران، فاقتفى المغول أثره من غير أن يعرجوا على نيسابور. و هكذا ظل خوارزمشاه ينتقل من مدينة إلى أخرى و المغول فى أثره حتى وصلوا إلى « مرسى » من بحر الخزر، و نزل إلى قلعة فيه، فعادوا عنه. و هذه الفرقة من تلك الجيوش التركية المغولية، تسمى « التتر المغربة » لأنهم ساروا فى أسرع وقت مع حصانتها، و لما تم فتح هذه المدينة استأنفت سيرها قاصدة بلاد الرى، و دخلتها على حين غفلة من أهلها، ثم سار إلى همذان، فطلب صاحبها الامان فأمنت هو و من معه، ثم استأنفت المسير إلى قزوين، فدخلتها عنوة، ثم إلى آذربيجان فصالحت ملكها « أزبك خان » و واصلت المسير بعد ذلك إلى تفليس حيث تجمع الكرج هناك، و خرجوا بحدهم و حديدهم، و لكن ذلك لم يجدهم شيئا فانهزموا شر هزيمة، و قتل منهم من لا يحصى عدده. ( ذى القعدة 617هـ).

لم تلبث تلك الفرقة التى تمثل الشجاعة فى قيادتها و أجنادها أن كرت راجعة فى مستهل سنة 618هـ بعد ذلك المجهود الجبار الذى بذلته فى كسب حروبها، و فى عودتها عرجت إلى « مراغة » فملكتها عنوة، ثم اربل كذلك، و بعدها عادت إلى همذان ثم آذربيجان و منها إلى « دربند شروان » فاستولوا على مدينة شماخى عنوة، ثم خرجت منها إلى البلاد الشمالية، و هى « دشت قبجاق » و فيها عشائر تركية عديدة قاتلوها قتال الأبطال، ثم اضطروا إلى مصر و الشام و هم الذين أسسوا فيما بعد دولة المماليك البحرية فى مصر، و انشأوا بها حضارة إسلامية، و آثارا باهرة يفاخر بها الترك و الإسلام.

قصدت الجيوش التركية المغولية بعد ذلك بلاد الروس، فاتفق هؤلاء مع فلول القبجاق أن يكونوا يدا واحدة، و لكنهم هزموا اشنع هزيمة أمام القوات التركية المغولية، ثم واصل المغول سيرهم قاصدين دولة البلغار التركية سنة 620هـ فلما سمع أتراك البلغار بقربهم كمنوا لهم فى عدة مواضع، و استجروهم إلى أن جاوزوا مواضع الكمناء، فخرجوا عليهم من ورائهم، فقتل منهم كثير جدا… هذا طرف من اخبار طائفة صغيرة من القوات التركية المغولية فى الغرب.



مدى اتساع امبراطورية جنكيزخان



ذكرنا أن جنكيزخان سير تلك الفرقة من جيشه لطلب خوارزمشاه و فتح إيران و آذربيجان و القوقاز، و البلاد الشمالية – أما هو فقد اقام بسمرقند، و هناك سير جيشا آخر عليه احد اولاده لمملكتي خراسان و أفغانستان، فتدفقوا نحو الهند، و عبروا النهر، و قصدوا مدينة بلخ فطلب أهلهاالامان فأمنوهم، و تسلموا المدينة سنة 617هـ ثم صاروا يستولون على تلك البلاد شيئا بعد شيئ دون صعوبة أو مقاومة، و لم يمض إلا القليل حتى دخل معظم الشرق الاوسط تحت حكم الامبراطورية التركية، المغولية، فتم بذلك لجنكيزخان مملكة عظيمة واسعة، مترامية الاطراف تبتدئ شرقا من المحيط الهادى، و تنتهى غربا إلى بلاد العراق و بحر الخرز و بلاد الروس و البلغار، و جنوبا بلاد الهند، و شمالا بالبحر الشمالى…. كل ذلك تم له فى مدة قصيرة.

و قد مات جنكيزخان سنة 1227م (624هـ) بعد أن قسم ملكه العظيم بين ثلاثة من أبناءه.

« جغتاي خان » و « جوجى خان » و « اوقتاى خان »، – أما رابع أبنائه ( تولى خان ) فقد جعله خليفة له فى عرش « قاراقورم » و فى الرئاسة العامة على اخوته الثلاثة كذلك،،،، و لم تلبث الايام أن رفعت نجم أخيه « اوقتاى خان » عاليا إذ تم انتخابه خاقانا أعظم فى مجلس الاعيان المتعقد فى أوائل عام 1229م، فاتبع هذا الخاقان العظيم سنة أبيه، فامتدت الفتوحات إلى ارجاء واسعة، و أخضع البقية الباقية من الصين، و أرسل جيشا لفتح أوربا، و على رأسه « باتوخان بن جوجى خان » و انتخب القائد المشهور « سبوتاى » ليكون مستشارا له. فتقدم الجيش نحو الروسيا، و اخترق الغابات فى طريقه حتى ظهر أمام مدينة « ريازن » فهدم سورها و ضرب حصونها ثم استولى عليها فى ديسمبر سنة 1237م، كما استولى بعد ذلك على « موسكو » نفسها، و لم يلبث أن تقدم نحو « كييف » واستولى عليها عنوة، و عندئذ انقسم الجيش إلى قسمين، كانت وجهة أولهما بلاد المجر تحت قيادة باتوخان، أما الثانى فاتجه إلى بولندا تحت قيادة « بيدارخان » و فاز كلا الجيشين بإنتصارات باهرة حتى التقيا سويا فى فينا.

فى هذه الأثناء ورد نبأ موت الخاقان الأعظم « اوقتاى خان »، و كان ذلك فى ديسمبر سنة 1241م، و قد خلف اوقتاى خان إبنه كوك خان فحكم مدة سنتين ثم مات. و بموته اندلعت نيران الفتن الداخلية و كان وقودها المنافسة بين أسرتى اوقتاى خان و جغتاي خان. و كان نتيجة ذلك أن انتقلت الملكية من أسرة اوقتاى إلى أسرة تولى، فآل الملك إلى « مانجوخان ». و بعد أن تم له الأمر غزا بلاد التبت و أخضعها، و عين أخاه قوبلاى خان حاكما عاما لبلاد الصين، و قد فتح جزيرة « كيوشو » من جزر اليابان، فكانت اعماله شرا مستطيرا على المسلمين.

و بعد وفاة مانجوخان خلفه أخوهالاصغر « آريق بوغاخان »، و لم يمض فى الحكم إلا سنة واحدة اختلف فيها الزعماء من أطراف الصغرى و العراق و الصين و اليابان؛ و قد اندلعت جمعية الاعيان لإنتخاب الخاقان فنودى بقوبلاى خان خاقانا على الامبراطورية. و لكن هذا المؤتمر لم يكن ممثلا لكل الزعماء، بل كان مشتملا على انصاره و هيئة اركان حربه فقط، فانقسمت الامبراطورية بذلك إلى أربعة اقسام.

(1) الامبراطورية الشرقية: وعاصمتها بكين، و تشمل بلاد الصين و منغوليا و التيبت، و بعض الجزر اليابانية، و قد ورثها أبناء قوبلاى خان وأحفاده.

(2) الامبراطورية الغربية: وحاضرتها بغداد؛ و تضم بلاد فارس و العراق، و تتمتع بنفوذ قوى فى سوريا و آسيا الصغرى، و قد ورثها أبناء هولاكو و أحفاده.

(3) الامبراطورية الشمالية، أو امبراطورية ( آلتون أوردو )، و تشمل حوض نهر الفولجا وسواحل البحر الاسود الشمالية و بلاد روسيا الاصلية، وأوربا الشرقية وقد ورثها أحفاد جوجى خان.

(4) امبراطورية تركستان، و يطلق عليها ايضا: « امبراطورية جغتاي » نسبة إلى جغتاي خان بن جنكيزخان الذى كان نصيبه ملك تركستان ضمن الاقسام الأربعة التى قسم إليها ابوه هذه الامبراطورية العظمى – كما اسلفنا – مقسمة بين أبناء جنكيزخان، و كان هؤلاء الملوك تابعين للخاقان الأعظم، و كان يحكم اقليم ماوراء النهر فى حياته محمود يلاوج ثم ابنه مسعود باسم « الخاقان الأعظم ».

ويعتبر المؤسس الحقيقى لهذه الدولة قارا هولاكو حفيد جغتاي خان. وكان الخاقان الأعظم كيوك خان قد عين « ييسو مانجو خان » ولى عهد له، و لكن حدثت بعد ذلك منازعات وخلافات ادت إلى أن يكون السلطان هو آلغوخان حفيد جغتاي خان لا « ييسو مانجو خان ». وقد أسس امبراطورية مستقلة فى هذه البلاد حيث جعل تحت صولجانه تركستان الكبرى وبلاد أفغانستان، وأعلن استقلاله، وبعد وفاته سنة 1265م خلفه قايدوخان من أسرة اوقتاى خان، ثم ابنه جانارخان 1266م، وبعدها انتقل الأمر إلى أسرة جغتاي خان السابقة 1306م، وآل الملك إلى « دوواخان » وأصبح هو المؤسس الحقيقى لإمبراطورية جغتاي.

و فى سنة 1326م تبوأ عرش تركستان « طرماشيرين خان » و اعتنق الإسلام، و أسلم كذلك بعد قليل السلطان « توغلوق تيمورخان » (1347-1363) الذى أسلم بإسلامه 500ر16 نفسا من أسرته و قواده فى يوم واحد كاشغر، و منذ سنة 1347م بدأ دور الانحطاط فى هذه الدولة، و أصبح أمر البلاد فى يد القواد، بينما كان السلاطين فى شبه عزلة سياسية، و كأن أمر الحكم لا يعنيهم.