صفحة 1 من 1

دولة الفونج

مرسل: السبت ديسمبر 22, 2012 4:11 am
بواسطة صالح المحسن 9
دولة الفونج الاسلامية
عمارة دونقس 1504 م
حوالى اوائل القرن السادس عشر الميلادى وفى فترة الغموض و قلة المصادر عن أخريات مملكة علوة أو العنج كما يسمونها في السودان ظهرت دولة اسلامية يرأسها الملك عمارة دونقس من مجموعة تدعى الفونج . و بالرغم من ان هذه الحقبة من تاريخ السودان قريبة منا نسبيا فان مصادرها قليلة و مشوشة و العهد الذي سبقها في علوة المسيحية كان أشد غموضا .. و هناك روايات محلية بعضها يلقنه الآباء للأبناء و خاصة ما كان متعلقا منها بأيام القبائل و رجالها المشهورين و بعضها دونت في فترات متأخرة سماعية و نقلها آخرون تناولوها بالحذف و الاضافة و حتى أول سائح أجنبي دخل مملكة سنار في أيامها الأولى و هو داود روبيني ترك لنا روايات مشوشة مضطربة فيها فجوات و فيها أسماء لاماكن و شخصيات يصعب تحقيقها و انطباقها على الأسماء المعروفة لدينا و اختلف الباحثون في تحديدها .و ثار جدل لم ينته بعد حول أصل الفونج و من أي موطن دخلوا السودان و في أي وقت دخلوا في حلف مع العبدلاب , و مملكة سوبا التي قامت على أنقاضها دولة الفونج لم يتضح لنا على وجه التحديد هل كانت نهايتها تدريجية أم كانت بهجوم على عاصمتها سوبا و تخريبها على حسب الروايات , و الروايات الوطنية تفقد أحيانا الحاسة الزمنية مما يجعل مهمة الباجث بالغة الصعوبة و مع ذلك فلا بد لنا من الأعتماد على مصادر مكتوبة و مدونة عندما نبدأ قصة التأسيس الأول كدولة الفونج , ز هنا يبرز لنا مصدران رئيسيان في هذا الصدد أولهما مخطوطة للشيخ أحمد كاتب الشونة الذي عاصر أواخر عهد الفونج و أوائل عهد الحكم التركي المصري و عمل حينا في شونة الخرطوم , و لذلك سمي بكاتب الشونة , و مخطوطته تسرد تاريخ الفونج منذ تأسيسها و تذكر عن ملوكها الأوائل نبذا قصيرة و لكن عندما تمتد القصة الى عهد تزدحم الحوادث و يطيل في سردها , و يبدو أنه اطلع على الكشف الذي يحوي ملوك الفونج و تاريخ توليتهم , و هذه الرمايات الوطنية تقول بانقضاء دولة العنج في سوبة على يد عمارة دونقس و حليفه عبدالله جماع من عربان القواسمة , و المصدر الثاني هو داود روبيني يهودي شرقي زار السودان 1521 و هبط أرض السودان في ميناء سواكن و سافر في قافلة مكونة من 3000 بعير و جهتها أرض كوش و لم يتضح لنا الطريق الذي اتخذته القافلة و لكن الأرجح هو الطريق التقليدي الى النيل في بربر أو ضواحيها و منها توغل في البلاد حتى حل على عمارة دونقس في مكان يدعى Lamul و لعلها لولو التي يذكرها الشيخ أحمد على أنها في الصعيد الأعلى و جنودها لهم نفوذ في سياسة دولة الفونج لأنهم حسب ما يبدو كانوا دعامة جيش عمارة الذي أسس به مملكته و ذكر أن الملك عمارة يقيم على النيل و من ذلك يتضح لنا أن عمارة في سنة 1521 كان ملكا مؤسسا لدولة إسلامية و أن مقره كان على ضفاف النيل .
تنقلات عمارة فى مملكته
كان عمارة اسود اللون حسب ما شاهده روبينى ويحكم السود والبيض و كان من عدته التنقل باستمرار في أرجاء مملكته , و بقي روبيني في صحبته نحوا من عشرة أشهر لم يقم الملك خلالها بل بقي في طواف مستمر , تحرسه موكبة من الفرسان تزيد عن الستين تحت إمرة ابي كامل و في كل مرحلة تبني الرواكيب للاستراحة , و في حاشية الملك عدد من الاشراف آل البيت , و يصف ما يملكه عمارة من الأبل و المواشي و الاغنام و يذكر وجود التبر في أرضه و حلى نسائه الذهبية . و يتضح لنا من هذا الوصف أمران: أولهما أن عمارة بسط نفوذه على أراضيه الشاسعة لتنقلاته و مروره على رعاياه بدلا من أن يقبع في موضع واحد و ثانيهما أن ظهور دولة إسلامية في مجاهل أفريقيا جذب إليه رهطا من رواد المسلمين و بعضهم كلن من آل البيت و بعضهم ادعى ذلك . و كان الملك يتلقاهم بالترحاب و التكريم و يحتمل أن روبيني نفسه ادعى الاسلام والنسبة لآل البيت و لا نجد تفسيرا لما كان يتمتع به من ترحيب و اكرام في السودان و خاصة من الملك غير ذلك.
روبيني يفارق عمارة
و من رواياته نستدل على أن روبيني شعر بأن أمره قد ينكشف حيث يذكر حضور شريف من مكة وعه كتاب و لعله يحوي الأنساب . أخبر هذا الشريف المكي الملك بأن روبيني دعى و دافع عن نفسه و لم يمسه الملك بسوء و لكنه صمم على مغادرة البلاد و سمح له الملك و أمده بخبير و فرسين و بعثه لأمين خزانته المقيم بسنار . وصلها بعد ثمانية أيام اجتاز خلالها حسب ما يروي أنهارا من الطين ولعله سافر في أخريات فصل الأ مطار . و لم يمكث إلا يوما واحدا على الأرجح في سنار و غادرها إلى سوبا بعد رحلة استغرقت خمسة أيام و وجدها خرابا , و من كانوا هناك يقيمون في رواكيب حولها. و بعد مسيرة عشرة أيام وصل مملكة آل جعل و هي تابعة لمملكة سوبا حسب ما يروى , و تحت حكم عمارة , و ملك آل جعل يدعى أبو عقرب . و في جبل أم علي كما يعتقد قابل زعيما كبيرا يسمى عبد الوهاب حيث مكث ستة أيام ولكنه استأنف سفره عندما حضر مبعوثون من مملكة سنار كنادين عبد الوهاب من الشاطىء المقابل حسب ما يروي روبيني بأن يبقى حتى تصله هدايا الملك من رقيق و إبل , و في الحال امتلأت قرب المياه و وضعت على ظهور الابل و رافقه عبد الوهاب نفسه عبر الصحراء حتى وصلوا دنقلة . و الغريب أنه لا يذكر انه مر على قرى و في هذا دلالة واضحة على أن مشيخة العبدلاب لم تؤسس بعد , و لنا رجعة لموضوعهم , و يؤكد لنا روبيني أن خراب سوبا و وجود مملكة جعل و أنها تابعة لسوبا و تحت إمرة عمارة . هل نستنتج من ذلك أن مملكة الجعليين حلت محل مملكة الابواب و عندما سقطت سوبا دانت المملكة لحكومة الفونج التي حلت محل سوبا؟ هناك إحتمال كبير .