صفحة 1 من 1

صورة الاسلام في الاعلام الغربي والارث الاستعماري

مرسل: الثلاثاء ديسمبر 25, 2012 11:22 pm
بواسطة فهد المحرج 80
في العامين الماضيين، أثارت الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية المسيئة للنبي عليه الصلاة والسلام، ثم ملاحظات بابا ‏الفاتيكان حول الإسلام عواصف غضب بين ملايين المسلمين في أرجاء العالم، ورافقتها تغطيات إعلامية كثيفة لأعمال ‏احتجاج، وآلاف المقالات والتحليلات التي حاولت تفسير الأحداث ودلالاتها على مستوى العلاقات بين العالم الإسلامي ‏والغرب، والبعد الديني والعقدي والثقافي في العلاقات الدولية، ودور الثورة الإعلامية والعولمة في إعطاء الأحداث قدراً ‏أكبر من البروز والاتساع عالمياً. ورأى البعض في الحالة تجسيدا لـ "حتمية" ما يسمى بصدام الحضارات، وتداعياته على ‏مستقبل السلم العالمي والتفاعل المنشود بين مكونات الإنسانية.‏

من ناحية أخرى، تفاوتت المواقف وردود الفعل في الغرب، بين مستنكر للعدوان على المقدسات ورموزها مطالبا بتوسيع ‏نطاق التفهم والتسامح لترسيخ تعددية حضارية كونية تحترم وتقبل الآخر؛ وبين مستهجن لرد فعل المسلمين باعتباره تعصباً ‏وتخلفاً وعجزاً عن اللحاق بقيم العالم الحديث.‏

لكن القليل من الجهد قد بذل نحو استجلاء الخلفيات التاريخية والمعرفية الغربية، والتي تبين السياقات الثقافية والسياسية ‏والإعلامية في الغرب، وتشكل الوعي والموقف الغربي تجاه الآخر، وتنعكس على صورة الإسلام في الإعلام والأدب ‏والفن. في هذا الصدد، نعود إلى رؤيتين لمفكرين عربيين، وهما تلقيان أضواء كاشفة على خلفيات هذه القضايا وتفسر آليات ‏إنتاجها التاريخية والموضوعية.‏

فالمفكر الراحل إدوارد سعيد يرى في الإرث الثقافي الاستشراقي الغربي -بتحيزاته الكامنة ضد الآخر وتمركزه حول ‏الذات- مصدرا هاما في تشكيل الوعي الغربي بالشرق؛ بل قام بـ "شرقنة وتنميط" الشرق، ونسج من إنشاء الرحالة ‏ودراسات المستشرقين وخبرات القناصل والمبشرين والتجار مخزوناً ضخماً من الإثارة والغرائب التي تأسست عليها ‏التمثلات والتعبيرات والصور الغربية عن الشرق في الأدب والفن ثم الإعلام.‏

أما المفكر عبدالوهاب المسيري فيرى أن الرؤية المعرفية الغربية ذات سمة إمبريالية كامنة في نظرتها للإنسان والطبيعة ‏والمقدس. فهي تميل إلى نزع القداسة عن الإنسان، بل تدعو إلى غزوه وتسخيره وإخضاعه دون اعتبار لأي معايير ‏أخلاقية، باستثناء القوة. وتتبنى هذه الرؤية المعرفية علمانية لا تفصل المؤسسة الدينية عن الدولة كما هو شائع، بل تعزل ‏القيم المطلقة (المعرفية والأخلاقية) عن الحياة. وتتماهى في هذا السياق الرؤية المعرفية العلمانية مع الرؤية المعرفية ‏الامبريالية، بحيث تصبح الامبريالية نقلا للمنظومة المعرفية والأخلاقية العلمانية من الغرب إلى العالم