منظور الفكر السياسي الغربي للمرأة
مرسل: الثلاثاء ديسمبر 25, 2012 11:50 pm
منظور الفكر السياسي الغربي للمرأة :
لا تزال قضية المرأة حتى يومنا هذا، من القضايا التي تثار حولها الكثير من الإشكاليات، وخاصة، في مجتمعاتنا التي تتأرجح بين العلمانية والإسلام، فعلى الرغم من القيمة الكبرى المترتبة على مساواة المرأة بالرجل، فإنها لم تتقدم خطوة واحدة عن نضالها الماضي! بل إن بعض المفكرين يرون أن هناك "ردة" في عالم المرأة التي تريد أن تجعل من نفسها - وبمحض اختيارها- حريماً تنزوي وراء الجدران.
والواقع أن هناك بعض القضايا اتفق عليها المفكرون وعلماء النفس، أولها: أن المرأة لا تولد امرأة، بل تصبح امرأة، وهي حقيقة، كشفت عنها الفلسفة الوجودية المعاصرة، و ترتب عنها قضية بالغة الأهمية، وهي أنه ليس هناك ما يسمى بطبيعة المرأة، فهذه الطبيعة يشكلها المجتمع مثلها مثل القوانين، والشرائع والقيم الأخلاقية، مما يذكرنا بالنزاع القديم بين السوفسطائيين من ناحية، وسقراط وأفلاطون وأرسطو من ناحية أخرى، حول "الطبيعة والعرف"، وهناك أيضاً،
سطوة العادات والتقاليد التي تنزاح عن "العقل" والمنطق - و تتجسد في مبدأ ظالم، ينظم العلاقات الاجتماعية القائمة بين الجنسين.
وفي كتاب النساء في الفكر السياسي الغربي تجيب "سوزان موللر أوكين" عن سؤالين مهمين، أولهما: ما إذا كان بإمكان الفلسفة السياسية في شكلها المتعارف عليه حالياً أن تشمل المرأة ضمن موضوعاتها على قدم المساواة مع الرجل. والسؤال الثاني، يدور حول ما يمكن أن نتعلمه بشأن تحليل كيفية تناول المرأة في الفلسفة السياسية بشأن اقتراع النساء السياسية، والرسمية والتي لم تؤد إلى المساواة الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسة الحقيقية بين الجنسين.
أ- أفلاطون والتراث اليوناني في كراهية المرأة :
تبدأ المؤلفة بالحديث عن أفلاطون الذي تعتبر أفكاره لغزاً محيراً "لا يقبل الحل" لأنه يذهب إلى أن جنس الأنثى خلق من أنفس الرجال الأشرار من ناحية،ومن ناحية أخرى يقترح تربية متساوية ودوراً اجتماعياً واحداً للجنسين! لكن أفلاطون في هذا يتفق تمام الاتفاق مع التراث اليوناني الذي كان يكنّ كراهية شديدة للمرأة. وينظر إليها باحتقار أشد!، وينبه إلى ضرورة استبعاد العنصر "النسائي" من
برنامج التربية، ويحذر من ترك الحراس يتشبهون بالنساء، وأفلاطون يصنف النساء مع العبيد والأطفال والأشرار، فكيف يمكن لنظرته هذه أن تتفق مع ما يقوله عن المساواة بين الرجل والمرأة؟. تجيب المؤلفة: المكان الوحيد في الفلسفة السياسية الذي تمَّ فيه ضمّ المرأة فعلاً على قدم المساواة مع الرجل كان في طبقة الحراس عند أفلاطون في "الجمهورية". ففي "الجمهورية" يؤدي إلغاء الجانب الشخصي من الحياة، وتنظيم النسل.. وجعل رعاية الأطفال وجميع الوظائف المحلية أموراً اجتماعية مشتركة، يؤدي ذلك كله، في طبقة الحراس من الرجال والنساء إلى تعليم واحد، وعمل واحد. ويتم تصور الفروق الطبيعية بين الرجل والمرأة في أضيق الحدود.كما يتم الحد من المهام التقليدية للمرأة، لتقتصر فقط على المجهودات الفيزيولوجية الخاصة بالحمل والرضاعة. وهكذا يصبح نساء طبقة الحراس في منزلة مساوية لخصائص الرجال في الوقت الذي يكون فيه الحديث عن "الحقوق" الفردية في سياق محاورة الجمهورية حديثاً لا معنى له. ومع ذلك فإن أفلاطون يؤمن بأنه لا بد من النظر إلى النساء - بغض النظر عن الظروف- على أنهن أدنى من الرجال من حيث العقل والفضيلة. وهذا ما يحيلنا إلى الإشارة، أن هناك هوة واضحة تفصل بين اتجاه أفلاطون العام، واتجاهه نحو المرأة ومعتقداته عنها، وهي هوة تعكس كثيراً من التراث اليوناني في كراهية
المرأة. والاقتراحات الراديكالية حول مسألة الحراس من النساء التي عرضها في كتابه الجمهورية.
وأشارت المؤلفة، أيضاً، إلى التناقض والاختلاف في رأي أفلاطون حول دور المرأة فنرى أن الملكية الخاصة والأسرة قد تمَّ إلغاؤهما في "الجمهورية" ثم أعيدتا في "محاورة القوانين". من هنا - حسب المؤلفة- فإن أفلاطون فشل في أن يصل مع هذه النتائج إلى نهايتها، ومن الواضح أن السبب هو إعادة الأسرة، ومن ثم إعادة دور الزوجة، فتحولت النساء وعادت إلى الوراء كملحق زائد، وملكية خاصة للرجال.
إن اللغز المحير عند أفلاطون قدّمه "روسو" في لمحة خاطفة تتلخص في أن أفلاطون بعد إلغائه للأسرة احتار في أمر المرأة: ماذا يفعل بها؟ فأحالها إلى رجل! والدليل على ذلك يتألف من ثلاث زوايا: الأولى أنه ظل يكره خصائص الأنثى ويحتقرها طوال محاورة الجمهورية، والثانية، أنه يشترط على المرأة "المسترجلة" التي سوف يساويها بالرجل - أن تتخلى عن كل ما يمت للأنثى بصلة، والثالثة، أنه عندما عادت الملكية في محاورة "القوانين" عادت معها الأسرة، ومن ثم عادت المرأة إلى وضعها الطبيعي الذي فرضه عليها المجتمع الأثيني.
ب- أرسطو و مكانة المرأة والطبيعة في عالم الوظائف :
إذا كان أفلاطون لخص وضع المرأة اليونانية، فإن أرسطو قنّن هذا الوضع عندما بذل جهده ليضع نظرية فلسفية عن المرأة يستمد دعامتها الأساسية من الميتافيزيقا، ثم راح يطبقها في ميدان البيولوجيا أولاً، والأخلاق والسياسة بعد ذلك ليثبت - فلسفياً- صحة الوضع المتدني للمرأة الذي وضعتها فيه العادات والتقاليد اليونانية. وبما أن نظرة أرسطو إلى المجتمع هي نظرة هيراركية صارمة أبوية بطرياركية وظيفية - فقد مكنته من "البرهنة" على أشياء حول طبقاته المختلفة باستنتاج فروض تفترض سلفاً ويدّعي أنه يبرهن عليها. ومن فروضه، أن الذكر المترف الحر هو أعلى الموجودات الفانية، و أن المرأة أدنى من الرجل على اعتبار الوظيفة التي تنجزها وصفاتها المناسبة التي تجلّت في المجتمع الأثيني. الذي حرمت فيه المرأة من أي امتياز، كما أنها كانت مقهورة تماماً -لأنه مجتمع سيطر عليه الرجل سيطرة كاملة فاعتبر المرأة عدواً له، وأملى عليها الفضائل التي من المفترض أن تتحلى بها.
إن أرسطو لم يهتم بدراسة خصائص المرأة أو صفاتها بمعزل عن هذا السياق. وبالرغم من معتقداته التي عبّر عنها في قدرة البيئة على تشكيلها - لم يعد يهتم
بتطبيق هذه المعتقدات على النساء- أكثر من تطبيقها على العبيد. إن أرسطو في الواقع لم يهتم إلا بالرجل الحر المترف، فهو الصورة والمرأة هي الهيولى، ولهذا يقتصر دورها على إنجاب الأطفال ورعايتهم، والإشراف على الأعمال المنزلية، وأداء الواجبات نحو الزوج..!
وتأتي خطورة نظرية أرسطو عن المرأة من أنها ترددت بعد ذلك بكثرة في تراثنا العربي، ربما لأنها وجدت أرضاً خصبة مهيأة لتقبلها بما تحتوي عليه من آراء مماثلة لا ينقصها سوى التنظير!.
ج- روسو ما بين التراث الأبوي والمساواة والحرية :
أما "روسو" فيواصل نظرة التراث الغربي إلى النساء - رغم مخالفتها للمبادئ الرئيسة في الأخلاق ونظريته الاجتماعية، فالمرأة مزودة بمواهب الجزئيات، والأمور الثانوية - ناقصة وعاجزة تماماً عن التفكير المجرد. ويجعلها موضوعاً جنسياً للرجل، ولهذا فهي لا بد أن تكون مغرية ومثيرة في آن معاً، بعيدة عن الخوف الجنسي مع السيطرة على رغباتها اللامحدودة، ومن هنا، جاءت دعوته للمرأة أن تكون مرغوبة وعفيفة معاً، أي أن تقوم بدور " دكتور جيكل ومستر هايد"
على حد تعبير المؤلفة! وعلى هذا الأساس، يجعل روسو السيطرة المطلقة للأزواج على زوجاتهم بحيث تنحصر النساء داخل جدران المنزل عقب الزواج، مع الرغبة في فصل الجنسين وانعزالهما حتى داخل المنزل!! كما يقترح تربية أخلاقية للنساء - في كتابه "إميل"- هي الضد المباشر لما اقترحه من تربية أخلاقية للرجال. فكانت دعوته للمساواة تقتصر على المساواة بين الرجال فقط. أما كلامه في بداية كتابه "العقد الاجتماعي" عن أن الإنسان يولد حراً، مع أنه يراه مكبلاً بالأغلال .....، فإن هذا الحديث ينصب على الرجل دون المرأة التي ولدت لتكون مكبلة بأغلال الرجل وقيوده!!؟.
د- جون استيورات مل النصير الليبرالي :
لم يبدأ إنصاف المرأة إلا مع الفيلسوف "مل" الذي دعا إلى مساواة الرجل والمرأة في كتابيه "مذهب المنفعة العامة" ، و"الحرية". ثم أفرد كتاباً خاصاً لقضية المرأة جعل عنوانه "استعباد النساء". أعلن فيه إدانته للمبدأ الذي ينظم العلاقات الاجتماعية القائمة بين الجنسين، و كشف عن رأيه في أن صعوبة المشكلة تكمن فيما يحيط بها من مشاعر وعواطف وانفعالات. وبالرغم من أن أفكار "مل"
الراديكالية عن النساء كانت غريبة في منتصف القرن التاسع عشر عن جو الأفكار بصفة عامة، فمن السهل أن نجدها مثيرة لتطور قناعاته المؤيدة لقضية المرأة ضمن جماعات متعددة من المفكرين الذين كان على اتصال بهم إبان سنوات تكوينه، من أمثال: أصحاب مذهب المنفعة العامة، والنقابات الاشتراكية المبكرة، وأتباع سان سيمون، وفوريه، والراديكاليين النفعيين. كما كان على اتصال بعدد من النساء الذين تتناقض قدراتهم بقوة مع الأنماط الرتيبة من النساء المعاصرات، و كانت له علاقة حميمة وطويلة مع امرأة عانت على نحو مباشر من نتائج التفرقة والتمييز لجنسها، لا سيما، في صورة قوانين الزواج، وحجب فرص التربية والتعليم.
وفي كتابه عن "الحرية" يتجنب "مل" أي لجوء إلى "الحق المجرد كشيء مستقل عن المنفعة". وهو يشعر في "استعباد النساء" أنه مضطر للرد على أولئك الذين ربما اتهموه بالدفاع عن "ثورة اجتماعية باسم الحق المجرد". وعلى الرغم من احتجاجه على الحقوق الطبيعية، فإنه يقترب جداً ليصبح أشبه بمنظر لهذه الحقوق، بدلاً من أن يكون فيلسوفاً نفعياً بسيطاً، فهو مثلاً يشير إلى أنه ليس من الإنصاف، ولا من الأخلاق أن ننكر حق النساء في المساواة في اختيار العمل الذين يقمن به (ما لم يكن فيه إضرار بالآخرين تبعاً لما يفضلنه على مسؤوليتهن).
وفضلاً عن ذلك، فإن "مل" يوافق على القسمة التقليدية للعمل داخل الأسرة، ويؤكد أن النساء ينبغي أن يكون لهن اختيار حقيقي في الاتجاه نحو العمل أو نحو الزواج.
حاول جون استيورات مل أن يطبق، بحماس مبادئ الليبرالية على النساء، وأراد –بصفة خاصة- أن يتجنب البطرياركية داخل الأسرة، وكذلك التبعية السياسية والقانونية للنساء، وتلك كانت مفارقة تاريخية في العصر الحديث، وانتهاكاً صارخاً للحرية والعدالة، وعلى الرغم من أن نظرته، كانت نظرة مستقبلية تطلعية لتأييد النساء من جوانب كثيرة، فإنه لم يدرك على الإطلاق الظلم المتضمن في مؤسسات وممارسات سمحت للرجل أن يكون له استقلال اقتصادي ووظيفي وحياة منزلية وأطفال. لكنها أرغمت المرأة على أن تختار بين الاثنين، ورفضه لمناقشة الأسرة التقليدية، وما تتطلبه من النساء يضع حداً لـ"لبراليته في الدفاع عن قضية المرأة".
هـ- المذهب الوظيفي، وقضية المرأة والأسرة
تشير المؤلفة إلى أن المذهب الوظيفي للمرأة ظل مرتبطاً "بطبيعة المرأة" التي استخدمت على مر التاريخ، وحتى يومنا هذا لتبرير بقاء المرأة في مكانة غير
متساوية مع الرجل، سياسياً، واجتماعياً، واقتصادياً. والواضح من خلال الحجج المعقدة التي عبّر عنها الفلاسفة وحتى الباحثين النابغين، وقضاة المحكمة العليا في القرن العشرين، أن طبيعة المرأة قد تمَّ وصفها وصفاً تفصيلياً وفقاً للمهام التي قامت بها في عالم كان للرجل فيه اليد الطولى، وخاصة في نطاق الأسرة، والتي أصبحت محددة بما يتلاءم مع ما تمليه الطبيعة. وذلك بسبب الأدوار المبنية على الجنس في إطارها. ولما كانت النظم السياسية، والقوانين، والمؤسسات، وعمليات التنشئة الاجتماعية، قد تبنت ذلك، فإن ذلك أدى إلى إعاقة المرأة كإنسان وشلّ حركتها. وعجزت شخصيات من كلا الجنسين عن تطوير شخصيتها وإمكاناتها بحرية.
إن من يدرك اليوم الصفات المتفق عليها في النساء، ومن أدرك خصائص النساء في القرن الرابع قبل الميلاد، أو في أي وقت آخر، على أنها "طبيعة المرأة"، هؤلاء جميعاً رفضوا الاعتراف بأن شخصية المرأة كانت نتاجاً للمجتمع، أو أنها على أقل تقدير قد شكلّتها المجتمعات التي عاشت فيها والتي كان الرجل هو المتحكم الأول فيها. وكما أدرك أفلاطون قديماً وجون استيورات مل حديثاً، أنه لا أحد يعرف طبيعة المرأة، واختلافها عن الرجل، ولن يستطيع أحد أن يعرف ذلك حتى يستطيع كل من الرجل والمرأة النمو والترقي، وذلك في غياب أي تفرقة بين الجنسين خلال عملية التنشئة.
إن التطور التكنولوجي والاقتصادي وصل بنا إلى نقطة تمكننا من الاستغناء عن الأدوار الجنسية تماماً باستثناء، حرية اختيار المرأة لممارسة قدرتها الإنجابية. فالنساء اليوم (حسب المؤلفة) في موقف يناظر من ناحية مهمة موقف الحراس في "جمهورية" أفلاطون بتقييد عملية الإنجاب للحراس. وبدورنا نؤيد رأي المؤلفة في ضرورة معاملة النساء من جميع الجوانب: السياسية والاجتماعية والاقتصادية - على أنهن مساويات للرجال. ولا يمكن أن تصل النساء إلى هذه المساواة، إلا إذا مات المفهوم الوظيفي لجنس النساء!!؟.(11)
الخلاصة :
الاسلام منذ ان عرف وهو ينصف المرأة ويحمي حقوقها سواء كعاملة او كزوجة
ايا كان موقعها في المجتمع , فهو لم يساوي الرجل بالمرأة ولم يحتقر احدهما
دون الاخر بل جعل لكل منهما اسقلاليته عن الاخر الا في امور قد جبل احدهما
على ان يكون الافضل فيها فالمرأة مثلا اقدر من الرجل في الواجبات المنزلية واما
الرجل فهو اقدر منها على العمل والكدح لتوفير معيشة كريمة للاسرة , اذا
الاسلام حافظ على حقوق الجنسين دون اجحاف بحقوق احدهما ودون التقليل من احدهما .
لا تزال قضية المرأة حتى يومنا هذا، من القضايا التي تثار حولها الكثير من الإشكاليات، وخاصة، في مجتمعاتنا التي تتأرجح بين العلمانية والإسلام، فعلى الرغم من القيمة الكبرى المترتبة على مساواة المرأة بالرجل، فإنها لم تتقدم خطوة واحدة عن نضالها الماضي! بل إن بعض المفكرين يرون أن هناك "ردة" في عالم المرأة التي تريد أن تجعل من نفسها - وبمحض اختيارها- حريماً تنزوي وراء الجدران.
والواقع أن هناك بعض القضايا اتفق عليها المفكرون وعلماء النفس، أولها: أن المرأة لا تولد امرأة، بل تصبح امرأة، وهي حقيقة، كشفت عنها الفلسفة الوجودية المعاصرة، و ترتب عنها قضية بالغة الأهمية، وهي أنه ليس هناك ما يسمى بطبيعة المرأة، فهذه الطبيعة يشكلها المجتمع مثلها مثل القوانين، والشرائع والقيم الأخلاقية، مما يذكرنا بالنزاع القديم بين السوفسطائيين من ناحية، وسقراط وأفلاطون وأرسطو من ناحية أخرى، حول "الطبيعة والعرف"، وهناك أيضاً،
سطوة العادات والتقاليد التي تنزاح عن "العقل" والمنطق - و تتجسد في مبدأ ظالم، ينظم العلاقات الاجتماعية القائمة بين الجنسين.
وفي كتاب النساء في الفكر السياسي الغربي تجيب "سوزان موللر أوكين" عن سؤالين مهمين، أولهما: ما إذا كان بإمكان الفلسفة السياسية في شكلها المتعارف عليه حالياً أن تشمل المرأة ضمن موضوعاتها على قدم المساواة مع الرجل. والسؤال الثاني، يدور حول ما يمكن أن نتعلمه بشأن تحليل كيفية تناول المرأة في الفلسفة السياسية بشأن اقتراع النساء السياسية، والرسمية والتي لم تؤد إلى المساواة الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسة الحقيقية بين الجنسين.
أ- أفلاطون والتراث اليوناني في كراهية المرأة :
تبدأ المؤلفة بالحديث عن أفلاطون الذي تعتبر أفكاره لغزاً محيراً "لا يقبل الحل" لأنه يذهب إلى أن جنس الأنثى خلق من أنفس الرجال الأشرار من ناحية،ومن ناحية أخرى يقترح تربية متساوية ودوراً اجتماعياً واحداً للجنسين! لكن أفلاطون في هذا يتفق تمام الاتفاق مع التراث اليوناني الذي كان يكنّ كراهية شديدة للمرأة. وينظر إليها باحتقار أشد!، وينبه إلى ضرورة استبعاد العنصر "النسائي" من
برنامج التربية، ويحذر من ترك الحراس يتشبهون بالنساء، وأفلاطون يصنف النساء مع العبيد والأطفال والأشرار، فكيف يمكن لنظرته هذه أن تتفق مع ما يقوله عن المساواة بين الرجل والمرأة؟. تجيب المؤلفة: المكان الوحيد في الفلسفة السياسية الذي تمَّ فيه ضمّ المرأة فعلاً على قدم المساواة مع الرجل كان في طبقة الحراس عند أفلاطون في "الجمهورية". ففي "الجمهورية" يؤدي إلغاء الجانب الشخصي من الحياة، وتنظيم النسل.. وجعل رعاية الأطفال وجميع الوظائف المحلية أموراً اجتماعية مشتركة، يؤدي ذلك كله، في طبقة الحراس من الرجال والنساء إلى تعليم واحد، وعمل واحد. ويتم تصور الفروق الطبيعية بين الرجل والمرأة في أضيق الحدود.كما يتم الحد من المهام التقليدية للمرأة، لتقتصر فقط على المجهودات الفيزيولوجية الخاصة بالحمل والرضاعة. وهكذا يصبح نساء طبقة الحراس في منزلة مساوية لخصائص الرجال في الوقت الذي يكون فيه الحديث عن "الحقوق" الفردية في سياق محاورة الجمهورية حديثاً لا معنى له. ومع ذلك فإن أفلاطون يؤمن بأنه لا بد من النظر إلى النساء - بغض النظر عن الظروف- على أنهن أدنى من الرجال من حيث العقل والفضيلة. وهذا ما يحيلنا إلى الإشارة، أن هناك هوة واضحة تفصل بين اتجاه أفلاطون العام، واتجاهه نحو المرأة ومعتقداته عنها، وهي هوة تعكس كثيراً من التراث اليوناني في كراهية
المرأة. والاقتراحات الراديكالية حول مسألة الحراس من النساء التي عرضها في كتابه الجمهورية.
وأشارت المؤلفة، أيضاً، إلى التناقض والاختلاف في رأي أفلاطون حول دور المرأة فنرى أن الملكية الخاصة والأسرة قد تمَّ إلغاؤهما في "الجمهورية" ثم أعيدتا في "محاورة القوانين". من هنا - حسب المؤلفة- فإن أفلاطون فشل في أن يصل مع هذه النتائج إلى نهايتها، ومن الواضح أن السبب هو إعادة الأسرة، ومن ثم إعادة دور الزوجة، فتحولت النساء وعادت إلى الوراء كملحق زائد، وملكية خاصة للرجال.
إن اللغز المحير عند أفلاطون قدّمه "روسو" في لمحة خاطفة تتلخص في أن أفلاطون بعد إلغائه للأسرة احتار في أمر المرأة: ماذا يفعل بها؟ فأحالها إلى رجل! والدليل على ذلك يتألف من ثلاث زوايا: الأولى أنه ظل يكره خصائص الأنثى ويحتقرها طوال محاورة الجمهورية، والثانية، أنه يشترط على المرأة "المسترجلة" التي سوف يساويها بالرجل - أن تتخلى عن كل ما يمت للأنثى بصلة، والثالثة، أنه عندما عادت الملكية في محاورة "القوانين" عادت معها الأسرة، ومن ثم عادت المرأة إلى وضعها الطبيعي الذي فرضه عليها المجتمع الأثيني.
ب- أرسطو و مكانة المرأة والطبيعة في عالم الوظائف :
إذا كان أفلاطون لخص وضع المرأة اليونانية، فإن أرسطو قنّن هذا الوضع عندما بذل جهده ليضع نظرية فلسفية عن المرأة يستمد دعامتها الأساسية من الميتافيزيقا، ثم راح يطبقها في ميدان البيولوجيا أولاً، والأخلاق والسياسة بعد ذلك ليثبت - فلسفياً- صحة الوضع المتدني للمرأة الذي وضعتها فيه العادات والتقاليد اليونانية. وبما أن نظرة أرسطو إلى المجتمع هي نظرة هيراركية صارمة أبوية بطرياركية وظيفية - فقد مكنته من "البرهنة" على أشياء حول طبقاته المختلفة باستنتاج فروض تفترض سلفاً ويدّعي أنه يبرهن عليها. ومن فروضه، أن الذكر المترف الحر هو أعلى الموجودات الفانية، و أن المرأة أدنى من الرجل على اعتبار الوظيفة التي تنجزها وصفاتها المناسبة التي تجلّت في المجتمع الأثيني. الذي حرمت فيه المرأة من أي امتياز، كما أنها كانت مقهورة تماماً -لأنه مجتمع سيطر عليه الرجل سيطرة كاملة فاعتبر المرأة عدواً له، وأملى عليها الفضائل التي من المفترض أن تتحلى بها.
إن أرسطو لم يهتم بدراسة خصائص المرأة أو صفاتها بمعزل عن هذا السياق. وبالرغم من معتقداته التي عبّر عنها في قدرة البيئة على تشكيلها - لم يعد يهتم
بتطبيق هذه المعتقدات على النساء- أكثر من تطبيقها على العبيد. إن أرسطو في الواقع لم يهتم إلا بالرجل الحر المترف، فهو الصورة والمرأة هي الهيولى، ولهذا يقتصر دورها على إنجاب الأطفال ورعايتهم، والإشراف على الأعمال المنزلية، وأداء الواجبات نحو الزوج..!
وتأتي خطورة نظرية أرسطو عن المرأة من أنها ترددت بعد ذلك بكثرة في تراثنا العربي، ربما لأنها وجدت أرضاً خصبة مهيأة لتقبلها بما تحتوي عليه من آراء مماثلة لا ينقصها سوى التنظير!.
ج- روسو ما بين التراث الأبوي والمساواة والحرية :
أما "روسو" فيواصل نظرة التراث الغربي إلى النساء - رغم مخالفتها للمبادئ الرئيسة في الأخلاق ونظريته الاجتماعية، فالمرأة مزودة بمواهب الجزئيات، والأمور الثانوية - ناقصة وعاجزة تماماً عن التفكير المجرد. ويجعلها موضوعاً جنسياً للرجل، ولهذا فهي لا بد أن تكون مغرية ومثيرة في آن معاً، بعيدة عن الخوف الجنسي مع السيطرة على رغباتها اللامحدودة، ومن هنا، جاءت دعوته للمرأة أن تكون مرغوبة وعفيفة معاً، أي أن تقوم بدور " دكتور جيكل ومستر هايد"
على حد تعبير المؤلفة! وعلى هذا الأساس، يجعل روسو السيطرة المطلقة للأزواج على زوجاتهم بحيث تنحصر النساء داخل جدران المنزل عقب الزواج، مع الرغبة في فصل الجنسين وانعزالهما حتى داخل المنزل!! كما يقترح تربية أخلاقية للنساء - في كتابه "إميل"- هي الضد المباشر لما اقترحه من تربية أخلاقية للرجال. فكانت دعوته للمساواة تقتصر على المساواة بين الرجال فقط. أما كلامه في بداية كتابه "العقد الاجتماعي" عن أن الإنسان يولد حراً، مع أنه يراه مكبلاً بالأغلال .....، فإن هذا الحديث ينصب على الرجل دون المرأة التي ولدت لتكون مكبلة بأغلال الرجل وقيوده!!؟.
د- جون استيورات مل النصير الليبرالي :
لم يبدأ إنصاف المرأة إلا مع الفيلسوف "مل" الذي دعا إلى مساواة الرجل والمرأة في كتابيه "مذهب المنفعة العامة" ، و"الحرية". ثم أفرد كتاباً خاصاً لقضية المرأة جعل عنوانه "استعباد النساء". أعلن فيه إدانته للمبدأ الذي ينظم العلاقات الاجتماعية القائمة بين الجنسين، و كشف عن رأيه في أن صعوبة المشكلة تكمن فيما يحيط بها من مشاعر وعواطف وانفعالات. وبالرغم من أن أفكار "مل"
الراديكالية عن النساء كانت غريبة في منتصف القرن التاسع عشر عن جو الأفكار بصفة عامة، فمن السهل أن نجدها مثيرة لتطور قناعاته المؤيدة لقضية المرأة ضمن جماعات متعددة من المفكرين الذين كان على اتصال بهم إبان سنوات تكوينه، من أمثال: أصحاب مذهب المنفعة العامة، والنقابات الاشتراكية المبكرة، وأتباع سان سيمون، وفوريه، والراديكاليين النفعيين. كما كان على اتصال بعدد من النساء الذين تتناقض قدراتهم بقوة مع الأنماط الرتيبة من النساء المعاصرات، و كانت له علاقة حميمة وطويلة مع امرأة عانت على نحو مباشر من نتائج التفرقة والتمييز لجنسها، لا سيما، في صورة قوانين الزواج، وحجب فرص التربية والتعليم.
وفي كتابه عن "الحرية" يتجنب "مل" أي لجوء إلى "الحق المجرد كشيء مستقل عن المنفعة". وهو يشعر في "استعباد النساء" أنه مضطر للرد على أولئك الذين ربما اتهموه بالدفاع عن "ثورة اجتماعية باسم الحق المجرد". وعلى الرغم من احتجاجه على الحقوق الطبيعية، فإنه يقترب جداً ليصبح أشبه بمنظر لهذه الحقوق، بدلاً من أن يكون فيلسوفاً نفعياً بسيطاً، فهو مثلاً يشير إلى أنه ليس من الإنصاف، ولا من الأخلاق أن ننكر حق النساء في المساواة في اختيار العمل الذين يقمن به (ما لم يكن فيه إضرار بالآخرين تبعاً لما يفضلنه على مسؤوليتهن).
وفضلاً عن ذلك، فإن "مل" يوافق على القسمة التقليدية للعمل داخل الأسرة، ويؤكد أن النساء ينبغي أن يكون لهن اختيار حقيقي في الاتجاه نحو العمل أو نحو الزواج.
حاول جون استيورات مل أن يطبق، بحماس مبادئ الليبرالية على النساء، وأراد –بصفة خاصة- أن يتجنب البطرياركية داخل الأسرة، وكذلك التبعية السياسية والقانونية للنساء، وتلك كانت مفارقة تاريخية في العصر الحديث، وانتهاكاً صارخاً للحرية والعدالة، وعلى الرغم من أن نظرته، كانت نظرة مستقبلية تطلعية لتأييد النساء من جوانب كثيرة، فإنه لم يدرك على الإطلاق الظلم المتضمن في مؤسسات وممارسات سمحت للرجل أن يكون له استقلال اقتصادي ووظيفي وحياة منزلية وأطفال. لكنها أرغمت المرأة على أن تختار بين الاثنين، ورفضه لمناقشة الأسرة التقليدية، وما تتطلبه من النساء يضع حداً لـ"لبراليته في الدفاع عن قضية المرأة".
هـ- المذهب الوظيفي، وقضية المرأة والأسرة
تشير المؤلفة إلى أن المذهب الوظيفي للمرأة ظل مرتبطاً "بطبيعة المرأة" التي استخدمت على مر التاريخ، وحتى يومنا هذا لتبرير بقاء المرأة في مكانة غير
متساوية مع الرجل، سياسياً، واجتماعياً، واقتصادياً. والواضح من خلال الحجج المعقدة التي عبّر عنها الفلاسفة وحتى الباحثين النابغين، وقضاة المحكمة العليا في القرن العشرين، أن طبيعة المرأة قد تمَّ وصفها وصفاً تفصيلياً وفقاً للمهام التي قامت بها في عالم كان للرجل فيه اليد الطولى، وخاصة في نطاق الأسرة، والتي أصبحت محددة بما يتلاءم مع ما تمليه الطبيعة. وذلك بسبب الأدوار المبنية على الجنس في إطارها. ولما كانت النظم السياسية، والقوانين، والمؤسسات، وعمليات التنشئة الاجتماعية، قد تبنت ذلك، فإن ذلك أدى إلى إعاقة المرأة كإنسان وشلّ حركتها. وعجزت شخصيات من كلا الجنسين عن تطوير شخصيتها وإمكاناتها بحرية.
إن من يدرك اليوم الصفات المتفق عليها في النساء، ومن أدرك خصائص النساء في القرن الرابع قبل الميلاد، أو في أي وقت آخر، على أنها "طبيعة المرأة"، هؤلاء جميعاً رفضوا الاعتراف بأن شخصية المرأة كانت نتاجاً للمجتمع، أو أنها على أقل تقدير قد شكلّتها المجتمعات التي عاشت فيها والتي كان الرجل هو المتحكم الأول فيها. وكما أدرك أفلاطون قديماً وجون استيورات مل حديثاً، أنه لا أحد يعرف طبيعة المرأة، واختلافها عن الرجل، ولن يستطيع أحد أن يعرف ذلك حتى يستطيع كل من الرجل والمرأة النمو والترقي، وذلك في غياب أي تفرقة بين الجنسين خلال عملية التنشئة.
إن التطور التكنولوجي والاقتصادي وصل بنا إلى نقطة تمكننا من الاستغناء عن الأدوار الجنسية تماماً باستثناء، حرية اختيار المرأة لممارسة قدرتها الإنجابية. فالنساء اليوم (حسب المؤلفة) في موقف يناظر من ناحية مهمة موقف الحراس في "جمهورية" أفلاطون بتقييد عملية الإنجاب للحراس. وبدورنا نؤيد رأي المؤلفة في ضرورة معاملة النساء من جميع الجوانب: السياسية والاجتماعية والاقتصادية - على أنهن مساويات للرجال. ولا يمكن أن تصل النساء إلى هذه المساواة، إلا إذا مات المفهوم الوظيفي لجنس النساء!!؟.(11)
الخلاصة :
الاسلام منذ ان عرف وهو ينصف المرأة ويحمي حقوقها سواء كعاملة او كزوجة
ايا كان موقعها في المجتمع , فهو لم يساوي الرجل بالمرأة ولم يحتقر احدهما
دون الاخر بل جعل لكل منهما اسقلاليته عن الاخر الا في امور قد جبل احدهما
على ان يكون الافضل فيها فالمرأة مثلا اقدر من الرجل في الواجبات المنزلية واما
الرجل فهو اقدر منها على العمل والكدح لتوفير معيشة كريمة للاسرة , اذا
الاسلام حافظ على حقوق الجنسين دون اجحاف بحقوق احدهما ودون التقليل من احدهما .