صفحة 1 من 1

هارون الرشيد ( العصر الاسلامي الذهبي )

مرسل: الأحد فبراير 24, 2013 7:11 pm
بواسطة فيصل القحطاني 3
هارون الرشيد بن محمد المهدي هو الخليفة العباسي الخامس، يعتبر من أشهر الخلفاء العباسيين.حكم بين عامي 786 و809 م.ولد (حوالي سنة 763م في مدينة الري وتوفي سنة 809م في مدينة طوس (مشهد اليوم).وهو أكثر الخلفاء العباسيين ذكرا في المصادر الأجنبية كالحوليات الألمانية على عهد الامبراطور شارلمان التي ذكرته باسم Aron، والحوليات الهندية والصينية التي ذكرته باسم Alun, أما المصادر العربية فقد أفاضت الكلام عنه حيث صور بالخليفة الورع المتدين الذي تسيل عبراته عند سماع الموعظة والمجاهد الذي أمضى معظم حياته بين حج وغزو, فكان يحج عاما ويغزو عاما, وانه أول خليفة عباسي قاد الغزو بنفسه, وقد نقل ابن خلكان أن الرشيد قد حجّ تسع مرّات وكان يصلي في اليوم مائة ركعة,[2] كذلك كان يصور بصورة الخليفة الحذر الذي يبث عيونه وجواسيسه بين الناس ليعرف أمورهم وأحوالهم, بل كان أحيانا يطوف بنفسه متنكرا في الأسواق والمجالس ليعرف ما يقال فيها، ويعتبر عصره العصر الإسلامي الذهبي.[3]
هارون الرشيد هو ابن الخليفة محمد المهدي من زوجته الخيزران بنت عطاء التي كان لها نفوذ كبير في الدولة, ولد هارون في مدينة الري سنة 763م كان والده واليا على المدينة, نشأ في صباه مع أخيه موسى الهادي في بغداد وعاش في قصر الخلافة في رعاية جده عاما قبل أن تنتقل أسرته إلى قصرها الجديد قرب الرصافة في الجانب الشرقي من مدينة بغداد,[4]أشرفت على تربيته اسرة البرامكة الفارسية[5] التي كان لها روابط وثيقة بأسرة الخلافة وعائلة المهدي, وتلقى تعليمه على يد العالم علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي الكوفي عالم النحو المعروف بالكسائي الذي ظل معه حتى وفاته ثم صار أيضا معلما للأمين ابن الرشيد كما تولى تربيته وتعليمه أيضا المعلم المفضل الضبي الذي صنف للمهدي كتاب "المفضليات" [4] وفي عام 158 هـ توفي أبو جعفر المنصور وأصبح المهدي في منصب الخلافة ودفع بابنه هارون للتدرب على الفروسية والرمي وفنون القتال, وعندما أصبح هارون شابا يافعا عينه والده قائدا في الجيش الذي يضم العديد من القواد الكبار وأمراء الدولة وكان عمر هارون وقتها لا يتجاوز الخمس عشر عاما, وخرج الجيش عام 163 هـ إلى أراضي الروم وتوغل فيها وأظهر هارون براعة في قيادته وحاصر قلعة رومية اسمها "سمالوا" ثمانية وثلاثين يوما حتى انتها الأمر بفتحها, وعاد الرشيد بالجيش سالما محملا بالغنائم فاستقبله أهل بغداد وكافأه المهدي بتوليته بلاد المغرب وأذربيجان وأرمينية[6]، لكنه اشتهر بشهرة كبيرة بين الأوساط الشعبية وذلك بعد الحملة العسكرية التي قادها ضد الامبرطورة البيزنطية ايرين ووصل فيها إلى أبواب القسطنطينية, وفي خلال هذا الوقت تزوج هارون ابنة عمه زبيدة بنت جعفر والتي أنجب منها هارون ولده محمد الأمين, أما ابنه الثاني عبد الله المأمون فقد ولد من جارية فارسية اسمها مراجل.[5] وعاد هارون من تلك الغزوة إلى بغداد وقد فرح المهدي بانتصار ابنه وأطلق عليه لقب الرشيد وأخذ له البيعة كولي للعهد بعد أخيه الأكبر موسى الهادي فأصبح هارون الرشيد ولي العهد الثاني[


توليه الخلافة :



بويع الرشيد بالخلافة في (14 ربيع الأول 170هـ/14 سبتمبر 786م)، بعد وفاة أخيه موسى الهادي، وكانت الدولة العباسية حين آلت خلافتها إليه مترامية الأطراف متباعدة تمتد من وسط آسيا حتى المحيط الأطلسي، معرضة لظهور الفتن والثورات، تحتاج إلى قيادة حكيمة وحاسمة يفرض سلطانها الأمن والسلام، وتنهض سياستها بالبلاد، وكان الرشيد أهلاً لهذه المهمة الصعبة في وقت كانت فيه وسائل الاتصال صعبة، ومتابعة الأمور شاقة.

تولية الحكم بتولي الرشيد الحكم بدأ عصر زاهر كان واسطة العقد في تاريخ الدولة العباسية التي دامت أكثر من خمسة قرون، إرتقت فيه العلوم، وسمت الفنون والآداب، وعمَّ الرخاء ربوع الدولة الإسلامية. ولقد أمسك هارون الرشيد بزمام هذه الدولة وهو في نحو الثانية والعشرين من عمرهِ، فأخذ بيدها إلى ما أبهر الناس من مجدها وقوتها وأزدهار حضارتها.
أصدر الرشيد عند توليه الخلافة عفوا عاما أمن كل من كان هاربا أو مستخفيا عدا بعض الزنادقة.[8]
كما استعمل الرقة عاصمة لهُ بين عامي 799و800
وأنشأ بمايعرف ببيت الحكمة في بغداد[9] وزودها بأعداد كبيرة من الكتب والمؤلفات من مختلف بقاع الأرض. وكانت تضم غرفًا عديدة تمتد بينها أروقة طويلة، وخُصصت بعضها للكتب، وبعضها للمحاضرات، وبعضها الآخر للناسخين والمترجمين والمجلدين. كما تمت في عهده أول ترجمة إلى العربية لأشهر كتاب علمي عرف في التاريخ وهو "كتاب الأصول (الأركان) في الهندسة والعدد لإقليدس [9]، وتطورت العلوم خصوصًا الفيزياء الفلكية والتقنية، وابتكرت عدد من الاختراعات كالساعة المائية.[2] كما أنشيء في عهده أول مصنع للورق ببغداد سنة 795م وصار سوق الوراقين لاحقا الذي يضم مئات الحوانيت التي تبيع السلع الورقية الفاخرة مفخرة عاصمة العباسيين وكان ورق بغداد يقدر تقديرا عاليا في المنطقة حتى ان بعض المصادر البيزنطية تسمي الورق بصحف بغداد (Bagdatixon) في ربط مباشر بينه وبين مدينة بغداد[10]
اهتم هارون الرشيد بالإصلاحات الداخلية فبنى المساجد الكبيرة والقصور الفخمة وفي عهده استعملت القناديل لأول مرة في إضاءة الطرقات والمساجد. اعتنى الرشيد أيضًا بالزراعة ومأسسة نظامها، فبنت حكومته الجسور والقناطر الكبيرة وحفرت الترع والجداول الموصلة بين الأنهار، وأسس ديوانًا خاصًا للإشراف على تنفيذ تلك الأعمال الإصلاحية، ومن أعماله أيضًا تشجيع التبادل التجاري بين الولايات وحراسة طرق التجارة بين المدن، وقد شيّد مدينة الواقفة قرب مدينة الرقة على ضفاف الفرات لتكون مقرًا صيفيًا لحكمه.[2]

و غدت بغداد قبلة طلاب العلم من جميع البلاد، يرحلون إليها حيث كبار الفقهاء والمحدثين والقراء واللغويين، وكانت المساجد الجامعة تحتضن دروسهم وحلقاتهم العلمية التي كان كثير منها أشبه بالمدارس العليا، من حيث غزارة العلم، ودقة التخصص، وحرية الرأى والمناقشة، وثراء الجدل والحوار. كما جذبت المدينة الأطباء والمهندسين وسائر الصناع. وكان الرشيد نفسه يميل إلى أهل الأدب والفقه والعلم، حتى ذاع صيت الرشيد وطبق الآفاق ذكره، وأرسلت بلاد الهند والصين وأوروبا رسلها إلى بلاطهِ تخطب وده، وتطلب صداقته.