منتديات الحوار الجامعية السياسية

الوقائع و الأحداث التاريخية
#59959
المقال الرئيسي: الثورة البوهيمية
كان الإمبراطور الروماني ماتياس بلا بنين أو حفدة، ولذا أراد التأكد من انتقال الملك من بعده إلى وريثه الشرعي فرديناند الستيرياوي (نسبة إلى ستيريا) والذي تولى حكم الإمبراطورية الرومانية لاحقا. قام ماتياس بتعيين فرديناند واليا له على إقليمي المجر وبوهيميا.
كان فرديناند كاثوليكيا متعصبا، وأدى تعيينه على بوهيميا إلى تخوف قيادات المذهب البروتسنتي في ذلك الإقليم من فقدان حقوقهم الدينية التي منحت لهم من قبل الإمبراطور رودولف الثاني في الوثيقة المسماة "رسالة الفخامة" ومنحت لهم كذلك من قبل فريدريك الخامس البروتستانتي حاكم البلاتين المنتخب وخليفة فريدريك الرابع مؤسس العصبة الإيفانجيلية (الاتحاد الإنجيلي). بالمقابل، قام عدد كبير من البوهيميين البروتستانت بدعم تواجد القوات الكاثوليكية في أراضيهم، وبالتالي وكنتيجة مباشرة لذلك تم انتخاب فيرديناند الثاني وليا للعهد على بوهيميا من قبل السلطات البوهيمية.
عندما قام مرشح الملك بإرسال ممثلين اثنين له إلى قلعة هارادشاني في پراگ لتولي أمور بوهيميا في حال غيابه عنها، قام جماعة من الكلفنيين (كل كلفني هو بروتستانتي والعكس ليس صحيح) بإلقاء القبض عليهما ومحاكمتمها محاكمة زائفة وألقوا بهما من نافذة القلعة التي تعلو 50 قدما (16 مترا) عن سطح الأرض، ومما يجدر ذكره أن المصادر التاريخية تذكر أن ممثلي الملك لم يقتلا بسبب الحادثة وإن كانا قد أصيبا إصابات قوية. وتعد هذه الحادثة الفريدة الثانية من نوعها في براغ فقد سبق أن ألقى جمع غاضب من سكان براغ بسبعة مسؤولين من نوافذ المجلس البلدي.
بعد هذه الحادثة (حادثة الإلقاء من النافذة) اشتعلت الثورة البوهيمية في براغ وما لبثت أن انفجرت ثورات أخرى في شتى أنحاء بوهيميا وسيليزيا ولوساتيا ومورافيا وما لبثت أن انتشرت الحرب الأهلية في مناطق كثيرة من أوروبا الغربية.
كان من الممكن أن تتوقف الحرب الأهلية المعروفة باسم الثورة البوهيمية في أقل من 30 شهرا، إلا أن موت الإمبراطور ماتياس في عام 1619 م شجع قادة الثورة البروتستانت على الاستمرار فيها بعد أن كانت الأمور على حافة التهدئة وكان الجميع يرجح انتهاء الحرب الأهلية. ضعف الإمبراطور فيرديناند خليفة ماتياس وكذلك ضعف البوهيميين الثائرين أنفسهم أدى لانتشار الحرب إلى غربي ألمانيا مما فاقم الوضع ووضع الإمبراطور الجديد في موقف حرج مما حدى به الاستعانة بابن أخيه الملك فيليب الرابع ملك إسبانيا.


الملك كرستيان الرابع من الدنمارك، جنرال الجيش اللوثري.


الجنرال الكاثوليكي ألبرخت فون ڤالنشتاين.
في أول الثورة، كان كفة البوهيميين هي الراجحة، وكانت الأمور تسير لصالحهم. قام العديد من نبلاء النمسا العليا اللوثريين والكلفنيين بالدخول في الثورة ودعمها ولحق بهم نبلاء النمسا السفلى في عام 1619 م. قام الكونت ثورن بمحاصرة فيينا في محاولة لاقتحامها. في ترانسلفانيا (غربي رومانيا اليوم)، قام جابرييل بثلين بحملات عديدة على هنجاريا يحالفه فيها الخليفة العثماني. بسبب كل هذه المتلاحقة سارع الإمبراطور الروماني بتكوين جيش لقمع البوهيميين وحلفائهم قبل أن يتسع مدى الثورة وتغرق كل الإمبراطورية الرومانية فيها. قام الكونت بوكوي، قائد الجيش النمساوي الموالي للإمبراطورية الرومانية، بهزيمة قوات العصبة الإنجيلية (العصبة البروتستانتية) في معركة سابلات في العاشر من يونيو 1619 م. أدت هذه الهزيمة إلى إعاقة وقطع اتصالات الكونت ثورن، والذي كان يحاصر فيينا، أدى إلى قطعها مع البوهيميين في براغ كما وأدت إلى إنهاء حصاره للعاصمة النمساوية. بالإضافة إلى ثورن، فقد البوهيميون حليفا آخرا وهو تشارلز إيمانويل الأول دوق آل سافوي الذي كان داعما للبروتستانت ورافضا لتوسع آل هابسبرج في أوروبا.
وعلى الرغم من الهزيمة في معركة سابلات، بقيت قوات الكونت ثورن المتبقية في النمسا قوة يحسب لها حساب، كما قام الكونت إرنست فان مانسفيلد قائد البوهيميين في المعركة بإعادة تنظيم جيوشه وجمعها في شمال بوهيميا. في أغسطس 1619 قامت الولايات النمساوية العليا بتوقيع معاهدة تحالف مع البوهيميين، كما قام البوهيميين بخلع الإمبراطور فرديناند رسميا من رئاسة البلاد وإفساح الطريق أمام القائد البلاتيني فريدريك الخامس لتولي الحكم. في المقابل وبينما حدثت كل هذه الأحداث المتسارعة في بوهيميا قام الترانسلافيون بإحداث تقدم ملحوظ في هنغاريا بل وطردوا منها قوات الإمبراطور الروماني بحلول عام 1620ُُ م.
قام الإسبان بإرسال جيوش لدعم الإمبراطورية الرومانية بقيادة الماركيز أمبروسيو سبينولا، كما عمل السفير الإسباني لدى فيينا الدون إنيجو أنيت على إقناع بروتستانت مقاطعة ساكسونيا على التدخل والمشاركة في الحرب ضد البوهيميين الثائرين على أن يمنحوا أراضي لوساتيا مكافأة لهم. كنتيجة مباشرة لذلك، حارب الساكسونيين البوهيميين وقام الجيش الإسباني بمنع تدفق المساعدات على القوات البوهيمية من قبل العصبة الإنجيلية (العصبة البروتستانتية). وعد أنيت دوق بافاريا بإعطاءه حكم البلاتين في حال دعمه للعصبة الكاثوليكية. قام الجنرال تيلي بقيادة قوات العصبة الكاثوليكية (الموالية للإمبراطورية الرومانية) وتجميعها في النمسا العليا، وقام الإمبراطور فيرديناند الروماني بتجميع قواته هو الآخر في النمسا السفلى ، ثم اتحد الجيشان وتوجها غربا نحو بوهيميا. تلاقت قوات الإمبراطورية الرومانية وقوات فريدريك الخامس قرب پراگ في 8 نوفمبر 1620 م في معركة عرفت باسم معركة الجبل الأبيض وهزمت فيها قوات البوهيميين هزيمة ساحقة وخسر فريدريك ملكه، وقد كلفت هذه الهزيمة البوهيميين استقلالهم وبقيت بلادهم تحت ملك الهابسبرج 300 سنة أخرى. أخمدت ثورة البروتستانت وأصبحت الكاثوليكية الديانة الرسمية للدولة مرة أخرى.



سببت هزيمة البوهيميين في معركة الجبل الأبيض حل العصبة البروتستنتية وخسارة فريدريك الخامس لأملاكه ومنحت لنبلاء كاثوليك وذهب لقب "حاكم البلاتين" إلى ابن عمه البعيد ماكسميليان دوق بافاريا. قام فريدريك بعدها بمحاولة إقامة علاقات مع كل من: الدنمارك وهولندا والسويد. قام جابرييل بيثلين من ترانسلفانيا بتوقيع معاهدة سلام نيكولسبيرج مع الإمبراطور الروماني في 31 ديسمبر 1621 منهيا بذلك سلسلة توغلاته في أراضي هنغاريا والتي منح أجزاء منها إثر توقيع المعاهدة.
بعض المؤرخين يعدون الفترة الواقعة بين عامي 1621 و1625 م مرحلة منفصلة عن حرب الثلاثين عاما ويطلقون عليها مسمى فترة البلاتين. بعد خسارة البوهيميين في معركة الجبل الأبيض خمدت الثورة في أغلب أنحاء بلادهم وهدأت الأمور بشكل عام ما عدا في مناطق البلاتين. قام الإسبان وفي محاولة منهم لتطويق الاستعدادات الهولندية باحتلال أراضي البلاتين وبدأت مدن تلك المنطقة تسقط في أيديهم ولكن بعد حصارات لها طويلة، فسقطت ماينهايم وهايدلبرج في عام 1622 وتبعتهما فرانكنثال في 1623 م وبهذا خضعت جميع أراضي البلاتين لملوك إسبانيا.
بقي من القوات البروتستنتية ما كان تحت قيادة مانسفيلد وكرستيان من برونسويك واللذين توجها نحو هولندا وساعدوا في فك حصار بيرجين أوب زوم. لم يستطع الهولنديين أن يبقوهما في أراضيهم خوفا من ملاحقتهم فيها ومن ثم فقدانهم إياها. منح القائدان مالا وأرسلا لاحتلال أراض مجاورة لهولندا لتدخل تحت ملكهما. اتجه مانسفيلد إلى تلكم لأراضي وبقي فيها، بينما توجه كرستيان إلى ساكسونيا السفلى (شمال ألمانيا) لمساعدة قريبه الذي طلب منه المعونة. خاف أفراد جيش كرستيان على أنفسهم من التوغل في الأراضي الألمانية وفضلوا التراجع إلى هولندا. في 6 أغسطس 1623 م وعلى بعد 10 أميال من الحدود الهولندية واجهت قوات الجنرال تيلي قوات كرستيان في معركة عرفت باسم معركة شتاتلون وأوقعت بها هزيمة ساحقة وقتلت أربع أخماس الجيش (حوالي 15 آلاف شخص). بعد سماع هذه الأنباء، أجبر فريدريك الخامس والذي كان يمني نفسه بالعودة واسترجاع ملكه الضائع، أجبر من قبل صهره ومستضيفه في منفاه على ترك المحاولات للرجوع إلى بوهيميا والبلاتين. وبهزيمة كرستيان واستقرار مانسفيلد وتوقف فريدريك الخامس عن التفكير في الرجوع انتهت الحقبة الأولى من حرب الثلاثين عاما وخيمت على الإمبراطورية الرومانية فترة من الهدوء والسلام لم تلبث أن تنقطع بعد التدخل الدنماركي في عام 1625 م.