السياسة والصحافة والإقتصاد
مرسل: الأربعاء مارس 13, 2013 6:17 pm
نقاش مائدة مستديرة، مع ناشرين ورؤساء تحرير في الدر البيضاء الأربعاء، اختتم عاما من دورات تدريبية أشرفت عليها وصممتها لاحتياجات صحافيين عرب وشمال أفريقيين.
احتلت الرقابة والقوانين المعرقلة للعمل وتدخل المسؤولين قمة قائمة شكاوى الصحافيين في حلقات النقاش والدورات، وأعقبها معرقل حجب المسؤولين المعلومات عن الصحافيين أو تعمد تضليلهم.
الحقائق على الأرض تشير إلى عوائق أخرى ككرات الرصاص حول أرجل الصحافة.
العوائق صنفان؛ اقتصادية، والثانية مهنية يتحمل الصحافيون مسؤوليتها قبل الأطراف المتهمة بعرقلة عملهم (رغم عدم براءة هذه الأطراف كاملا).+
الصحافة (مطبوعة، وإلكترونية، ومسموعة، ومرئية) كصناعة ليست مستثناة من القاعدة الاقتصادية الأساسية بموازنة تكاليف إيصال المنتجات الصحافية لمستهلكها بدخل يوفر هامش ربح يسمح بالنمو.
ومن غير هذا التوازن لا يمكن للوسيلة الصحافية الاستمرار، بجانب استقلاليتها، وبالحرية التي يطلبها الصحافيون.
مبدأ اقتصادي يتغافله الصحافيون العرب بل ويحتقرونه بشكل أوقعهم في منزلقات سياسية ومهنية.
ونادرا ما تجد صحافة عربية تعتبر صناعة (بمقاييس مجتمعات السوق الحرة) الصحافة الحرة أحد مكونات الدولة الديمقراطية.
أغلب الصحافة العربية مملوكة للحكومة والصحافي فيها ترس في آلة البروباغندا، أو حزبية مؤدلجة، أو ممولة من قوى سياسية أو مصالح تجارية.
نمط اقتصحافي يكرس العيوب المهنية (خلط الخبر بالرأي، وغياب الحياد، والرقابة الذاتية، وتأخير بث/ نشر أو تجاهل أخبار تهم الناس حفظا لماء وجه الحزب أو الممول.. إلخ).
عيوب يصعب التخلص منها بدورات التدريب وحدها حتى يبدأ الصحافيون العرب قياس النجاح الصحافي بالمسطرة الاقتصادية كاختبار ديمقراطي لأنه يعكس تصويت أغلبية المستهلكين بجودة المنتج الصحافي.
أغلبية الصحافيين العرب ينظرون لـ«الغارديان» البريطانية بإعجاب مقدس لتطابق خطها التحريري مع نظرتهم المعادية لأميركا والعولمة ومفاهيم السوق الحرة، لكنها، بالمقياس الاقتصادي الديمقراطي فاشلة مهنيا (ثاني أقل الصحف توزيعا بعد «الإندبندنت» بخسائر 200 مليون دولار).
ويحتقر الصحافيون العرب أكثر الصحف نجاحا كـ«الديلي ميل» (مليون ومائة ألف نسخة يوميا) أو «الصن» (ثلاثة ملايين ونصف مليون نسخة يوميا موفرة لشركتها أرباحا تمكنها من تمويل «التايمز» العريقة وإبقاء ثمن الأخيرة منخفضا).
ويفضلون من الصحف العربية اللندنية الأسوأ مهنيا والأقل توزيعا (بلا تمويل أنظمة تسلطها على جيرانها لأفلست في يوم) ونجمهم المفضل أقل الصحافيين العرب البريطانيين مهارة مهنيا، وأعلاهم صوتا في الفضائيات (بالكارت الرابح غوغائيا: رفض السلام مع إسرائيل).
الفشل الاقتصادي يتسبب في عدم تفرغ الصحافيين فيعملون في مهن إضافية، أو كمراسلين لصحف أخرى ممولة من جهات تفتقر تاريخيا للتقاليد الصحافية ولا تعرف ثقافتها حرية التعبير (فيلجأون لترويج بروباغندا الممول، أو رقابة أخباره في صحفهم المحلية).
عجز المؤسسات الصحافية عن زيادة التوزيع (بريطانيا بعدد سكان 60 مليونا فيها 13 صحيفة قومية - بخلاف 300 من الصحف المحلية والمجلات - توزع فيما بينها أكثر من عشرة ملايين ونصف مليون نسخة يوميا، بينما لا توزع صحف المغرب - قومية أو محلية - سوى 400 ألف نسخة بين 38 مليون نسمة). وليس انتشار الأمية السبب الرئيسي، فعندما كان سكان مصر 20 مليونا والأمية تفوق 60% وزعت الصحف القومية (3 بالعربية، و5 بلغات أخرى) مليوني نسخة، واليوم وبنسبة أمية أقل وقرابة 90 مليون نسمة، لا يصل توزيع أكثر من 20 صحيفة قومية وعشرات الصحف المحلية والمجلات إلى مليونين. انخفاض التوزيع وعدم تفرغ الصحافيين، يؤدي إلى جمود في المهارات الصحافية ويعرقل نموها مهنيا.
ما بين بداية تدريب الصحافيين العرب في التسعينات بدعم الاتحاد الأوروبي، ودورات العام الماضي بدعم وزارة الخارجية البريطانية، لاحظت أن المهارات والقدرات المهنية لم تتطور بل تراجع بعضها بتأثير عوامل أخرى ازدادت قوة ونفوذا عما كانت في 20 عاما.
من أكثر العوامل المستجدة سلبية تأثير الآيديولوجيات الشمولية التي تغلق ذهنية الصحافي المؤدلج فلا يقبل مصداقية «الخصم»، أي «الغرب» فتتكون في العقل الباطن للصحافي الشاب ميكانيزمات دفاعية تحصنه ضد تتبع التطور المهني في الصحافة الغربية، اللهم باستثناء المدرسة الصحافية الفرنسية لأسباب تاريخية؛ وهي مكون أساسي موروث في الصحافة الشمال أفريقية والصحافة اللبنانية (التي سيطرت على الذهنية المهنية في معظم صحافة الخليج بينما ساعد التفوق المادي للأخيرة على مد نفوذها لبقية الصحف العربية).
المدرسة الصحافية الفرنسية مسؤولة عن خلط الصحافيين العرب بين الخبر والرأي، وتفضيل الكتابة اللونية والبلاغة المستفاضة والمؤدلجة على الخبر الموجز المركز الذي يبدأ بالأحدث بدل تسلسل السرد الزمني.
أما أشد الآيديولوجيات ضررا بمهنة الصحافة فهي الإسلاموية السياسية التي يضع معتنقها نفسه في مرتبة أسمى من باقي البشر فيقنع نفسه بخطأ كل فكرة أو اجتهاد إنساني خارج مرجعيته الآيديولوجية الإسلاموية.
أضف إلى ذلك انخفاض مستوى التعليم المهزلة الذي أفرزته أنظمة شمولية لا تدرب على البحث في المعلومات وتأصيلها، رغم أنها من المهارات الأساسية اللازمة لبقاء الصحافي على قيد الحياة مهنيا.
أما الإنترنت فقد كرست كسل الصحافي في الحصول على المعلومة من أول موقع يصادفه متناسيا (أو لم يدرب على) ضرورة التأكد من 3 مصادر منفصلة لا تربطها مصالح مشتركة (شروط الاعتراف بمصداقية المصادر في الـ«بي بي سي» ومدرسة «فليت ستريت» الإنجليزية) إلى جانب ضعف إلمام الصحافيين العرب (خاصة الشمال أفريقيين) باللغة الإنجليزية الذي ضيق من دائرة البحث.
وأدت عادة الاعتماد على مصدر واحد ليس فقط إلى التكاسل عن إعادة التأكد عبر مصادر أخرى من المعلومات التي تعطيها الجهات المسؤولة، بل إلى الشلل الفكري في البحث عن مصادر بديلة عندما يمتنع المسؤولون عن توفير المعلومات والاكتفاء بالشكوى من تضليلهم بدلا من كشفه عبر مصادر موازية.
ومن الأفضل أن يواجه الصحافيون العرب والشمال أفريقيين المعوقات بتحسين الأداء والتثقيف والتدريب للارتفاع بمستوى المنتجات الصحافية، والتي ستساهم بدورها (إلى جانب تغيير نظرتهم لعلاقة الشكل بالمضمون للعمل على زيادة التوزيع ورواج المنتجات الصحافية) في التحرك نحو نجاح صيغة الموازنة الاقتصادية.
فالبدء بإصلاح النفس أمر في متناول اليد وأكثر واقعية من مطالب مثالية ستعتبرها الأنظمة ضربا من الخيال، إن لم تعتبرها بعض الحكومات تمردا وخيانة عظمى تنعكس سلبيا على العلاقة مع الصحافة.
احتلت الرقابة والقوانين المعرقلة للعمل وتدخل المسؤولين قمة قائمة شكاوى الصحافيين في حلقات النقاش والدورات، وأعقبها معرقل حجب المسؤولين المعلومات عن الصحافيين أو تعمد تضليلهم.
الحقائق على الأرض تشير إلى عوائق أخرى ككرات الرصاص حول أرجل الصحافة.
العوائق صنفان؛ اقتصادية، والثانية مهنية يتحمل الصحافيون مسؤوليتها قبل الأطراف المتهمة بعرقلة عملهم (رغم عدم براءة هذه الأطراف كاملا).+
الصحافة (مطبوعة، وإلكترونية، ومسموعة، ومرئية) كصناعة ليست مستثناة من القاعدة الاقتصادية الأساسية بموازنة تكاليف إيصال المنتجات الصحافية لمستهلكها بدخل يوفر هامش ربح يسمح بالنمو.
ومن غير هذا التوازن لا يمكن للوسيلة الصحافية الاستمرار، بجانب استقلاليتها، وبالحرية التي يطلبها الصحافيون.
مبدأ اقتصادي يتغافله الصحافيون العرب بل ويحتقرونه بشكل أوقعهم في منزلقات سياسية ومهنية.
ونادرا ما تجد صحافة عربية تعتبر صناعة (بمقاييس مجتمعات السوق الحرة) الصحافة الحرة أحد مكونات الدولة الديمقراطية.
أغلب الصحافة العربية مملوكة للحكومة والصحافي فيها ترس في آلة البروباغندا، أو حزبية مؤدلجة، أو ممولة من قوى سياسية أو مصالح تجارية.
نمط اقتصحافي يكرس العيوب المهنية (خلط الخبر بالرأي، وغياب الحياد، والرقابة الذاتية، وتأخير بث/ نشر أو تجاهل أخبار تهم الناس حفظا لماء وجه الحزب أو الممول.. إلخ).
عيوب يصعب التخلص منها بدورات التدريب وحدها حتى يبدأ الصحافيون العرب قياس النجاح الصحافي بالمسطرة الاقتصادية كاختبار ديمقراطي لأنه يعكس تصويت أغلبية المستهلكين بجودة المنتج الصحافي.
أغلبية الصحافيين العرب ينظرون لـ«الغارديان» البريطانية بإعجاب مقدس لتطابق خطها التحريري مع نظرتهم المعادية لأميركا والعولمة ومفاهيم السوق الحرة، لكنها، بالمقياس الاقتصادي الديمقراطي فاشلة مهنيا (ثاني أقل الصحف توزيعا بعد «الإندبندنت» بخسائر 200 مليون دولار).
ويحتقر الصحافيون العرب أكثر الصحف نجاحا كـ«الديلي ميل» (مليون ومائة ألف نسخة يوميا) أو «الصن» (ثلاثة ملايين ونصف مليون نسخة يوميا موفرة لشركتها أرباحا تمكنها من تمويل «التايمز» العريقة وإبقاء ثمن الأخيرة منخفضا).
ويفضلون من الصحف العربية اللندنية الأسوأ مهنيا والأقل توزيعا (بلا تمويل أنظمة تسلطها على جيرانها لأفلست في يوم) ونجمهم المفضل أقل الصحافيين العرب البريطانيين مهارة مهنيا، وأعلاهم صوتا في الفضائيات (بالكارت الرابح غوغائيا: رفض السلام مع إسرائيل).
الفشل الاقتصادي يتسبب في عدم تفرغ الصحافيين فيعملون في مهن إضافية، أو كمراسلين لصحف أخرى ممولة من جهات تفتقر تاريخيا للتقاليد الصحافية ولا تعرف ثقافتها حرية التعبير (فيلجأون لترويج بروباغندا الممول، أو رقابة أخباره في صحفهم المحلية).
عجز المؤسسات الصحافية عن زيادة التوزيع (بريطانيا بعدد سكان 60 مليونا فيها 13 صحيفة قومية - بخلاف 300 من الصحف المحلية والمجلات - توزع فيما بينها أكثر من عشرة ملايين ونصف مليون نسخة يوميا، بينما لا توزع صحف المغرب - قومية أو محلية - سوى 400 ألف نسخة بين 38 مليون نسمة). وليس انتشار الأمية السبب الرئيسي، فعندما كان سكان مصر 20 مليونا والأمية تفوق 60% وزعت الصحف القومية (3 بالعربية، و5 بلغات أخرى) مليوني نسخة، واليوم وبنسبة أمية أقل وقرابة 90 مليون نسمة، لا يصل توزيع أكثر من 20 صحيفة قومية وعشرات الصحف المحلية والمجلات إلى مليونين. انخفاض التوزيع وعدم تفرغ الصحافيين، يؤدي إلى جمود في المهارات الصحافية ويعرقل نموها مهنيا.
ما بين بداية تدريب الصحافيين العرب في التسعينات بدعم الاتحاد الأوروبي، ودورات العام الماضي بدعم وزارة الخارجية البريطانية، لاحظت أن المهارات والقدرات المهنية لم تتطور بل تراجع بعضها بتأثير عوامل أخرى ازدادت قوة ونفوذا عما كانت في 20 عاما.
من أكثر العوامل المستجدة سلبية تأثير الآيديولوجيات الشمولية التي تغلق ذهنية الصحافي المؤدلج فلا يقبل مصداقية «الخصم»، أي «الغرب» فتتكون في العقل الباطن للصحافي الشاب ميكانيزمات دفاعية تحصنه ضد تتبع التطور المهني في الصحافة الغربية، اللهم باستثناء المدرسة الصحافية الفرنسية لأسباب تاريخية؛ وهي مكون أساسي موروث في الصحافة الشمال أفريقية والصحافة اللبنانية (التي سيطرت على الذهنية المهنية في معظم صحافة الخليج بينما ساعد التفوق المادي للأخيرة على مد نفوذها لبقية الصحف العربية).
المدرسة الصحافية الفرنسية مسؤولة عن خلط الصحافيين العرب بين الخبر والرأي، وتفضيل الكتابة اللونية والبلاغة المستفاضة والمؤدلجة على الخبر الموجز المركز الذي يبدأ بالأحدث بدل تسلسل السرد الزمني.
أما أشد الآيديولوجيات ضررا بمهنة الصحافة فهي الإسلاموية السياسية التي يضع معتنقها نفسه في مرتبة أسمى من باقي البشر فيقنع نفسه بخطأ كل فكرة أو اجتهاد إنساني خارج مرجعيته الآيديولوجية الإسلاموية.
أضف إلى ذلك انخفاض مستوى التعليم المهزلة الذي أفرزته أنظمة شمولية لا تدرب على البحث في المعلومات وتأصيلها، رغم أنها من المهارات الأساسية اللازمة لبقاء الصحافي على قيد الحياة مهنيا.
أما الإنترنت فقد كرست كسل الصحافي في الحصول على المعلومة من أول موقع يصادفه متناسيا (أو لم يدرب على) ضرورة التأكد من 3 مصادر منفصلة لا تربطها مصالح مشتركة (شروط الاعتراف بمصداقية المصادر في الـ«بي بي سي» ومدرسة «فليت ستريت» الإنجليزية) إلى جانب ضعف إلمام الصحافيين العرب (خاصة الشمال أفريقيين) باللغة الإنجليزية الذي ضيق من دائرة البحث.
وأدت عادة الاعتماد على مصدر واحد ليس فقط إلى التكاسل عن إعادة التأكد عبر مصادر أخرى من المعلومات التي تعطيها الجهات المسؤولة، بل إلى الشلل الفكري في البحث عن مصادر بديلة عندما يمتنع المسؤولون عن توفير المعلومات والاكتفاء بالشكوى من تضليلهم بدلا من كشفه عبر مصادر موازية.
ومن الأفضل أن يواجه الصحافيون العرب والشمال أفريقيين المعوقات بتحسين الأداء والتثقيف والتدريب للارتفاع بمستوى المنتجات الصحافية، والتي ستساهم بدورها (إلى جانب تغيير نظرتهم لعلاقة الشكل بالمضمون للعمل على زيادة التوزيع ورواج المنتجات الصحافية) في التحرك نحو نجاح صيغة الموازنة الاقتصادية.
فالبدء بإصلاح النفس أمر في متناول اليد وأكثر واقعية من مطالب مثالية ستعتبرها الأنظمة ضربا من الخيال، إن لم تعتبرها بعض الحكومات تمردا وخيانة عظمى تنعكس سلبيا على العلاقة مع الصحافة.