صفحة 1 من 1

أمريكا اللاتينية بعد شافيز

مرسل: الخميس مارس 14, 2013 11:08 am
بواسطة محمد بن جديد 0
توفى هوجو شافيز يوم الثلاثاء، بعد صراع طويل مع السرطان. وسوف يؤكد التاريخ ـ بحق ـ الدور الذى لعبه شافيز، لتحقيق تكامل دول أمريكا اللاتينية، وأهمية فترة رئاسته، التى استمرت 14 عاما، للفقراء فى فنزويلا.

ولكن، قبل أن نسمح للتاريخ أن يحدد تفسيرنا للماضى، علينا أولا أن نمتلك فهمًا واضحًا لأهمية السيد شافيز، على الصعيدين الدولى والمحلي؛ وبعدها يمكن لقادة وشعوب أمريكا الجنوبية ـ التى تعتبر أكثر القارات ديناميكية اليوم ـ أن يحددوا بوضوح مهماتنا القادمة، حتى يمكننا تعزيز وتطوير الوحدة الدولية التى تحققت فى العقد الماضى. وتكتسب هذه المهمات أهمية جديدة اليوم، ونحن نفتقد مساعدة السيد شافيز بطاقته غير المحدودة؛ وإيمانه العميق بإمكانية تكامل دول أمريكا اللاتينية؛ والتزامه بالتحولات الاجتماعية المطلوبة لتخفيف معاناة شعبه. وقد نجحت حملات السيد شافيز؛ خاصة فى مجالات الصحة، والإسكان، والتعليم، فى تحسين مستى معيشة عشرات الملايين من الفنزويليين.

ونحن لسنا بحاجة لأن نتفق مع كل ما يقوله أو يفعله السيد شافيز. ولا يمكن إنكار أنه كان شخصا مثيرا للجدل وكثيرا ما يثير الاستقطاب، لم يتهرب يوما من نقاش، ولم يكن أى موضوع بالنسبة له من المحرمات. وأعترف أننى كثيرًا ما كنت أشعر أنا كان من الحصافة ألا يقول شافيز كل ما كان يقوله. ولكن هذا كان ملمحًا من ملامح شخصيته، لا يقلل من شأنه، ولو من بعيد. وقد لا يتفق المرء مع أيديولوجية شافيز، وأسلوبه السياسى الذى اعتبره ناقدوه استبدادًا. غير أنه لم يتخذ خيارات سياسية سهلة، كما لم يتراجع عن قراراته.

ومع ذلك، لا يمكن لأى شخص نزيه، ولا حتى أشرس خصومه، أن ينكر المستوى الرفاقى، والثقة وحتى الحب الذى كان شافيز يكنه للفقراء فى فنزويلا وقضية التكامل فى أمريكا اللاتينية. ولا يكاد يكون من بين العديد من وسطاء السلطة أو القادة السياسيين الذين التقيت بهم فى حياتى، من يؤمن بوحدة قارتنا وشعوبها المتنوعة ــ الهنود الأصليين، وأحفاد الأوروبيين والأفارقة والمهاجرين حديثا ــ مثل إيمانه.

وكان شافيز عنصرًا جوهريًا فى معاهدة 2008 التى أنشأت اتحاد دول أمريكا الجنوبية، وهى منظمة حكومية دولية من 12 عضوا، يمكن أن تنقل القارة يوما ما، نحو نموذج الاتحاد الأوروبى. وفى عام 2010، قفزت جماعة أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبى، من النظرية إلى الممارسة، وقدمت منتدى سياسيا إلى جانب منظمة الدول الأمريكية. (لكنها لا تشمل الولايات المتحدة وكندا، مثل منظمة الدول الأمريكية.) ولم يكن إنشاء بنك الجنوب ـ وهو مؤسسة إقراض جديدة، مستقلة عن البنك الدولى ومصرف التنمية للبلدان الأمريكية ـ ممكنا من دون قيادة شافيز. وأخيرًا، كان شديد الاهتمام بتعزيز علاقات أمريكا اللاتينية بأفريقيا والعالم العربى، على نحو أوثق.

وعندما تموت شخصية عامة، من دون أن تخلف أفكارًا، ينتهى تراثها وروحها أيضًا. ولكن هذا لم يكن الحال بالنسبة لشافيز، فهوشخص قوى، ديناميكى، لا يمكن نسيانه، سوف تستمر مناقشة أفكاره لعقود قادمة فى الجامعات، ونقابات العمال، والأحزاب السياسية، وأى مكان يهتم فيه الناس بالعدالة الاجتماعية، وتخفيف البؤس، والتوزيع العادل للسلطة بين شعوب العالم. ولعل أفكاره تلهم الشباب فى المستقبل، مثلما كانت حياة سيمون بوليفار، المحرر العظيم لأمريكا اللاتينية، ملهمة لشافيز نفسه.

وسوف يتطلب تراث شافيز، فى عالم الأفكار، المزيد من العمل، إذا أريد لها أن تتحقق فى عالم السياسية المضطرب، الذى تناقش فيه الأفكار وتتصارع. وفى غيابه، سوف يحتاج العالم أن يبدى زعماء آخرون ما كان يبيده شافيز من جهد وقوة إرادة، حتى لا تصبح أحلامه مجرد ذكرى على الورق.

وأمام المتعاطفين مع شافيز فى فنزويلا، الكثير من العمل للحفاظ على تراثه، عبر إقامة وتعزيز مؤسسات ديمقراطية. وسيكون عليهم المساعدة فى جعل النظام أكثر حيوية وشفافية؛ وإتاحة الفرصة للمشاركة السياسية على نحو أفضل، ودعم الحوار مع أحزاب المعارضة، وتعزيز النقابات وجماعات المجتمع المدنى. وهى أمور ضرورية تتطلبها الوحدة الفنزويلية، والإبقاء على إنجازات شافيز التى تحققت بمشقة.

ولا شك أن تطلعات جميع الفنزويليين ـ سواء كانوا مؤيدين أو معارضين لشافيز، عسكريين أو مدنيين، كاثوليك أو إنجيليين، أغنياء أو فقراء ـ إلى تحقيق الإمكانات الواعدة لبلدهم ولأنفسهم؛ لن تتحقق إلا بالسلام والديمقراطية.

كما أن المؤسسات التعددية التى ساهم شافيز فى إنشائها سوف تساعد فى ضمان تكريس وحدة أمريكا الجنوبية. هو لن يكون حاضرًا فى اجتماعات قمة أمريكا الجنوبية، ولكن ستكون مبادئه، والحكومة الفنزويلية، حاضرة. وتعتبر العلاقة الرفاقية الديمقراطية بين قادة أمريكا اللاتينية والكاريبى، أفضل ضمان للوحدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التى تريدها شعوبنا وتحتاج إليها.

ونحن الآن فى مرحلة اللا عودة فى تحركنا نحو الوحدة ولكن مهما كان ثباتنا على موقفنا؛ علينا أن نكون أكثر حزمًا عند بحث مشاركة بلداننا فى المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة، وصندوق النقد والبنك الدوليين. وهذه المؤسسات، التى ولدت من رماد الحرب العالمية الثانية، لا تستجيب بما فيه الكفاية لحقائق عالم اليوم متعدد القطبية.

وسوف نفتقد السيد شافيز، بشخصيته الكاريزمية، الواعية، القادرة على بناء صداقات، والتواصل مع الجميع على نحو لا يكاد يستطيعه غيره من الزعماء. وسوف أعتز دائمًا بالصداقة والشراكة بيننا خلال السنوات الثمان التى عملنا فيها معًا كرئيسين لبلدينا، وما نتج عن ذلك من فوائد للبرازيل وفنزويلا وشعبينا.

-------------
* نقلا عن الشروق المصرية، الإثنين 11/3/2013