صفحة 1 من 1

التطور الديمقراطي الأمريكي

مرسل: الأحد مارس 17, 2013 1:37 pm
بواسطة عبدالرحمن آل ثنيان33
أزمة الديمقراطية:|هل من الممكن إصلاح أمريكا لاستعادة قوتها عالميا؟ - مجلة السياسة الدولية


11 مارس 2013

عرض محمد مسعد العربي- باحث في العلوم السياسية

جاء فوز الرئيس الأمريكي باراك أوباما بفترة رئاسية ثانية في انتخابات 2012 ، والولايات المتحدة تخوض غمار أزمة اقتصادية عميقة، وتحاول الخروج منها بكل ثبات، وعلاج آثارها البالغة على كافة المستويات. وعلى الرغم من أن هذه الأزمة قد ألمت بالقطاع المالي، فإن تداعياتها أثارت جدلاً حول موقع القوة الأمريكية في النظام الدولي، ومقومات قيادة الولايات المتحدة للنظام الدولي الذي لا تزال قواه قيد التشكل، حيث يتصاعد الجدل بين من يرون أن أمريكا تواجه انحطاطًا في قوتها، ومن يدافعون عن صدارتها.

وفي هذا المقال المعنون بـ " هل من الممكن إصلاح أمريكا؟ الأزمة الجديدة للديمقراطية"، المنشور بمجلة "الشئون الخارجية" في عددها عن شهري يناير/ فبراير، يناقش فريد زكريا حقيقة الوضع الاقتصادي لواشنطن، وما يرتبط به من أزمة ديمقراطية جديدة تحيق بمؤسسات صناعة القرار في واشنطن.

يرى زكريا أن الاقتصاد الأمريكي يتعافي حاليًّا من آثار الأزمة الاقتصادية التي ألمت به منذ 2008، وقد أثبت أنه الأكثر قوة وحيوية بين الاقتصاديات العالمية، غير أنه قد يتجه إلى الانتحار، نتيجة لعجز النظام السياسي عن إحداث تغيرات هيكيلية، من شأنها أن تحافظ على صدارته المستقبلية في مواجهة المنافسة العالمية المتصاعدة على قيادة النظام الدولي، وهو ما يشير إلى وجود أزمة ديمقراطية يقول إن الحديث عنها كان دوريًّا منذ سبعينيات القرن العشرين، حيث انفجرت أزمة الركود التضخمي في العالم الرأسمالي، والأزمات السياسية التي عصفت بالثقة في المؤسسات الديمقراطية. ففي عام 1975، تشكلت لجنة ثلاثية من باحثين من اليابان وأوروبا وأمريكا لدراسة تداعيات هذه الأزمات على العالم الرأسمالي.

وبعد سنوات من هذا، انفرجت الأزمة، واستُعيدت الثقة، وانهارت الكتلة السوفيتية فى منافسة واشنطن في الحرب الباردة. وبعد أقل من عقدين من نهاية هذه الحرب، انفجرت أزمات اقتصادية وسياسية أخرى في أوروبا واليابان وأمريكا. يقول زكريا إن الغضب من الساسة والمؤسسات أصبح أكثر من السبعينيات، وهو ما يعني أزمة ديمقراطية جديدة، يتم التعامل معها بحلول مؤقتة، واعتماد كبير على الحظ.

أزمات حادة واقتصاد معولم:

منذ السبعينيات، تشكلت اتجاهات النظام الاقتصادي العالمي المتسم بوجود مطرد للتضخم الذي انفجر في بداية هذه الفترة، واستطاعت قيادة بول فولكر للاحتياطي الأمريكي أن تكبح جماحه، وأن تصنع نموذجًا جيدًا للتحكم فيه لتضعه في معدلات طبيعية، ثم كان هناك انفجار في تكنولوجيا الاتصالات التي غيرت من وجه الاقتصاد العالمي، وفتحت له آفاقًا غير مسبوقة. وجاءت ظاهرة العولمة مع انهيار الاتحاد السوفيتي لتدمج بقية العالم في النظام الرأسمالي، وسهلت استخدام العمالة الرخيصة من قبل الشركات الغربية.

غير أن هذه الاتجاهات التي فتحت فرصًا سابقة أمام الاقتصادات الغربية وضعت تحديات أخرى أمامها الآن، فقد تضررت العمالة الأمريكية مثلا، وأصبح الاقتصاد الأمريكي بفعل هذه العوامل يتميز بمعدلات نمو عادية بدون فرص عمل، وانهيار في الأجور.

شهد الاقتصاد قمة نموه في الستينيات، ثم بدأ يواجه انخفاضًا في النمو، مصحوبًا بعجز منذ السبعينيات، عدا فترة بل كلينتون في التسعينيات التي حدث فيها فائض، وسرعان ما استقر العجز الفيدرالي ليصل إلى 7%. وتبدو الوصفة العلاجية التي صكها جون مكينز، وهي أن على الحكومة أن تنفق في حالة الإفلاس، وأن تدخر في حالة الازدهار، غير فعالة حاليًّا. فالحكومات أصبحت تواجه العجز في حالتي الازدهار والكساد على السواء. غير أن هذا العجز لا يرتبط فقط بالحكومات، بل بالشعب أيضًا الذي يريد خدمات حكومية أفضل وأكبر، وضرائب أقل، وهو ما يتطلب مالاً سحريًّا يفي بالجانبين. دفع هذا الحكومة الفيدرالية إلى الاقتراض بكثافة، ولهذا تصاعدت الديون العقارية وحدها من 665 مليار دولار إلى 13 تريليون دولار حاليا. وفي الثمانينيات، بلغت نسبة الدين الحكومي إلى الناتج الإجمالي 42% ، وهي الآن 107%، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على بقية دول العالم المتقدم والنامي بنسب مختلفة.

لا يبدو أن سياسات التقشف التي تتبعها دول الاتحاد الأوروبي للخروج من أزمتها ناجحة حتى الآن، وهو ما يشي بضرورة الاتجاه في الإصلاح الاقتصادي إلى أبعد من الدعوة إلى هذه السياسات لتحقيق إصلاحات هيكلية في بنية الاقتصاد كتلك التي يدعو البنك الدولي والمنظمات الاقتصادية الدولية الدول النامية للقيام بها لزيادة نسبة النمو بتحرير الاقتصاد.

ويبدو الاقتصاد الأمريكي في أمس الحاجة إلى مثل هذه الإصلاحات الهيكلية بدلاً من الاستمرار في معالجة الأزمة، من خلال "خفض التكاليف وزيادة الضرائب Cutting and Taxing)، فما تحتاج إليه أمريكا هو الإصلاح والاستثمار (Reform and Invest)، ويجب أن ينصب الإصلاح ، كما يرى زكريا، على نظام الضرائب المتضخم والمعقد. أما الاستثمار، فله أوجه عديدة يجب أن يتجه نحوها.فقد تراجعت تنافسية الاقتصاد الأمريكي من ناحية، ومن ناحية أخرى تراجع الإنفاق الأمريكي على رأس المال البشري والمادي، وانخفضت نسبة الإنفاق على الأبحاث والتطوير إلى النصف قياسًا بالستينيات، فيما تصاعدت في دول أخرى، كالصين وسنغافورة وكوريا الجنوبية، وأضعفت تخفيضات الموازنة النظام الجامعي العام.

ويدل التاريخ الأمريكي على وجود ارتباط بين الاستثمار والنمو، فقد أزاحت أمريكا عنها آثار الكساد الكبير، ليس فقط من خلال الإنفاق الضخم في الحرب العالمية الثانية، ولكن أيضًا من خلال خفض الاستهلاك، وتكثيف الاستثمار، ففد قلل الأمريكيون من إنفاقهم، ورفعوا من مدخراتهم، وهو ما أدى إلى نمو ما بعد الحرب.

وتعاني أمريكا تآكلا في بنيتها التحتية، وقد أوضح تقرير لجمعية المهندسين المدنيين الأمريكية أن تكلفة إصلاح وتجديد هذه البنية التحتية يبلغ تريليونى دولار، ويدرك أي مسافر لأمريكا مدى تآكل الجسور والطرق السريعة. كما أن نظام التحكم الجوي فيها بال، ويحتاج إلى 25 مليار دولار لتجديده، وكذلك شبكة الطاقة التي تتشابه في بعض الأحيان مع تلك الموجودة في الدول النامية، وكذلك نظم مياه الشرب المتخلفة عن مثيلاتها في بقية العالم المتقدم، كل هذه العوامل تترجم في نمو أقل، وسوف تأخذ وقتًا ليتم إصلاحها، ولكن ما تحتاج إليه هذه البنية ليس مجرد الإنفاق على إصلاحها. فبدون التخطيط الجيد والرقابة، ستبقى هذه البنية غير كفء، وغير فعالة. وتبقى المشكلة في المؤسسات السياسية، فالكونجرس يعقد مخصصاته على البنية التحتية، بناء على الحسابات السياسية، ويبدو أن الحل الأنجع في هذا الصدد هو إنشاء بنك للبنية التحتية الوطنية من رأسمال الحكومة، والقطاع الخاص ليقوم بمشروعات بنية تحتية، بعيدًا عن حسابات الساسة.

الأمر نفسه ينطبق على سياسات الإصلاح التي لا تعوزها الأفكار الجيدة، أو القدرات التقنية، ولكن السياسات الحصيفة. فالساسة في لجان الكونجرس يهتمون بالصناعات المالية التي تضمن لهم تمويل حملاتهم الانتخابية، فالنظام الحالي يعمل من أجل هذا الغرض.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة والدول المتقدمة تمتلك كثيرًا من نقاط القوة، فإن الكثير من بناها وسياساتها أصبحت بالية، وتحتاج إلى تغيير، ولك تبدو المشكلة في هذا الصدد في وجود جماعات المصالح المستفيدة من الأوضاع الحالية، وتعمل على إبقاء الوضع على ما هو عليه. ومن ثم، يتطلب الإصلاح وجود حكومات تؤكد المصالح الوطنية بدلاً من المصالح الضيقة.

الديموغرافيا السياسية:

يعرض زكريا لجانب آخر من جوانب الأزمة التي تواجهها الديمقراطيات الصناعية الغربية، وهي المشكلة الديموغرافية التي يقول إن ارتباطها بالمعضلة الديمقراطية يجعل مواجهتها والتعامل معها وجهًا لوجه أمرًا حتميًّا، تتمثل هذه المشكلة في أن العالم الصناعي "يشيخ" بمعدلات غير مسبوقة في تاريخه، فسوف يتقلص عدد سكان اليابان بنهاية القرن الحالي إلى 47 مليون نسمة، وهو ما سوف تتعرض له ألمانيا وإيطاليا، وربما تنجو الولايات المتحدة من هذا الخطر بسبب الهجرة، ومعدلات الخصوبة، فمن المتوقع أن يزيد عدد سكانها إلى 423 مليون نسمة بحلول عام 2050.

هذا الوضع الديموغرافي الجيد ستكون له انعكاسات على توزيع الدخول، فسيحتم إعادة النظر في الدخول التي تحصلها الحكومة من المواطنين العاملين لإنفاقها على المتقاعدين. فبحلول عام 2025، سيتقلص معدل العاملين إلى المتقاعدين ليكون 2.7 عامل لكل متقاعد واحد، وسيؤدي هذا حتمًا إلى زيادة معدل الإنفاق الحكومي السنوي على التأمين الصحي والاجتماعي، ومن ثم معدل التضخم، مع ملاحظة أن هذه البرامج تستهلك النسبة الكبرى من الإنفاق الفيدرالي، ويلاحظ أن الدول التي تبلغ نسبة دينها 90% من ناتجها الإجمالي تعاني مشاكل مزمنة في النمو والاستقرار بشكل حتمي.

ويرى زكريا أنه لتفادي مثل هذه الأزمات، عند حدها الأدنى مستقبلاً، أن على اليمين الأمريكي أن يعي أن عوائد الضرائب يجب أن تتزايد في السنوات القادمة، وأن على اليسار أن يدرك أنه بدون إصلاحات قوية، فسوف تغطي عوائد الضرائب الحالية فقط برامج الرعاية الصحية والاجتماعية، مع العلم بأن مثل هذه الاستحقاقات تبلغ نحو ثلثي الميزانية، وهو ما سيجعل الحكومة الأمريكية، كما يلاحظ عزرا فوجل، أقرب إلى شركة تأمين ضخمة لها جيش، وربما سيتقلص الجيش مستقبلاً.

وقد تبدو سياسات الإصلاح والاستثمار صعبة في أفضل الأوقات، غير أنها ستكون حتمية وملحة في المستقبل، مع تزايد المنافسة المعولمة مع اقتصادات مثل الهند والصين والبرازيل، وهي بلدان لا يمكن أن تنافس العمالة الأمريكية عمالتها، ومن ثم يجب أن تبدأ الولايات المتحدة في أن تعتمد على قوة عمل مدربة بشكل جيد، وبنية تحتية قوية، وبرامج تدريب ضخمة، وعلوم وتكنولوجيا متقدمة. ولكن يبدو من قراءة خطة الإنفاق السياسية أن المؤسسات تأبه بالحاضر أكثر من المستقبل.

المسار الياباني:

كان من أهم الملاحظات، التي أوردها صمويل هنتنجتون في تقرير لجنة 1975، أنه من المهم لأمريكا أن تقلق من الانحدار، فهذا التخوف هو الذي يدفعها لاتخاذ الإجراءات، وإحداث التغيرات الضرورية لتفادي تحقق التوقعات السيئة. فلولا إدراك الأمريكيين لخطورة سبوتنك - هو أول قمر صناعي يسبح في الفضاء، أطلقه الاتحاد السوفيتي السابق في يوم 4 أكتوبر عام 1957 - ما طوروا تكنولوجيا الفضاء، وأسسوا ناسا، ووصلوا للقمر، وهو الأمر الذي يجب أن يستحضره الأمريكيون مع الأزمة الحالية.

يقول زكريا "إن نموذج الرأسمالية الديمقراطية الليبرالية هو النموذج الأكثر مرونة وشرعية للبقاء في العالم الحديث، وإذا كان هناك نظام يجب أن ينهار، فهي الأنظمة السلطوية، مثل النظام الصيني، ولا من الصعب أن نتخيل أن عرقلة النمو الصيني المتصاعد ستؤدي إلى حل أزمات الولايات المتحدة، ربما سيؤدي هذا إلى وضع أسوأ، ويقيد نمو الاقتصاد العالمي". ولا تواجه الديمقراطيات الغربية خطر الموت، بل التصلب والركود في مواجهة القوى الصاعدة والتحديات الديموغرافية.

يرى زكريا أن هذه الديمقراطيات الأمريكية والأوروبية إذا لم تقم بإصلاحات حقيقية، وفشلت في التكامل بين سياساتها، فسيكون من السهل تخيل مستقبلها، ونموذجه اليابان التي تعاني الشيخوخة السكانية، رغم جودة التعليم، وتراجع مكانتها الاقتصادية، وتراجع نسبة نموها الاقتصادي، وهي المؤشرات التي تشي بمستقبل سيئ لأجيالها القادمة، رغم سعادة جيلها الحالي.