By محمد العرف _١ - الثلاثاء مارس 19, 2013 5:37 pm
- الثلاثاء مارس 19, 2013 5:37 pm
#60086
ومع التحديات التي يمثلها المنهاج الدراسي وقلة الوظائف المتاحة، وساعات العمل غير النظامية في هذا الحقل، يبرز السؤال حول الأسباب التي تدفع بهؤلاء الطلبة لاختيار هذا الإختصاص؟
في العاصمة السويسرية برن، وفي طابق ينخفض بعدة درجات داخل مبنى رمادي قديم، تتواجد مكاتب قسم فيزياء الطب الجنائي التي يترأسها بيات كنويبوهل، أحد أبرز الخبراء في إصابات الأسلحة النارية في أوروبا.
بجانب نافذة كبيرة، يجلس عضوين من الشباب المُنتمين الى فريق البحث المكوّن من خمسة أعضاء أمام أجهزة الكمبيوتر، وفي غرفة صغيرة مجاورة، يظهر صندوق بلاستيكي يتدلّى من إطار معدني متأرجح وهو يملأ نحو نصف حجم الغرفة. وفي الآونة الأخيرة، إستُخدم هذا الصندوق المملوء بالسليلوز لقياس الطاقة الناتجة من علبة بخاخ الفلفل (التي تستعملها النساء خاصة لحمايتهن من أي هجوم مباغت).
كنويبوهل المختص في علم الرياضيات والذي جاء ليترأس قسم الطب الجنائي بعد خدمة ثلاثة وثلاثين عاماً كعالِمٍ سابق في مختبر المقذوفات التابع للجيش السويسري، سبق أن عركته التجارب مع قوى الطبيعة. و كما يقول كنويبوهل فهذه المهنة ليست بالمُملة، ذلك أن "كل حالة مختلفة". ويوضح خبير الأسلحة النارية بأنَّ ما يمارسه وزملاؤه في العمل ليس التحقيق في مسرح الجريمة و لكن "تفسير مسرح الجريمة".
وفي معرض الشرح، يقول رئيس قسم فيزياء الطب الجنائي/ المقذافية: "نحن نرى القرائن التي ننطلق منها على الفورلإيجاد إجابات عن أسئلة مثل ما الذي حدث؟ بأي إتجاه تطايرت قطرات الدم؟ إننا نحاول إعادة بناء مشهد الأحداث".
تدريب
في العام الماضي، باشر تسعة وثمانون (89) طالبا برنامج البكالوريوس في علوم الطب الجنائي في جامعة لوزان، التي تصف نفسها بأنها "أول أكاديمية علمية للشرطة من نوعها في العالم"، وإحدى المؤسسات القليلة التي تقدم التعليم الأساسي في الطب الجنائي في أوروبا.
وبلغ تسجيل الطلاب لخوض هذا المجال ذروته في الأعوام 2005 و 2006 بمجموع 118 متقدماً (في عام 2005 كانت ستة من الأعمال الدرامية العشرة الأكثر شهرة تدور حول الجريمة).
من جهتها، تقول سوزان كوينيكة الباحثة في معهد العلوم الإجتماعية ودراسات الإتصالات والإعلام في جامعة هاينريش هاينه في دوسلدورف بألمانيا، بأن العمل في مهنة الطب الجنائي تستهوي الأشخاص "المهتمين بفهم كيف تكون الجثث البشرية أو لا تكون".
و بمساعدة اثنين من زملائها في العمل، قامت كوينيكة بدراسة فيما إذا كان لبعض الأعمال الدرامية التلفزيونية مثل المسلسل الأمريكي "سي أس آي" (CSI) (التحقيق في مسرح الجريمة) تأثير على إختيار الطلبة الألمان الراغبين بدراسة الطب الجنائي. ووجد الفريق بأن المسلسل كان مثار إعجاب الطلاب الذين كانوا يملكون إهتماماً بدراسة الطب بالفعل، وبأن معرفتهم بالطب الجنائي لم تكن "صحيحة 100%، ولكنها كانت واقعية".
ومن بين الأشخاص السبعة والعشرين الذين أجريت معهم مقابلات قبل التسجيل كانت هناك أربعة وعشرون إمرأة، الأمر الذي لم تكن كوينيكة متأكدة من سببه، ولكنها قالت في مقابلة مع swissinfo.ch: "هذا الواقع كان متوافقاً مع بحوث أخرى بيَّنت بأنه حينما تَظهر بعض المهن على شاشة التلفاز، تُبدي النساء في العادة إهتماماً أكبر بها مقارنة بالرجال".
ولا تختلف سويسرا عن ألمانيا كثيراً في هذا المجال، إذ تُظهر نسبة عالية من النساء في الكنفدرالية إهتماماً بالطب الجنائي. وفي لوزان مثلاً، كان نحو ثلثي الطلاب المتقدمين لنيل درجة البكالوريوس الجديدة في الفترة الممتدة من 2004 وحتى 2012 من الإناث. كما قال مايكل تاهلي مدير معهد الطب الجنائي في جامعة زيورخ، بأنه قد لاحظ التوجه بين صفوف طلاب الطب الداخلين الى برنامج المعهد، وصرح لـ swissinfo.ch: "لدينا اثنا عشر طالباً مقيماً، من بينهم رجلان فقط".
خيال وإبداع وحماسة
المتخصصون في الطب الجنائي يُعددون مجموعة من الخصائص التي يعتبرونها إيجابية لمن يريد إمتهان هذا المجال، والتي تتجاوز حدود الجنس. ومن جهته، يُلفت بيات كنويبوهل إلى أن مهنة الطب الشرعي تحتاج إلى "قدر كبير من الخيال والإبداع".
من ناحية أخرى، يقول تاهلي: "ينبغي أن تكون لديك رغبة داخلية قوية تدفعك لممارسة الطب الجنائي، ويجب أن تكون مهتماً بِحَل القضايا. الأمر مشابه لمشاهدة التلفاز أو قراءة رواية بوليسية. عليك أن تكون مُهتماً بالحل. إذا لم يتوفر لديك ذلك مع الوقت أو بمرور السنين، فأعتقد أنك غير ملائم البتة لممارسة الطب الجنائي".
لا وجود لدوام نظامي
إضافة إلى ذلك، لا تلائم مهنة الطب الجنائي الأشخاص الذين يرغبون بالعمل حسب جدول ساعات منتظم. ووفقاً لتاهلي الذي يترأس أيضاً قسم الطب الجنائي والتصوير في زيورخ، يبدأ يوم الدوام العادي في قسمه في العادة منذ الساعة السابعة صباحاً بإجراء مسحٍ ضوئي لجثث الموتى باستخدام إجراء يسمى "فيرتوبسي" Virtopsy (تعبير مختصر لمصطلحي Virtual و Autopsy، أي التشريح الظاهري)، وهو إجراء لا يستدعي شق فتحة كبيرة في الجثة، ساهم تاهلي شخصيا في تطويره. ويلي ذلك تحاليل وتشريحات وتقارير المحاكم ودوائر الشرطة.
عمليا، يتعامل أخصائيو الطب الجنائي مع مجموعة متنوعة من الحالات، حيث تُنجز قضايا القتل بجانب مهام أكثر بساطة، مثل تقييم دم السائقين في حالة السكر. ومثلما يقول تاهلي: "أنت لا تستطيع التنبؤ أبداً بما سيحدث، وهذا هو الجانب الممتع في العمل".
في العاصمة السويسرية برن، وفي طابق ينخفض بعدة درجات داخل مبنى رمادي قديم، تتواجد مكاتب قسم فيزياء الطب الجنائي التي يترأسها بيات كنويبوهل، أحد أبرز الخبراء في إصابات الأسلحة النارية في أوروبا.
بجانب نافذة كبيرة، يجلس عضوين من الشباب المُنتمين الى فريق البحث المكوّن من خمسة أعضاء أمام أجهزة الكمبيوتر، وفي غرفة صغيرة مجاورة، يظهر صندوق بلاستيكي يتدلّى من إطار معدني متأرجح وهو يملأ نحو نصف حجم الغرفة. وفي الآونة الأخيرة، إستُخدم هذا الصندوق المملوء بالسليلوز لقياس الطاقة الناتجة من علبة بخاخ الفلفل (التي تستعملها النساء خاصة لحمايتهن من أي هجوم مباغت).
كنويبوهل المختص في علم الرياضيات والذي جاء ليترأس قسم الطب الجنائي بعد خدمة ثلاثة وثلاثين عاماً كعالِمٍ سابق في مختبر المقذوفات التابع للجيش السويسري، سبق أن عركته التجارب مع قوى الطبيعة. و كما يقول كنويبوهل فهذه المهنة ليست بالمُملة، ذلك أن "كل حالة مختلفة". ويوضح خبير الأسلحة النارية بأنَّ ما يمارسه وزملاؤه في العمل ليس التحقيق في مسرح الجريمة و لكن "تفسير مسرح الجريمة".
وفي معرض الشرح، يقول رئيس قسم فيزياء الطب الجنائي/ المقذافية: "نحن نرى القرائن التي ننطلق منها على الفورلإيجاد إجابات عن أسئلة مثل ما الذي حدث؟ بأي إتجاه تطايرت قطرات الدم؟ إننا نحاول إعادة بناء مشهد الأحداث".
تدريب
في العام الماضي، باشر تسعة وثمانون (89) طالبا برنامج البكالوريوس في علوم الطب الجنائي في جامعة لوزان، التي تصف نفسها بأنها "أول أكاديمية علمية للشرطة من نوعها في العالم"، وإحدى المؤسسات القليلة التي تقدم التعليم الأساسي في الطب الجنائي في أوروبا.
وبلغ تسجيل الطلاب لخوض هذا المجال ذروته في الأعوام 2005 و 2006 بمجموع 118 متقدماً (في عام 2005 كانت ستة من الأعمال الدرامية العشرة الأكثر شهرة تدور حول الجريمة).
من جهتها، تقول سوزان كوينيكة الباحثة في معهد العلوم الإجتماعية ودراسات الإتصالات والإعلام في جامعة هاينريش هاينه في دوسلدورف بألمانيا، بأن العمل في مهنة الطب الجنائي تستهوي الأشخاص "المهتمين بفهم كيف تكون الجثث البشرية أو لا تكون".
و بمساعدة اثنين من زملائها في العمل، قامت كوينيكة بدراسة فيما إذا كان لبعض الأعمال الدرامية التلفزيونية مثل المسلسل الأمريكي "سي أس آي" (CSI) (التحقيق في مسرح الجريمة) تأثير على إختيار الطلبة الألمان الراغبين بدراسة الطب الجنائي. ووجد الفريق بأن المسلسل كان مثار إعجاب الطلاب الذين كانوا يملكون إهتماماً بدراسة الطب بالفعل، وبأن معرفتهم بالطب الجنائي لم تكن "صحيحة 100%، ولكنها كانت واقعية".
ومن بين الأشخاص السبعة والعشرين الذين أجريت معهم مقابلات قبل التسجيل كانت هناك أربعة وعشرون إمرأة، الأمر الذي لم تكن كوينيكة متأكدة من سببه، ولكنها قالت في مقابلة مع swissinfo.ch: "هذا الواقع كان متوافقاً مع بحوث أخرى بيَّنت بأنه حينما تَظهر بعض المهن على شاشة التلفاز، تُبدي النساء في العادة إهتماماً أكبر بها مقارنة بالرجال".
ولا تختلف سويسرا عن ألمانيا كثيراً في هذا المجال، إذ تُظهر نسبة عالية من النساء في الكنفدرالية إهتماماً بالطب الجنائي. وفي لوزان مثلاً، كان نحو ثلثي الطلاب المتقدمين لنيل درجة البكالوريوس الجديدة في الفترة الممتدة من 2004 وحتى 2012 من الإناث. كما قال مايكل تاهلي مدير معهد الطب الجنائي في جامعة زيورخ، بأنه قد لاحظ التوجه بين صفوف طلاب الطب الداخلين الى برنامج المعهد، وصرح لـ swissinfo.ch: "لدينا اثنا عشر طالباً مقيماً، من بينهم رجلان فقط".
خيال وإبداع وحماسة
المتخصصون في الطب الجنائي يُعددون مجموعة من الخصائص التي يعتبرونها إيجابية لمن يريد إمتهان هذا المجال، والتي تتجاوز حدود الجنس. ومن جهته، يُلفت بيات كنويبوهل إلى أن مهنة الطب الشرعي تحتاج إلى "قدر كبير من الخيال والإبداع".
من ناحية أخرى، يقول تاهلي: "ينبغي أن تكون لديك رغبة داخلية قوية تدفعك لممارسة الطب الجنائي، ويجب أن تكون مهتماً بِحَل القضايا. الأمر مشابه لمشاهدة التلفاز أو قراءة رواية بوليسية. عليك أن تكون مُهتماً بالحل. إذا لم يتوفر لديك ذلك مع الوقت أو بمرور السنين، فأعتقد أنك غير ملائم البتة لممارسة الطب الجنائي".
لا وجود لدوام نظامي
إضافة إلى ذلك، لا تلائم مهنة الطب الجنائي الأشخاص الذين يرغبون بالعمل حسب جدول ساعات منتظم. ووفقاً لتاهلي الذي يترأس أيضاً قسم الطب الجنائي والتصوير في زيورخ، يبدأ يوم الدوام العادي في قسمه في العادة منذ الساعة السابعة صباحاً بإجراء مسحٍ ضوئي لجثث الموتى باستخدام إجراء يسمى "فيرتوبسي" Virtopsy (تعبير مختصر لمصطلحي Virtual و Autopsy، أي التشريح الظاهري)، وهو إجراء لا يستدعي شق فتحة كبيرة في الجثة، ساهم تاهلي شخصيا في تطويره. ويلي ذلك تحاليل وتشريحات وتقارير المحاكم ودوائر الشرطة.
عمليا، يتعامل أخصائيو الطب الجنائي مع مجموعة متنوعة من الحالات، حيث تُنجز قضايا القتل بجانب مهام أكثر بساطة، مثل تقييم دم السائقين في حالة السكر. ومثلما يقول تاهلي: "أنت لا تستطيع التنبؤ أبداً بما سيحدث، وهذا هو الجانب الممتع في العمل".