صراع قومي وشكله ديني
مرسل: الجمعة مارس 22, 2013 6:31 pm
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 4039 - 2013 / 3 / 22 - 07:58
كانت الإمبراطوريةُ العباسيةُ برأسين مزدوجين؛ عربي كخليفةٍ وفارسي كرئيسِ وزراء، آلُ الرشيد والبرامكة، جسمٌ من الأمراء الكبار العرب وفئاتٌ وسطى من الشعراء والنحويين والمتكلمين والفلاسفة من أصولٍ فارسية.
في هذا الزمن لم تنغرسْ المادةُ الدينية في حراك القوميتين الرئيستين المتواريتين في المشرق بعد فكانت مذهبيةً عامة شخصية، حتى إذا أخذ الجسمان السياسيان العربي في بغداد والفارسي في الري يتشكلان وتظهر الدولُ الفارسيةُ المتعددة بشعارات التيارات الإمامية الأولى الزيدية فالإسماعيلية وهي تعودُ للغة الفارسية المتداخلة باللغة العربية، وتستعيدُ الفئاتُ الارستقراطية والوسطى الفارسية شيئاً من حضورها وحضارتها القديمة وتعود لبعض تقاليدها التي أزاحها العربُ وتدمجها بالإسلام المُلغى الطابع البدوي منه، وتُؤخذُ الجوانبُ الخارقة الاسطورية من التراث الفارسي القديم وتُدمجُ بالإماميات في شكلٍ قومي من اللاعقل، كان العربُ الارستقراطيون والفئات الوسطى التابعة لهم من جهةٍ أخرى يتمسكون بحرفيةِ النص الديني تمسكاً شديداً يدخلونه في الزجاجات الضيقة حتى لو تكسرت.
الفلسفاتُ الصوفية والمنطق وتطورات العلوم العقلية لا تتداخل وهذه المذهبية العربية الإسلامية النصوصية الحَرفية.
في تكوين الدول الفارسية والعربية على جانبي بلاد النهرين برزتْ القوميتان الفارسية والعربية بأدواتِ العصور الوسطى، إحداهما تحلق بأجسام الدراويش الصوفيين، والأخرى تسير على الأرض بأجسام رجال الدين النصوصيين.
وعبر قرون لم يستطع العرب والفرس أن يتجاوزوا عالمَ المزرعة والخَراج، عالم القرى والمدن المتخلفة التي تمتلئ بثمار أزماتِ البداوة والأرياف وتحللا كلَ شيء بالكلمات المتقاطعة القادمة من الأبراج.
ظلوا قوميين متعصبين يضعون عباءاتٍ رماديةً مذهبية على أكتافهم. العداوة التاريخية نقلوها من الاقتصاد إلى الدين والاساطير.
وصل هذا الصراع لذروته بين الدولتين الفارسية والتركية العثمانية وعاد مرة أخرى بشكل فارسي عربي واسع النطاق.
النهضاتُ على الجانبين لم تخرجْ من عوالم العصور الوسطى، فالخَراجُ صار على المؤسسات الاقتصادية والارستقراطيات صارت قوى الدولِ المتحكمة في الثمار الزيتية والمواد الأولية والنخاع اللاعقلي، والبيروقراطيات (الوطنية) المختلفة لا تطلع من نسيج القوى المدنية بل من القبائل والطوائف التي تنسخُ الماضي بثقافته المتيبسة الآلية.
هذه الثقافةُ المتيبسةُ سواءً صوفية اندمجتْ بأساطير واعتمدتْ على عواطف عبادية ملتهبة أو نصوصية مأسورة بالحروف لا تَرى ما وراء الكلمات من واقع وبشر، ألغتْ القومياتَ والطبقات وشكلتْ قلاعاً حربيةً محصنةً على طرفي النهرين السياسيين العدوين لا تقبلُ الحراكَ التاريخي الحديث وتبادلَ الزيارات الودية.
ظهورُها بمظهرِ المذهبية السياسية قبل عقودٍ كان بداية الأزمة، وعودة الظهور مرة أخرى غدا ذروةَ الأزمة.
وفيما كان العالمُ يسير إلى الإمام كانت المنطقةُ تسير للخلف وهي تمسكُ مدافعَ رشاشة.
هي لا تفعلُ سوى أن تدمرَ نفسها، وتقبلُ بذلك، ولكن لا تقبل أن تعيدَ النظرَ في تاريخها. فالرؤوسُ الصلبةُ تعدلا نفسها للكسر لا للحفر.
والعالمُ المستفيد يقول دعوهما يتقاتلان ويدمران نفسيهما فبعد ذلك يريدان إصلاح ما دمراه ونحن جاهزون بالعقود والفواتير: ينابيع النفط لديهم وخزائنها لدينا.
الصعوبات تكمن في تراكم القيود على القوميات والعامة والخاصة، والارستقراطيات البيروقراطيات التي توسعت وتجمدت في قواقعها سربت أمراضها للعوام المتعصبين طعام الحروب وضحاياها.
كم مرة قيل (بعد خراب البصرة) لكن هل ظهر حكماء بعد خرابات البصراوت؟
الحوار المتمدن-العدد: 4039 - 2013 / 3 / 22 - 07:58
كانت الإمبراطوريةُ العباسيةُ برأسين مزدوجين؛ عربي كخليفةٍ وفارسي كرئيسِ وزراء، آلُ الرشيد والبرامكة، جسمٌ من الأمراء الكبار العرب وفئاتٌ وسطى من الشعراء والنحويين والمتكلمين والفلاسفة من أصولٍ فارسية.
في هذا الزمن لم تنغرسْ المادةُ الدينية في حراك القوميتين الرئيستين المتواريتين في المشرق بعد فكانت مذهبيةً عامة شخصية، حتى إذا أخذ الجسمان السياسيان العربي في بغداد والفارسي في الري يتشكلان وتظهر الدولُ الفارسيةُ المتعددة بشعارات التيارات الإمامية الأولى الزيدية فالإسماعيلية وهي تعودُ للغة الفارسية المتداخلة باللغة العربية، وتستعيدُ الفئاتُ الارستقراطية والوسطى الفارسية شيئاً من حضورها وحضارتها القديمة وتعود لبعض تقاليدها التي أزاحها العربُ وتدمجها بالإسلام المُلغى الطابع البدوي منه، وتُؤخذُ الجوانبُ الخارقة الاسطورية من التراث الفارسي القديم وتُدمجُ بالإماميات في شكلٍ قومي من اللاعقل، كان العربُ الارستقراطيون والفئات الوسطى التابعة لهم من جهةٍ أخرى يتمسكون بحرفيةِ النص الديني تمسكاً شديداً يدخلونه في الزجاجات الضيقة حتى لو تكسرت.
الفلسفاتُ الصوفية والمنطق وتطورات العلوم العقلية لا تتداخل وهذه المذهبية العربية الإسلامية النصوصية الحَرفية.
في تكوين الدول الفارسية والعربية على جانبي بلاد النهرين برزتْ القوميتان الفارسية والعربية بأدواتِ العصور الوسطى، إحداهما تحلق بأجسام الدراويش الصوفيين، والأخرى تسير على الأرض بأجسام رجال الدين النصوصيين.
وعبر قرون لم يستطع العرب والفرس أن يتجاوزوا عالمَ المزرعة والخَراج، عالم القرى والمدن المتخلفة التي تمتلئ بثمار أزماتِ البداوة والأرياف وتحللا كلَ شيء بالكلمات المتقاطعة القادمة من الأبراج.
ظلوا قوميين متعصبين يضعون عباءاتٍ رماديةً مذهبية على أكتافهم. العداوة التاريخية نقلوها من الاقتصاد إلى الدين والاساطير.
وصل هذا الصراع لذروته بين الدولتين الفارسية والتركية العثمانية وعاد مرة أخرى بشكل فارسي عربي واسع النطاق.
النهضاتُ على الجانبين لم تخرجْ من عوالم العصور الوسطى، فالخَراجُ صار على المؤسسات الاقتصادية والارستقراطيات صارت قوى الدولِ المتحكمة في الثمار الزيتية والمواد الأولية والنخاع اللاعقلي، والبيروقراطيات (الوطنية) المختلفة لا تطلع من نسيج القوى المدنية بل من القبائل والطوائف التي تنسخُ الماضي بثقافته المتيبسة الآلية.
هذه الثقافةُ المتيبسةُ سواءً صوفية اندمجتْ بأساطير واعتمدتْ على عواطف عبادية ملتهبة أو نصوصية مأسورة بالحروف لا تَرى ما وراء الكلمات من واقع وبشر، ألغتْ القومياتَ والطبقات وشكلتْ قلاعاً حربيةً محصنةً على طرفي النهرين السياسيين العدوين لا تقبلُ الحراكَ التاريخي الحديث وتبادلَ الزيارات الودية.
ظهورُها بمظهرِ المذهبية السياسية قبل عقودٍ كان بداية الأزمة، وعودة الظهور مرة أخرى غدا ذروةَ الأزمة.
وفيما كان العالمُ يسير إلى الإمام كانت المنطقةُ تسير للخلف وهي تمسكُ مدافعَ رشاشة.
هي لا تفعلُ سوى أن تدمرَ نفسها، وتقبلُ بذلك، ولكن لا تقبل أن تعيدَ النظرَ في تاريخها. فالرؤوسُ الصلبةُ تعدلا نفسها للكسر لا للحفر.
والعالمُ المستفيد يقول دعوهما يتقاتلان ويدمران نفسيهما فبعد ذلك يريدان إصلاح ما دمراه ونحن جاهزون بالعقود والفواتير: ينابيع النفط لديهم وخزائنها لدينا.
الصعوبات تكمن في تراكم القيود على القوميات والعامة والخاصة، والارستقراطيات البيروقراطيات التي توسعت وتجمدت في قواقعها سربت أمراضها للعوام المتعصبين طعام الحروب وضحاياها.
كم مرة قيل (بعد خراب البصرة) لكن هل ظهر حكماء بعد خرابات البصراوت؟