صفحة 1 من 1

مفاهيم أساسية في العقود

مرسل: الثلاثاء مارس 26, 2013 12:40 pm
بواسطة محمد الصبيحي 1
تعد العقود من الوسائل التنظيمية لترتيب حياة الناس، وكنظرة عامة نجد أن الإسلام لم ينشئ صورا معينة لأسلوب التعامل بين الناس في تبادل الأموال أو ما يأخذ حكمها، لكنه جاء إلى المجتمع العربي فوجد صورا من المعاملات المالية، إذ كان العرب كأي أمة أو مجتمع لهم حياة اجتماعية مدنية ذات ارتباطات سياسية وصلات اقتصادية وتعاقدات مدنية ومعاملات مالية، بقدر ما دعت إليه حالتهم الاجتماعية وكيانهم البدائي، فكانوا يحالفون ويتبادلون ويتداينون ويرهنون ويتجرون، وكانوا في جميع معاملاتهم وعقودهم واتفاقاتهم يصدرون عن إرادتهم خاضعين لأعراف وعادات جارية بينهم.

وكان موقف الإسلام من صور المعاملات المالية موقف الناقد المصلح المهذب، فما رأى فيه مصلحة أبقاه وما رأى فيه ضررا أو يؤدي إلى الضرر أو ينافي الفضيلة أو يقف ضد ما يجب من التعاون على البر والتقوى منعه وحرمه. أما ما رأى فيه جانبا من المصلحة وجانبا من الضرر وعندها يمكن إعمال مبدأ التوازن والتغلب على جوانب الضرر فيه أو التجاوز عنه رخص فيه أو عدله بما يجعله أكثر خيرا وما يجعل نفعه أكثر من ضرره.

وعند النظرة الأولى لكيفية استحداث العقود نجد أنها ذات صبغة اجتماعية في الأساس، فمعلوم أن الإنسان كائن اجتماعي، وهو مدني بأصل فطرته التي فطره الله عليها، بل هذه إحدى خصائصه الأساسية.

ومن ضرورات هذا الاجتماع الإنساني وجود معاملات بين أفراده وجماعاته، ولا يمكن أن تؤدي هذه المعاملات وظيفتها في خدمة الاجتماع البشري إلا إذا سارت على وجه واضح مستقر ومتفق عليه من المجتمع، أو معلوم لأطراف التعامل، حتى لا تفضي المعاملات إلى نزاع دائم وشقاق بعيد في شؤون الحياة الضرورية المتكررة.

ولذلك جاءت الشرائع الإلهية لتنظيم هذه المعاملات بين الناس وتحقيق مقصودها والفصل بينهم - عند النزاع - على أساسها، وإلزام الجميع بها.

إن أحكام المعاملات - بكل أنواعها - لا تأتي من فراغ، إنما تصدر في كل أمة متأثرة بوجهة أصحابها، وماهية عقيدتهم وأخلاقهم، ونوعية المصالح والقيم التي يريدون تحقيقها أو حمايتها، ومن هنا وقع الاختلاف بين الأمم في أحكام المعاملات مع اتفاقهم على أن المعاملات نفسها ضرورة بشرية، لا تختلف بينهم إلا في الصور والأسماء.

إن المواضيع المتعلقة بالعقود لها أهمية بالغة في حياة الفرد وفي حياة الجماعة، ذلك أن حياة لا يمكن تصورها بدون تعامل بين الأفراد والجماعات، والتعامل لا يكون إلا بإبرام عقود فردية أو جماعية، مكتوبة أو غير مكتوبة. ومن هنا أمكن القول إن الحياة الإنسانية في أي عصر من العصور لا غنى لها عن معرفة أحكام العقود لأنها متصلة بحياتها اتصالا وثيقا.

والأحكام التي يحتاج إليها الناس في معاملاتهم تختلف من عصر إلى عصر. ذلك أن الناس في تعاملهم لا بد مختلفون من جماعة إلى جماعة، ومن بلد إلى بلد، فما بالنا إذن باختلاف الناس من جيل إلى جيل ومن قرن إلى قرن.

واستناداً إلى ما سبق يتبين للقارئ الكريم أن المعاملات والعقود على وجه الخصوص تستند إلى أسس تكفل توافر الصبغة الإنسانية، ومن أهمها التراضي والاختيار واستقرار المعاملات وحياة الآخرين ومنع كل ما يؤدي إلى المنازعات والتدليس والغبن الفاحش والمغالاة في الربح، والاستفادة من العقد على حساب العاقد الآخر من دون مقابل.

إن النظرة الشمولية للعقود تتطلب مراعاة أسلوب الاستحداث وكيفية النشأة ثم طريقة الاشتراط وحفظ الحقوق والالتزام ثم أسلوب الصياغة وكيفية قيام الهيكل الأساسي والشكل التنظيمي، وهذه العناصر هي غالباً تهيئ للمختصين دائماً تطوير العقود، بل استحداث عقود مبتكرة تراعي العرف والمصلحة والاجتهاد الفقهي القانوني ثم وضع الشروط في العقود التي قد تحتاج إلى زيادة بعض الآثار أو نقصانها بما يحقق الغرض من التعاقد، خاصة أنه أمر مستقبلي ومحتمل الوقوع ويقتضي وضعها غالباً دقة في اللغة والأسلوب.

هذه مفاهيم رئيسية في العقود لا بد من الاعتناء بها، خاصة من قبل المختصين، وكلما زادت العناية بالعقود زادت نسبة الاستقرار الاجتماعي والاستثماري والحقوقي بين الناس، وكلما ضعف الاهتمام بها ضعف الاستقرار الاجتماعي والاستثماري، ومن واقع خبرة قضائية غالباً لا يتم الاعتناء بالعقود والحماية القانونية فيها إلا بعد التورط في قضايا نتيجة لضعف الحماية في العقود المبرمة.

أسأل الله لكم التوفيق والسعادة وتذكروا دائماً أنه يعقب الشدة الفرج وكلما اشتد الظلام قرب الصباح، والحمد لله على نعمائه.