منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#60195
أرشيف ‘مواضيع سياسية’ التصنيف
« المواضيع السابقةحلٌ في تركيا.. أزمةٌ في ايران
28/03/2013
جو حمورة

على باب قوسين فقط، أصبحت المسافة التي تفصل تركيا عن تحقيق السّلام مع أكرادها. فبعد أن أعلن زعيم حزب “العمّال الكردستاني”، عبدالله أوجلان، وقفاً لإطلاق النّار على الدّولة التّركيّة، مصحوباً بدعوة مقاتليه لمغادرة أراضيها، تعززت الآمال بالوصول الى تّسويةٍ سلميّةٍ دائمة للمسألة الكرديّة.

ردّ رئيس الحكومة التّركيّة، رجب طيب أردوغان، بإيجابيّة على هذا الإعلان واضعاً نصب عينيه أمرين أساسيّين ستشهدهما بلاده في المرحلة المقبلة: الأوّل وضع دستورٍ جديدٍ لتركيا يقرّ حقوق الأكراد، السّياسيّة والثّقافيّة، كثمنٍ لمغادرة مقاتليهم لأراضيها. أمّا الثاني، فالخوف من إمكان عرقلة تّسوية السّلام معهم من الدّولة الأكثر تضرراً منها: إيران.

على عكس ما فعل الإتّحاد الأوروبي، الولايات المتّحدة الأميركيّة، وحكومة إقليم كردستان في العراق، لم يكن مفاجئاً عدم إظهار إيران تأييدها لجهود الحكومة التّركيّة لإيجاد حلٍ سلميٍّ مع حزب “العمّال الكردستاني”. فتّسوية نهائيّة بين تركيا والأكراد، تعرض مصالح إيران الشرق أوسطيّة الى أخطارٍ حقيقيّة. عدى عن أنّها المنافس الأساسيّ لها في بسط نفوذها في منطقة الشّرق الأوسط، كذلك، فإنّ إستقرار تركيا وإزدهارها يضرّان بمصالح إيران. هذه الأخيرة مهتّمةٌ ببقاء تركيا منشغلة بأمورها الدّاخليّة، لا بمدّ المزيد من نفوذها الخارجيّ تحقيقاً لطموحاتها. فتقدم النفوذ التركي، في العراق وسوريا، لا يمكن أن يتمّ إلا على حساب القوة الإقليميّة لإيران.
سببٌ آخرٌ لوقوف إيران ضدّ التّسوية التّركيّة – الكرديّة، يتلخص بأن الحلّ المفترض بينهما، سيؤدي حتماً الى إعطاء أكراد تركيا حقوقاً سياسيّةً وثقافيّةً. ما يعزز بالمقابل صعود حدّة مطالب أكراد إيران بمعاملة دولتهم لهم بالمثل. ذلك لأنّ في شمال غرب إيران، ملايين الأكراد السّاعين الى تحصيل حقوقهم السّياسية والثّقافية، أسوةً بإخوتهم في شمال العراق وتركيا.

عاملٌ تاريخيّ يضاف الى ما تقدّم، وهو أنّ لأكراد إيران تجربةٌ فريدة في سعيهم للإستقلال. فخلال العام 1946، أقام الأكراد في شمال غرب إيران جمهوريّةً مستقلّةً دُعيت بإسم “جمهوريّة مهاباد”. هذه التّجربة، وإن استمرّت لسنةٍ واحدةٍ فقط، إلا أنّها ألهمت القوميين الأكراد، في إيران والجوار، بإنشاء جمهوريّة كردستان المستقلة الّتي لا يزال قسمٌ كبيرٌ منهم يؤمن بها.

من ناحيةٍ أخرى، ستفضي تّسوية المسألة الكرديّة، الى سحب مقاتلي حزب “العمّال الكردستاني” الأربعة آلاف من تركيا. هؤلاء لن يجدوا “عملاً” لهم في شمال العراق، لأنّ لا خلافاً عميقاً بينهم وبين حكومة إقليم كردستان. بل ستكون وجهتهم إيران أو سوريا، وفي كلّتا الحالتين لن تكون إيران سعيدة بذلك.

إن حطّت رحالهم إليها، فلإيران خوفٌ من تأثيرهم على أكرادها، عبر بثّ الرّوح القوميّة والقتاليّة بينهم. تأثيرٌ قد يخلق لها مشاكل داخليّة جمّة، خصوصاً أنّ الأجواء مهيّأةٌ لذلك بعدما تمّ إنشاء حزب “الحياة الحرّة في كردستان (PJAK)” عام 2004. هذا الحزب، الّذي يعتبر إحدى أجنحة “العمّال الكردستاني”، كان قد قام سابقاً بعدّة عمليّات أمنيّة متقطّعة ضدّ القوّات الأمنيّة الإيرانيّة منذ إنشاءه.

أمّا وإن كانت وجهتهم سوريا، فهؤلاء سينضمّون حتمًاً الى حزب “الإتّحاد الديمقراطيّ (PYD)”، وهو أيضًاً جناحٌ آخر “للعمّال الكردستاني”. فبالرّغم من أنّ هذا الحزب يقف الآن، تقريباً، على مسافةٍ واحدةٍ من قوى المعارضة والنّظام السوري، إلّا أنّه ينتظر إقرار التّسوية النّهائية بين الحكومة التّركيّة وحزب “العمّال الكردستاني” ليصوّب سلاحه نحو النّظام، ما يساهم بالنّهاية بإضعاف نفوذ إيران في سوريا.

بالمقابل، وفي حال إستطاعت إيران إفشال جهود التّسوية النهائيّة بين تركيا والأكراد، فهؤلاء سيصوبون سلاحهم نحو قوى المعارضة، ما يؤدي الى تقليص النفوذ التّركي في سوريا على حساب بقاء النفوذ الإيراني الأقوى هناك. فبعد الأزمة السّورية أصبح المقاتلون الأكراد حاجة للقوى الإقليميّة، أكثر من كونهم، كما كانوا في السّابق، مشكلة للجميع.

———————————-