صفحة 1 من 1

إنعاش عملية السلام فى الشرق الأوسط

مرسل: الاثنين إبريل 01, 2013 6:41 pm
بواسطة محمد بن جديد 9
كتب فيكتور كوتسيف ورقة بحثية بعنوان «هل يحمل الربيع معه إنعاشا لعملية السلام؟» نشرتها مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى. فيقول كوتسيف أنه بعد زيارة الرئيس الأمريكى الاخيرة إلى منطقة الشرق الأوسط، ظهرت مؤشرات مشجعة جدا لإعادة إطلاق محادثات السلام. ويقول إن مؤخرا صدرت تقارير تكشف أن الرئيس الفلسطينى محمود عباس ومعاونيه رفضوا عرضا بتجميد جزئى لبناء المستوطنات الإسرائيلية فى مقابل العودة إلى طاولة المفاوضات. لكن عقب زيارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما الأخيرة إلى المنطقة، ظهر العديد من المؤشّرات المشجّعة جدا لإعادة إطلاق محادثات السلام. وعلى الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة، التى تضم عددا غير مسبوق من مؤيّدى الاستيطان، تضع العراقيل، إلا أنها تُوفِّر أيضا فرصا نادرة.

يرى الكاتب أن وقع الزيارة لدى الإسرائيليين كان أفضل منه لدى الفلسطينيين. فقد أبدى معظم المراقبين الفلسطينيين استياء شديدا من المودّة التى أظهرها أوباما تجاه نتنياهو، وانتقاده خفيف اللهجة للنشاط الاستيطانى الإسرائيلى. كتب الدكتور مازن قمصية، وهو ناشط فلسطينى مقيم فى بيت لحم وأستاذ فى علم الجينات فى العديد من الجامعات الفلسطينية، فى رسالة بالبريد الإلكترونى مؤخرا: «منح أوباما نفَسا حيويا جديدا للحرب والنزاع عبر تفادى التطرّق إلى حقوق الإنسان والقانون الدولي». أما المفاوضون المخضرمون، على غرار الدكتور غرشون باسكين، الرئيس المشارك فى «المركز الإسرائيلى ــ الفلسطينى للبحوث والمعلومات»، الذى توسّط فى مبادلة بين جلعاد شاليط والسجناء الفلسطينيين فى العام 2011، فكانت لهم نظرة مختلفة تماما إلى الزيارة. لطالما اعتبر باسكين أن الدبلوماسية العامة ليست المقاربة المناسبة لتسوية النزاع، وأن «المفاوضات السرّية» تحمل حظوظا أكبر بالنجاح. فقد قال: «كانت زيارة ناجحة جدا. فاز أوباما بقلوب الإسرائيليين، وهو ما سعى إلى تحقيقه.. يواصل (وزير الخارجية الأميركى جون) كيرى زيارته لإسرائيل، ويعمل على إطلاق الدبلوماسية المكوكية، وهذه هى الخطوة الصحيحة التى يجب القيام بها.. كما أن التوقيت جيّد مع انطلاقة الحكومة الإسرائيلية الجديدة».

يقول كوتسيف إن الزيارة الأخيرة ساهمت إلى حد كبير فى تحسين مصداقية الرئيس أوباما حيال دوره الوسيط فى عيون الإسرائيليين. أما ما سيحصل لاحقا خلف الأبواب المغلقة، فمسألة مختلفة تماما. ولعل قيام أوباما بتكليف وزير خارجيته الجديد بالتوسّط فى المفاوضات، يكشف الكثير عن نواياه، فلطالما أغضبت مواقف كيرى المستقلّة حول النزاع، عددا كبيرا من المنتمين إلى المعسكر الموالى لإسرائيل.

فى الواقع، يمكن أيضا تفسير الثناء الذى أغدقه أوباما على إسرائيل، بأنه عرضٌ للثقة فى علاقة تعرّضت سابقا إلى الاهتزاز. صحيح أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تضم العدد الأكبر من المستوطنين ومؤيّدى الاستيطان منذ عقود خلت، والفريقان قادمان من حزب «البيت اليهودي» اليمينى وحزب «الليكود» الذى يتزعّمه نتنياهو. لكن الأخير بات فى موقع ضعيف جدا بسبب أدائه فى الانتخابات فى كانون الثاني/يناير الماضى (والذى كان أسوأ من المتوقَّع) وما أعقبها من عملية شاقّة لتشكيل الائتلاف الحكومى. لقد أرغمه الحزبان الوسطيان فى حكومته، حزب «هناك مستقبل» برئاسة مقدّم البرامج التليفزيونية سابقا، يائير لابيد، وحزب «الحركة» برئاسة وزيرة الخارجية السابقة تسيبى ليفنى، على إدراج مفاوضات السلام فى الاتفاق حول الائتلاف الحكومى. وهذا مايُفسّر التصريحات المنسوبة إلى معاونى نتنياهو فى الصحافة الإسرائيلية بأنه قد يعمد على الأرجح إلى تجميد بناء المستوطنات فى عدد كبير من المناطق فى الضفة الغربية، كما أكّد رئيس الوزراء بنفسه التزامه بالمحادثات وبفكرة إقامة دولتَين لشعبَين خلال زيارة أوباما إلى إسرائيل.

ويقول إنه فضلا عن ذلك، فإن التمثيل الواسع للوبى الاستيطانى فى الحكومة هو نعمة ونقمة فى آنٍ للمستوطنين أنفسهم. فمن جهة، سيكون لهم حضورٌ قوى فى السياسات اليومية للحكومة، وغالب الظن أنهم سيحاولون الإجهاز على عملية السلام ضربة تلو الأخرى. ومن جهة أخرى، سيواجه المستوطنون حالة من الضياع التام إذا أبرم ممثّلوهم اتفاقا مع الفلسطينيين. وقد لفت حزب «البيت اليهودي» الذى يُعتبَر الأكثر ارتباطا بهم، إلى أنه لن يعارض المفاوضات بل سيكتفى بالمطالبة بإجراء استفتاء قبل تقديم أيّة تنازلات مهمّة فى ما يتعلّق بالأراضى.

ثمة سوابق كثيرة عن تحوّل صقور إلى حمائم فى إسرائيل، وفى هذا الإطار يتبادر إلى ذهننا على الفور إسحق رابين وأرييل شارون، لكنهما ليسا أبدا الوحيدَين. مؤخرا قال عاموس يادلين، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق، للصحفى المُخَضرَم بن بيرنباوم، إن رؤساء الأجهزة الأمنية فى إسرائيل سيؤيّدون على الأرجح التوصّل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين بنسبة أعلى من الشعب فى شكل عام، «لأنهم خدموا فى الأراضى، ويدركون أن من يريد دولة يهودية وديمقراطية لا يجدر به السيطرة على 2.5 مليون فلسطينى».

يضيف بيرنباوم أن الخطاب الإسرائيلى السائد شهد أيضا تحوّلا نحو اليسار فى العقدَين الماضيين: «المفارقة الكبيرة فى اللحظة الراهنة فى السياسة الإسرائيلية هى أنه على الرغم من ترسيخ اليمين لسلطته، تحوّل الناس نحو اليسار فى ما يتعلّق بالتنازلات التى يُبدون استعدادا لتقديمها من أجل السلام».

ويضيف كوتسيف أن الحكومة اليمينية قد تكون بطبيعتها فى موقع أفضل لإقناع مجتمعها بالقبول باتفاقٍ للسلام فى نزاع مطوَّل. وقد يكون صحيحا أن عباس هو أفضل شريك للسلام يمكن أن يتمنّاه الإسرائيليون، إلا أن الحكومة الإسرائيلية الحالية هى أيضا شريك السلام الأكثر مصداقية الذى يمكن أن يطلبه الفلسطينيون. علاوة على ذلك، ثمة زخم دولى متزايد يدفع مؤخرا باتّجاه المفاوضات، ولاسيما على ضوء المخاوف من احتضار حل الدولتَين، واحتمال قيام الفلسطينيين فى الضفة الغربية بإطلاق انتفاضة جديدة فى أية لحظة. يبدو أن الدبلوماسية الثلاثية المكثَّفة وغير المباشرة التى استمرّت أسابيع عدّة فى مصر بين ممثلّين عن حركة «حماس» وإسرائيل والسلطة الفلسطينية، لم تأتِ بنتائج تُذكَر، وخير دليل على ذلك الصواريخ الخمسة التى أُطلِقَت على إسرائيل خلال زيارة أوباما، وتعثُّر مفاوضات المصالحة الفلسطينية. لكن مبادرة موازية فى الأردن بين القادة الإسرائيليين والسلطة الفلسطينية ــ تحظى بدعم الاتحاد الأوروبى وتحصل الآن على جرعة زخم من كيرى ــ تحمل وعودا أكبر بكثير.

وفى الختام يقول كوتسيف إن الجزء الأكبر من التحرّكات التى تُتَّخذ فى إطار المبادرة هى تحركات سرية، وغالب الظن أنها ستبقى كذلك فى الوقت الراهن. ففى الأسابيع الأخيرة، توجّه نتنياهو، كما أوردت بعض التقارير، إلى الأردن سرا لمناقشة محادثات السلام، فيما سافر عباس إلى الرياض فى زيارة مفاجئة للقاء كيرى. بغض النظر عمّا يقوله القادة فى العلن، يبدو أن هناك اندفاعة طال انتظارها لإيجاد حل للنزاع الإسرائيلى ــ الفلسطينى الشائك. يزعم المشكِّكون أن الأمريكيين والإسرائيليين على السواء يتخبّطون فى شئونهم الداخلية، وأنهم مرتبكون أمام الفوضى الراهنة فى المنطقة، بحيث إنه يتعذّر عليهم بذل مجهود فعلى فى المفاوضات. لكنّ ثمة شعورا أيضا على الأرض، وعلى طرفَى جدار الفصل، بأن الوضع بات ملحا جدا. يُظهر التاريخ أن أزمات كهذه يمكن أن تحمل معها أيضا فرصا كبيرة.

------------------
* نقلا عن الشروق المصرية، الأحد 31/3/3013