صفحة 1 من 1

أزمة الصواريخ الكوبية1962

مرسل: الجمعة إبريل 05, 2013 4:48 pm
بواسطة محمد بن عميره 3
كمبريدج ــ يصادف هذا الشهر الذكرى السنوية الخمسين لأزمة الصواريخ الكوبية ــ تلك الأيام الثلاثة عشر من شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 1962 والتي لعلها كانت أقرب أيام العالم إلى السقوط في آتون حرب نووية كبرى. فقد حذر الرئيس جون ف. كينيدي الاتحاد السوفييتي علناً من نشر صواريخ هجومية في كوبا. ولكن زعيم الاتحاد السوفييتي نيكيتا خروشوف قرر عبور الخط الأحمر الذي رسمه كينيدي خُفية ومفاجأة الأميركيين بالأمر الواقع. وعندما اكتشفت طائرة استطلاع أميركية الصواريخ، اندلعت الأزمة.
ولقد سارع بعض مستشاري كينيدي إلى حثه على شن ضربة جوية وغزو كوبا لتدمير الصواريخ. وبدأ كينيدي بحشد القوات، ولكنه في الوقت نفسه عمل على كسب الوقت من خلال الإعلان عن حصار كوبا بحريا. ثم هدأت الأزمة عندما استدارت سفن سوفييتية تحمل صورايخ إضافية عائدة، ووافق خروشوف على إزالة الصواريخ المنصوبة على الجزيرة. وعلى حد تعبير دين راسك وزير الخارجية الأميركي آنذاك: "كنا وجهاً لوجه، وأظن أن الشخص الآخر طرف بعينه".

للوهلة الأولى بدت هذه النتيجة منطقية ومتوقعة. فالولايات المتحدة كانت تمتلك من الأسلحة النووية سبعة عشر ضعف ما يملكه منها الاتحاد السوفييتي. كان التفوق واضحاً للولايات المتحدة.

ورغم هذا، لم تشن الولايات المتحدة هجوماً استباقياً ضد مواقع الصواريخ السوفييتية، التي كانت غير حصينة، لأن المجازفة باحتمال إطلاق ولو صاروخ واحد أو صاروخين من الصواريخ السوفييتية على أي مدينة أميركية كانت كافية لردع الضربة الأولى. كما خشي كل من كينيدي وخروشوف أن يفلت زمام الاستراتيجيات العقلانية والحسابات الدقيقة. ولقد استخدم خروشوف استعارة قوية في إحدى رسائله إلى كينيدي: "نحن وأنتم لا ينبغي لنا الآن أن نشد طرفي حبل ربطتم عليه عقدة الحرب".

في عام 1987 كنت جزءاً من مجموعة من الخبراء التقوا في جامعة هارفارد مع مستشاري كينيدي الأحياء لدراسة الأزمة. فقال لنا روبرت ماكنمارا، وزير دفاع كينيدي، إنه كان يزداد حرصاً وحذراً مع تطور الأزمة. في ذلك الوقت، كان ماكنمارا يتصور أن احتمالات اندلاع حرب نووية نتيجة للأزمة ربما كانت واحد إلى خمسين (ولو أنه قيم الخطر بدرجة أعلى كثيراً عندما علم في التسعينيات أن الاتحاد السوفييتي كان قد أرسل بالفعل أسلحة نووية إلى كوبا).

وقال دوجلاس ديلون، وزير خزانة كينيدي، إنه رأى أن خطر اندلاع حرب نووية كان نحو الصفر. فهو لم ير كيف كان الموقف ليتصاعد إلى حرب نووية، وبالتالي كان على استعداد للضغط على السوفييت بشدة وخوض قدر من المجازفات ما كان ماكنمارا ليقدم عليه. وكان الجنرال ماكسويل تايلور رئيس هيئة الأركان المشتركة آنذاك يعتقد أيضاً أن خطر اندلاع حرب نووية كان متدنيا، ولقد اشتكى أن الولايات المتحدة سمحت للاتحاد السوفييتي بالإفلات من العقاب بسهولة، وقال إنه يرى أن الأميركيين كان من الواجب عليهم أن يزيلوا نظام كاسترو من الوجود.

ولكن المخاطر المحتملة نتيجة لفقدان السيطرة على الموقف كانت تشكل عبئاً ثقيلاً على كينيدي أيضا، ولهذا السبب اتخذ موقفاً أكثر حذراً مما كان ليرضي بعض مستشاريه. والمغزى من القصة هو أن القليل من الردع النووي يقطع شوطاً طويلاً في تحقيق الهدف المنشود.

ولكن هناك رغم ذلك بعض الغموض الذي لا زال يحيط بأزمة الصواريخ والذي يجعل من الصعب علينا أن نعزو النتيجة بالكامل إلى العنصر النووي في الأزمة. كان الإجماع العام على أن الفوز كان من نصيب الولايات المتحدة، ولكن من الصعب أن نحدد إلى أي مدى فازت الولايات المتحدة، ولماذا فازت.

هناك على الأقل تفسيران محتملان للنتيجة التي انتهت إليها الأزمة، بالإضافة إلى إذعان الاتحاد السوفييتي لتفوق قوة النيران النووية الأميركية. الأول يركز على حجم المصالح النسبية لكل من القوتين العظميين في الأزمة: فالولايات المتحدة لم تكن مصلحتها في كوبا المجاورة أعظم من مصلحة الاتحاد السوفييتي فحسب، بل إنها كانت قادرة أيضاً على استخدام القوات التقليدية بكفاءة. وكان الحصار البحري واحتمالات الغزو من جانب الولايات المتحدة من الأسباب التي عززت من مصداقية الردع الأميركي، وفرضت عبئاً نفسياً على السوفييت.

ويشكك التفسير الثاني في الفرضية القائلة بأن أزمة الصواريخ الكوبية كانت انتصاراً صريحاً للولايات المتحدة. فكان أمام الأميركيين ثلاثة خيارات: "قوة السلاح" (قصف مواقع الصواريخ)؛ أو "الضغط" (فرض الحصار على كوبا لإقناع السوفييت بسحب الصواريخ)؛ أو "الشراء" (إعطاء السوفييت شيء يريدونه).

لفترة طويلة، لم يتحدث المشاركون كثيراً عن جانب الشراء في حل الأزمة. ولكن الأدلة التي ظهرت في وقت لاحق تشير إلى أن الوعد الصامت من جانب الولايات المتحدة بإزالة صواريخها العتيقة من تركيا وإيطاليا ربما كان أكثر أهمية مما كان متصوراً آنذاك (كما تعهدت الولايات المتحدة علناً بعدم غزو كوبا).

بوسعنا أن نستنتج أن الردع النووي كان مهماً في الأزمة، وأن البعد النووي كان بارزاً في تفكير كينيدي بكل تأكيد. ولكن نسبة الأسلحة النووية لم تكن هي العامل المهم بقدر الخوف من قدرة بضع أسلحة نووية قليلة على إحداث دمار لا يطاق.

ولكن إلى أي مدى كانت هذه المخاطر حقيقية؟ في السابع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول 1962، وبعد إسقاط القوات السوفييتية في كوبا لطائرة استطلاع أميركية (ومقتل الطيار) مباشرة، انتهكت طائرة مشابهة تأخذ عينات جوية روتينية بالقرب من ألاسكا من دون قصد المجال الجوي السوفييتي في سيبريا. ومن حسن الحظ أنها لم تُسقَط. ولكن الأمر الأكثر خطورة هو أن القوات السوفييتية في كوبا، ومن دون علم الأميركيين، صدرت إليها التعليمات بصد الغزو الأميركي، وفوِّضَت باستخدام أسلحتها النووية التكتيكية للقيام بذلك.

وإنه لمن الصعب أن نتخيل أن مثل هذا الهجوم النووي كان ليظل تكتيكياً فحسب. فمؤخراً نشر الباحث الأميركي كينيث والتز مقالاً بعنوان "لماذا ينبغي لإيران أن تحصل على القنبلة". في عالم متعقل يمكن التنبؤ بأحداثه، ربما كانت هذه النتيجة لتجلب الاستقرار. ولكن في العالم الحقيقي، فإن تجربة أزمة الصواريخ الكوبية تشير إلى العكس تماما. وكما قال ماكنمارا: "كنا محظوظين".