صفحة 1 من 1

وسائل الإعلام والجمهور: حقيقة التأثير..!

مرسل: الجمعة إبريل 05, 2013 7:56 pm
بواسطة محمد السديري101
ما هو الاتصال.. ؟ ماذا يفهم الناس من الاتصال.. حين تَرِدُ على أسماعهم، كلمة (اتصال).. ؟

تبدو كلمة (اتصال).. غريبة، حينما يكون الحديث عن الإعلام. في الأدبيات العربية، شاع استخدام كلمة (إعلام).. للتعبير عن (الاتصال)، من خلال وسائل الإعلام. بينما استمر مفهوم الاتصال، بلفظة ومعناه، هو السائد في الأدبيات الغربية.. عند الحديث عن الإعلام، أو الاتصال عبر وسائط جماهيرية، حيث هو: Mass Communication ..  أي الاتصال الجماهيري.

 

تعريف الاتصال:

الاتصال في أبسط صورة.. هو: صياغة معنى بين شخصين، باستخدام (الرموز ). المعنى يمكن أن يصاغ، من خلال اللغة، وهو ما يسمى الاتصال اللفظي Verbal Communication، أو من خلال الاتصال غير اللفظي Non – verbal Communication وهذا.. يتم بواسطة ثلاث طرق:

أ‌. السلوك والتصرفات: تشمل الحركات، التي يقوم بها الإنسان.. من غير قصد، بوصفها سلوكاً بشرياً، مثل:  المشي، والجلوس.. وغيرها من أنواع السلوك الإنساني، التي تقوم على حركة أعضاء الجسم.

ب‌. الإشارات: يُقصد بها الحركات، التي يقوم بها الأفراد، لتحل محل الكلمات والأرقام.. للتعبير عن معانٍ معينة.

ج. لغة الأشياء: هي ما تعبر عنه..  كل الأشياء، التي يستخدمها الإنسان في حياته.. مثل: السيارات، الأثاث، الملابس .. وغيرها.

 

الاتصال بهذا المفهوم، تلخصه مقولة مشهورة.. في علم الاتصال الإنساني: "الإنسان.. لا يستطيع إلا أن يتصل".

 

حقائق عن السلوك الاتصالي:

أولاً: العملية الاتصالية، عملية دائمة ومستمرة، ولا يستطيع الإنسان،  إلا أن يكون في عملية اتصال دائمة .. مع الناس، في البيئة التي يعيش فيها .

 

ثانياً: عملية منظمة. أي أن عملية الاتصال، لها عناصر .. بتسلل منطقي، وليست عشوائية: مرسل، رسالة، قناة، مستقبل، ويمكن تمثيلها بنموذج مبسط:

المرسل.

القناة.

الرسالة.

المستقبل.

 

مفهوم (النظام) في العملية الاتصالية، يتسع ليشمل النظم الاجتماعية، التي يحدث فيها السلوك الاتصالي. النظم الاجتماعية، غالباً ما تكون موجودة.. ضمن نظم أخرى في المجتمع، مثل: الأسرة داخل العائلة، العائلة داخل الأسرة الكبيرة الممتدة، أو القبيلة.. وهكذا.

 

أهم وظائف النظم الاجتماعية، تسهيل الاتصال وتحقيقه، بين أفراد النظام الاجتماعي. تتجاوز النظم الاجتماعية، بهذا المفهوم.. دورها، كأُطُرْ يحدث فيها الاتصال بين الأشخاص، إلى كونها هي نفسها.. نظم اتصال. بشبكة علاقات، تحدد الأدوار وطبيعة العلاقات.. بين الأفراد.

 

ثالثاً: العملية الاتصالية تفاعلية:  يُقصد بذلك، أن هناك تبادلاً مستمراً في الأفكار والمعاني،  بين أطراف الاتصال. التفاعل يحدث.. حينما يغير أحد أطراف عملية الاتصال سلوكه، أو يتكيف مع الرسائل الإعلامية، ومحاولات التغيير الموجهة إليه.. قبولاً، أو تفهماً.. يؤدي إلى تعديل في السلوك.

 

رابعاً: البيئة تؤثر في عملية الاتصال: الاتصال نتاج البيئة الاجتماعية والثقافية، التي يوجد بها. البيئة التي نعيش فيها، تشكل نوع التصوّرات، التي لدينا.. للعالم حولنا، تلك التي نشترك فيها، بوصفنا أعضاء في مجتمع واحد.  هذه التصورات تصوغ أيضاً، شكل وطبيعة الاتصال الذي نقوم به، مع أعضاء المجتمع الآخرين.

 

البيئة كذلك.. بوصفها منتج لنظام ثقافي، تحدد مستويات مختلفة للاتصال.

 

مثلاً: حديثنا لأهلنا.. يختلف عن حديثنا لزملائنا، أو حديثنا مع الأغراب. أيضاً.. الحديث مع المرأة.. غير الحديث مع الرجل.. وهكذا.

 

مستويات للاتصال:

يحدث الاتصال.. من حيث هو سلوك إنساني.. في أي بيئة، من خلال ثلاثة مستويات. هذه المستويات، تحدد شكل الاتصال وطبيعته.. وأدوار الأفراد، أثناء عملية الاتصال.. وهي كالتالي:

أ. المستوى الثقافي: ويقصد به، أثر البيئة.. الاجتماعية والثقافية، التي يعيش فيها الإنسان، على أنماط الاتصال.. والرموز الاتصالية المستخدمة .

ب. المستوى الاجتماعي: الكيفية التي تتحدد بها المكانة الاجتماعية،  تؤثر في نوع الاتصال وطبيعته.. داخل ثقافة معينة. مثل تقسيم الأدوار الاجتماعية بين الأفراد، داخل الأسرة، ومع مجموعة الأصدقاء، أو زملاء العمل.

ج. المستوى الفردي: الاتصال على المستوى الفردي.. بين الأشخاص.  أهميته.. تبرز في مراعاة الفروق الفردية ، عند اتصالنا بأفراد آخرين.

 

خامساً: السلوك الاتصالي ذو طبيعة وظيفية.

هناك عدداً من الوظائف، يؤديها السلوك الاتصالي.. على المستوى الفردي.. والجماعة:

1. التقريب: يسعى الأفراد، من خلال الاتصال، لإيجاد عوامل تَقَارُب وتَجَانُسْ، بينهم وبين الآخرين.

2. الحصول على المعلومات: يقوم الأشخاص بالاتصال، لاكتساب المعلومات، والحصول عليها لفهم الآخرين، وهم العالم من حولهم.

3. التأثير: لا يمكن أن نُحْدِثَ تأثيراً.. فيمن حولنا.. من أفراد وقضايا، إلا من خلال عملية الاتصال، التي تهدف إلى خلق صلة وتفاعل، مع من نستهدفهم، برسائلنا الاتصالية.

4. اتخاذ القرار: القرارات التي نتخذها، تتم من خلال عملية الاتصال. نحن نحصل على المعلومة، التي تساعدنا في اتخاذ قراراتنا.. عبر الاتصال، ويعلم (الآخرون) كذلك، عن قراراتنا عبر التواصل معنا.

 

أنواع الاتصال:

1- الاتصال الشخصي: هو ذلك الذي يحدث بين شخصين. يعد أشد أنواع الاتصال تأثيراً . إذْ يتضافر الاتصال الملفوظ، والاتصال غير الملفوظ، من خلال الحركات وتعبيرات الوجه، في جعل الرسالة التي نريد توصيلها.. أكثر فاعلية، وأقوى تأثيراً.

2- الاتصال في  المجموعة الصغيرة: هو الاتصال الذي يتم، بين ثلاثة إلى عشرة أشخاص.. يكونون أعضاء، ضمن مجموعة صغيرة. المجموعة الصغيرة في هذا التصنيف، لها عدة خصائص:

أ. انسجام العضو مع بقية المجموعة.

ب. وجود الحافز للانتماء للمجموعة.

ج. العمل لتحقيق أهداف مشتركة.

د. التنظيم..  حيث كل عضو، له دور خاص منوط به .. ومهمة يؤديها.

هـ. الاعتماد المتبادل.. إذْ يقوم عمل كل عضو، على العمل الذي يؤديه عضو آخر.

و. التفاعل.. تكون المجموعة صغيرة، بحيث تتاح الفرصة، لاتصال شخصي فعال بين الأفراد.

 

3- الاتصال العام: مثل  الخطب، والمحاضرات، والندوات.

 

4- الاتصال المنظم: يقصد به، انتقال القرار والتعليمات، في المؤسسات والمنظمات، بين أعضاء المؤسسة، أو المنظمة . يُعرّف علمياً.. بأنه انتقال المعلومات، داخل شبكة من العلاقات المتداخلة.

 

5- الاتصال الجماهيري: هو الاتصال عبر وسائل الإعلام. من أهم خصائصه، أن حجم الجمهور كبير ومتنوع. أهم المشاكل التي تواجهه، جهل المصدر باختلافات أفراد الجمهور.. الاجتماعية، والاقتصادية، والفردية. هذا الجهل.. ينتج عنه صعوبة في صياغة (رسالة إعلامية).. تناسب جميع  أفراد الجمهور. كما أنه من الصعوبة، قياس استجابة الجمهور، ورد فعله.. وتفاعله مع الرسالة الإعلامية.

 

عوائق الاتصال:

يحدث أحياناً، أن يعترض عملية الاتصال بعض المعوقات.. مما يجعل الاتصال لا يحقق أهدافه. في مثل هذه الحالة، نقول أن الاتصال غير ناجح. تتنوع العوائق، التي تحد من نجاح عملية الاتصال، بين ما له علاقة بالفرد نفسه، أو ما له علاقة بالبيئة الاجتماعية والطبيعية، التي يعيش فيها.. وذلك على النحو  التالي:

1. البيئة الطبيعية. مثل أن يكون المكان غير مهيأ. إما أن يكون الجو حاراً، وتكييف الهواء متعطل، أو أن الجو بارد، وليس هناك تدفئة. أو أن تكون أجهزة البث الصوتي لا تعمل.

2. البيئة الاجتماعية. عدم وجود فهم مشترك. لكل ثقافة.. أنماط اتصال خاصة بها. حينما يكون هناك تباين ثقافي، يؤدي ذلك بالضرورة، إلى إعاقة عملية الاتصال.. لغياب، أو ضعف الفهم المشترك بين الأفراد.

3. عوائق عضوية ونفسية. العوائق العضوية.. مثل وجود مشكلة في البصر، أو السمع، أو النطق.. تمنع إرسال الرسائل، أو استقبالها. العوائق النفسية.. مثل أن يكون المتلقي، حالته النفسية، لا تسمح له باستيعاب (الرسالة): كأن يكون مظلوماً، أو جائعاً.. أو مريضاً.

4. الانتباه الانتقائي. يتعمد الأفراد أحياناً، أن ينتبهوا لأشياء محددة في الرسالة الاتصالية، التي يتعرضون لها.. لأسباب شخصية تتعلق بالمصدر، أو لأمور.. لها علاقة بطبيعة الاهتمامات الشخصية، للفرد نفسه.

5. الخبرات السابقة. يدخل ضمنها المعلومات، والمعتقدات، والقيم، والمعايير الأخلاقية.. التي تحكم أطراف العملية الاتصالية. هذه (الخبرات)، يكون المتلقي قد اكتسبها.. مع مرور الوقت، فصارت تمثل لديه مرجعية (معيارية).. يقيس على أساسها، قبوله.. أو رفضه، للرسائل والمعلومات، التي يتلقاها من الآخرين.

6. الموقف الشخصي. يؤثر الموقف في الاستجابة.. رفضاً أو قبولاً. إذا كان الفرد يحمل مشاعر رفض، من أي نوع، تجاه مصدر الرسالة.. سوف ينعكس ذلك على موقفه من المصدر.. وبالتالي تقبل الرسالة منه، أو تصديقها.

7. طبيعة الفرد. الإمكانات والقدرات الشخصية للفرد، تؤثر في القدرة على المبادرة لديه..  وهل هو ، متحدث جيد.. أم لا، هل هو شخص اجتماعي في علاقاته.. أم لا..؟ هذه الخصائص، غالباً ما يكون غيابها، عائقاً أمام اتصال ناجح.

 

اللغة والاتصال:

تمثل اللغة (أس) الاتصال الإنساني، وجوهر عملية الاتصال. اللغة.. بوصفها سلوكاً متطوراً، هي ما يميز الإنسان عن غيره من سائر المخلوقات، التي تتصل ببعضها، بنظام رمزي صوتي، ليس اللغة من بينها.

 

خصائص اللغة:

1. رمزية في طبيعتها. تقوم اللغة، على استخدام الرموز.. (الكلمات)، ضمن نظام صوتي ذا معنى.. يقوم على قواعد.

2. المعاني لدى الإنسان، وليست في الكلمات. المعاني.. التي تحملها اللغة، نتاج ثقافي مشترك، لتفسير الرموز، التي تمثلها الكلمات، مثل: (حرية المرأة، النظام العالمي الجديد). كل أعضاء ثقافة يفسرون الرموز السابقة، بطريقتهم الخاصة، على أساس من الثقافة التي ينتمون إليها.

 

الكلمات أيضاً، لها معنى إيحائي ومعنى دلالي.

تشتمل بعض الكلمات، على معنى دلالي ، وعلى معنى إيحائي. المعنى الدلالي.. هو ما تعنيه الكلمة بلفظها الصريح. أما المعنى الإيحائي.. فهو الذي يفهم من طريقة نطق الكلمة.

 

الثقافة أيضاً تضفي على الكلمة معنى غير مقبول اجتماعياً، فتسمى دلالة سالبة، وتضفي معنى مقبول اجتماعياً.. على كلمات أخرى، فتسمى دلالة موجبة . اللغة بهذه الصفة، تشكل في أذهاننا صوراً ذهنية.

اكتساب المعلومات.. بوصفه اتصالاً.

 

تتم عملية اكتساب المعلومات عبر طريقتين:

أولاً: التعرض الاختياري.

الفرد يعرض نفسه اختيارياً لمصدر المعلومات.

 

هناك تفسيران:

الأول: أن الناس يعرضون أنفسهم، لمصادر المعلومات والرسائل الإعلامية، التي يتفقون معها، وتدعم قناعاتهم.

التفسير الثاني: نظرية الارتباط الذاتي.

 

على أساس من هذه النظرية، هناك مجالان: مجال قبول ومجال رفض، لدى الفرد Ego Involvement Theory. يتسع مجال القبول للرسائل المقبولة، ويضيق مجال الرفض أمام الرسائل المرفوضة. النظرية تقول، أنه كلما كان الفرد (مرتبطاً) بالموضوع، كلما كان تغيير قناعاته أصعب.. وبالتالي لابد أن تكون الرسائل الموجهة أكثر حيادية.

 

ثانياً: الانتباه الاختياري. يقصد به.. توجيه الحواس أو بعضها، إلى شيء ما، في فترة محدده من الوقت.. أثناء التعرض لمصدر المعلومات.

 

العوامل المؤثرة في الانتباه الاختياري:

1) المحيط الذي يقع فيه المنبه أو المثير. هناك منبهات ومثيرات كثيرة حولنا.

2) كثافة المنبه. كلما كان المنبه عالي الصوت، أو لامع الضوء.. فإنه يسترعى الانتباه، أكثر من غيره.

3) الحجم. حجم المنبّه قياساً إلى من حوله، كبيراً أو صغيراً.. يؤثر في الانتباه.

4) تحديد المنبه وعدم تعقيده.. مثل قلة الكلمات في الإعلان.. تؤثر في الانتباه.

5) التغيّر والسرعة، مثلما هو موجود في الصورة المتحركة، أو في النور الذي يضيء وينطفيء.. يكون لافتاً للانتباه أكثر.

6) التكرار. تكرار العرض في الوسائل الإعلامية.. للرسائل الإعلامية، يلفت الانتباه لها أكثر.

 

وسائل الإعلام.. والمجتمع:

تتمثل أهمية الإعلام، ودوره في المجتمع.. في الآثار التي تحدث في منظومة القيم، وأنماط التفكير ، وأساليب الحياة.. بسبب التعرض للرسائل الإعلامية، التي تعرضها وسائل الإعلام. الحديث عن دور وسائل الإعلام في المجتمع، يتم التعبير عنه أحياناً.. بغير (مفهوم التأثير). هناك حديث عن (وظائف) تقوم بها وسائل الإعلام، من حيث هي مؤسسات اجتماعية. سلبية بعض هذه الوظائف، والحديث عنها.. بوصفها تأثيرات، تبقى مسألة نسبية، تحكمها معايير قيمية، ونظم ثقافية.

 

وظائف وسائل الإعلام:

1. التسلية: هي أبرز وظائف وسائل الإعلام. إلا أن التسلية في وسائل الإعلام، لا يمكن النظر إليها.. لذاتها. بل لا تخلو أي رسالة إعلامية من هدف ، أو ما أصطلح عليه Value – loaded message.

2. التدعيم: دعم وتقوية بعض أنواع السلوك والمعتقدات، من خلال عرضها بشكل إيجابي.

3. التغيير: تغيير القيم والآراء القائمة، عبر إقناع الجمهور، أن المراد.. هو التغيير نحو الأفضل.

4. التعليم: يتعلم الناس كثيراً من القيم، والعادات، والسلوك، من وسائل الإعلام.. أكثر مما يتعلمون من المدرسة.. من خلال تمثيلية، أو برنامج فكاهي. مثل اللباس، وأسلوب الحياة.. وغيرها من السلوكيات.

5. إبراز الأشخاص، أو المواضيع: وإعطائها أكبر من وزنها، عبر مفهوم ترتيب الأولويات  Agenda- Setting.

6. تحفيز الناس: وتشجيعهم على سلوك، أو عمل ما، مثل الدور الذي يقوم به الإعلان.

 

وسائل الإعلام والجمهور والتأثير..!

 

لابد من الاعتراف ابتداءً، أن هناك جدلاً طويلاً، بين العاملين في حقل الاتصال الجماهيري.. الإعلام، حول حجم وكيفيّة، تأثير الرسائل الإعلامية في الجمهور.

 

نشأ الخلاف بين الباحثين، في مجال تأثيرات وسائل الإعلام.. في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي.. (القرن 20)، وبلغ أوْجَهْ مع مطلع الخمسينيات. كان هناك اتجاهاً، يرى أن سلطة وسائل الإعلام على الناس.. مطلقة وخارقة، وأن تأثير الرسائل الإعلامية، قدَرٌ لا يردّ..!

 

عُرف أصحاب هذا المنهج، في دراسة تأثير وسائل الإعلام، بأَتْباع مدرسة التأثير المباشر.. قصير المدى  (SHORT TERM EFFECT). أبرز نظريات هذا المنهج كانت: نظرية الرصاصة، أو الحقنة Hypodermic Needle. استمر هذا الاتجاه، في تفسير العلاقة بين وسائل الإعلام والجمهور.. مهيمناً، حتى أصدر (جوزف كلابر، 1960) كتابه: "تأثيرات وسائل الإعلام".


كلابر.. فنّد التأثير المطلق والمباشر، لوسائل الإعلام على الجمهور، وخرج بقانون شهير، سُمّي باسمه: ” مبدأ كلابر للتأثيرات المحدودة "Media Minimal Effects".

 

طروحات كلابر، لم تحسم موضوع الجدل والخلاف، حول تأثير وسائل الإعلام، في الجمهور. الجدل في أصله، لم يكن على وجود التأثير، أو عدمه.. إنما في حجمه.

 

التركيز انصبّ لاحقاً.. على: ما هو حجم التأثير..؟ وما هي الظروف التي يحدث فيها..؟ على أساس من هذا التوجه الجديد، ظهرت تصوّرات ونظريات، حاولت أن تفسر، كيف يقع التأثير..  ومتى..؟ أبرز هذه النظريات.. كان:

1. التأثير على المدى الطويل Long – Term Effect:

يرى أصحاب هذا الاتجاه، أن التأثير.. يحتاج إلى فترة طويلة، لتظهر أثاره، وهو يقوم على تغيير المواقف، والمعتقدات، والقناعات.. على المدى الطويل، وليس على التغيير المباشر للسلوك. بناء على ذلك، فإن استمرار التعرض لوسائل الإعلام.. يحدث تأثيراً لدى المتلقي.

 

2. نظرية التطعيم Innoculation Theory:

تقوم فكرة النظرية، على أن  الجرعات المتتالية، من الرسائل الإعلامية.. خصوصاً تلك التي تحمل مضامين، عن العنف، والجنس، تؤدي إلى نوع من التبلد، وعدم الإحساس لدى الجمهور، تجاه مثل هذه السلوكيات.

 

3. نظرية انتقال المعلومات على مرحلتين. Theory. Tow – Step flow of Inf:

تقوم فكرة النظرية على مفهوم (قائد الرأي)، الذي يقوم بتفسير الرسالة الإعلامية.. ويكون رأيه متبوعاً ونافذاً. الرسالة.. بناء على ذلك تمر إلى المتلقي، عبر قائد الرأي. النظرية أيضاً، لا تفترض تعرض الجمهور مباشرة لمصدر المعلومات.. ليحدث التأثير. بل عبر (قائد الرأي).

 

4. نظرية حارس البوابة  Gate – keeper Theory:

المفهوم الأوّلى للنظرية، مستمد من الدور الذي يقوم فيه (حارس) البوابة. الذي يسمح بدخول من يشاء، ويمنع دخول من يشاء..! عملية المنع والسماح في الوسيلة الإعلامية تحدد ما يتعرض له الجمهور، وما لا يتعرض له.

 

5. نظرية تحديد الأولويات  Agenda – Setting Theory:

سؤال التأثير.. نتيجة لذلك، أخذ اتجاهاً آخر: أَيُّ تأثير تُحدِثُه وسائل الإعلام في الناس..؟ الباحثون وعلماء الاتصال، في مرحلة من المراحل، تجاوزوا السؤال التقليدي: (هل) تؤثر وسائل الإعلام، إلى أسئلة أكثر عمقاً وإلحاحاً: (كيف) تؤثر، و (متى) تؤثّر، مضامين الرسائل الإعلامية.. في الجمهور المتلقي..؟

 

بحوث الإعلام أيضاً، وصلت إلى تحديد أهم المجالات، التي تؤثر فيها وسائل الإعلام.. على النحو التالي:

1. تغيير المواقف Attitudes Change.

2. التغيير المعرفي Change Cognitive.

3. التنشئة الاجتماعية Socialization.

4. الإثارة الجماعية Collective Reaction .

5. الضبط الاجتماعي Social Control.

تؤثر وسائل الإعلام، بالسيطرة على الجمهور، عبر الترويج لأراء معينة، والتعتيم على الآراء المخالفة.. من أجل، تشكيل إجماع ورأي عام، حول (أجندة) اجتماعية أو سياسية .

6. صياغة الواقع Defining Reality.

 

هو ما تسعى وسائل الإعلام، لنعتقد أنه حقيقي وطبيعي، عبر رسائل إعلامية.. تقدم (واقعاً) مفترضاً.. غير حقيقي..

 

جدل التأثير.. ظل قائماً..! إذا كان هناك اتفاقاً، على حدوث التأثير.. وفي كيفيّةٍ ومجالاتٍ معينة، هل يتأثّر الناس، بوسائل الإعلام.. بطريقة تلقائية..؟ بحوث الإعلام.. مرّة أخرى، تقول: لا..!

 

إذاً.. (متى) يحدث التأثير..؟ هناك شروط وعوامل، يفترض وجودها لوقوع التأثير. بعضها له علاقة بالوسيلة الإعلامية، من حيث هي مصدر للرسالة.. سواء كان فرداً أو مجموعة. بعضها الآخر، له علاقة بنوع الوسيلة، نوع أخير.. متعلق بالجمهور.


هذه العوامل يمكن تلخيصها، على النحو التالي:

1. مصدر الرسالة الإعلامية: نفوذ المصدر، وخبرته.. يؤثران في مصداقية الرسالة.. وبالتالي قبولها.

2. نوع الوسيلة الإعلامية: الصحافة، الإذاعة، التلفزيون.

3. احتكار الوسائل الإعلامية: هيمنة الرأي.. والأيدولوجية الواحدة.

4. طريقة عرض الرسالة الإعلامية: الصياغة، تكرار العرض، المؤثرات الفنية.

5. نوع الجمهور: رجال، نساء، أطفال.

 

نماذج التأثير:

تركزت أكثر الدراسات ، في مجال تأثير وسائل الإعلام في الجمهور، حول ثلاثة مواضيع:

1. التنشئة الاجتماعية. مثلت نظرية ألبرت باندورا، في التعلم الاجتماعي Social learning Theory ، أبرز النظريات، التي اعتمدت في تفسير الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام، في مجال التنشئة الاجتماعية.  درست النظرية، أثر الشخصية (القدوة)، في تعليم سلوكيات معينة، واهتمت بالأطفال على وجه الخصوص. نتائج هذه الدراسة، والدراسات الكثيرة، التي أتت بعدها، وحذت حذوها، أظهرت بما لا يدع مجالاً للشك، أن المشاهدين، خصوصاً صغار السن يتعلمون كثيراً من وسائل الإعلام.

 

2. العنف. احتلت دراسات تأثير العنف (المتلفز) على الجمهور، موقعاً متقدماً في دراسات وبحوث الإعلام. مجمل النتائج التي تم التوصل إليها كانت على النحو التالي:

• أن الجمهور الذي يتعرض لوسائل الإعلام، يتعلم العنف من خلال الملاحظة والمتابعة.

• أن الأشخاص يتعلمون ويقلدون العنف الواقعي، وليس الخيالي. أي ذلك النوع من العنف الذي يمكن محاكاته، وتطبيقه في الحياة اليومية.

• أن تكرار التعرض لمشاهد العنف، يؤدي إلى تبلد الإحساس تجاه الجريمة، والممارسات العنيفة.. والسلوك الإجرامي بشكل عام.

• أن وسائل الإعلام تعلم الجريمة من خلال عرض الدراما، التي تتضمن أشكالاً من الجريمة المنظمة. كما أن استمرار التعرض للبرامج الإعلامية، التي تشتمل على مشاهد عنف وجرائم.. يؤدي إلى الميل لقبولها كأمر واقع، والتسامح معها.

 

3. الإثارة الجنسية: موضوع آخر ركزت الدراسات وبحوث الإعلام عليه، تلك المعنية بتقصي تأثير وسائل الإعلام في الجمهور، كان مشاهد الإثارة الجنسية. رغم أن مسألة الإثارة الجنسية، تبدو هنا نسبية.. تحكمها الثقافة السائدة. فمثلاً: مشاهد التقبيل، وظهور المرأة بلباس البحر، لا يدخل في تصنيف المشاهد المثيرة جنسياً، في الأدبيات الغربية، التي هي مصدر هذه البحوث والدراسات. نتائج هذه الدراسات، توصلت إلى خلاصة مفادها:

• أن الشخص الذي يستثار جنسياً، من خلال وسائل الإعلام، يصبح أكثر عدوانية.

• التعرض لمشاهد الإثارة الجنسية، يشجع الفرد على الاغتصاب ويؤدي به إلى التسامح مع جرائم الاغتصاب.

• استمرار التعرض للمشاهد الجنسية للذكور، يؤدي إلى احتقار المرأة،  والنظر إليها كشيء منحط، وغرض للذّة فقط. كما أنه يولّد موقفاً متسامحاً مع الرذيلة.

• إدمان التعرض للبرامج الإعلامية، ذات المضامين الجنسية، يخلق وضعاً نفسياً لدى الفرد، يجعله يميل إلى تفسير سلوك الآخرين على أساس جنسي.