صفحة 1 من 1

الربيع العربي المفهوم والاسباب

مرسل: الأحد إبريل 07, 2013 6:27 pm
بواسطة محمدالعمري333
الغرب هو من أطلق مصطلح الربيع العربي على الأحداث التي جرت
في المنطقة العربية بدءَاً بتونس بداية العام الماضي، حيث كانت صحيفة الاندبندنت البريطانية أول من استخدم هذا المصطلح. وقد يكون لذلك علاقة بثورات الغرب عبر تاريخه التي تعرف هي أيضاً بثورات الربيع الأوروبي. وهنا لا بد من الوقوف على طبيعة وملامح وخصوصيات أحداث الربيع العربي من حيث الأسباب والتباين والتشابه، وذلك بهدف التعرف على طبيعة هذا المفهوم، وتحديد ما إذا كان يندرج بالفعل ضمن نطاق " الثورات " أم ينصرف عند تحديده الى مجرد حركات احتجاجية. فمنذ اندلاع تلك الأحداث احتدم الجدل على الساحة العربية والعالمية حول هذه النقطة ولما يزل.



المفكر والأكاديمي، وزير الثقافة الفلسطيني الأسبق الدكتور إبراهيم ابراش(1) يرى" أن الثورة فعل جماهيري شامل، فحين تتأزم الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتصبح أحوال الناس لا تطاق، وعندما تتباعد الشقة ما بين الحكام والجماهير وتغيب وسائل التعبير السلمي عن المطالب لا تجد الجماهير أمامها إلا التحرك لتغيير الأوضاع تغييراً جذرياً. فبعض الثورات تكون سلمية ولا يراق بها الدم، فتنعت بأسماء دالة على ذلك كالقول بالثورة البرتقالية، وثورات أخرى ارتسمت بالدموية كالثورة الفرنسية، المشهد الذي جرى في مصر وتونس يرقى الى مستوى العمل الثوري".



وحسب رأي الباحث في مؤسسة الأهرام المصرية سامح راشد (2) " فإنه يمكن القول إن الغالب على موجة الاحتجاجات العربية أنها احتجاجات
(ثورية) وليست مجرد مطالب جزئية أو انتفاضات مؤقتة. إذ تنطلق تلك المقومات للحالة الثورية على كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، أما في الدول العربية الأخرى فهي اقرب الى حالات احتجاج، كما هي أقرب إلى الحراكات المطلبية الجزئية منها الى الخصائص الثورية الشاملة. إن ذلك التوصيف يتعلق بمشهد متحرك وحيوي، أي يظل مرناً وقابلاً للتعديل بحسب تطور الأحداث والتفاعلات داخل كل حالة، وفقاً للتفاعلات بين دواعي الاحتجاج وطريقة التعامل معها والعوامل الحاكمة لصيرورتها ".



ويتساءَل الدكتور أمل حمادة(3) أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة
" هل نحن بحاجة لإعادة تعريف الثورة؟، ويجيب: نحن نحتاج لتعريف يرى في الثورة عملية تحول مجتمعي وسياسي واقتصادي، ويرى في نخبتها الجديدة غير المركزية وغير الإيديولوجية وغير المؤسسة فرصاً اكبر في مشاركة الجماهير في اختيار نظامها الجديد. نحتاج لتعريف يرى الظاهرة ثورة وليس اللحظة فقط . ويرفض في الثورة استثنائية قوانينها وإجراءاتها ومؤسساتها، ويؤكد
في المقابل مبدأ القانون واحترام حقوق الإنسان لكل المواطنين، دون أن يكون لقناعاتهم السياسية والدينية والاقتصادية تأثير في مواطنتهم".



ولمزيد من التحديد يقتضي الأمر الغوص في العمق أكثر لتحديد طبيعة أحداث " الربيع العربي"، وهذا يتطلب التوقف عند الأسباب، وهي متشعبة، بل ومتعددة منها ما هو تقليدي، ومنها ما هو مستجد(4). ولعل
في مقدمة هذه الأسباب ما يمكن تسميته بالجمود السياسي حيث تشترك غالبية الدول العربية بالجدب السياسي" وعدم ممارسة الديمقراطية الحقيقية، وأهم معانيها تبادل السلطة والتعددية السياسية. وهذه الحقيقة لا يمكن تغطيتها بالانتخابات الشكلية والحياة النيابية المقيدة، التي يشوب انتخاباتها الشك بنزاهتها ومدى تعبيرها عن نبض الشارع. ثمة قوى سياسية في بعض الدول العربية تحظى بهامش حرية نسبية، ولكن بالمحصلة لا يوجد تداول للسلطة. وأدى ذلك الى فقدان الأمل في أي تحسن أو تغيير في ظل تلك الأنظمة التي كانت مهيمنة في بلدان الربيع العربي .



أما العامل الاقتصادي، فهو أكثر أهمية من سابقه، إن يكن المحرك الأهم لأحداث الربيع العربي. فالدول العربية هي الأعلى على المستوى العالمي بمعدلات البطالة على سبيل المثال، والتي تصل معدلاتها الى نسب مخيفة بواقع (25%) من مجموع القوى العاملة.

كما تعاني الدول العربية في مجملها من ضعف اقتصادي، والنتيجة المترتبة على ذلك،انخفاض مستوى معيشة المواطن وتراجع الخدمات الأساسية التي يتمتع بها، وبالتالي زيادة معدلات الفقر والبطالة وتراجع مستوى التعليم. وحسب رأي وزير المالية الأردني الأسبق الدكتور محمد أبو حمور(5) فإن ارتفاع معدلات الفقر والبطالة بين الشباب العربي كانت من الأسباب الرئيسة لحدوث الربيع العربي، يضاف الى ذلك ضعف المساءلة والشفافية واستشراء الفساد وانخفاض التجارة البينية والاستثمارات العربية داخل الوطن العربي وغياب العدالة في توزيع الثروات".



ومن الظواهر المهمة التي لفتت إليها تحليلات أستاذ الاقتصاد في جامعة كولومبيا الأمريكية الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد (2001) جوزيف ستيجلتز على سبيل المثال، ما أشار إليه من تداعيات سلبية للعولمة على المساواة أو العدالة بين الدول وبداخلها . فقد أشار ستيجلتز(6) الى أن العولمة المبنية على النموذج الرأسمالي تفرز وتُكرّسْ العديد من الظواهر الاقتصادية التي يصفها بأنها غير مقبولة أخلاقياً وغير مستدامة سياسياً، فيما يشبه النبوءة لقيام الموجة الحالية من الثورات التي كان فقدان شرعية نظمها مرتبطاً في احد أبعاده بالشعور باختطاف الدولة واستخدامها لصالح فئات ومصالح محدودة مع إهمال السواد الأعظم من مواطنيها.

وفي إطار الحديث عن محركات أحداث الربيع العربي لا يمكن إغفال ما يمكن تسميته بالاستقطاب الاجتماعي ببعديه الاقتصادي والثقافي وحتى المذهبي في الواقع العربي الراهن. فقد شهدت الدول العربية أخيراً تكريس الفجوة الاجتماعية بين طبقات المجتمع وشرائحه، سواءٌ الفجوة بمعناها الاقتصادي
أو الاجتماعي والثقافي، حيث ينقسم المجتمع الى شرائح تنطبق عليها سمات الثنائيات المتناقضة ( أغنياء وفقراء، متعلمون وأميون، علمانيون وإسلاميون متشددون)، يضاف الى ذلك انقسامات أخرى (مسلمون ومسيحيون) أو (سنّة وشيعة). وتلك الاستقطابات الثنائية نقلت النسق الاجتماعي والثقافي العربي من حالة تجانس واتساق مع الذات الى تشتيت وتوتر، وبالتالي قابلية للانفجار والتصارع على وقع تسارع وتيرة تلك الثنائيات المتضادة.



ولا يمكن التغاضي بالطبع عن التحولات الكبرى التي شهدها العالم
في ميدان تكنولوجيا الاتصال، وأثرها البالغ في أحداث الربيع العربي ، فقد كانت سهولة الاتصالات سبباً أساسياً في تسهيل اندلاع التحركات الشعبية والاحتجاجات في المنطقة العربية، فالتعرف لحظياً على ما يجري في اصغر قرية في أبعد دولة بالعالم، أو ما يحدث في قرية مجاورة كان كافياً لتأجيج مشاعر الغضب والاحتقان لدى الشعوب العربية أولاً بسبب المقارنة مع دول متحضرة ينعم الإنسان فيها بالكرامة والحرية، وثانياً لأن الإنسان العربي أصبح على علم بما يتعرض له مواطنوه في مكان قريب منه، وربما يتعرض
هو نفسه إليه لاحقاً.فقد شهدت السنوات الأخيرة تطوراً مذهلاً في الأدوات الحديثة للتعبير والتواصل والتفاعل مثل المواقع الالكترونية والشبكات الاجتماعية للتواصل ( الفيسبوك والتويتر )، حيث أصبح الفضاء الالكتروني ساحة كاملة للحوار، وفي نفس الوقت أداة للتغيير والاحتجاج، بل وللتنسيق في التحرك وتنظيم الاحتجاجات. وهنا لا يمكن إغفال تأثير التركيبة الجيلية للشعوب العربية، فالشريحة العمرية من (15-40) عاماً أصبحت هي الغالبية العظمى في التركيبة السكانية لمعظم الدول العربية، الأمر الذي جعل الانفجار أكثر سهولة، ثم جعل الحركة والمطالب أسرع. فضلاً عن الفجوة الذهنية بين النخب الحاكمة التي تبدأ أعمارها عادة فوق الخمسين والشعب الذي أصبحت غالبيته من الشباب وتفكيره أكثر انفتاحاً وإنطلاقاً من قدرة الأنظمة على الاستيعاب والتعامل. ما حدث هو تفاعل اجتمعت فيه الأسباب التقليدية مع المستجدات السريعة المتغيرة فحدث الانفجار بشكل غير متوقع وغير محسوب .



وعودة الى التساؤل: هل أحداث الربيع العربي ثورات أم احتجاجات مطلبية؟، يمكن القول أن هذه الأحداث تحمل سمات الثورات من جانب،
كما تحمل في الوقت ذاته عناصر الانتفاضات المطلبية المستمرة. فالثورات وحسب تجارب الماضي البعيد والقريب عادة ما تكون لها قيادات منظمة ذات رؤى وأهداف سياسية وفكرية موحدة أو متقاربة على الأقل، وهذا ما لم تتميز به أحداث الربيع العربي، حيث اكتسبت التحركات زخماً جماهيرياً هائلاً ولكن من دون قيادة موحدة، وهذا بدوره سهّل على القوى السياسية المنظمة
في المجتمع مثل الإخوان المسلمين من ركوب الموجة لاحقاً، وتجيير التحركات لصالحها . لكن بالمقابل فإن الظروف الاقتصادية الصعبة واتساع الفجوة بين الحاكم والمحكوم والجمود السياسي، هي عناصر رئيسة محركة للثورات والانتفاضات المطلبية، وهذه الأسباب توفرت الى حدَّ كبير في بلدان الربيع العربي. وقد تضافرت معاً وأدت الى اندلاع أحداث الربيع العربي. لذا يمكن القول أن ما حدث في بلدان الربيع العربي هو أقل من ثورات، بالمعنى المتعارف عليه للثورة، وهو أيضاً أكثر من انتفاضات مطلبية احتجاجية بدليل استمرار تداعياته تواصلها، وفي الحالتين، فإن ما حدث يؤشر الى دخول العالم العربي مرحلة جديدة، يستبعد خلالها الرجوع الى الوراء.

أما عناوين هذه المرحلة فهي المطالبة بالديمقراطية والكرامة ، ومعالجة قضايا الفقر والبطالة، وتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص. وفي هذا السياق من الضروري الإشارة الى حالة الفوضى التي ما تزال تكتنف بعض دول الربيع العربي. وهذا أمر طبيعي في ظل انهيار القبضة البوليسية ، وإتاحة الفرصة لجميع مكونات المجتمعات للتعبير عن ذاتها، وعدم وجود قوى سياسية مجتمعية قادرة على الحسم. وقد يستمر ذلك الى فترة من الزمن يصعب تقديرها حتى تتضح الأمور، وتستتب الأوضاع، لكن العودة الى الوراء في ظل صحوة الشعوب الى أنظمة الاستبداد والفساد باتت من الماضي.