By يزيد الاحيدب 5 - الاثنين إبريل 08, 2013 4:31 pm
- الاثنين إبريل 08, 2013 4:31 pm
#60358
النظريات الاستراتيجيه للدوله
نظريه القوه البريه
يعد راتزل ( 1844 – 1904 ) أول من درس وعالج المكان والموقع معالجه منسقه ووازن بين الدول وقد أكد راتزل على وجود روابط قويه بين القوى القاريه والقوى[1] السياسيه.
وعليه فإن بداية مفهوم القوى القاريه يقترن بأداء راتزل، ولكن هذا المفهوم يظل شاخصاً وفاعلاً طبقاً لآراء ما كيندرو بغية إبراز هذه الحقائق، فإن هذا المبحث سيعرض آراء كل من راتزل وكيلن وكارل هوسهوفر ثم تنقل إلى ماكيندر.
فرديك راتزل 1944 – 1904:
كان راتزل متأثراً بنظرية ( النشوء والأرتقاء ) وآمن بأن الدوله كائن حي، فالنمو حاجه ماسه للكائن الحي والدوله كذلك طبقاً لآرائه حتى ولو كان ذلك عن طريق القوه وقد أكد راتزل على المساحه Raum والموقع Lage وطبيعه الحدود السياسيه Grenzen واعتقد أن المجال الإقليمي يؤثر في قوة الدوله كما أنه يعتمد في حجمه على هذه القوه.
وآمن بأن المساحه الكبيره ضروره لنمو الكائن الحي، ويضفي الموقع صفات مميزه على المساحه. أما الحدود فهي جلد الكائن الحي وهي علامه النمو أو الإضمحلال.
وقد وضع راتزل سبعه قوانين للتوسع الإقليمي وهي:
1. تزيد مساحة الدوله بإنتشار السكان ونمو ثقافتهم.
2. إن نمو الدوله عمليه لاحقه لنمو السكان.
3. تتسع الدوله بضم الوحدات الصغيره إليها.
4. الحدود هي العضو الحي المغلف لها فهي تنمو أو تنكمش تبعاً لقوة الدوله.
5. تحظى السهول وأودية الأنهار والمناطق الهامه الأخرى بمركز الثقل في اهتمامات الدوله خلال مراحل نموها.
6. إن التوسع الأرضي يأتي للدوله البدائيه من الخارج.
7. التوسع يفتح الشهيه للتوسع.
وقد وسع راتزل القانون السابع فقال إن ( هذا الكوكب الصغير " الأرض " لا يتسع إلا لدولة عظيمه واحدة ). وذكر راتزل إن استغلال المساحات الكبيره ستكون أهم ظاهرة سياسيه في القرن العشرين.
وأكد على أن تاريخ العالم ستتحكم فيه الدول الكبيره المساحه كروسيا في أوراسيا والولايات المتحده في أمريكا الشماليه.
ولكن لا بد من القول أن المساحه لا تعد عاملاً مجرداً قادراً على الفعل لوحده دون غيره من العوامل الأخرى.
رودولف كيلن 1864 – 1922
جغرافي عمل استاذاً بإحدى جامعات السويد، وهو صاحب الفلسفه المعروفه " بأن القوه أهم من القانون ". وإن الضرورة لا تعرف القانون ". وتنبأ بأن دولاً عظمى ستنشأ في آسيا وأفريقيا وأوروبا وتنبأ بأن السياده ستنتقل من القوى البحريه إلى القوى البريه التي ستتحكم يوماً في البحار.
وقد نشر كيلن كتابين أولهما عام 1917 باسم " الدوله مظهراً من مظاهر الحياة " والثاني عام 1920 بعنوان " الأسس اللازمه لقيام نظام سياسي " ويرتكز هذان الكتابان على خلفية تمتد أصولها إلى الفلسلفه العضويه.
والكثير من الآراء المتعارضه التي تظهر من كتابات راتزل وماكيندر. وقد طور كيلن أبحاثه إلى ما عرف فيما بعد باسم نظرية الدوله، وقد قسم الدراسات المرتبطه بالدوله إلى :
(أ) الجغرافيا والدوله.
(ب) السكان والدوله.
(ت) التركيب الإجتماعي.
(ث) الموارد الإقصاديه للدوله.
(ج) المنطقه الحكوميه.
كارل هوسهوفر 1869 – 1946
جغرافي ألماني نال درجة الدكتوراه عن جغرافية اليابان عام 1911 خدم في الحرب العالميه الأولى في الجيش الألماني وارتقى فيه حتى نال مرتبة لواء، وصديق حميم لتلميذه هيس الذي مات منتحراً في أيلول عام 1987، وعين عام 1895 مدرساً للجغرافيا والتاريخ بمعهد ميونخ، ثم أسس معهد الجيوبولتيكا بميونخ وبعد وصول هتلر للحكم عين هوسهوفر رئيساً للأكاديميه الألمانيه.
لقد آمن هوسهوفر بأن الحياه للدوله الكبيره. أما الدوله الصغيره فمصيرها الزوال وكان مؤيداً لمبدأ ( موندو ) في نصف الكره الغربي وكان يعتقد أن العالم مصيره لثلاث حكومات: الولايات المتحده في الغرب واليابان في الشرق وألمانيا في أوروبا وإفريقيا.
وقد آمن بالشعار الذي دفعه اليابانيون: التوسع الإقليمي وأختزال الضغط السكاني وآمن الدوله بأن الدوله كائن حي.
واعتقد أن الدوله يجب أن تتبع سياسة الإكتفاء الذاتي.
وقد رأى أن الدوله هي التي يتوفر لها عدد أكبر من السكان ومعدلات مواليد مرتفعه ووجود موائمه تامه بين السكان وتربه الوطن وتوازن بين سكان الحضر وسكان الريف، وقد نظر لحدود الدوله كالعضو المغلق للكائن الحي قابل للتغير والنمو والاضمحلال أما من الناحيه العسكريه فقد رأى ن القوه العسكريه تعتمد على ثلاثة أركان " الجيش، الإسطول، الطيران". وقد أكد على المشاه بوصفهم هم الذين يمسكون بالمجال الأرضي " ومن آرائه أن الدول الصغيره المساحه لا تصلح للدفاع بل الهجوم لتنقل المعركه إلى داخل أض الخصم" أما البلاد الواسعه المترامية الأطراف كروسيا فتستطيع الدفاع بعمق وقد حذر ألمانيا من فتح جبهتين في آن واحد كما حذرها بألا تبدأ بالإعلان عن الحرب لتجنب وصمة إشعال نارها. كما أكد أن الإحتلال العسكري للمجال الأرضي ينبغي أن يكون احتلالاً كاملاً حتى يتسنى القضاء على حرب العصابات ولم يحبذ فكرة الإستيلاء على المدن بل محاصرتها واكد على أن تدريب المقاتلين ينبغي أن يتماشى والبيئات التي سيقاتلون فيها أرضاً ومناخاً.
وقد رأي هوسهوفر بأن الدول الموجوده في قلب الأرض يجب أن تتكتل وأن تشرف دوله قويه واحده على هذا الجزء من العالم وفي إعتقادي أن ألمانيا هي الدوله المقصوده.
وعليه فهو لم يكن راغباً في التحرش بروسيا، وكان يفضل أن يكون هناك حلف بينها وبين ألمانيا.
هالفورد ما كيندر 1861 – 1947 الشكل ( 5- 1 ) ، ( 5 – 2 ).
يعد هالفورد دماكيندر من المفكرين الاستراتيجيين العظماء وقد تبوأ هذا المركز الفريد لنظريته المعروفه بنظريه ( قلب العالم ( ويرجع الفضل لرجاحة أفكاره لتكوينه الموسوعي الهادف. فقد درس ماكيندر علوم الحياة والتأريخ والقانون والطوبغرافيه والاستراتيجيه والجغرافيا فلا غرابه أن تؤهله خلفيته العلميه ليكون دبلوماسياً متميزاً وعاملاً بارعاً وجغرافياً يشار له بالبنان.
وحظى ماكيندر باهتمام كبير من لدن الجغرافيين والسياسيين بسواء لمحاضراته عن الارتكاز الجغرافي للتأريخ في الجمعيه الجغرافيه البريطانيه عام 1904 فقد أثارت هذه المحاضره نقاشاً استمر نصف قرن من الزمن وقد أثرت على أفكار كيلن وهوسهوفربك وأثرت في الاستراتيجيه الألمانيه عام 1940 وعاد ماكيندر وعدل نظريته عام 1919 في كتابه " المثل الديمقراطيه والحقيقه " ويعود لها مرة ثانيه في عام 1943 في صوء الأحداث المشهوره في الحرب العالميه الثانيه وكان عمره وقتذاك 83 سنه وقد لاحظ ماكيندر ان ثلاثه أرباع مساحه الكرة الأرضيه مغطاه بالمياه في حين أن مساحه اليابسه لا تتجاوز ربع إجمالي مساحة العالم ولاحظ اتصال البحار ببعضها البعض فأطلق عليها المحيظ العالمي World Ocean كما أطلق على اليابس القديم اسم جزيرة العالم World Island تشغل 1/16 من مساحه العالم واعتبر أن أمريكا الشماليه واللآتينيه واستراليا بمثابه جزر تحيظ باليابسه تغطي نحو 1/12 من مساحة الكره الأرضيه، وتتكون الجزيره العالميه من أفروأوراسيا يتوسطها البحر المتوسط وقد أشار إلى أن 14/16 من سكان العالم يقطنون هذه الجزيره أما الجزر المحيظه فيسكنها 1/6 من السكان ويسكن الجزر الخارجيه أمريكا الشماليه واللآتينيه واستراليا نحو 1/16 من سكان الكره الأرضيه.
وقد أطلق ماكيندر على المنطقه الوسطى من الجزيره اسم منطقه الإرتكاز Pivot Area عدل فيما بعد إلى منطقه القلب Heartland وفيرجريف أول من استخدم اصطلاح ( قلب العالم ( يمتد هذا القلب من نهر القلغا غرباً إلى شرق سيبيريا. ومن المحيط المتجمد الشمالي إلى هضاب إيران وافغانستان وبولوجستان في الجنوب.
ويغلب طابع السهول على المناطق الشماليه والوسطى والغربيه ولا يتخللها سوى جبال الأورال وتنصرف مياه القلب داخلياً صوب المحيط المتجمد الشمالي ويقع غالبيه منطقة القلب في روسيا وجزءاً من غرب الصين ومنغوليا وافغانستان وإيران عدا مناطقها الساحليه.
وقد أضاف ماكيندر بتعديله الثاني مناطق جديده إذ مد حدود منطقه القلب إلى شرق أوروبا حتى نهر الألب وتمتاز منطقة القلب بأنها منطقه سهليه ذات تصريف داخلي وتعد قلعه دفاعيه وأفضل نموذج للدفاع بالعمق كما أنها محاظه من الشمال بمسطح مائي متجمد أغلب أيام السنه ويشكل منطقه حمايه طبيعيه للقلب.
وقد أشار ماكيندر إلى منطقة إرتكاز أخرى وسماها منطقة القلب الجنوبي وتضم إقريقيا جنوب الصحراء وتعد الصحراء حصناً طبيعياً للفصل بين الجنسين الأبيض والأسود وأنها ذات تصريف داخلي من الهضبه الداخليه إلى أنهار النيجر والكونغو والزمبيزي والأورانج واللمبوبو.
وتتصل المنطقتان عبر الدول العربيه التي تمتد من النيل غرباً إلى العراق شرقاً وهذا خطأ واضح وقع فيه ماكيندر لأن بلاد العرب تمتد إلى أبعد من هذه الحدود وقد أشار أحد الباحثين العرب إلى هذا الخطأ[2].
وقد أطلق ماكيندر على الأراضي الساحليه اسم الهلال الداخلي وقد أطلق فيرجريف على الهلال الداخلي اسم منطقه الأرتطام وتمتاز منطقة الهلال الداخلي بأن أنهارها تتصرف نحو البحار الصالحه للملاحه وتتكون من المناطق الساحليه والأرض العربيه والصحراويه في الشرق الأوسط والمناطق الموسميه في آسيا.
أما الحلقه الخارجيه فأطلق عليها الهلال الخارجي وتتكون من أمريكا الشماليه وامريكا اللآتينيه وأفريقيا جنوب الصحراء واستراليا وليست هناك دوله تستحق الإشاره في نطاق الهلال الخارجي سوى الولايات المتحده الأمريكيه وبريطانيا واليابان.
والملاحظ أن ماكيندر لم يعط الولايات المتحده أهميه خاصه عام 1904 إلا أنه أعطاها مثل هذه الأهميه بتعديله عام 1943 ولعل من المفيد أن نشير إلى أن ماكيندر قد تخوف من نشوء دوله في القلب فتتمكن من تكوين امبراطوريه عالميه وبذلك تصبح جزيرة العالم قاعدة مهمه بريه وبحريه وجويه يدين لها العالم بأسره بالولاء وكان يرى أنه من الممكن ذلك لو أن ألمانيا أتحدث مع روسيا اتفاقاً أم غزواً.
واعتقد ماكيندر أن سلاح الجو لصالح القوه البريه أهميه أكثر من القوه البحريه وأكد أن استخدام الطرق البحريه لا يتم إلا من خلال إشراف القوه البريه وقد أكد أن عهد الدول البحريه قد أنتهى وأن تاريخ العالم ليس إلا صراعاً بين القوى البريه والقوى البحريه وإن السياده ستكون للدول البريه.
ولخص ماكيندر نظريته في :
(أ) من يتحكم في شرق أوروبا يتحكم في قلب الجزيره العالميه.
(ب) من يتحكم في القلب يتحكم في الجزيره ( جزيره العالم أفروا أوراسيا ).
(ت) من يتحكم بالجزيره يتحكم بالعالم.
وفي تعديل عام 1943 أكد ماكيندر أن التهديد للقلب من الإتحاد السوفيتي ( سابقا ) وليس من ألمانيا وأكد أيضاً أن الموقف السياسي للقوى العالميه لا يعتمد فقط على الموقع الجغرافي للقلب وإنما أيضاً على البناء الصناعي كما استحدث مصطلح " الحوض الجغرافي للقلب وإنما أيضاً البناء الصناعي كما استحدث مصطلح الحوض الأوسط شمال الأطلس بين غرب أوروبا وشرق الولايات المتحده الأمريكيه وأكد ماكيندر بأنه لو خرج السوفيت بالحرب العالميه الثانيه سيصبحون أعظم قوه بريه في العالم على انه يحسن بنا الإشارة إلى ماكيندر عام 1943 تقل الأهميه الجيوبولتيكيه للقلب من مجرد الإعتماد على الموقع والتلاحم الأرضي وسهوله الحركه للقوى القاريه إلى الإعتماد على السكان والعمران والموارد والخطوط الخلفيه للحركه والمهم أن ماكيندر قد وضع تصوره من وجهه نظر الباحث الإنجليزي الذي يحاول أن يلفت نظر السلطه في بريطانيا إلى إمكانيه ظهور قوه عالميه بريه لا تستطيع القوه البحريه الإنجليزيه الوصول إليها.
وقد وجهت عدة إنتقادات لنظريه ماكيندر منها إغفاله للأوصاف التقنيه المتطوره فمنعه المحيط المتجمد الشمالي لم تعد قائمه بعد اكتشاف كاسحات الجليد والغواصات التي تسير تحت الغطاء الجليدي كما أن اكتشاف الأسلحه المتطوره والصواريخ والأسلحه النوويه بالذات ما يغير من منعه منطقه القلب.
وفي رأي بعض المفكرين ومنهم مينج Mining أن ماكيندر لم يوفق حين حدد قلب الأرض والهلالين طبقاً لمعيار الموقع بالنسببه لليابس والماء وأنه كان من الأجدر تحديده على أساس المعيار الحضاري لأنه أكثر ثباتاً وبالنسبه للرملاند الهلال الأوسط فقد قسمه مينج إلى قسمين ( الهلال الأوسط القاري ، والهلال الأوسط البحري ) واعتمد الجانب الوظيفي أساساً للتمييز بينهما وفي رأي مينج أن من يسيطر على قلب الأرض يمكن أن يسيطر على بعض دول الأطراف بينما يرى ماكيندر أن من يسيطر عليها كلها يمكنه السيطره على العالم كله.
وهناك مسأله تضاف وهي أن المركزيه الشديده التي تتسم بها سويداء الارض ليست عاملاً في صالحه لأنها تصبح عرضه للهجوم جوا وهذا يعني أن سلاح الطيران يثلل كثيراً من أهميه موقعها الجغرافي.
ويرى فيرجريف أن اليابسه عباره عن جزيرتين عظيمتين هما جزيرة متوازية الأضلاع تمثل العالم القديم وجزيرة زخرى عبارة عن الأمريكتين وكلتاهما تقعان في محيط عظيم وينقسم متوازي الأضلاع إلى قسمين تفصلهما الصحراء أكثر مما يفصلهما البحر.
وعموماً فإن مخططي الاستراتيجيه في الغرب يقرون بأن ماكيندر كان على حق في أفكاره فألمانيا لم تتمكن من السيطره على المنطقه الحاجزة بين الجرمان والسلاف، وأصبحت الأراضي الممتده من البحر البلطي إلى بلاد البلقان في دائرة النفوذ السوفيتي سابقا الذي يسيطر على منطقة القلب وأثرت آراء ماكيندر في خطط السوق الإنجلوأمريكيه فكل الأحلاف ابتداءاً من حلف الأطلسي إلى حلف جنوب شرق آسيا ما هي إلا محاولات مخططه لتطويق منطقة القلب والسيطره على الهلال الداخلي المحيط بها في حينه.
والحقيقه أن أحداثاً جديده طرأت على دول العالم بعد سنين الحرب العالميه الثانيه تثير الشكوك حول آداء وصحة تطبيقها في عصرنا الحالي ومن هذه الأحداث ما تشهده المنطقة العربيه وما شهدته مناطق جنوب شرق آسيا وظهور الصين الشعبيه قوة تحظى بمرتكزات طبيعيه وبشريه تؤهلها أن تكون قوه عالميه في منطقه الهلال الداخلي وتربع الولايات المتحده الأمريكيه على عرش السياده العالميه كامبراطوريه وحيده بعد انهيار الإتحاد السوفيتي وحلفائه عام 1989 واصبح العالم أحادي القطب.
نظريه القوه البريه
يعد راتزل ( 1844 – 1904 ) أول من درس وعالج المكان والموقع معالجه منسقه ووازن بين الدول وقد أكد راتزل على وجود روابط قويه بين القوى القاريه والقوى[1] السياسيه.
وعليه فإن بداية مفهوم القوى القاريه يقترن بأداء راتزل، ولكن هذا المفهوم يظل شاخصاً وفاعلاً طبقاً لآراء ما كيندرو بغية إبراز هذه الحقائق، فإن هذا المبحث سيعرض آراء كل من راتزل وكيلن وكارل هوسهوفر ثم تنقل إلى ماكيندر.
فرديك راتزل 1944 – 1904:
كان راتزل متأثراً بنظرية ( النشوء والأرتقاء ) وآمن بأن الدوله كائن حي، فالنمو حاجه ماسه للكائن الحي والدوله كذلك طبقاً لآرائه حتى ولو كان ذلك عن طريق القوه وقد أكد راتزل على المساحه Raum والموقع Lage وطبيعه الحدود السياسيه Grenzen واعتقد أن المجال الإقليمي يؤثر في قوة الدوله كما أنه يعتمد في حجمه على هذه القوه.
وآمن بأن المساحه الكبيره ضروره لنمو الكائن الحي، ويضفي الموقع صفات مميزه على المساحه. أما الحدود فهي جلد الكائن الحي وهي علامه النمو أو الإضمحلال.
وقد وضع راتزل سبعه قوانين للتوسع الإقليمي وهي:
1. تزيد مساحة الدوله بإنتشار السكان ونمو ثقافتهم.
2. إن نمو الدوله عمليه لاحقه لنمو السكان.
3. تتسع الدوله بضم الوحدات الصغيره إليها.
4. الحدود هي العضو الحي المغلف لها فهي تنمو أو تنكمش تبعاً لقوة الدوله.
5. تحظى السهول وأودية الأنهار والمناطق الهامه الأخرى بمركز الثقل في اهتمامات الدوله خلال مراحل نموها.
6. إن التوسع الأرضي يأتي للدوله البدائيه من الخارج.
7. التوسع يفتح الشهيه للتوسع.
وقد وسع راتزل القانون السابع فقال إن ( هذا الكوكب الصغير " الأرض " لا يتسع إلا لدولة عظيمه واحدة ). وذكر راتزل إن استغلال المساحات الكبيره ستكون أهم ظاهرة سياسيه في القرن العشرين.
وأكد على أن تاريخ العالم ستتحكم فيه الدول الكبيره المساحه كروسيا في أوراسيا والولايات المتحده في أمريكا الشماليه.
ولكن لا بد من القول أن المساحه لا تعد عاملاً مجرداً قادراً على الفعل لوحده دون غيره من العوامل الأخرى.
رودولف كيلن 1864 – 1922
جغرافي عمل استاذاً بإحدى جامعات السويد، وهو صاحب الفلسفه المعروفه " بأن القوه أهم من القانون ". وإن الضرورة لا تعرف القانون ". وتنبأ بأن دولاً عظمى ستنشأ في آسيا وأفريقيا وأوروبا وتنبأ بأن السياده ستنتقل من القوى البحريه إلى القوى البريه التي ستتحكم يوماً في البحار.
وقد نشر كيلن كتابين أولهما عام 1917 باسم " الدوله مظهراً من مظاهر الحياة " والثاني عام 1920 بعنوان " الأسس اللازمه لقيام نظام سياسي " ويرتكز هذان الكتابان على خلفية تمتد أصولها إلى الفلسلفه العضويه.
والكثير من الآراء المتعارضه التي تظهر من كتابات راتزل وماكيندر. وقد طور كيلن أبحاثه إلى ما عرف فيما بعد باسم نظرية الدوله، وقد قسم الدراسات المرتبطه بالدوله إلى :
(أ) الجغرافيا والدوله.
(ب) السكان والدوله.
(ت) التركيب الإجتماعي.
(ث) الموارد الإقصاديه للدوله.
(ج) المنطقه الحكوميه.
كارل هوسهوفر 1869 – 1946
جغرافي ألماني نال درجة الدكتوراه عن جغرافية اليابان عام 1911 خدم في الحرب العالميه الأولى في الجيش الألماني وارتقى فيه حتى نال مرتبة لواء، وصديق حميم لتلميذه هيس الذي مات منتحراً في أيلول عام 1987، وعين عام 1895 مدرساً للجغرافيا والتاريخ بمعهد ميونخ، ثم أسس معهد الجيوبولتيكا بميونخ وبعد وصول هتلر للحكم عين هوسهوفر رئيساً للأكاديميه الألمانيه.
لقد آمن هوسهوفر بأن الحياه للدوله الكبيره. أما الدوله الصغيره فمصيرها الزوال وكان مؤيداً لمبدأ ( موندو ) في نصف الكره الغربي وكان يعتقد أن العالم مصيره لثلاث حكومات: الولايات المتحده في الغرب واليابان في الشرق وألمانيا في أوروبا وإفريقيا.
وقد آمن بالشعار الذي دفعه اليابانيون: التوسع الإقليمي وأختزال الضغط السكاني وآمن الدوله بأن الدوله كائن حي.
واعتقد أن الدوله يجب أن تتبع سياسة الإكتفاء الذاتي.
وقد رأى أن الدوله هي التي يتوفر لها عدد أكبر من السكان ومعدلات مواليد مرتفعه ووجود موائمه تامه بين السكان وتربه الوطن وتوازن بين سكان الحضر وسكان الريف، وقد نظر لحدود الدوله كالعضو المغلق للكائن الحي قابل للتغير والنمو والاضمحلال أما من الناحيه العسكريه فقد رأى ن القوه العسكريه تعتمد على ثلاثة أركان " الجيش، الإسطول، الطيران". وقد أكد على المشاه بوصفهم هم الذين يمسكون بالمجال الأرضي " ومن آرائه أن الدول الصغيره المساحه لا تصلح للدفاع بل الهجوم لتنقل المعركه إلى داخل أض الخصم" أما البلاد الواسعه المترامية الأطراف كروسيا فتستطيع الدفاع بعمق وقد حذر ألمانيا من فتح جبهتين في آن واحد كما حذرها بألا تبدأ بالإعلان عن الحرب لتجنب وصمة إشعال نارها. كما أكد أن الإحتلال العسكري للمجال الأرضي ينبغي أن يكون احتلالاً كاملاً حتى يتسنى القضاء على حرب العصابات ولم يحبذ فكرة الإستيلاء على المدن بل محاصرتها واكد على أن تدريب المقاتلين ينبغي أن يتماشى والبيئات التي سيقاتلون فيها أرضاً ومناخاً.
وقد رأي هوسهوفر بأن الدول الموجوده في قلب الأرض يجب أن تتكتل وأن تشرف دوله قويه واحده على هذا الجزء من العالم وفي إعتقادي أن ألمانيا هي الدوله المقصوده.
وعليه فهو لم يكن راغباً في التحرش بروسيا، وكان يفضل أن يكون هناك حلف بينها وبين ألمانيا.
هالفورد ما كيندر 1861 – 1947 الشكل ( 5- 1 ) ، ( 5 – 2 ).
يعد هالفورد دماكيندر من المفكرين الاستراتيجيين العظماء وقد تبوأ هذا المركز الفريد لنظريته المعروفه بنظريه ( قلب العالم ( ويرجع الفضل لرجاحة أفكاره لتكوينه الموسوعي الهادف. فقد درس ماكيندر علوم الحياة والتأريخ والقانون والطوبغرافيه والاستراتيجيه والجغرافيا فلا غرابه أن تؤهله خلفيته العلميه ليكون دبلوماسياً متميزاً وعاملاً بارعاً وجغرافياً يشار له بالبنان.
وحظى ماكيندر باهتمام كبير من لدن الجغرافيين والسياسيين بسواء لمحاضراته عن الارتكاز الجغرافي للتأريخ في الجمعيه الجغرافيه البريطانيه عام 1904 فقد أثارت هذه المحاضره نقاشاً استمر نصف قرن من الزمن وقد أثرت على أفكار كيلن وهوسهوفربك وأثرت في الاستراتيجيه الألمانيه عام 1940 وعاد ماكيندر وعدل نظريته عام 1919 في كتابه " المثل الديمقراطيه والحقيقه " ويعود لها مرة ثانيه في عام 1943 في صوء الأحداث المشهوره في الحرب العالميه الثانيه وكان عمره وقتذاك 83 سنه وقد لاحظ ماكيندر ان ثلاثه أرباع مساحه الكرة الأرضيه مغطاه بالمياه في حين أن مساحه اليابسه لا تتجاوز ربع إجمالي مساحة العالم ولاحظ اتصال البحار ببعضها البعض فأطلق عليها المحيظ العالمي World Ocean كما أطلق على اليابس القديم اسم جزيرة العالم World Island تشغل 1/16 من مساحه العالم واعتبر أن أمريكا الشماليه واللآتينيه واستراليا بمثابه جزر تحيظ باليابسه تغطي نحو 1/12 من مساحة الكره الأرضيه، وتتكون الجزيره العالميه من أفروأوراسيا يتوسطها البحر المتوسط وقد أشار إلى أن 14/16 من سكان العالم يقطنون هذه الجزيره أما الجزر المحيظه فيسكنها 1/6 من السكان ويسكن الجزر الخارجيه أمريكا الشماليه واللآتينيه واستراليا نحو 1/16 من سكان الكره الأرضيه.
وقد أطلق ماكيندر على المنطقه الوسطى من الجزيره اسم منطقه الإرتكاز Pivot Area عدل فيما بعد إلى منطقه القلب Heartland وفيرجريف أول من استخدم اصطلاح ( قلب العالم ( يمتد هذا القلب من نهر القلغا غرباً إلى شرق سيبيريا. ومن المحيط المتجمد الشمالي إلى هضاب إيران وافغانستان وبولوجستان في الجنوب.
ويغلب طابع السهول على المناطق الشماليه والوسطى والغربيه ولا يتخللها سوى جبال الأورال وتنصرف مياه القلب داخلياً صوب المحيط المتجمد الشمالي ويقع غالبيه منطقة القلب في روسيا وجزءاً من غرب الصين ومنغوليا وافغانستان وإيران عدا مناطقها الساحليه.
وقد أضاف ماكيندر بتعديله الثاني مناطق جديده إذ مد حدود منطقه القلب إلى شرق أوروبا حتى نهر الألب وتمتاز منطقة القلب بأنها منطقه سهليه ذات تصريف داخلي وتعد قلعه دفاعيه وأفضل نموذج للدفاع بالعمق كما أنها محاظه من الشمال بمسطح مائي متجمد أغلب أيام السنه ويشكل منطقه حمايه طبيعيه للقلب.
وقد أشار ماكيندر إلى منطقة إرتكاز أخرى وسماها منطقة القلب الجنوبي وتضم إقريقيا جنوب الصحراء وتعد الصحراء حصناً طبيعياً للفصل بين الجنسين الأبيض والأسود وأنها ذات تصريف داخلي من الهضبه الداخليه إلى أنهار النيجر والكونغو والزمبيزي والأورانج واللمبوبو.
وتتصل المنطقتان عبر الدول العربيه التي تمتد من النيل غرباً إلى العراق شرقاً وهذا خطأ واضح وقع فيه ماكيندر لأن بلاد العرب تمتد إلى أبعد من هذه الحدود وقد أشار أحد الباحثين العرب إلى هذا الخطأ[2].
وقد أطلق ماكيندر على الأراضي الساحليه اسم الهلال الداخلي وقد أطلق فيرجريف على الهلال الداخلي اسم منطقه الأرتطام وتمتاز منطقة الهلال الداخلي بأن أنهارها تتصرف نحو البحار الصالحه للملاحه وتتكون من المناطق الساحليه والأرض العربيه والصحراويه في الشرق الأوسط والمناطق الموسميه في آسيا.
أما الحلقه الخارجيه فأطلق عليها الهلال الخارجي وتتكون من أمريكا الشماليه وامريكا اللآتينيه وأفريقيا جنوب الصحراء واستراليا وليست هناك دوله تستحق الإشاره في نطاق الهلال الخارجي سوى الولايات المتحده الأمريكيه وبريطانيا واليابان.
والملاحظ أن ماكيندر لم يعط الولايات المتحده أهميه خاصه عام 1904 إلا أنه أعطاها مثل هذه الأهميه بتعديله عام 1943 ولعل من المفيد أن نشير إلى أن ماكيندر قد تخوف من نشوء دوله في القلب فتتمكن من تكوين امبراطوريه عالميه وبذلك تصبح جزيرة العالم قاعدة مهمه بريه وبحريه وجويه يدين لها العالم بأسره بالولاء وكان يرى أنه من الممكن ذلك لو أن ألمانيا أتحدث مع روسيا اتفاقاً أم غزواً.
واعتقد ماكيندر أن سلاح الجو لصالح القوه البريه أهميه أكثر من القوه البحريه وأكد أن استخدام الطرق البحريه لا يتم إلا من خلال إشراف القوه البريه وقد أكد أن عهد الدول البحريه قد أنتهى وأن تاريخ العالم ليس إلا صراعاً بين القوى البريه والقوى البحريه وإن السياده ستكون للدول البريه.
ولخص ماكيندر نظريته في :
(أ) من يتحكم في شرق أوروبا يتحكم في قلب الجزيره العالميه.
(ب) من يتحكم في القلب يتحكم في الجزيره ( جزيره العالم أفروا أوراسيا ).
(ت) من يتحكم بالجزيره يتحكم بالعالم.
وفي تعديل عام 1943 أكد ماكيندر أن التهديد للقلب من الإتحاد السوفيتي ( سابقا ) وليس من ألمانيا وأكد أيضاً أن الموقف السياسي للقوى العالميه لا يعتمد فقط على الموقع الجغرافي للقلب وإنما أيضاً على البناء الصناعي كما استحدث مصطلح " الحوض الجغرافي للقلب وإنما أيضاً البناء الصناعي كما استحدث مصطلح الحوض الأوسط شمال الأطلس بين غرب أوروبا وشرق الولايات المتحده الأمريكيه وأكد ماكيندر بأنه لو خرج السوفيت بالحرب العالميه الثانيه سيصبحون أعظم قوه بريه في العالم على انه يحسن بنا الإشارة إلى ماكيندر عام 1943 تقل الأهميه الجيوبولتيكيه للقلب من مجرد الإعتماد على الموقع والتلاحم الأرضي وسهوله الحركه للقوى القاريه إلى الإعتماد على السكان والعمران والموارد والخطوط الخلفيه للحركه والمهم أن ماكيندر قد وضع تصوره من وجهه نظر الباحث الإنجليزي الذي يحاول أن يلفت نظر السلطه في بريطانيا إلى إمكانيه ظهور قوه عالميه بريه لا تستطيع القوه البحريه الإنجليزيه الوصول إليها.
وقد وجهت عدة إنتقادات لنظريه ماكيندر منها إغفاله للأوصاف التقنيه المتطوره فمنعه المحيط المتجمد الشمالي لم تعد قائمه بعد اكتشاف كاسحات الجليد والغواصات التي تسير تحت الغطاء الجليدي كما أن اكتشاف الأسلحه المتطوره والصواريخ والأسلحه النوويه بالذات ما يغير من منعه منطقه القلب.
وفي رأي بعض المفكرين ومنهم مينج Mining أن ماكيندر لم يوفق حين حدد قلب الأرض والهلالين طبقاً لمعيار الموقع بالنسببه لليابس والماء وأنه كان من الأجدر تحديده على أساس المعيار الحضاري لأنه أكثر ثباتاً وبالنسبه للرملاند الهلال الأوسط فقد قسمه مينج إلى قسمين ( الهلال الأوسط القاري ، والهلال الأوسط البحري ) واعتمد الجانب الوظيفي أساساً للتمييز بينهما وفي رأي مينج أن من يسيطر على قلب الأرض يمكن أن يسيطر على بعض دول الأطراف بينما يرى ماكيندر أن من يسيطر عليها كلها يمكنه السيطره على العالم كله.
وهناك مسأله تضاف وهي أن المركزيه الشديده التي تتسم بها سويداء الارض ليست عاملاً في صالحه لأنها تصبح عرضه للهجوم جوا وهذا يعني أن سلاح الطيران يثلل كثيراً من أهميه موقعها الجغرافي.
ويرى فيرجريف أن اليابسه عباره عن جزيرتين عظيمتين هما جزيرة متوازية الأضلاع تمثل العالم القديم وجزيرة زخرى عبارة عن الأمريكتين وكلتاهما تقعان في محيط عظيم وينقسم متوازي الأضلاع إلى قسمين تفصلهما الصحراء أكثر مما يفصلهما البحر.
وعموماً فإن مخططي الاستراتيجيه في الغرب يقرون بأن ماكيندر كان على حق في أفكاره فألمانيا لم تتمكن من السيطره على المنطقه الحاجزة بين الجرمان والسلاف، وأصبحت الأراضي الممتده من البحر البلطي إلى بلاد البلقان في دائرة النفوذ السوفيتي سابقا الذي يسيطر على منطقة القلب وأثرت آراء ماكيندر في خطط السوق الإنجلوأمريكيه فكل الأحلاف ابتداءاً من حلف الأطلسي إلى حلف جنوب شرق آسيا ما هي إلا محاولات مخططه لتطويق منطقة القلب والسيطره على الهلال الداخلي المحيط بها في حينه.
والحقيقه أن أحداثاً جديده طرأت على دول العالم بعد سنين الحرب العالميه الثانيه تثير الشكوك حول آداء وصحة تطبيقها في عصرنا الحالي ومن هذه الأحداث ما تشهده المنطقة العربيه وما شهدته مناطق جنوب شرق آسيا وظهور الصين الشعبيه قوة تحظى بمرتكزات طبيعيه وبشريه تؤهلها أن تكون قوه عالميه في منطقه الهلال الداخلي وتربع الولايات المتحده الأمريكيه على عرش السياده العالميه كامبراطوريه وحيده بعد انهيار الإتحاد السوفيتي وحلفائه عام 1989 واصبح العالم أحادي القطب.