ثوره الزنج
مرسل: السبت إبريل 13, 2013 1:06 am
طبيعة الحركة وأهدافها
قامت حركة الزنج في عام 255 هـ، وأنهكت دولة الخلافة العباسية قبل أن تقضي عليها، وكان عماد هذه الحركة في باديء الأمر بعض العرب المغامرين من المهالبة والهمدانيين وغيرهم، أما الفئات التي شاركت فيها فهي متنوعة: الزنج، أهل القرى، العرب، عشائر عربية ثائرة على السلطة.. أما فيما يتعلق بالشخصية التي قادت هذا الجمع، فهو فارسي الأصل من أهل الري يُدعى "بهبوذ" وتسمى بعلي بن محمد وادعى انتسابه إلى عبد القيس ثم إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي، وهو شخصية محيرة فعلاً حيث يلاقي الباحث صعوبات جمة في معرفة نسبه، وذلك بفعل تقلباته السريعة، تبعًا للظروف التي كان يمر بها.
ويبدو أن حياته كانت غير طبيعية فقد بدأها كشاعر في بلاط الخليفة بسامراء، ثم حاول القيام بحركة ضد النظام في البحرين للوصول إلى الحكم، إلا أنه أخفق في تحقيق مبتغاه، فسلك نهجًا جديدًا، وظهر كقائد ديني ومتنبيء، فادعى نسبًا علويًا محاولاً أن يستثمر ما للشيعة من عطف وتأييد بين الناس، وقد أحلَّه أتباعه من أنفسهم محل النبي حتى جُبِي له الخراج..
ويبدو أن جماعة كثيرة العدد في البحرين قد تنكرت له، مما دفعه إلى مغادرتها إلى البادية ليستقطب الأعراب، وادعى فيها النسب الشيعي على أنه يحيى بن عمر أبو الحسين، فالتف حوله بعض الأعراب استغلهم بإعادة السيطرة على البحرين، إلا أنه هزم وفر إلى البصرة..
ووقف أثناء إقامته القصيرة فيها على أوضاعها الداخلية السياسية والاجتماعية حيث كان المجتمع البصري منقسمًا على نفسه، فحاول أن يستغل هذه الخلافات لصالحه إلا أنه فشل، وفي الوقت نفسه رأى في حياة العبيد فيها الذين يعملون في المستنقعات المجاورة فرصة لتحقيق طموحاته لكنه طُرِدَ منها فذهب إلى بغداد، وفي بغداد استنبط نسبًا علويًا جديدًا فانتسب إلى أحمد بن عيسى بن زيد، ثم حاول الوثوب إلى السلطة مستغلاً الأوضاع المضطربة في حاضرة الخلافة، ولكنه لم يتمكن من ذلك بفعل إحكام الأتراك قبضتهم على الوضع، فعاد إلى البصرة في عام 255هـ ليتزعم حركة ثورية مدعيًا أن الله أرسله لتحرير العبيد وإنقاذهم مما كانوا يعانونه من بؤس كما ادعى العلم بالغيب، وانتحل النبوة..
والواقع أن فكرة المهدي المنتظر رافقت علي بن محمد في جميع مراحل حياته السياسية؛ فاستغلها بذكاء، وهو بادعائه المهدية، كان يضرب على وتر حساس في نفوذ جماعة العلويين الذين برح بهم الشقاء، فكانوا يأملون في ظهور مهدي منقذ يزيل عنهم الغمة، ويفرج عن أيامهم كربتها، وركز كثيرًا على عراقة أصله وكتبها على نقوده وسمي نفسه "المهدي علي بن محمد" المنقذ..
وجهر علي بن محمد في إحدى مراحل حياته بمذهب الخوارج الذين يلائم مبدأهم ميل أصحابه الشورية، فحارب من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة، وكتب شعاراته على الرايات باللونين الأخضر والأحمر وهما لون العلويين ولون الخوارج..
لقد تعارضت أفكار علي بن محمد عن الخلافة مع مفهوم الشيعة لها التي تؤكد على الوراثة، وتبنى رأي الخوارج القائم على الشورى، مما نفَّر منه الأعراب البسطاء، وعرب البصرة والأهواز وواسط والمناطق المحيطة بها، كما رفض قرمط أن يرتبط معه بعوامل دينية، أما شدته وقسوته تجاه أعدائه فقد جعلته خارجيًا متطرفً، يُضَاف إلى ذلك أنه عامل أسرى الحرب معاملة الرقيق، ووعد أتباعه بأنه سيملكهم المنازل والعبيد، وهذا يعني تحويل حياة الزنج من أرقاء إلى ملاك للعبيد. والواضح أن هذا التناقض في عقيدة الحركة يفرغها من أي صبغة عقائدية، ويجعلها حركة مسلحة ضد النظام ليس إلا، كما يجعل من قائدها رجلاً مغامرًا طموحًا إلى السلطة..
و هذا وجهة نظر في الموضوع. و للدكتور محمد عمارة في كتابه "مسلمون ثوار" وجهة نظر مخالفة تماما في حق الحركة و عن زعيمها علي بن محمد، لمن أراد الاطلاع عليها.
دوافع الاستجابة لهذه الحركة
تعددت دوافع الاستجابة لهذه الحركة ما بين سياسية، واقتصادية واجتماعية:
الدوافع السياسية:
بسبب تردي أوضاع الخلافة، نتيجة تصاعد نفوذ الأتراك إلى جانب صراع خفي بين المترفين والعبيد وجد متنفسًا له في دعوة علي بن محمد..
الدوافع الاقتصادية:
نتيجة الأوضاع المالية المتدهورة وظاهرة التكوين الطبقي داخل المجتمع الإسلامي من طبقة ثرية إلى طبقة تجار فالطبقة العامة العاملة..
واتسعت الهوة مع مرور الزمن بين هؤلاء وبين الطبقة الإقطاعية، وبلغ التناقض الاجتماعي مداه، مما كان دافعًا للاستجابة لنداء الثورة الذي أطلقه علي بن محمد..
الدوافع الاجتماعية:
بفعل نمط حياة فئات العبيد التي كانت تعيش في ظروف قاسية وسيئة من خلال عملها في تجفيف المستنقعات وإزالة السباخ (18) عن الأراضي، ثم نقل الملح إلى حيث يعرض ويباع، لقاء وجبة طعام، فأرادت هذه الفئات التخلص من هذا العمل الشاق ومن ضنك العيش..
وقد سيطر علي بن محمد خلال عشرة أعوام (255 ـ 265هـ) على رقعة واسعة تمتد بين الأهواز وواسط، وهدد بغداد، عندئذ عهد الخليفة المعتمد إلى أخيه أبي أحمد الموفق طلحة بمحاربته؛ فاصطدم بمجموع الزنج وقتل علي بن محمد، واستسلم من بقى من أتباعه ومات العديد..
وبإخماد الثورة، أُسْدِلَ الستار على هذه الحركة التي قضَّت مضاجع الخلافة لعباسية، وكلفتها الكثير من الجهد والأموال والأرواح والتي دامت أكثر من أربعة عشر عامًا (255ـ 270هـ) (19)
حركة الزنج في الميزان
لقد انطلقت حركة الزنج من واقع الألم والاضطهاد الاجتماعي والاقتصادي بين مستنقعات البصرة وسهولها، وكانت بدايتها ناجحة انسجمت فيها أهدافها مع أفعالها لكن النزعة الفوضوية التي طبعتها وهي في قمة مواجهتها أدت إلى تقلص أبعادها الاجتماعية، وقد زاد من تلك النزعة افتقارها إلى برنامج ثوري يصوغ تطلعات وأهداف القائمين بها، ويوضح العلاقة بين القيادة والأتباع، كما يلاحظ أن رجالها استهدفوا الانتقام لا الإصلاح، والانقلاب الاجتماعي لا التقويم، وأن قائدها لم يستطع أن يحرر ذاته من مسألة فكرة الزعامة القرشية، بالإضافة إلى أن أطرها الثورية كانت محلية ومحدودة ولم تكن لديها تطلعات شاملة، وندرك من هنا عدم نجاح علي بن محمد في اكتساب قطاعات كبيرة من المجتمع العراقي كالفلاحين وكبار الملاك والتجار والحرفيين، وحتى القرامطة، فأصبح العبيد بمفردهم ضعفاء رغم عددهم الكبير.. ومن جهة ثانية فإن سرعة الأحداث، وتصميم العباسيين على القضاء عليها، لم يعطيا قائدها مهلة لتنظيم صفوف قواته، وتمكنه من بناء مجتمع مستقر ذي أنظمة خاصة لذلك كان من الطبيعي أن تفقد هذه الحركة طابعها الإنساني والثوري مما دفعها إلى نهايتها المحتومة، لكن قاعدتها الثورية التي تشتت استطاعت أن تكون إحدى الدعائم الأساسية التي دفعت الحركة القرمطية إلى الظهور فيما بعد..
حركة الزنج من وجهة نظر مؤيديها
ثورة الزنج منذ عهد المتوكل العباسي غلبت سيطرة ُالعسكر الاتراك وقادتِهم على ازمة الامور في الدوله وأستأثروا بالعطاءات والاقطاعات واستبدوا بسلطان الخلافه حتى صاروا يولون ويعزلون الخلفاء كما يحلو لهم بل يقتلون ويسمون ويسجنون كلَ من لايحقق مطامعهم ومطامحهم من الخلفاء والوزراء. وقد حاول بعض الخلفاء ان يستردوا إلى منصب الخلافه سلطانـَه وهيبتـَه وان يستندوا في معارضة القاده الاتراك ومواجهتهم إلى تأييد شعبي عن طريق مهادنة المعارضين واظهار ِشيء ٍمن العدل والانصاف بين رعيتهم، حاول ذلك الخليفه المنتصر بالله العباسي سنة مئتين وسبع واربعين للهجره والمهتدي بالله العباسي سنة مئتين وخمس وخمسين للهجره ولكن الاتراك تخلصوا منهم بالعزل والسم والقتل، فما حكم كلُ واحد منهما الا عاما واحدا فقط.
وعندما سدّت سبلُ الإصلاح امام الراغبين فيه والمتطلعين اليه اقبل الناسُ على الثوره طريقا لم يجدوا امامهم سواه للتغير. فكان أن قامت عدةُ حركات ثوريه يقودها ثوار كانت غالبيتـُهم من العلويين، ففي سنة مئتين وثمان واربعين للهجره ثارت الكوفه بزعامة ابي الحسين ابن يحيى ابن عَمرو ابن يحيى ابن الحسين ابن عبد الله ابن إسماعيل ابن عبد الله ابن جعفر الطيار، وفي سنة مئتين وخمسين للهجره ثارت طبرستان بقيادة الحسن ابن زيد ابن محمد ابن إسماعيل ابن الحسن ابن زيد ابن الحسن ابن الحسن ابن الامام علي ابن ابي طالب عليهما السلام، وامتدت الثوره إلى جرجان واستمرت دولتها حتى سنة مئتين وسبعين للهجره، وثارت الري بزعامة محمد ابن جعفر ابن الحسن بهدف الانضمام إلى ثورة طبرستان ثم تكررت ثورتـُها بعد الاخفاق بقيادة أحمد ابن عيسى ابن علي ابن الحسن ابن علي ابن الحسين ابن علي ابن ابي طالب عليهم السلام، وثارت قزوين بقيادة الكركي الحسن ابن إسماعيل ابن محمد ابن عبد الله ابن علي ابن الحسين ابن علي ابن ابي طالب عليهما السلام، وثارت الكوفه مجددا بقيادة الحسين ابن محمد ابن حمزه ابن عبد الله ابن الحسن ابن علي ابن ابي طالب عليهم السلام، على أن اخطر الثورات التي شهدها العصر العباسي كانت هي الثوره التي قادها علي ابن محمد سنة مئتين وسبعين للهجره والتي بدأت في البحرين سنة مئتين وتسع واربعين للهجره والتي اشتهرت باسم ثورة الزنج
وكان قائد هذه الثوره هو علي ابن محمد ابن أحمد ابن علي ابن عيسى ابن زيد ابن علي ابن الحسين ابن علي ابن ابي طالب عليهم السلام شاعرا وعالما كان يمارس في سامراء تعليم النحو والخط والنجوم وكان واحدا من المقربين إلى الخليفه المنتصر بالله العباسي ولما قتل الاتراك المنتصر بالسم ومارسوا الاعتقال والسجن والنفي والاضطهاد لحاشيته كان علي ُابن محمد هذا من بين المعتقلين، ثم حدث تمرد من فرقة الجند الشاكريه ببغداد يؤازرهم عامة الناس دخلت بغداد معها في فوضى عارمه واختفت الجيوش والشرطه من الشوارع، فأقتحم المتمردون السجون وأطلقوا سراح من فيها ومنهم بالطبع علي ابن محمد، ليشعلَ ثورة ًا قضت مضجعَ العباسيين إلى أقصى مدى.
غادر علي ابن محمد بغداد إلى سامراء ومنها إلى البحرين حيث دعا إلى الثورة ضد الدوله العباسيه الواقعة تحت سيطرة الجند الاتراك ,بالرغم من اشتهار هذه الثوره بثورة الزنج الا انها لم تكن ثورة ًعنصرية ًللزنج وحد ِهم ولم تقف اهدافُها عند تحرير العبيد أو تحسين ظروف عملهم, فقائد هذه الثوره عربي حر علوي رغم تشكيك خصومه في صحة نسبه العلوي كما كانت الحكومة تفعل دائما في مثل هكذا مواقف، وأغلبُ قوادها كانوا عربا كذلك مثل علي ابن ابان المهلبي وسليمان ابن موسى الشعرواني وسليمان ابن جامع وأحمد ابن مهدي الجبائي ويحيى ابن محمد البحراني ومحمد ابن سمعان وغيرهم الكثير وعلى امتداد السنوات السبع الأولى من عمر الثوره الممتده من سنة مئتين وتسع واربعين للهجره إلى سنة مئتين وست وخمسين للهجره كان قادتها ومحيطها وجمهورها عربيا خالصا فهي قد بدأت في مدينة هجر أهم مدن البحرين ثم في بادية البحرين وسط عربها ثم في الاحساء بين احياء بني تميم وبني سعد وفي هذا المحيط العربي قامت سلطة ُهذه الثوره ودولتـُها وحدثت الحروب بينها وبين جيوش الدوله العباسيه، ويصف الطبري سلطة علي ابن محمد في هذا المحيط العربي فيقول لقد أحله اهلُ البحرين من أنفسهم محل النبي حتى جبي له الخراج هناك ونفذ حكمُه بينهم وقاتلوا أسباب السلطان بسببه
وفي موقعة الردم في البحرين احرز العباسيون انتصارا مؤثرا على الثوره فأنسحب علي ابن محمد إلى البصره ونزل هناك بين عرب بني ضبيعه من نزار ابن معن ابن عدنان فدعاهم للثوره فتبعوه وكان عددٌ منهم من قادة ثورته وجيشه ولما طردته الدوله والقت القبض على أغلب انصاره ووضعتهم في السجون مع ابنه الأكبر وابنته وزوجته غادر على ابن محمد إلى بغداد متخفيا واقام بها عاما كاملا دون أن يشعر به أحد
في سنة مئتين وخمس وخمسين للهجره حدثت في البصرة فتنة بين طائفتين من جندها الجند البلاليه والجند السعديه واسفرت هذه الفتنه عن اضطراب عارم وغياب للنظام تمخض عنها كسر السجون وأطلق سراحُ المعتقلين ومنهم اهلُ وانصارُ على ابن محمد فغادر بغداد ووصل إلى ضواحي البصره ليواصل ثورته من جديد متطلعا لتجاوز اخفاقاته السابقه وهنا بدأ أول انعطاف للثوره نحو الزنج أي بعد قرابة ِسبع ِسنوات من اندلاعها
كانت البصره أهم المدن في جنوب العراق وكان جنوب العراق مشحون بالرقيق والعمال الفقراء الذين يعملون في مجاري المياه ومصابها ويقومون بكسح السباخ والأملاح وذلك تنقية للأرض وتطهيرا لها كي تصبح صالحة للزراعه وكانوا ينهضون بعملهم الشاق هذا في ظروف عمل قاسيه وغير إنسانية للغايه تحت اشراف وكلاء غلاظ قساة عديميي الرحمه ولحساب ملاك الأرض من اشراف العرب ودهاقنة الفرس الوافدين كليهما على العراق ,اما العبيد فكانوا مجلوبين من أفريقيا السوداء زنوجا واحباشا ونوبيين وقرماطيون إضافة إلى فقراء العرب العراقيين والذي كان يطلق عليهم في ذلك الوقت تسمية الفراتيين
شرع علي ابن محمد الثائر العلوي الجديد يدرس أحوال هؤلاء البائسين من فقراء وعبيد ويسعى لضمهم لثورته كي يحررَهم ويحاربَ بهم الطبقه الارستقراطيه التي تضطهدهم بمعونة الدوله العباسيه وعلى راسها الخليفه الحاكم باسم الدين في العاصمه سامراء انذاك فكان أول زنجي ينظم اليه هو ريحانُ ابنُ صالح الذي أصبح من قادة الحرب والثوره
اخذ الثائر العلوي علي ابنُ محمد يتنقل مع قادته بين مواقع عمل الرقيق والفراتيين فقراء العراق يدعوهم إلى ترك أماكنهم وترك الخضوع لسادتهم والانضمام إلى معسكره في ضواحي البصره للخلاص من واقعهم البائس واعدا اياهم بحياة أفضل فيما لو انتهت اليه ازمة ُالامور فأستجابت لدعوته مجاميعُ غفيرة منهم، ولقد فشل وكلاء الملاك في الحيلولة بين الرقيق المضطهد وعلي ابن محمد العلوي فكان الاسياد يحبسون رقيقهم في بيوت ويسدون عليهم الأبواب والنوافذ بالطين، ولكن بالرغم من كل هذا كان العبيد يتقاطرون على المعسكر العلوي بشكل مستمر، ويصف ابنُ خلدون إقبالَ الزنج على الثوره وزحفـَهم للقاء قائدها فيقول : لقد تسايل اليه الزنجُ واتبعوه. اعلن الثائر العلوي علي ابن محمد أن هدفه بالنسبة للزنج والفراتيين فقراء العراق هو : تحريرُ الرقيق من العبوديه وتحويلُهم إلى سادة لأنفسهم وأعطاؤهم حق َامتلاك الضياع والاموال بل ومناهم بأمتلاك َسادتِهم سادة الامس الذين كانوا يسترقونهم وجعلِهم عبيدا عندهم ووعدهم أيضا بضمان مساواتهم في ثورته ودولته التي تعمل من اجل ضمان ٍاجتماعي هو اقرب إلى النظم الجماعيه التي يتكافل فيها ويتضامن مجموع المجتمع.نظام سياسي يرفض الخلافه الوراثيه لبني العباس والتي أصبحت اسيرة ًبيد قادة الجند الاتراك، ويُقدم بدلا منها دولة َالثوره التي أصبح فيها الثائرُ العلوي علي ابنُ محمد اميرا للمؤمنين ,. استطاعت الثوره ان تكتسب أكثر فأكثر ثقة َجماهير الزنج والفراتيين فقراء العراق الذين بدورهم كانوا اشبه مايكونون بالرقيق وبالذات في ظروف العمل وشروطه، وخاصة بعدما رفض قائدُ الثوره مطالبَ الاشراف والدهاقين والوكلاء بأن يردَ عليهم عبيدَهم لقاء خمسة ِدنانير عن كل رأس، لقد رفض الثائر العلوي علي ابن محمد هذا العرض، بل وعاقب هؤلاء السادة الذين قدّموا العرض، فطلب من كل جماعة من الزنج ان يجلدوا سادتـَهم ووكلائَهم القدامى. وزاد من اطمئنان الزنج إلى الثوره ما أعلنه قائدُها بأنه لم يَثُرْ الا لرفع المظلومية ِعنهم، وعاهدهم على ان يكون في الحرب بينهم بقوله :اشرككم فيها بيدي واخاطر معكم فيها بنفسي، بل قال لهم ليُحط ْ بي جماعة ٌمنكم فإن احسوا مني غدرا فتكوا بي. وبهذه الثقه تكاثر الزنجُ في صفوف الثوره وفي كتائب جيشها بل وانضمت إليها الوحدات الزنجيه من جيش الدوله العباسيه في كل موطن من المواطن التي التقى فيها الجيشان.حتى سميت لذلك بثورة الزنج، واشتهرت بهذا الاسم في مصادر التاريخ. في عشرات المعارك التي وقعت بين جيوش الزنج وجيوش الدوله العباسيه كان النصر غالبا للزنج فيها، وتأسست كثمرة لهذه الانتصارات دولة ٌللثوره اقامت فيها سلطتـَها وطبقت فيها اهدافها، ونفذ فيها سلطانُ الثائر العلوي علي ابن محمد. ولقد بلغت دولة ُالثوره هذه درجة ًمن القوه فاقت بها كلَ ماعرفته الخلافه العباسيه قبلها من اخطار وثورات. والمؤرخون الذين كانت عندهم ان الدنيا كانت هي الامبراطوريه العباسيه قالوا ان الزنج قد اقتسموا الدنيا مع بني العباس واجتمع اليه من الناس ما لاينتهي العدُ والحصرُ اليه وكان عمال الدوله الثائره يجمعون لعلي ابن محمد الخراج على عادة السلطان حتى لقد خيف على ملك بني العباس ان يذهب وينقرض. أقام الثوارُ لدولتهم عاصمة ًسموها المختاره انشأوها إنشاءا في منطقة تتخللها فروعُ الأنهار كما أنشؤوا عدة َمدن أخرى وضمت دولتـُهم مدنا وقرى ومناطقَ كثيره ضمت البحرين والبصره والأبله والاهواز وواسط والقادسيه وجنبلاء والنعمانيه والمنصوره ورام هرمز والمنيعه والمذار وتستر وخوزستان وعبادان وأغلبَ سواد ِالعراق
القت الخلافه العباسيه بكل ثقلها في المعركه ضد الثوره، وكرست كل إمكاناتها للجيش والقتال، وبعد أن عهد الخليفه المعتمد العباسي بالقياده الميدانيه إلى اخيه الموفق، تحول قائد الجيش إلى خليفة حقيقي وتحولت المدينة التي بناها تجاه عاصمة الثوار والتي سماها الموفقيه إلى العاصمه الحقيقيه للدوله ويأتي إلى بيت مالها كلُ خراج البلاد لدعم المجهود الحربي في اخماد ثورة الزنج، وتصدر منها الاوامر إلى كل الولاة والعمال في سائر ارجاء الخلافه في أن يقدّموا كلَ مايستطيعونه لاسناد جيش العباسين في قتاله, الامر الذي اوغر صدر الخليفه المعتمد حتى لقد حاول الفرار من سامراء إلى مصر ليدخل في حماية الطولونيين ,فألقي القبض عليه بنواحي الموصل واعادوه إلى سامراء شبه سجين.
في سنة مئتين وثمان وستين للهجره باشرت الجيوش العباسيه بقيادة الموفق بهجوم واسع على المختاره عاصمة الزنج وهي مدينة محصنة غاية التحصين وفرق قواده على جهاتها وجعل مع كل طائفة نقابين لهدم السور وتقدم إلى الرماة أن يحموا بالسهام من يهدم السور وينقبه فوصلوا إلى السور وثلموه في مواضع كثيرة. ودخل أصحابُ الموفق من جميع تلك الثغرات وتوغلوا داخل المدينة فخرج الكمناءُ من خلف الجيوش العباسيه وحدثت واحدةٌ من اعنف المعارك قتل فيها معظمُ الجيش العباسي الذي دخل مدينة المختاره فيما لاذ بالفرار من استطاع الافلاتَ من سيوفِ ِالزنج عبر نهر دجله.
في الخامس والعشرين من سنة مئتين وتسع وستين للهجره تقدمت الجيوش العباسيه بقيادة الموفق نفسِه لهدم سور المختاره مرة أخرى وقاتل الفريقان أشد قتال رأه الناس فبينما هم كذلك وصل سهم إلى الموفق فأصابه في صدره فاضطرب عسكر العباسين وخافوا, وتسرب كثير من جيوشهم تاركين ساحة المعركه, فأشار عليه أصحابه بأن يعود إلى بغداد ويخلف من يقوم مقامه فأبى ذلك ,ولكنه احتجب عن الناس.
في يوم الأحد العشرين من شعبان سنة مئتين وتسع وستين للهجره بكر الموفق بعد أن برأ من علته إلى القتال وأمر أبو حمزه نصير صاحب الزوارق لقصد قنطرة كان الزنج قدعملوها في نهر أبي الخصيب فدخلت زوارق العباسيين نهر أبي الخصيب في أول المد فحملها الماء وألصقها بالقنطرة فأجتمع الزنج على جانبي النهر ورموا الزوراق بكل معداتهم رميا كثيفا فأهلكوا من فيها ومن بينهم بالطبع صاحب زوارق الموفق أبو حمزه نصير
كانت مصر قد استقلت عن الخلافه العباسيه تحت حكم أحمد ابن طولون وكان لها جيش قوي في الشام يقوده المملوك لؤلؤ غلام ابن ِطولون كاتب لؤلؤ الموفق العباسي واشترط عليه شروطا لنفسه فأجابه الموفق إلى كل ماطلب فخان سيده بعد أن اغراه الموفق العباسي، وانظم إلى جيش الدوله العباسيه المحتشد لقتال الثوار فوصل في الثالث من محرم من سنة مئتين وتسع وستين للهجره. انظم الجيش الطولوني العظيم إلى جيش العباسيين بقيادة أخي الخليفه الموفق العباسي فأكرمه وانزله وخلع عليه وعلى اصحابه واحسن اليهم وامر لهم بالارزاق على قدر مراتبهم ثم تقدم إلى لؤلؤ بالتأهب إلى قتال الزنج وكان الموفق قد عطل القتال لحين قدوم لؤلؤ وليستريح الجيش الذي تملكه التعب والكلل فشرع في محاربتهم بفريق بعد فريق من اصحاب لؤلؤ ليتمرنوا على قتالهم وليقفوا على المسالك والطرق في ساحات القتال التي لم يعهدهوها من قبل.فرأى الموفق من شجاعة لؤلؤ واقدامه وشجاعة اصحابه ماسره للغايه
كان الزنج لما غلبوا على نهر أبي الخصيب وقطعت القناطر والجسور التي عليه أحدثوا تضييقا في النهر وجانبيه وجعلوا في وسط النهر بابًا ضيقًا لتحتد جرية الماء فيه فتمتنع الزوارق من دخوله في الجزر. ويتعذر خروجُها منه في المد ,فرأى الموفق أن تقدمَهم لايتم إلا بقلع هذا التضييق فشرع في محاربتهم.
ألح الموفق على اقتلاع المضيق وكان يحارب المحامين عليه بأصحابه وبأصحاب لؤلؤ وغيرهم والفعلة يعملون في قلعة فأوقع بالزنج وقيعة مؤلمه فقتل المحامين على المضيق عن آخرهم ولم يسلم منهم إلا الشريد فأخذوا من أسلحتهم ما لم يستطيعوا حمله، وتقدمت سفن وزوارق الجيش العباسي.وفرق العساكر من جميع جهاته وامر الجندَ بالجد في القتال وأمر الناس أن لا يزحف أحد حتى يرى حركة العلم الأسود الذي نصبه على دار اقامته. وحتى ينفخ في بوق بعيد الصوت.
في يوم الاثنين السابع والعشرين من محرم سنة مئتين وسبعين للهجره زحفت الجيوش العباسيه والطولونيه جميعا ومن كل الجهات نحو المختاره عاصمة الزنج والتقى الفريقان في معركة حاميه سقط فيها آلاف القتلى من الجانبين، استبسل الزنج فيها غاية الاستبسال وأخيرا تمكنوا من صد الجيش العباسي وارجاعه إلى مواقعه.
أمر الموفق العباسي بتحريك العلم الأسود مرة أخرى والنفخ في البوق فزحف الناس في البر والماء يتلو بعضُهم بعضا فلقيهم الزنج واشتد القتال وقتل من الفريقين جمع كثير والح الجيش العباسي الحاحا شديد في التقدم ,فانهزم الزنج وتبعهم أصحاب الموفق يقتلون ويأسرون فقتل منهم ما لا يحصى عددا وغرق منهم مثل ذلك وحوى الموفق المدينة بأسرها فغمنها أصحابه واستنقذوا من كان بقي من الأسرى وظفروا بجميع عيال علي بن أبان المهلبي وبأخويه: الخليل ومحمد وأولادهما وعبر بهم إلى المدينة الموفقية.
مضى الثائر العلوي قائد ثورة الزنج علي ابن محمد في أصحابه ومعه ابنه انكلاي وسليمان بن جامع وقواد من الزنج وغيرهم إلى الخط الثاني الذي كان معدا كمصد في حال تقدم الجيش العباسي من جهتها اشتغلت جيوش الخلافه بالنهب والإحراق وانصرفوا إلى سفنهم بما قد حووا من غنائم واسلاب.وكان معظم القتال في هذا اليوم للجيوش الطولونيه بقيادة لؤلؤ. في يوم السبت الثاني من صفر وبعد ثلاثة ايام من الاستراحه امر الموفق جيوشَه بالمسير لقتال الزنج مرة أخرى وطاف عليهم هو بنفسه يعرف كلَ قائد مركزَه والمكانَ الذي يقصده فعبر بالناس وأمر برد السفن إلى الضفة الأخرى من نهر دجله حتى لايفكر الجندُ بالهزيمه . والتقى الجيشان مرة أخرى وبعد قتال ضار انهزم الزنج وتفرقوا لا يلوي بعضهم على بعض وتبعهم أصحاب الموفق يقتلون ويأسرون من لحقوا منهم، أسر في هذه المعركه ابرز قواد ثورة الزنج سليمان بن جامع وإبراهيم بن جعفر الهمداني ودرمويه الزنجي, وانتهى الموفق إلى آخر نهر أبي الخصيب وكانت جيوشه قد اعملت سيوفها في رجال مدينة المختاره عاصمة الزنج لتقتل مقتلة عظيمه منهم حتى غطت الجثثُ وجه الأرض لترسم صورة مروعه ينقلها لنا التأريخ لواحده من اعنف الصرعات التي شهدتها أرض العراق في ذلك الزمان, وفي مساء ذلك اليوم تتقاطر اعضاء جسد الثائر العلوي قائد ثورة الزنج إلى حيث مكان الموفق العباسي كلُ عضو بيد واحد من الجند ليتبعها راسه أخيرا
استمرت الحربُ بين دولة الثوره هذه وبين الخلافه العباسيه لأكثر من عشرين عاما بلغ العنف فيها من الجانبين حدا لم يسبق له مثيل، حتى ليقول المؤرخون الذين يتواضعون بأرقام القتلى في هذا الصراع بأنهم بلغوا نصفَ مليون قتيل. وهكذا انطوت صفحة دمويه أخرى من صفحات التأريخ
قامت حركة الزنج في عام 255 هـ، وأنهكت دولة الخلافة العباسية قبل أن تقضي عليها، وكان عماد هذه الحركة في باديء الأمر بعض العرب المغامرين من المهالبة والهمدانيين وغيرهم، أما الفئات التي شاركت فيها فهي متنوعة: الزنج، أهل القرى، العرب، عشائر عربية ثائرة على السلطة.. أما فيما يتعلق بالشخصية التي قادت هذا الجمع، فهو فارسي الأصل من أهل الري يُدعى "بهبوذ" وتسمى بعلي بن محمد وادعى انتسابه إلى عبد القيس ثم إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي، وهو شخصية محيرة فعلاً حيث يلاقي الباحث صعوبات جمة في معرفة نسبه، وذلك بفعل تقلباته السريعة، تبعًا للظروف التي كان يمر بها.
ويبدو أن حياته كانت غير طبيعية فقد بدأها كشاعر في بلاط الخليفة بسامراء، ثم حاول القيام بحركة ضد النظام في البحرين للوصول إلى الحكم، إلا أنه أخفق في تحقيق مبتغاه، فسلك نهجًا جديدًا، وظهر كقائد ديني ومتنبيء، فادعى نسبًا علويًا محاولاً أن يستثمر ما للشيعة من عطف وتأييد بين الناس، وقد أحلَّه أتباعه من أنفسهم محل النبي حتى جُبِي له الخراج..
ويبدو أن جماعة كثيرة العدد في البحرين قد تنكرت له، مما دفعه إلى مغادرتها إلى البادية ليستقطب الأعراب، وادعى فيها النسب الشيعي على أنه يحيى بن عمر أبو الحسين، فالتف حوله بعض الأعراب استغلهم بإعادة السيطرة على البحرين، إلا أنه هزم وفر إلى البصرة..
ووقف أثناء إقامته القصيرة فيها على أوضاعها الداخلية السياسية والاجتماعية حيث كان المجتمع البصري منقسمًا على نفسه، فحاول أن يستغل هذه الخلافات لصالحه إلا أنه فشل، وفي الوقت نفسه رأى في حياة العبيد فيها الذين يعملون في المستنقعات المجاورة فرصة لتحقيق طموحاته لكنه طُرِدَ منها فذهب إلى بغداد، وفي بغداد استنبط نسبًا علويًا جديدًا فانتسب إلى أحمد بن عيسى بن زيد، ثم حاول الوثوب إلى السلطة مستغلاً الأوضاع المضطربة في حاضرة الخلافة، ولكنه لم يتمكن من ذلك بفعل إحكام الأتراك قبضتهم على الوضع، فعاد إلى البصرة في عام 255هـ ليتزعم حركة ثورية مدعيًا أن الله أرسله لتحرير العبيد وإنقاذهم مما كانوا يعانونه من بؤس كما ادعى العلم بالغيب، وانتحل النبوة..
والواقع أن فكرة المهدي المنتظر رافقت علي بن محمد في جميع مراحل حياته السياسية؛ فاستغلها بذكاء، وهو بادعائه المهدية، كان يضرب على وتر حساس في نفوذ جماعة العلويين الذين برح بهم الشقاء، فكانوا يأملون في ظهور مهدي منقذ يزيل عنهم الغمة، ويفرج عن أيامهم كربتها، وركز كثيرًا على عراقة أصله وكتبها على نقوده وسمي نفسه "المهدي علي بن محمد" المنقذ..
وجهر علي بن محمد في إحدى مراحل حياته بمذهب الخوارج الذين يلائم مبدأهم ميل أصحابه الشورية، فحارب من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة، وكتب شعاراته على الرايات باللونين الأخضر والأحمر وهما لون العلويين ولون الخوارج..
لقد تعارضت أفكار علي بن محمد عن الخلافة مع مفهوم الشيعة لها التي تؤكد على الوراثة، وتبنى رأي الخوارج القائم على الشورى، مما نفَّر منه الأعراب البسطاء، وعرب البصرة والأهواز وواسط والمناطق المحيطة بها، كما رفض قرمط أن يرتبط معه بعوامل دينية، أما شدته وقسوته تجاه أعدائه فقد جعلته خارجيًا متطرفً، يُضَاف إلى ذلك أنه عامل أسرى الحرب معاملة الرقيق، ووعد أتباعه بأنه سيملكهم المنازل والعبيد، وهذا يعني تحويل حياة الزنج من أرقاء إلى ملاك للعبيد. والواضح أن هذا التناقض في عقيدة الحركة يفرغها من أي صبغة عقائدية، ويجعلها حركة مسلحة ضد النظام ليس إلا، كما يجعل من قائدها رجلاً مغامرًا طموحًا إلى السلطة..
و هذا وجهة نظر في الموضوع. و للدكتور محمد عمارة في كتابه "مسلمون ثوار" وجهة نظر مخالفة تماما في حق الحركة و عن زعيمها علي بن محمد، لمن أراد الاطلاع عليها.
دوافع الاستجابة لهذه الحركة
تعددت دوافع الاستجابة لهذه الحركة ما بين سياسية، واقتصادية واجتماعية:
الدوافع السياسية:
بسبب تردي أوضاع الخلافة، نتيجة تصاعد نفوذ الأتراك إلى جانب صراع خفي بين المترفين والعبيد وجد متنفسًا له في دعوة علي بن محمد..
الدوافع الاقتصادية:
نتيجة الأوضاع المالية المتدهورة وظاهرة التكوين الطبقي داخل المجتمع الإسلامي من طبقة ثرية إلى طبقة تجار فالطبقة العامة العاملة..
واتسعت الهوة مع مرور الزمن بين هؤلاء وبين الطبقة الإقطاعية، وبلغ التناقض الاجتماعي مداه، مما كان دافعًا للاستجابة لنداء الثورة الذي أطلقه علي بن محمد..
الدوافع الاجتماعية:
بفعل نمط حياة فئات العبيد التي كانت تعيش في ظروف قاسية وسيئة من خلال عملها في تجفيف المستنقعات وإزالة السباخ (18) عن الأراضي، ثم نقل الملح إلى حيث يعرض ويباع، لقاء وجبة طعام، فأرادت هذه الفئات التخلص من هذا العمل الشاق ومن ضنك العيش..
وقد سيطر علي بن محمد خلال عشرة أعوام (255 ـ 265هـ) على رقعة واسعة تمتد بين الأهواز وواسط، وهدد بغداد، عندئذ عهد الخليفة المعتمد إلى أخيه أبي أحمد الموفق طلحة بمحاربته؛ فاصطدم بمجموع الزنج وقتل علي بن محمد، واستسلم من بقى من أتباعه ومات العديد..
وبإخماد الثورة، أُسْدِلَ الستار على هذه الحركة التي قضَّت مضاجع الخلافة لعباسية، وكلفتها الكثير من الجهد والأموال والأرواح والتي دامت أكثر من أربعة عشر عامًا (255ـ 270هـ) (19)
حركة الزنج في الميزان
لقد انطلقت حركة الزنج من واقع الألم والاضطهاد الاجتماعي والاقتصادي بين مستنقعات البصرة وسهولها، وكانت بدايتها ناجحة انسجمت فيها أهدافها مع أفعالها لكن النزعة الفوضوية التي طبعتها وهي في قمة مواجهتها أدت إلى تقلص أبعادها الاجتماعية، وقد زاد من تلك النزعة افتقارها إلى برنامج ثوري يصوغ تطلعات وأهداف القائمين بها، ويوضح العلاقة بين القيادة والأتباع، كما يلاحظ أن رجالها استهدفوا الانتقام لا الإصلاح، والانقلاب الاجتماعي لا التقويم، وأن قائدها لم يستطع أن يحرر ذاته من مسألة فكرة الزعامة القرشية، بالإضافة إلى أن أطرها الثورية كانت محلية ومحدودة ولم تكن لديها تطلعات شاملة، وندرك من هنا عدم نجاح علي بن محمد في اكتساب قطاعات كبيرة من المجتمع العراقي كالفلاحين وكبار الملاك والتجار والحرفيين، وحتى القرامطة، فأصبح العبيد بمفردهم ضعفاء رغم عددهم الكبير.. ومن جهة ثانية فإن سرعة الأحداث، وتصميم العباسيين على القضاء عليها، لم يعطيا قائدها مهلة لتنظيم صفوف قواته، وتمكنه من بناء مجتمع مستقر ذي أنظمة خاصة لذلك كان من الطبيعي أن تفقد هذه الحركة طابعها الإنساني والثوري مما دفعها إلى نهايتها المحتومة، لكن قاعدتها الثورية التي تشتت استطاعت أن تكون إحدى الدعائم الأساسية التي دفعت الحركة القرمطية إلى الظهور فيما بعد..
حركة الزنج من وجهة نظر مؤيديها
ثورة الزنج منذ عهد المتوكل العباسي غلبت سيطرة ُالعسكر الاتراك وقادتِهم على ازمة الامور في الدوله وأستأثروا بالعطاءات والاقطاعات واستبدوا بسلطان الخلافه حتى صاروا يولون ويعزلون الخلفاء كما يحلو لهم بل يقتلون ويسمون ويسجنون كلَ من لايحقق مطامعهم ومطامحهم من الخلفاء والوزراء. وقد حاول بعض الخلفاء ان يستردوا إلى منصب الخلافه سلطانـَه وهيبتـَه وان يستندوا في معارضة القاده الاتراك ومواجهتهم إلى تأييد شعبي عن طريق مهادنة المعارضين واظهار ِشيء ٍمن العدل والانصاف بين رعيتهم، حاول ذلك الخليفه المنتصر بالله العباسي سنة مئتين وسبع واربعين للهجره والمهتدي بالله العباسي سنة مئتين وخمس وخمسين للهجره ولكن الاتراك تخلصوا منهم بالعزل والسم والقتل، فما حكم كلُ واحد منهما الا عاما واحدا فقط.
وعندما سدّت سبلُ الإصلاح امام الراغبين فيه والمتطلعين اليه اقبل الناسُ على الثوره طريقا لم يجدوا امامهم سواه للتغير. فكان أن قامت عدةُ حركات ثوريه يقودها ثوار كانت غالبيتـُهم من العلويين، ففي سنة مئتين وثمان واربعين للهجره ثارت الكوفه بزعامة ابي الحسين ابن يحيى ابن عَمرو ابن يحيى ابن الحسين ابن عبد الله ابن إسماعيل ابن عبد الله ابن جعفر الطيار، وفي سنة مئتين وخمسين للهجره ثارت طبرستان بقيادة الحسن ابن زيد ابن محمد ابن إسماعيل ابن الحسن ابن زيد ابن الحسن ابن الحسن ابن الامام علي ابن ابي طالب عليهما السلام، وامتدت الثوره إلى جرجان واستمرت دولتها حتى سنة مئتين وسبعين للهجره، وثارت الري بزعامة محمد ابن جعفر ابن الحسن بهدف الانضمام إلى ثورة طبرستان ثم تكررت ثورتـُها بعد الاخفاق بقيادة أحمد ابن عيسى ابن علي ابن الحسن ابن علي ابن الحسين ابن علي ابن ابي طالب عليهم السلام، وثارت قزوين بقيادة الكركي الحسن ابن إسماعيل ابن محمد ابن عبد الله ابن علي ابن الحسين ابن علي ابن ابي طالب عليهما السلام، وثارت الكوفه مجددا بقيادة الحسين ابن محمد ابن حمزه ابن عبد الله ابن الحسن ابن علي ابن ابي طالب عليهم السلام، على أن اخطر الثورات التي شهدها العصر العباسي كانت هي الثوره التي قادها علي ابن محمد سنة مئتين وسبعين للهجره والتي بدأت في البحرين سنة مئتين وتسع واربعين للهجره والتي اشتهرت باسم ثورة الزنج
وكان قائد هذه الثوره هو علي ابن محمد ابن أحمد ابن علي ابن عيسى ابن زيد ابن علي ابن الحسين ابن علي ابن ابي طالب عليهم السلام شاعرا وعالما كان يمارس في سامراء تعليم النحو والخط والنجوم وكان واحدا من المقربين إلى الخليفه المنتصر بالله العباسي ولما قتل الاتراك المنتصر بالسم ومارسوا الاعتقال والسجن والنفي والاضطهاد لحاشيته كان علي ُابن محمد هذا من بين المعتقلين، ثم حدث تمرد من فرقة الجند الشاكريه ببغداد يؤازرهم عامة الناس دخلت بغداد معها في فوضى عارمه واختفت الجيوش والشرطه من الشوارع، فأقتحم المتمردون السجون وأطلقوا سراح من فيها ومنهم بالطبع علي ابن محمد، ليشعلَ ثورة ًا قضت مضجعَ العباسيين إلى أقصى مدى.
غادر علي ابن محمد بغداد إلى سامراء ومنها إلى البحرين حيث دعا إلى الثورة ضد الدوله العباسيه الواقعة تحت سيطرة الجند الاتراك ,بالرغم من اشتهار هذه الثوره بثورة الزنج الا انها لم تكن ثورة ًعنصرية ًللزنج وحد ِهم ولم تقف اهدافُها عند تحرير العبيد أو تحسين ظروف عملهم, فقائد هذه الثوره عربي حر علوي رغم تشكيك خصومه في صحة نسبه العلوي كما كانت الحكومة تفعل دائما في مثل هكذا مواقف، وأغلبُ قوادها كانوا عربا كذلك مثل علي ابن ابان المهلبي وسليمان ابن موسى الشعرواني وسليمان ابن جامع وأحمد ابن مهدي الجبائي ويحيى ابن محمد البحراني ومحمد ابن سمعان وغيرهم الكثير وعلى امتداد السنوات السبع الأولى من عمر الثوره الممتده من سنة مئتين وتسع واربعين للهجره إلى سنة مئتين وست وخمسين للهجره كان قادتها ومحيطها وجمهورها عربيا خالصا فهي قد بدأت في مدينة هجر أهم مدن البحرين ثم في بادية البحرين وسط عربها ثم في الاحساء بين احياء بني تميم وبني سعد وفي هذا المحيط العربي قامت سلطة ُهذه الثوره ودولتـُها وحدثت الحروب بينها وبين جيوش الدوله العباسيه، ويصف الطبري سلطة علي ابن محمد في هذا المحيط العربي فيقول لقد أحله اهلُ البحرين من أنفسهم محل النبي حتى جبي له الخراج هناك ونفذ حكمُه بينهم وقاتلوا أسباب السلطان بسببه
وفي موقعة الردم في البحرين احرز العباسيون انتصارا مؤثرا على الثوره فأنسحب علي ابن محمد إلى البصره ونزل هناك بين عرب بني ضبيعه من نزار ابن معن ابن عدنان فدعاهم للثوره فتبعوه وكان عددٌ منهم من قادة ثورته وجيشه ولما طردته الدوله والقت القبض على أغلب انصاره ووضعتهم في السجون مع ابنه الأكبر وابنته وزوجته غادر على ابن محمد إلى بغداد متخفيا واقام بها عاما كاملا دون أن يشعر به أحد
في سنة مئتين وخمس وخمسين للهجره حدثت في البصرة فتنة بين طائفتين من جندها الجند البلاليه والجند السعديه واسفرت هذه الفتنه عن اضطراب عارم وغياب للنظام تمخض عنها كسر السجون وأطلق سراحُ المعتقلين ومنهم اهلُ وانصارُ على ابن محمد فغادر بغداد ووصل إلى ضواحي البصره ليواصل ثورته من جديد متطلعا لتجاوز اخفاقاته السابقه وهنا بدأ أول انعطاف للثوره نحو الزنج أي بعد قرابة ِسبع ِسنوات من اندلاعها
كانت البصره أهم المدن في جنوب العراق وكان جنوب العراق مشحون بالرقيق والعمال الفقراء الذين يعملون في مجاري المياه ومصابها ويقومون بكسح السباخ والأملاح وذلك تنقية للأرض وتطهيرا لها كي تصبح صالحة للزراعه وكانوا ينهضون بعملهم الشاق هذا في ظروف عمل قاسيه وغير إنسانية للغايه تحت اشراف وكلاء غلاظ قساة عديميي الرحمه ولحساب ملاك الأرض من اشراف العرب ودهاقنة الفرس الوافدين كليهما على العراق ,اما العبيد فكانوا مجلوبين من أفريقيا السوداء زنوجا واحباشا ونوبيين وقرماطيون إضافة إلى فقراء العرب العراقيين والذي كان يطلق عليهم في ذلك الوقت تسمية الفراتيين
شرع علي ابن محمد الثائر العلوي الجديد يدرس أحوال هؤلاء البائسين من فقراء وعبيد ويسعى لضمهم لثورته كي يحررَهم ويحاربَ بهم الطبقه الارستقراطيه التي تضطهدهم بمعونة الدوله العباسيه وعلى راسها الخليفه الحاكم باسم الدين في العاصمه سامراء انذاك فكان أول زنجي ينظم اليه هو ريحانُ ابنُ صالح الذي أصبح من قادة الحرب والثوره
اخذ الثائر العلوي علي ابنُ محمد يتنقل مع قادته بين مواقع عمل الرقيق والفراتيين فقراء العراق يدعوهم إلى ترك أماكنهم وترك الخضوع لسادتهم والانضمام إلى معسكره في ضواحي البصره للخلاص من واقعهم البائس واعدا اياهم بحياة أفضل فيما لو انتهت اليه ازمة ُالامور فأستجابت لدعوته مجاميعُ غفيرة منهم، ولقد فشل وكلاء الملاك في الحيلولة بين الرقيق المضطهد وعلي ابن محمد العلوي فكان الاسياد يحبسون رقيقهم في بيوت ويسدون عليهم الأبواب والنوافذ بالطين، ولكن بالرغم من كل هذا كان العبيد يتقاطرون على المعسكر العلوي بشكل مستمر، ويصف ابنُ خلدون إقبالَ الزنج على الثوره وزحفـَهم للقاء قائدها فيقول : لقد تسايل اليه الزنجُ واتبعوه. اعلن الثائر العلوي علي ابن محمد أن هدفه بالنسبة للزنج والفراتيين فقراء العراق هو : تحريرُ الرقيق من العبوديه وتحويلُهم إلى سادة لأنفسهم وأعطاؤهم حق َامتلاك الضياع والاموال بل ومناهم بأمتلاك َسادتِهم سادة الامس الذين كانوا يسترقونهم وجعلِهم عبيدا عندهم ووعدهم أيضا بضمان مساواتهم في ثورته ودولته التي تعمل من اجل ضمان ٍاجتماعي هو اقرب إلى النظم الجماعيه التي يتكافل فيها ويتضامن مجموع المجتمع.نظام سياسي يرفض الخلافه الوراثيه لبني العباس والتي أصبحت اسيرة ًبيد قادة الجند الاتراك، ويُقدم بدلا منها دولة َالثوره التي أصبح فيها الثائرُ العلوي علي ابنُ محمد اميرا للمؤمنين ,. استطاعت الثوره ان تكتسب أكثر فأكثر ثقة َجماهير الزنج والفراتيين فقراء العراق الذين بدورهم كانوا اشبه مايكونون بالرقيق وبالذات في ظروف العمل وشروطه، وخاصة بعدما رفض قائدُ الثوره مطالبَ الاشراف والدهاقين والوكلاء بأن يردَ عليهم عبيدَهم لقاء خمسة ِدنانير عن كل رأس، لقد رفض الثائر العلوي علي ابن محمد هذا العرض، بل وعاقب هؤلاء السادة الذين قدّموا العرض، فطلب من كل جماعة من الزنج ان يجلدوا سادتـَهم ووكلائَهم القدامى. وزاد من اطمئنان الزنج إلى الثوره ما أعلنه قائدُها بأنه لم يَثُرْ الا لرفع المظلومية ِعنهم، وعاهدهم على ان يكون في الحرب بينهم بقوله :اشرككم فيها بيدي واخاطر معكم فيها بنفسي، بل قال لهم ليُحط ْ بي جماعة ٌمنكم فإن احسوا مني غدرا فتكوا بي. وبهذه الثقه تكاثر الزنجُ في صفوف الثوره وفي كتائب جيشها بل وانضمت إليها الوحدات الزنجيه من جيش الدوله العباسيه في كل موطن من المواطن التي التقى فيها الجيشان.حتى سميت لذلك بثورة الزنج، واشتهرت بهذا الاسم في مصادر التاريخ. في عشرات المعارك التي وقعت بين جيوش الزنج وجيوش الدوله العباسيه كان النصر غالبا للزنج فيها، وتأسست كثمرة لهذه الانتصارات دولة ٌللثوره اقامت فيها سلطتـَها وطبقت فيها اهدافها، ونفذ فيها سلطانُ الثائر العلوي علي ابن محمد. ولقد بلغت دولة ُالثوره هذه درجة ًمن القوه فاقت بها كلَ ماعرفته الخلافه العباسيه قبلها من اخطار وثورات. والمؤرخون الذين كانت عندهم ان الدنيا كانت هي الامبراطوريه العباسيه قالوا ان الزنج قد اقتسموا الدنيا مع بني العباس واجتمع اليه من الناس ما لاينتهي العدُ والحصرُ اليه وكان عمال الدوله الثائره يجمعون لعلي ابن محمد الخراج على عادة السلطان حتى لقد خيف على ملك بني العباس ان يذهب وينقرض. أقام الثوارُ لدولتهم عاصمة ًسموها المختاره انشأوها إنشاءا في منطقة تتخللها فروعُ الأنهار كما أنشؤوا عدة َمدن أخرى وضمت دولتـُهم مدنا وقرى ومناطقَ كثيره ضمت البحرين والبصره والأبله والاهواز وواسط والقادسيه وجنبلاء والنعمانيه والمنصوره ورام هرمز والمنيعه والمذار وتستر وخوزستان وعبادان وأغلبَ سواد ِالعراق
القت الخلافه العباسيه بكل ثقلها في المعركه ضد الثوره، وكرست كل إمكاناتها للجيش والقتال، وبعد أن عهد الخليفه المعتمد العباسي بالقياده الميدانيه إلى اخيه الموفق، تحول قائد الجيش إلى خليفة حقيقي وتحولت المدينة التي بناها تجاه عاصمة الثوار والتي سماها الموفقيه إلى العاصمه الحقيقيه للدوله ويأتي إلى بيت مالها كلُ خراج البلاد لدعم المجهود الحربي في اخماد ثورة الزنج، وتصدر منها الاوامر إلى كل الولاة والعمال في سائر ارجاء الخلافه في أن يقدّموا كلَ مايستطيعونه لاسناد جيش العباسين في قتاله, الامر الذي اوغر صدر الخليفه المعتمد حتى لقد حاول الفرار من سامراء إلى مصر ليدخل في حماية الطولونيين ,فألقي القبض عليه بنواحي الموصل واعادوه إلى سامراء شبه سجين.
في سنة مئتين وثمان وستين للهجره باشرت الجيوش العباسيه بقيادة الموفق بهجوم واسع على المختاره عاصمة الزنج وهي مدينة محصنة غاية التحصين وفرق قواده على جهاتها وجعل مع كل طائفة نقابين لهدم السور وتقدم إلى الرماة أن يحموا بالسهام من يهدم السور وينقبه فوصلوا إلى السور وثلموه في مواضع كثيرة. ودخل أصحابُ الموفق من جميع تلك الثغرات وتوغلوا داخل المدينة فخرج الكمناءُ من خلف الجيوش العباسيه وحدثت واحدةٌ من اعنف المعارك قتل فيها معظمُ الجيش العباسي الذي دخل مدينة المختاره فيما لاذ بالفرار من استطاع الافلاتَ من سيوفِ ِالزنج عبر نهر دجله.
في الخامس والعشرين من سنة مئتين وتسع وستين للهجره تقدمت الجيوش العباسيه بقيادة الموفق نفسِه لهدم سور المختاره مرة أخرى وقاتل الفريقان أشد قتال رأه الناس فبينما هم كذلك وصل سهم إلى الموفق فأصابه في صدره فاضطرب عسكر العباسين وخافوا, وتسرب كثير من جيوشهم تاركين ساحة المعركه, فأشار عليه أصحابه بأن يعود إلى بغداد ويخلف من يقوم مقامه فأبى ذلك ,ولكنه احتجب عن الناس.
في يوم الأحد العشرين من شعبان سنة مئتين وتسع وستين للهجره بكر الموفق بعد أن برأ من علته إلى القتال وأمر أبو حمزه نصير صاحب الزوارق لقصد قنطرة كان الزنج قدعملوها في نهر أبي الخصيب فدخلت زوارق العباسيين نهر أبي الخصيب في أول المد فحملها الماء وألصقها بالقنطرة فأجتمع الزنج على جانبي النهر ورموا الزوراق بكل معداتهم رميا كثيفا فأهلكوا من فيها ومن بينهم بالطبع صاحب زوارق الموفق أبو حمزه نصير
كانت مصر قد استقلت عن الخلافه العباسيه تحت حكم أحمد ابن طولون وكان لها جيش قوي في الشام يقوده المملوك لؤلؤ غلام ابن ِطولون كاتب لؤلؤ الموفق العباسي واشترط عليه شروطا لنفسه فأجابه الموفق إلى كل ماطلب فخان سيده بعد أن اغراه الموفق العباسي، وانظم إلى جيش الدوله العباسيه المحتشد لقتال الثوار فوصل في الثالث من محرم من سنة مئتين وتسع وستين للهجره. انظم الجيش الطولوني العظيم إلى جيش العباسيين بقيادة أخي الخليفه الموفق العباسي فأكرمه وانزله وخلع عليه وعلى اصحابه واحسن اليهم وامر لهم بالارزاق على قدر مراتبهم ثم تقدم إلى لؤلؤ بالتأهب إلى قتال الزنج وكان الموفق قد عطل القتال لحين قدوم لؤلؤ وليستريح الجيش الذي تملكه التعب والكلل فشرع في محاربتهم بفريق بعد فريق من اصحاب لؤلؤ ليتمرنوا على قتالهم وليقفوا على المسالك والطرق في ساحات القتال التي لم يعهدهوها من قبل.فرأى الموفق من شجاعة لؤلؤ واقدامه وشجاعة اصحابه ماسره للغايه
كان الزنج لما غلبوا على نهر أبي الخصيب وقطعت القناطر والجسور التي عليه أحدثوا تضييقا في النهر وجانبيه وجعلوا في وسط النهر بابًا ضيقًا لتحتد جرية الماء فيه فتمتنع الزوارق من دخوله في الجزر. ويتعذر خروجُها منه في المد ,فرأى الموفق أن تقدمَهم لايتم إلا بقلع هذا التضييق فشرع في محاربتهم.
ألح الموفق على اقتلاع المضيق وكان يحارب المحامين عليه بأصحابه وبأصحاب لؤلؤ وغيرهم والفعلة يعملون في قلعة فأوقع بالزنج وقيعة مؤلمه فقتل المحامين على المضيق عن آخرهم ولم يسلم منهم إلا الشريد فأخذوا من أسلحتهم ما لم يستطيعوا حمله، وتقدمت سفن وزوارق الجيش العباسي.وفرق العساكر من جميع جهاته وامر الجندَ بالجد في القتال وأمر الناس أن لا يزحف أحد حتى يرى حركة العلم الأسود الذي نصبه على دار اقامته. وحتى ينفخ في بوق بعيد الصوت.
في يوم الاثنين السابع والعشرين من محرم سنة مئتين وسبعين للهجره زحفت الجيوش العباسيه والطولونيه جميعا ومن كل الجهات نحو المختاره عاصمة الزنج والتقى الفريقان في معركة حاميه سقط فيها آلاف القتلى من الجانبين، استبسل الزنج فيها غاية الاستبسال وأخيرا تمكنوا من صد الجيش العباسي وارجاعه إلى مواقعه.
أمر الموفق العباسي بتحريك العلم الأسود مرة أخرى والنفخ في البوق فزحف الناس في البر والماء يتلو بعضُهم بعضا فلقيهم الزنج واشتد القتال وقتل من الفريقين جمع كثير والح الجيش العباسي الحاحا شديد في التقدم ,فانهزم الزنج وتبعهم أصحاب الموفق يقتلون ويأسرون فقتل منهم ما لا يحصى عددا وغرق منهم مثل ذلك وحوى الموفق المدينة بأسرها فغمنها أصحابه واستنقذوا من كان بقي من الأسرى وظفروا بجميع عيال علي بن أبان المهلبي وبأخويه: الخليل ومحمد وأولادهما وعبر بهم إلى المدينة الموفقية.
مضى الثائر العلوي قائد ثورة الزنج علي ابن محمد في أصحابه ومعه ابنه انكلاي وسليمان بن جامع وقواد من الزنج وغيرهم إلى الخط الثاني الذي كان معدا كمصد في حال تقدم الجيش العباسي من جهتها اشتغلت جيوش الخلافه بالنهب والإحراق وانصرفوا إلى سفنهم بما قد حووا من غنائم واسلاب.وكان معظم القتال في هذا اليوم للجيوش الطولونيه بقيادة لؤلؤ. في يوم السبت الثاني من صفر وبعد ثلاثة ايام من الاستراحه امر الموفق جيوشَه بالمسير لقتال الزنج مرة أخرى وطاف عليهم هو بنفسه يعرف كلَ قائد مركزَه والمكانَ الذي يقصده فعبر بالناس وأمر برد السفن إلى الضفة الأخرى من نهر دجله حتى لايفكر الجندُ بالهزيمه . والتقى الجيشان مرة أخرى وبعد قتال ضار انهزم الزنج وتفرقوا لا يلوي بعضهم على بعض وتبعهم أصحاب الموفق يقتلون ويأسرون من لحقوا منهم، أسر في هذه المعركه ابرز قواد ثورة الزنج سليمان بن جامع وإبراهيم بن جعفر الهمداني ودرمويه الزنجي, وانتهى الموفق إلى آخر نهر أبي الخصيب وكانت جيوشه قد اعملت سيوفها في رجال مدينة المختاره عاصمة الزنج لتقتل مقتلة عظيمه منهم حتى غطت الجثثُ وجه الأرض لترسم صورة مروعه ينقلها لنا التأريخ لواحده من اعنف الصرعات التي شهدتها أرض العراق في ذلك الزمان, وفي مساء ذلك اليوم تتقاطر اعضاء جسد الثائر العلوي قائد ثورة الزنج إلى حيث مكان الموفق العباسي كلُ عضو بيد واحد من الجند ليتبعها راسه أخيرا
استمرت الحربُ بين دولة الثوره هذه وبين الخلافه العباسيه لأكثر من عشرين عاما بلغ العنف فيها من الجانبين حدا لم يسبق له مثيل، حتى ليقول المؤرخون الذين يتواضعون بأرقام القتلى في هذا الصراع بأنهم بلغوا نصفَ مليون قتيل. وهكذا انطوت صفحة دمويه أخرى من صفحات التأريخ