منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#60472
الحديث عن الأخطاء الطبية لا يكاد يتوقف، لكنه يكثر مرة ويقل مرة أخرى، وذلك بحسب نوعية الخطأ الطبي وتكراره في المكان الواحد، وأيضا بحسب ردة الفعل تجاهه، سواء من المسؤولين في وزارة الصحة أم من المواطنين.تفاعل المواطنون كثيرا، وكذلك الإعلام الإكتروني مع قضية الطفلة «رهام» التي نقل لها دم مصاب بفيروس الإيدز، وتهكموا على هدية وزير الصحة للطفلة «رهام»، ثم اتخذوا من هذه الهدية وسيلة لتهكمات أخرى كثيرة.ثم جاءت قضية «مفرح حمدي» الذي أصيب بشلل وأصيبت إحدى عينيه بسبب خطأ طبي في أحد مستشفيات جازان!! ولأن كلا الخطأين وقعا في مكان واحد، فقد عد معظم أهالي المنطقة أن الإهمال المتعمد لمنطقتهم كان وراء هذه الأخطاء وكذلك الإهمال الطبي العام في منطقة جازان.شخصيا، لا أعتقد أن منطقة جازان مقصودة بالإهمال الطبي الذي يتحدث عنه أبناؤها وغيرهم، إذ أنه شبه عام في معظم مدن المملكة، فحوادث المستشفيات الخاصة كانت كثيرة، وقد اضطرت وزارة الصحة إلى إغلاق أحدها في جدة لفترة محددة أعلنت عنها في الصحف المحلية، كما أن من يتابع ما تكتبه صحافتنا يدرك أن الإهمال الطبي في كل مدننا الكبيرة؛ فمثلا: امرأة أجرت عملية قيصرية طبيعية فقص الطبيب بعض أمعائها!! وأخرى أجرت عملية تدبيس لمعدتها فماتت من جراء الأخطاء التي ارتكبها الطبيب!!، وهنا يبرز السؤال الأهم: لماذا وهل يمكن تجنبها أم لا؟! أما لماذا فقد يصعب علي ذكر كل الأسباب التي تؤدي إلى الأخطاء الطبية، وقد سمعنا الكثير منها من أقارب كلهم يعملون أطباء، ولكني سأذكر أهم سببين ــ من وجهة نظري ــ فأول هذه الأسباب أن وزارة الصحة وكذلك المستشفيات الخاصة تتعاقد مع أطباء غير مؤهلين حرصا على توفير مبالغ مالية، وقد رأيت ذلك بنفسي في سنوات ماضية عندما زرت إحدى لجان التعاقد في مصر، وكلنا نعرف أن الأطباء المتميزين يجدون في بلادهم ما يكفيهم من المال وأكثر من ذلك، وهؤلاء لا يمكنهم ترك بلادهم لقاء أجر زهيد قد لا يتعدى بضعة آلاف من الريالات!! وهذا الواقع على وزارة الصحة أن تتجنبه؛ لان صحة الناس لا يمكن المساومة عليها أو مقارنتها بحساب الربح والخسارة، كما أن عليها أن تراقب المستشفيات الخاصة وتلزمهم باستقدام أطباء على مستوى جيد من العلم والخبرة.قضية أخرى قريبة مما ذكرته، وهي أن الوزارة ــ أحيانا ــ تتعاقد مع شركات لإدارة مستشفياتها، وهذه الشركات تبحث عن الربح، فتقوم بتعاقد مع أطباء وممرضين غير مؤهلين وبأجور رخيصة.والسبب الثاني أن التجهيزات الطبية غير كافية، وأن بعض مستخدميها غير مؤهلين ــ أحيانا ــ فإذا اجتمع السببان كثرت الأخطاء ودفع المواطن ثمنها.سؤال آخر: هل الأخطاء الطبية محصورة في بلادنا أو في البلاد العربية فقط؟! لا.. موجودة في كل بلاد العالم؛ ففي أمريكا ــ مثلا ــ يوجد حوالي مليون خطأ طبي في العام، ولا تختلف الدول الأخرى المتقدمة طبيا عن أمريكا في وجود الأخطاء الطبية، ولكن الفرق هو طريقة التعامل مع هذه الأخطاء ومع مرتكبيها.. في الغرب يحصل المريض الذي وقع عليه الخطأ على تعويض مادي كبير، وأيضا على رعاية طبية لائقة، وهذا هو الذي لا نجده في بلادنا!! أعرف أن هناك لجانا شرعية وطبية تبحث هذه القضايا، ولكن هناك وسائل تستطيع وزارة الصحة اتخاذها لتعويض المريض عما أصابه من خطأ طبي فادح بسبب أطبائها أو الأطباء الذين تحت مسؤولياتها.وأخيرا، هل الدعوة إلى استقالة الوزير منطقية وفاعلة؟! شخصيا، لا أعتقد ذلك، وإن كان ذلك موجودا في كثير من دول العالم؛ لأن المنطق يقول: إن الوزير لا يمكن أن يراقب كل طبيب أثناء قيامه بعمله، إذ هذه مسؤولية الطبيب نفسه، لكن مسؤولية الوزير أن يوفر كل الإمكانات لكل المستشفيات، بمن فيها الأطباء المتميزون، كما أن من مسؤوليته أن يضع نظاما دقيقا وصارما يعالج هذه القضايا، فإن لم يفعل ذلك فيمكن تحميله مسؤولية التقصير الواضح، وإن فعل فليس من العدل فعل ذلك..وزارة الصحة هي أهم وزارة في الدولة، إلى جانب وزارة التربية والتعليم؛ لأنهما مسؤولتان عن صحة المواطن الجسدية والعقلية، والدولة أعطتهما ميزانيات ضخمة، فمن واجبهما القيام بدورهما بشكل جيد.ومن حقنا مطالبة وزير الصحة أن يبذل كل شيء من أجل صحة المواطن، فإن لم يفعل فمن حقنا مطالبته بشيء آخر!!.