صفحة 1 من 1

بعد هزيمة الأقطاب الدولية الكبرى في معركة العراق, هل سيكون م

مرسل: الاثنين إبريل 15, 2013 9:46 pm
بواسطة وليد ناجي فهيد
شكل تأسيس الأمم المتحدة في سنة 1945 مرحلة حاسمة ومهمة في تاريخ العلاقات الدولية، فقد جاءت هذه الهيئة في ظرفية دولية متميزة سمتها الاضطراب والفوضى، وعشية خروج العالم من أخطر حرب مرت بها الإنسانية، ولذلك فقد كانت هناك رغبة أكيدة وآمال شعبية واسعة في أن تلعب هذه المنظمة دورا مهما في سبيل إنقاذ البشرية من ويلات الحروب التي خلفت دمارا بشريا وبيئيا واقتصاديا خطيرا، ولئن جاء الميثاق الأممي في مجمله مترجما لموازين القوى الدولية آنذاك وعاكسا لقوة وسيطرة الدول المنتصرة في هذه الحرب، من خلال منح العضوية الدائمة بمجلس الأمن المسؤول الرئيسي عن حفظ السلم والأمن الدوليين والمقرونة باحتكار استعمال حق النقض لهذه الدول الخمس، فإنه على امتداد أكثر من نصف قرن على إنشائها، أثبتت هذه الهيئة جدارتها في إعمال السبل الوقائية لحفظ السلم والأمن الدوليين من خلال اهتمامها بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية والتقنية والإنسانية والثقافية الدولية، في حين كان هناك تقصير كبير إلى حد الإخفاق على مستوى حصيلة السبل العلاجية والمرتبطة بإعمال التسوية السلمية للمنازعات الدولية والتدخل الزجري بموجب الفصل السابع من الميثاق لحفظ السلم والأمن الدوليين في سياق الأمن الجماعي،نتيجة لاستعمال حق الاعتراض داخل المجلس على نطاق واسع وعلى امتداد فترة الحرب الباردة، وهو الأمر الذي أسهم في شل هذه المنظمة وترك العديد من الأزمات والمشاكل الدولية في الهامش دون حل، رغم الوعود التي أخذتها الدول الكبرى على نفسها باستعمال هذا الحق بحسن نية وبالشكل الذي يكفل خدمة البشرية جمعاء، ورغم محاولات التفعيل التي تمت في بداية التسعينيات من القرن المنصرم، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، فإن ذلك وللأسف تم بمنطق أمريكي، سواء بخصوص المجالات والقضايا الدولية الجديدة التي أتيح للمنظمة التدخل لمقاربتها (مكافحة الإرهاب، المحافظة على البيئة، النزاعات العرقية والمشاكل المرتبطة بالتحولات الديموقراطية وخرق حقوق الإنسان…) والآليات المرتبط بتطوير نظام الأمن الجماعي، وقد شكل العالم العربي فضاء خصبا لتجريب هذا الدور الجديد للأمم المتحدة بكل مظاهره الانحرافية والتعسفية ، فخلال حرب الخليج الثانية سنة 1991 تم إعمال نظام الأمن الجماعي والذي ظل معطلا منذ أزمة كوريا في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، على نحو واسع في العراق ،وبعدها وفي سابقة دولية جديدة تجسد تراجعا لمبدأي احترام السيادة وعدم التدخل، تم إقرار التدخل الأمريكي والأممي في الصومال باسم إعادة الأمل ولدواعي إنسانية في ظل انهيار مؤسسات الدولة المركزية وتحت غطاء قرار أممي لمجلس الأمن، وفي هذه الفترة أيضا اعتبر مجلس الأمن ولأول مرة مشكلة "الإرهاب" وذلك بمناسبة بثه في قضية حادث "لوكربي" شكلا من أشكال تهديد السلم والأمن الدوليين رغم أن القضية تنطوي على مشكل قانوني صرف، وتم فرض حصار طويل على ليبيا، وفي مقابل هذه الفعالية المفرطة التي عبرت عنها "الأمم المتحدة" في هذه القضايا، تبرأت هذه المنظمة من القضية الفلسطينية وتركت مآلها رهن مفاوضات متعثرة وغير متكافئة، طرفاها سلطة فلسطينية معزولة دوليا وإقليميا ومضغوط عليها، وإسرائيل المعززة بتواطؤ أمريكي، ولم تستطع الأمم المتحدة إيقاف المجازر الإسرائيلية اليومية في حق الفلسطينيين وأو فرض احترام الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين، بل ووصل بها الأمر في هذا الصدد إلى التنكر والتبرؤ من قراراتها التي تجسد الحقوق الفلسطينية التاريخية حيث تمكنت الجمعية العامة في بداية التسعينيات من القرن الماضي من إلغاء قرارها القاضي باعتبار الصهيونية شكلا من أشكال الميز العنصري، وهكذا بدا جليا أن تفعيل الأمم المتحدة بهذا الشكل الذي يعتمد على المقاربة السياسية للقضايا والأزمات الدولية الكبرى من خلال آلية مجلس الأمن، جاء لخدمة الولايات المتحدة بالأساس أكثر منه خدمة للبشرية جمعاء.
وأمام هذا الواقع تنامت الأصوات الدولية المطالبة بتعديل الميثاق الأممي وخاصة فيما يتعلق منه بفتح المجال أمام القوى الدولية الصاعدة لتحتل مكانة تتواءم وإمكانياتها في النظام الدولي، وذلك من خلال تمتيعها بحق العضوية الدائمة وحق الاعتراض في المجلس، وبخاصة وأن التشكيلة الدائمة للمجلس حاليا ماهي في واقع الأمر إلا انعكاس لموازين القوى لعالم منتصف القرن الماضي أكثر منه عالم اليوم، ولقد دار نقاش دولي مكثف في سبيل التوصل إلى حل لهذه الإشكالية، حيث طرحت إمكانية فتح العضوية لبعض القوى الاقتصادية الدولية الكبرى كألمانيا واليابان وإيطاليا…، وطرحت على أرض المناقشة أيضا إمكانية منح هذه العضوية لبعض القوى الإقليمية كالهند ونيجريا والبرازيل ومصر… ونوقشت أيضا إمكانية منح هذه العضوية الدائمة لبعض الدول دون حق الاعتراض، ولقد وصلت هذه النقاشات إلى الباب المسدود والفشل، بسبب غياب تصور موحد للدول المؤهلة لذلك من جهة، وإصرار الدولة الخمس وبخاصة الولايات المتحدة على احتكار التمتع بهذا المكسب في سبيل تحجيم أي دور للقوى الدولية الصاعدة، وللإشارة فإن توسيع هذه العضوية يتطلب تعديلا للمادتين 23 و 27 من الميثاق وقد سبق تعديلهما في سنة 1963 عندما تم توسيع العضوية من 11 إلى 15 عضوا.
وعقب أحداث 11 شتنبر التي تمت في العمق الأمريكي واستهدفت رموز القوة الأمريكية في تجلياتها العسكرية والاقتصادية وانتقصت من هيبة هذه الدولة وقدرتها على تأمين ترابها وشعبها، بدا أن هناك مقاربة جديدة لتعامل هذه الدولة مع هذه المنظمة، بحيث أبرزت الممارسة الميدانية لهذه الدولة منذ ذلك الحين أن ما تسميه وتعتبره ضرورات أمنها القومي هي فوق كل اعتبار وقانون وشرعية دولي، فأمام الرفض الدولي لاستغلالها بشكل منحرف لهذه الهيئة الذي أصبح واضحا أمام الجميع، اختارت هذه الدولة فرض الأمر الواقع والمقاربة السياسية بعيدا عن هذه المنظمة الدولية وحاولت القفز عن أية ضوابط قانونية دولية طالما رأت في اللجوء إليها عائقا يقيد تحركها بحرية أو يكلفها إجراءات تكييفات ضيقة ومنحرفة تحرجها دوليا، وإذا كانت هذه الاستراتيجية قد استخدمت بشكل أقل خلال تدخلها العسكري في أفغانستان بذريعة ممارسة حق الدفاع الشرعي بموجب قرار انتزعته من مجلس الأمن في حينه، فإن هذه الاستراتيجية قد انكشفت بشكل عار وجلي خلال العدوان الأخير على العراق والذي رفضته معظم دول وشعوب العالم وحالت الدول الكبرى دون شرعنته بقرار من المجلس، وهي سابقة تشكل منعطفا خطيرا لتكريس هذه السياسة الواقعية التي تنم عن ثقة خيالية في النفس واستهانة كبيرة بقوة القوى الدولية الصاعدة الأخرى والأمم المتحدة التي أقرت في آخر المطاف بواقع الأمر ولم تستطع التنديد بالعمليات أو إيقافها، أو حتى استثمار الإمكانيات التي يتيحها الميثاق الأممي لحفظ السلم والأمن الدوليين من خارج إطار مجلس الأمن الذي تتمتع فيه الولايات المتحدة وبريطانيا بحق الاعتراض، وذلك عبر تحريك قرار الاتحاد من أجل السلم الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة بمقتضى قرارها رقم 377/5 بتاريخ 4 نونبر 1950 بأغلبية أعضائها والذي يتيح لها تحمل الالتزامات الدولية المرتبطة بحفظ السلم والأمن الدوليين في حالة عجز المجلس عن أداء وظائفه في مباشرة عدوان أو تهديد أو خرق للسلم والأمن الدوليين جراء استخدام حق الاعتراض.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار خطورة هذا العدوان والظرفية الدولية المتميزة التي جاء فيها والمرتبطة بتداعيات أحداث 11 شتنبر 2001 والتحدي الذي رفعته في وجه دول العالم، يظهر أنها انتقلت من مرحلة التبشير بنظام دولي جديد ومحاولة تكريسه ديبلوماسيا وسياسيا واقتصاديا إلى مرحلة فرضه وبلورته بالقوة العسكرية، ونحت باتجاه الاستهانة بالمؤسسات الدولية والقوى الدولية الصاعدة الرافضة للعدوان كألمانيا وفرنسا باعتبارهما يشكلان العمود الفقري للاتحاد الأوربي وروسيا والصين، والواضح من كل هذا أنها لم تعد تكتفي بالهامش الذي يتيحه لها تكييف بنود الميثاق الأممي واستصدار قرارات من مجلس الأمن في إعمال تدخلاتها وتحقيق مصالحها، لتفرض منطق قانون القوة واختصار الطريق والانتقال من مرحلة تأسيس الهيمنة سياسيا إلى تأسيسها قانونيا، فلا شك أنها تطمح من وراء هذا العدوان إلى ترجمة هذه الزعامة الاقتصادية والديبلوماسية والتكنولوجية والعسكرية داخل سلم اتخاذ القرارات بأجهزة الأمم المتحدة، فداخل هذه الهيئة وإن كانت تتمتع بهيمنة سياسية بالنظر إلى مقومات قوتها التي تمنحها نوعا من الشعور بالتفوق على باقي الأقطاب والتأثير عليها بمنطق الترغيب والترهيب في سبيل استصدار أو منع أو تعديل قرارات من المجلس، فإن مشاركة القوى الدولية الأخرى وبخاصة تلك التي تتمتع بحق الاعتراض والعضوية الدائمة بالمجلس في التمتع بنفس الإمكانيات المتاحة لاتخاذ القرار بالأمم المتحدة عامة ومجلس الأمن بصفة خاصة، يجعلها تشعر بعدم الرضا والارتياح، وإذا علمنا أن نظام عصبة الأمم ومن بعده نظام الأمم المتحدة قد جاءا كإفراز مباشر لنتائج الحربين العالميتين على التوالي، وبالنظر إلى خطورة هذا العدوان، فالأكيد أن الولايات المتحدة تسعى من ورائه أيضا إلى بعث رسالة إلى كل القوى الصاعدة والتي تفكر في تحدي الولايات المتحدة وتبرز أن قراراتها الاستراتيجية لا يمكن أن تصد من طرف أي كان، ومن تم فالعدوان على العراق من وجهة النظر هاته هو عدوان ضد العالم بأسره وضد قواعد القانون الدولي وضد نظام الأمم المتحدة الحالي، ويبدو من كل هذا أن الولايات المتحدة تطمح إلى تعديل الميثاق الأممي بالشكل الذي يمنحها موقعا متميزا داخل سلم اتخاذ القرار بهذه الهيئة ويجعلها بمثابة الوصي والمرجع والضابط لتدخلات هذه المنظمة وجعل المجلس درجة ثانية بعدها في هذا السياق، وبالتالي شرعنة زعامتها قانونيا بعد أن تكون قد كرسته ميدانيا وواقعيا، ولعل الرفض الذي قابلت به معظم القوى الدولية الكبرى عدوانها على العراق، ينم عن تفهمها وتنبهها لهذه الخلفيات التي تعني بكل تأكيد تهميشها والتأثير في أدوارها الدولية المستقبلية.
إن النتيجة التي انتهت إليها المعركة في العراق بعد دخول الغزاة إلى بغداد وتكريس الاحتلال سيخدم هذا الهدف بكل تأكيد، بعدما تبين أن الأقطاب الدولية الكبرى المعارضة للعدوان والتي لم تؤهل نفسها بعد لخوض معركة المنافسة والتحدي تقر بالواقع الجديد وتحاول من جديد تذليل العقبات والخلافات والعودة لعلاقات ودية مع الولايات المتحدة من جديد في إطار القطبية الأحادية، والبحث عن تصور جديد لعراق ما بعد صدام في سياق البحث عن نصيب من "الكعكة".