إيران.. تصدعات لها دلالة لا خطوط حمراء
مرسل: الثلاثاء إبريل 16, 2013 8:29 pm
هز زلزال بقوة 6.3 على مقياس ريختر الشواطئ الجنوبية الإيرانية يوم الثلاثاء الموافق التاسع من أبريل (نيسان) وكان يشهد احتفال الدولة باليوم الوطني للتكنولوجيا النووية. تهدم نحو 800 منزل مما أسفر عن مقتل 37 شخصا وإصابة ما يزيد على 900. ولم يتأثر المفاعل النووي الوحيد الإيراني الذي يقع في بوشهر على بعد نحو 100 ميل من مركز الزلزال، بحسب قول مسؤولين إيرانيين وروسيين. مع ذلك لا يوجد طريقة للتأكد من ذلك قبل صدور تقرير الوكالة الدولية للطاقة النووية في مايو (أيار). إنهم محظوظون في كلتا الحالتين.
يقع مفاعل بوشهر الذي تم الانتهاء منه عام 2011، في نقطة تلاقي ثلاث طبقات أرضية وتم تصميمه بحيث يتحمل الزلازل بقوة تصل إلى 6.7 على مقياس ريختر. لذا كان هذا بمثابة إنذار خطير للمفاعل الألماني - الروسي الذي يشبه طبق اختبار معملي افتراضي لمعدات مدمجة وتكنولوجيا قديمة عفا عليها الزمن. تعني الطبيعة الفريدة لهذا المفاعل أن إيران لا تستطيع الاستفادة من تجارب الأمان التي خاضتها دول أخرى. ويعني هذا أيضا تعطلا ميكانيكيا متكررا. أثناء الاختبارات التي أجريت في فبراير (شباط) عام 2011، تعطلت مضخات الطوارئ الأربعة الخاصة بالتبريد في المفاعل (وهي تعود إلى السبعينات) مما أدى إلى وجود أجسام معدنية صغيرة في مياه التبريد. واضطر المهندسون في المنشأة إلى تنظيف قلب المفاعل جيدا وهي عملية أدت إلى المزيد من التأجيل لافتتاحه. خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2012 تم إغلاق المفاعل وتفريغ قضبان الوقود بعد العثور على بعض الصواميل المتفرقة أسفل خلايا الوقود. ويخضع مفاعل بوشهر لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتعد التكنولوجيا المستخدمة غير خاضعة لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة. وبهذا أفلت من العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة على إيران. ولا يزال هناك بعض الارتباك الدولي حول الهدف من إقامة هذه المنشأة، فإيران دولة غنية بالنفط وتمثل الطاقة التي ينتجها مفاعل بوشهر أقل من 2 % من إنتاج إيران من الكهرباء. على الجانب الآخر، رغم الأموال الهائلة التي يتم إنفاقها من أجل تشغيل المفاعل، تضيع نحو 15 % من الكهرباء في البلاد بسبب خطوط النقل القديمة والتي تحتاج إلى صيانة.
مع ذلك، فالأمر الأكثر إثارة للقلق هو الحالة الخطيرة للمفاعل الجديد القديم في الوقت ذاته. سيكون لأي كارثة نووية في مفاعل بوشهر عواقب إقليمية. بالنظر إلى أن اتجاه الرياح في بوشهر نحو جنوب الجنوب الغربي، يمكن أن تمثل المواد المشعة الصادرة تهديدا لحياة المدنيين في بلدان أخرى من دول الخليج. ويعد بوشهر أقرب إلى عواصم الكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين والمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية الغنية بالنفط منه إلى طهران. لهذا السبب حث أمير الكويت مؤخرا إيران على تعزيز التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أجل تحقيق الأمان. ويمكن أن تحتاج إلى تكلفة تنظيف المنطقة والرعاية الصحية والطاقة المهدرة وتهجير السكان إلى مئات المليارات من الدولارات على مدى العقود المقبلة، وستؤثر المنتجات التي تحتوي على نسبة كبيرة من الإشعاع على صحة البشر والبيئة.
مع ذلك يقول السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة إن منشآت إيران النووية «في خير حال» ولا تمثل أي خطر على صحة أو أمن العاملين أو أفراد الشعب أو الأجيال القادمة أو البيئة. في كل الأحوال، ستتحمل المنشأة النووية المسؤولية والتكاليف في حال وقوع أي حادثة نووية. ومن المرجح أن يحمل الروس التكنولوجيا النووية القديمة مسؤولية أي خلل يحدث، ومن المتوقع أن يقول الألمان إنهم ليس لهم أي علاقة بالمنشأة منذ ثلاثة عقود، وقد يتملص الإيرانيون من المسؤولية لعدم توقيعهم على اتفاقية فيينا بشأن المسؤولية المدنية عن الأضرار النووية. التاريخ غير المشرف للحكومة الإيرانية في إصدار الأحكام المسبقة وإدارة الأزمات من الأسباب الأخرى المثيرة للقلق. يتسم حجم الدمار ومعدل الوفيات وعدد الضحايا الناجمين عن الكوارث الطبيعية في إيران بالضخامة غير العادية.
في ديسمبر (كانون الأول) عام 2003 عندما ضرب زلزال قوته 6.6 على مقياس ريختر مدينة بام الواقعة جنوب شرقي البلاد، بلغ عدد الوفيات نحو 26 ألف إيراني، وعدد الإصابات نحو 30 ألفا، وعدد النازحين مائة ألف، وانهارت 85 % من المباني والبنية التحتية في المدينة. على العكس من ذلك، ضرب زلزال بقوة 6.5 سان سيمون بكاليفورنيا، قبل بضعة أيام، ولم يخلف وراءه سوى ثلاث حالات وفاة وتضرر 40 مبنى.
وتجاهلت الحكومة الإيرانية التعامل مع المسائل الرئيسة الخاصة بمدى استعدادها لمواجهة أي حالة طارئة نووية، بما في ذلك عدم توفير تدريبات إخلاء لسكان بوشهر. وأساس هذه المشكلات هو منع الإعلام من تناول القضية وعدم استقلال هيئة الطاقة الذرية الإيرانية. وفي ظل غياب شعب واع يقظ وثقافة الأمان النافذة المتغلغلة، هناك حاجة ماسة إلى جهاز مستقل للطاقة النووية على غرار الدول الأخرى مثل الولايات المتحدة وألمانيا من أجل وضع أولويات الأمان قبل أي شيء آخر. وشجعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الحكومة الإيرانية على منح هيئة الطاقة الذرية كل السلطات والموارد اللازمة للقيام بمهمتها بشكل مستقل.
وحتى هذه اللحظة لا يوجد أي دليل على اهتمام إيران بهذه التوصية، ولا باقتراحات أخرى مثل زيادة عدد الخبراء ورفع مستواهم العلمي في الهيئة. نتيجة للبعد السياسي للبرنامج النووي الإيراني، أصبحت المخاوف الأمنية قضايا ثانوية. الدافع السياسي الذي يوجه القيادة الإيرانية لإثبات عدم جدوى وفاعلية العقوبات الدولية والتفاخر بالقدرات التكنولوجية له تداعيات وأصداء مثل الإصرار على تسلم الفنيين الإيرانيين مبكرا إدارة مفاعل بوشهر. كان من المفترض أن يتولى الروس الذين يتولون المسؤولية حاليا، إدارة المفاعل خلال أول عامين فقط بعد الافتتاح الرسمي له عام 2011 ثم تسليمه إلى الإيرانيين. ونظرا لوقوع أو تطور أغلب الحوادث النووية حول العالم بسبب أخطاء بشرية، يزيد غياب التدريب من احتمال وقوع كارثة.
ما يزيد الأمر سوءا هو حرمان العقوبات الدولية إيران من الحصول على مساعدة نووية ومنع العلماء الإيرانيين من المشاركة في أي ورشة عمل عن أمان المنشآت النووية.
كذلك يعد رفض إيران الالتزام بالاتفاقيات الدولية التي تحدد شكل الأمان في مجال التكنولوجيا النووية أمرا مزعجا. ومع بدء عمل مفاعل بوشهر، ستكون إيران الدولة الوحيدة التي لديها طاقة نووية ولم توقع على اتفاقية الأمان النووي التي تضع نظاما مشتركا من الرقابة يتضمن معايير خاصة بالموقع والتصميم والبناء وعمل المنشآت النووية. ولا ينبغي المبالغة في المخاوف من أمان المنشآت النووية ولا ينبغي أيضا تجاهلها. وبدلا من تجاهل التحذيرات، ينبغي النظر إلى الاهتزازات التي حركت الأرض في بوشهر كإنذار لإيران يحثها على تحسين معايير الأمان النووي لديها.
* محلل بارز في مجموعة الأزمات الدولية
أ.علي واعظ
يقع مفاعل بوشهر الذي تم الانتهاء منه عام 2011، في نقطة تلاقي ثلاث طبقات أرضية وتم تصميمه بحيث يتحمل الزلازل بقوة تصل إلى 6.7 على مقياس ريختر. لذا كان هذا بمثابة إنذار خطير للمفاعل الألماني - الروسي الذي يشبه طبق اختبار معملي افتراضي لمعدات مدمجة وتكنولوجيا قديمة عفا عليها الزمن. تعني الطبيعة الفريدة لهذا المفاعل أن إيران لا تستطيع الاستفادة من تجارب الأمان التي خاضتها دول أخرى. ويعني هذا أيضا تعطلا ميكانيكيا متكررا. أثناء الاختبارات التي أجريت في فبراير (شباط) عام 2011، تعطلت مضخات الطوارئ الأربعة الخاصة بالتبريد في المفاعل (وهي تعود إلى السبعينات) مما أدى إلى وجود أجسام معدنية صغيرة في مياه التبريد. واضطر المهندسون في المنشأة إلى تنظيف قلب المفاعل جيدا وهي عملية أدت إلى المزيد من التأجيل لافتتاحه. خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2012 تم إغلاق المفاعل وتفريغ قضبان الوقود بعد العثور على بعض الصواميل المتفرقة أسفل خلايا الوقود. ويخضع مفاعل بوشهر لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتعد التكنولوجيا المستخدمة غير خاضعة لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة. وبهذا أفلت من العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة على إيران. ولا يزال هناك بعض الارتباك الدولي حول الهدف من إقامة هذه المنشأة، فإيران دولة غنية بالنفط وتمثل الطاقة التي ينتجها مفاعل بوشهر أقل من 2 % من إنتاج إيران من الكهرباء. على الجانب الآخر، رغم الأموال الهائلة التي يتم إنفاقها من أجل تشغيل المفاعل، تضيع نحو 15 % من الكهرباء في البلاد بسبب خطوط النقل القديمة والتي تحتاج إلى صيانة.
مع ذلك، فالأمر الأكثر إثارة للقلق هو الحالة الخطيرة للمفاعل الجديد القديم في الوقت ذاته. سيكون لأي كارثة نووية في مفاعل بوشهر عواقب إقليمية. بالنظر إلى أن اتجاه الرياح في بوشهر نحو جنوب الجنوب الغربي، يمكن أن تمثل المواد المشعة الصادرة تهديدا لحياة المدنيين في بلدان أخرى من دول الخليج. ويعد بوشهر أقرب إلى عواصم الكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين والمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية الغنية بالنفط منه إلى طهران. لهذا السبب حث أمير الكويت مؤخرا إيران على تعزيز التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أجل تحقيق الأمان. ويمكن أن تحتاج إلى تكلفة تنظيف المنطقة والرعاية الصحية والطاقة المهدرة وتهجير السكان إلى مئات المليارات من الدولارات على مدى العقود المقبلة، وستؤثر المنتجات التي تحتوي على نسبة كبيرة من الإشعاع على صحة البشر والبيئة.
مع ذلك يقول السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة إن منشآت إيران النووية «في خير حال» ولا تمثل أي خطر على صحة أو أمن العاملين أو أفراد الشعب أو الأجيال القادمة أو البيئة. في كل الأحوال، ستتحمل المنشأة النووية المسؤولية والتكاليف في حال وقوع أي حادثة نووية. ومن المرجح أن يحمل الروس التكنولوجيا النووية القديمة مسؤولية أي خلل يحدث، ومن المتوقع أن يقول الألمان إنهم ليس لهم أي علاقة بالمنشأة منذ ثلاثة عقود، وقد يتملص الإيرانيون من المسؤولية لعدم توقيعهم على اتفاقية فيينا بشأن المسؤولية المدنية عن الأضرار النووية. التاريخ غير المشرف للحكومة الإيرانية في إصدار الأحكام المسبقة وإدارة الأزمات من الأسباب الأخرى المثيرة للقلق. يتسم حجم الدمار ومعدل الوفيات وعدد الضحايا الناجمين عن الكوارث الطبيعية في إيران بالضخامة غير العادية.
في ديسمبر (كانون الأول) عام 2003 عندما ضرب زلزال قوته 6.6 على مقياس ريختر مدينة بام الواقعة جنوب شرقي البلاد، بلغ عدد الوفيات نحو 26 ألف إيراني، وعدد الإصابات نحو 30 ألفا، وعدد النازحين مائة ألف، وانهارت 85 % من المباني والبنية التحتية في المدينة. على العكس من ذلك، ضرب زلزال بقوة 6.5 سان سيمون بكاليفورنيا، قبل بضعة أيام، ولم يخلف وراءه سوى ثلاث حالات وفاة وتضرر 40 مبنى.
وتجاهلت الحكومة الإيرانية التعامل مع المسائل الرئيسة الخاصة بمدى استعدادها لمواجهة أي حالة طارئة نووية، بما في ذلك عدم توفير تدريبات إخلاء لسكان بوشهر. وأساس هذه المشكلات هو منع الإعلام من تناول القضية وعدم استقلال هيئة الطاقة الذرية الإيرانية. وفي ظل غياب شعب واع يقظ وثقافة الأمان النافذة المتغلغلة، هناك حاجة ماسة إلى جهاز مستقل للطاقة النووية على غرار الدول الأخرى مثل الولايات المتحدة وألمانيا من أجل وضع أولويات الأمان قبل أي شيء آخر. وشجعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الحكومة الإيرانية على منح هيئة الطاقة الذرية كل السلطات والموارد اللازمة للقيام بمهمتها بشكل مستقل.
وحتى هذه اللحظة لا يوجد أي دليل على اهتمام إيران بهذه التوصية، ولا باقتراحات أخرى مثل زيادة عدد الخبراء ورفع مستواهم العلمي في الهيئة. نتيجة للبعد السياسي للبرنامج النووي الإيراني، أصبحت المخاوف الأمنية قضايا ثانوية. الدافع السياسي الذي يوجه القيادة الإيرانية لإثبات عدم جدوى وفاعلية العقوبات الدولية والتفاخر بالقدرات التكنولوجية له تداعيات وأصداء مثل الإصرار على تسلم الفنيين الإيرانيين مبكرا إدارة مفاعل بوشهر. كان من المفترض أن يتولى الروس الذين يتولون المسؤولية حاليا، إدارة المفاعل خلال أول عامين فقط بعد الافتتاح الرسمي له عام 2011 ثم تسليمه إلى الإيرانيين. ونظرا لوقوع أو تطور أغلب الحوادث النووية حول العالم بسبب أخطاء بشرية، يزيد غياب التدريب من احتمال وقوع كارثة.
ما يزيد الأمر سوءا هو حرمان العقوبات الدولية إيران من الحصول على مساعدة نووية ومنع العلماء الإيرانيين من المشاركة في أي ورشة عمل عن أمان المنشآت النووية.
كذلك يعد رفض إيران الالتزام بالاتفاقيات الدولية التي تحدد شكل الأمان في مجال التكنولوجيا النووية أمرا مزعجا. ومع بدء عمل مفاعل بوشهر، ستكون إيران الدولة الوحيدة التي لديها طاقة نووية ولم توقع على اتفاقية الأمان النووي التي تضع نظاما مشتركا من الرقابة يتضمن معايير خاصة بالموقع والتصميم والبناء وعمل المنشآت النووية. ولا ينبغي المبالغة في المخاوف من أمان المنشآت النووية ولا ينبغي أيضا تجاهلها. وبدلا من تجاهل التحذيرات، ينبغي النظر إلى الاهتزازات التي حركت الأرض في بوشهر كإنذار لإيران يحثها على تحسين معايير الأمان النووي لديها.
* محلل بارز في مجموعة الأزمات الدولية
أ.علي واعظ