صفحة 1 من 1

الأخطاء الطبية .. وترتب المسؤولية في النظام السعودي‏

مرسل: الأربعاء إبريل 17, 2013 2:59 pm
بواسطة محمد الصبيحي 1
ذهب النظام السعودي إلى ضرورة أن يكون التدخل الطبي من قبل الطبيب بقصد العلاج والرعاية، ذلك أن الغاية من مزاولة مهنة الطب هي علاج المريض وتحسين حالته الصحية وذلك اعتبارًا للمصلحة الاجتماعية، حيث إن سلامة جسم الإنسان من النظام العام وحمايتها أمر يقتضيه الصالح العام، ومن هنا فقد استقر وأجمع الفقه والقضاء والتشريع على اعتبار الهدف العلاجى شرطًا من شروط إباحة العمل الطبي، ولهذا فإذا انتفي قصد العلاج لدى الطبيب بأن كان تدخله لغرض آخر فإن عمله يخرج عن دائرة المشروعية ويدخل في نطاق المسئولية.
ونجد صدى ذلك في نصوص نظام مزاولة المهن الصحية الذي أقره مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 3 ذي القعدة 1426هـ
عندما ذهب في نص(م 5) إلى وجوب أن يمارس الطبيب مهنته لصالح الفرد والمجتمع في نطاق احترام حق الإنسان في الحياة وسلامته وكرامته، مراعيًا في عمله العادات والتقاليد السائدة في المملكة مبتعدًا في ذلك عن الاستغلال.
كما ذهب النظام كذلك إلى ضرورة أن يستهدف العمل الطبي دائما مصلحة المريض وأن على الطبيب أن يبذل جهده لكل مريض، ثم أعقب ذلك النظام بأن التزام الطبيب هو التزام ببذل عناية يقظة تتفق مع الأصول العلمية المتعارف عليها في الوسط الطبي (م 9) من النظام.
من خلال ذلك نجد أن النظام السعودي وهو بصدد بناء نظريته حول أساس مشروعية العمل الطبي، قد ذهب إلى اعتبار اتجاه قصد الطبيب إلى العلاج هو أحد الشروط الجوهرية في بناء هذه المنظومة، فإذا تحقق ذلك القصد لدى الطبيب تحقق لعمله المشروعية وإذا انتفى انتفت عن عمله المشروعية وأصبح محلاً للمسئولية الطبية بنوعيها، حتى ولو تم العمل برضا المريض أو بناء على طلبه، ومن ذلك الطبيب الذي يجرى عملية جراحية لبتر عضو من أعضاء جسم شخص بهدف تخليصه من الخدمة العسكرية، أو إجهاض سيدة حامل بقصد تخليصها من حملها غير الشرعي، أو إجراء بعض التجارب الطبية على جسم إنسان.
ومن جانبي أتفق مع مذهب النظام باعتبار شرط قصد العلاج مع ما سبقه من شروط يعد من الشروط الجوهرية لمشروعية العمل الطبي، فتخلف هذا الشرط ينقل عمل الطبيب من المشروعية إلى عدم المشروعية ويجعله محلاً للمسئولية لتوافر الإرادة الآثمة كأحد أركان الجرائم العمدية.
وقبل أن أنهي ذلك الفرع أشير إلى أن الأصل العام في النظام بخصوص طبيعة التزام الطبيب- أنه التزام ببذل عناية يقظة تتفق مع الأصول العلمية وليس التزام بتحقيق نتيجة، إلا أن العناية المطلوبة منه تقتضى أن يبذل لمريضه جهودًا صادقة يقظة تتفق في غير الظروف الاستثنائية مع الأصول المستقرة في علم الطب، فيسأل الطبيب عن كل تقصير في مسلكه الطبي لا يقع من طبيب يقظ في مستواه المهني وجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب المسئول، وذلك طبقًا للمستقر في الفقه والقضاء والتشريع المقارن.
ومع هذا الأصل العام فإن هناك استثناء يصبح فيه التزام الطبيب وخروجا عن ذلك هو التزام بتحقيق نتيجة، وذلك بسبب التقدم العلمي والتكنولوجي في العمل الطبي، وهي الحالات التي تتعلق بصحة المريض وسلامة العمل الطبي الذي يقوم به ، ومن أمثلة ذلك عمليات نقل الدم وإجراء التحاليل الطبية فإن الطبيب ومساعديه متى ما أخلوا بهذه العناية وتحقيق النتيجة فإنهم يكونوا محلاً للمسائلة و وقوع الجزاء .
وبذلك فقد اكتمل البنيان لدى النظام السعودي في تشييد منظومة تمثل الأساس النظامي لمشروعية العمل الطبي، حيث أخذ النظام بالشروط التي استقرت عليها أغلب النظم في تقرير مدى مسئولية الطبيب عن أعماله والتي تتفق في مجملها مع الشريعة الإسلامية ، فإذا ما قام طبيب مرخص له بمزاولة المهنة بممارسة عمله طبقًا للأصول العلمية المستقرة برضا المريض وتحقيقًا لقصد علاج ذلك المريض وشفائه، فإن عمله يكون مشروعًا ولا يسأل عن فعله بأي نوع من أنواع المسئولية.