منتديات الحوار الجامعية السياسية

محاضرات مكتوبة خاصة بالمقررات الدراسية
#60648
إعداد- د.أحمد الجميعة، محمد الزيد

تقف العلاقات السعودية - الصينية على مسار تصاعدي قائم على الثقة والاحترام المتبادلين، والمصالح المشتركة، إلى جانب تعزيز مجالات التعاون في مجالات عدة. وتبرز أهمية هذه العلاقة في رغبة قادة البلدين على تقوية الشراكة اقتصادياً وثقافياً، وهو ما أكده لقاء الرئيس الصيني بالملك عبدالله مرتين خلال ثلاثة أشهر، وهو أمر نادر الحدوث مع زعيم آخر.

وكانت «الرياض» قد استقبلت وفداً صينياً يضم ساسة وأكاديميين ومستشارين للحديث عن مستقبل العلاقة بين المملكة والصين، حيث كشف اللقاء عن مواقف الصين من الأحداث والأزمات الطارئة في المنطقة، إلى جانب التوجهات الاستثمارية، والثقافية.

وأكد المشاركون أن الصين لا تدعم النظام السوري؛ واستخدمت «الفيتو» احتراماً لسيادة الشعوب، كما أن الرئيس «أوباما» عاد لسياسة تهميش وعزل الصين وهذا ليس في صالح دول المنطقة، مشيرين إلى أن حجم الصادرات الصينية بلغ أكثر من تريليونيْ دولار في العام، وتم تطبيق نظام «اللائحة السوداء» على البضائع رديئة الصنع.

وقالوا إن تعثّر بعض الشركات الصينية في المملكة راجع إلى اختلاف المواصفات والاشتراطات الفنية بين البلدين وتأخر دفع المستحقات والتعديلات المتكررة، مشيرين إلى أن هناك ثلاثين جامعةً في الصين تدرّس اللغة العربية، وهناك فرعٌ لمكتبة الملك عبدالعزيز في بكين، ومقترح من السفارة الصينية في الرياض لإرسال طلاب لتعلم «الصينية»، كما أن هناك تعاونا بين «كاوست» وجامعة بكين، وخطة لإنشاء مركز صيني للدراسات الخليجية.


العلاقات السعودية

الصينية

في البداية أكد السيد «يانغ فوتشانغ» - نائب وزير الخارجية الأسبق- على أن العلاقة بين المملكة والصين متينة، وراسخة، وتنطلق من أسس واضحة في بناء المواقف والتوجهات، وشراكة فاعلة في تعزيز التعاون المشترك في مجالات عدة، إلى جانب دعم جسور التواصل الحضاري والإنساني والثقافي بين الشعبين الشقيقين، مشيداً بالتنمية الكبيرة التي تشهدها المملكة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وما تحقق من إنجازات نوعية، واستثنائية، وبميزانيات مالية ضخمة؛ مما يعكس رغبة القيادة السعودية في التطوير والتحديث وبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

وقال:»المملكة قطعت شوطاً كبيراً في بناء الإنسان، وتعليمه، وتأهيله، إلى جانب عمارة الأرض، واستثمار الإمكانات، والإفادة من الخبرات العالمية»، مؤكداً على أن المملكة مؤثرة في المنطقة والعالم، وتحتفظ بمخزون من النفط، وتتعامل بسياسة حكيمة، وتعاون موضوعي بناء، وتسعى دائماً إلى السلام وعدم التدخل في شؤون الآخرين.



أكثر من تريليوني دولار حجم الصادرات الصينية وتطبيق نظام «اللائحة السوداء» على البضائع رديئة الصنع



وأضاف أنه جاء إلى المملكة حاملاً رسالةً من الصين حكومة وشعباً تهدف إلى تقوية العلاقات بين البلدين، وفتح مجالات أوسع من التعاون المشترك، والخروج بأفكار جديدة تستثمر روح العلاقة المميزة، موضحاً أن الأهم هو الاستمرار في تبادل الزيارات، والاجتماعات، وتعزيز مظاهر الاستثمار وميزان التبادل التجاري إلى الأفضل.

وأشار إلى أن وجود اختلافٍ في وجهتي النظر بين المملكة والصين حول بعض المواقف السياسية لا يقلل أبداً من قوة العلاقة بين البلدين، ولا يؤثر عليها بأي حالٍ من الأحوال، كما أن الاحترام المتبادل في عرض وجهات النظر هو ما يميز علاقات المملكة بالصين، حيث لا يوجد انفراد في الرأي، وإنما العمل المشترك على تجاوز الاختلاف إلى نحو يمكّن من الاستمرار في تقوية العلاقة وتجذيرها إلى عمق جديد، مؤكداً على أن الاختلاف في وجهات النظر يثري العلاقة، ويعزز من الشفافية والمصداقية في التعاطي معها، كما يرسخ من فهم الآخر، ومزيد من الحوار معه.




يانغ فوتشانغ: الصين لا تدعم النظام السوري واستخدمت «الفيتو» للحفاظ على مبدئها في احترام سيادة الشعوب



ووصف السيد «لي تشينغ وين» -السفير الصيني لدى المملكة- المملكة بالبلد الحكيم، مشيراً إلى أنه يتمتع بقيادة ذات نظرة بعيدة وثاقبة، وفاعلة، وغير منفعلة، وتدرك قيمة التعاون مع الدول، وتحترم الآخر، وتفتح قنوات اتصال حضارية وإنسانية مع شعوب الأرض، وتؤمن بالسلام، وتسعى إليه، وتضع ثقلها السياسي والاقتصادي لتحقيقه.


الموقف من سوريا

وتداخل الزميل «يوسف الكويليت» -نائب رئيس التحرير وكاتب الافتتاحية- معقباً على سبب اختلاف وجهات النظر بين البلدين سياسياً، مشيراً إلى أن السبب هو انحياز دولة عظمى مثل الصين إلى النظام السوري وتعريض مصالحها الاقتصادية مع الدول العربية للخطر، مؤكداً على أن الموقف الصيني يحتاج إلى توضيح، وربما أكثر من ذلك إلى تفسير؛ لأنه من غير المعقول الانحياز إلى نظام يقتل شعبه، ويحرق أرضه.

وأجاب «د.تشو كينغو» -أستاذ الأدب العربي في جامعة بكين- أن الصين لا تدعم النظام السوري، وإنما هي تعارض التدخل العسكري فقط، كما أنها مقتنعة أن القيادة السورية ارتكبت أخطاءً عدة، إلاّ أنها ترى حل المسألة بالحوار وليس عسكرياً؛ لأن الأخير ثمنه باهظ وليس له أفق سياسي.

وقال إن الصين ترحب بحل المسألة عبر جامعة الدول العربية، كما أنها طرحت مبادرةً لحل الأزمة السورية وهي غير مهتمة ببقاء الأسد أو رحيله، وإنما مهتمة بمصلحة الشعب السوري فقط، وهذه لن تكون إلاّ عبر الالتفاف على مائدة الحوار، كما أن الصين متمسكة بمبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وخصوصاً في الشرق الأوسط -الذي أثبت التاريخ أن التدخل فيه لا يأتي إلاّ بالدمار-.

وشدد «يانغ فوتشانغ» على عدم وجود دليل يثبت أن بلاده تدعم النظام السوري، لافتاً إلى أن الصين استخدمت «الفيتو» للحفاظ على مبدئها في احترام سيادة الشعوب، مؤكداً على أن «بكين» لم تكن عقبةً في تمرير أي حل في سورية، كما أنها صوتت بالموافقة لإرسال مبعوثين للمنطقة.

وقال إن التمسك بميثاق الأمم المتحدة ضروري، وعلى جميع الدول الالتزام به، مؤكداً على أن بلاده ليس لها مصلحة أصلاً في تعريض ارتباطاتها الاقتصادية للخطر؛ فحجم التبادل التجاري بين الصين وسورية لا يتجاوز ملياري دولار، فيما هو يتجاوز 65 مليار دولار مع المملكة فقط؛ فكيف ببقية دول الخليج الأخرى؟.

وأضاف:»مهم جداً أن يعي ويتفهم الجميع الموقف الصيني من الأزمة، ويدركوا أن الصين لا تقبل التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد، أو كسر سيادة الدولة بالتدخل العسكري؛ منعاً للفوضى والدمار»، مشيراً إلى أن الصين تدرك جيداً مصالحها، ولكنها لا تتنازل عن مبادئها الراسخة في دعم استقرار شعوب الأرض، وعدم السماح بالتدخل في شؤونها.


مكانة العلاقة

وأكد «د.تشو كينغو» -معقباً على سؤال الزميل يوسف الكويليت- على أن الموقف الصيني من الأزمة السورية لا يقلّل أبداً من العلاقة المتميزة بين المملكة والصين، مشيراً إلى أنها علاقة لها أسس متينة نشعر ونفتخر بها، ومتأصلة قائمة على الاحترام، والصداقة، والتعاون، موضحاً أن الاختلاف في وجهات النظر لا يعني أن لا يحترم كل طرف وجهة نظر الآخر، وهذا العُرف السياسي في علاقات الدول تدركه الصين والمملكة معاً، كما يدركان ما هو أبعد من ذلك أن العلاقة بينهما لا تقبل تفسيرات متباينة في المواقف والتوجهات، حيث يجمعهما حوار مشترك، ورؤية منفتحة على المستقبل.

وقال إن الصين كانت أول دولة زارها خادم الحرمين الشريفين عقب توليه مقاليد الحكم، وأعقبها بعد ثلاثة أشهر زيارة للرئيس الصيني «هو جينتاو» إلى المملكة، لافتاً إلى أن من النادر أن يلتقي زعيم صيني بزعيم دولة أخرى مرتين خلال ثلاثة أشهر فقط، وهذا يؤكد على أن العلاقة المميزة والفريدة بين قيادة البلدين فتحت مجالات جديدة من الشراكة في مجالات عدة، وأهمها الجانب الاقتصادي والثقافي.

وأضاف:»هناك «ألف حجة لتطوير العلاقات ولا حجة واحدة للتقصير في ذلك»، موضحاً أنه تواصل مع أصدقاء عرب يحبون الصين التي ارتبطوا معها بتعاون تجاري منذ طريق الحرير قبل الميلاد، ومن بينهم أصدقاء سعوديون يقدرون مكانة الصين، كما نحن نقدر بلدهم المملكة، ونعدها بلدا إسلاميا معتدلا، ومنفتحا على الآخر، ولها إسهامات كبيرة في الحوار بين أتباع الثقافات والأديان، إلى جانب سعيها المتواصل لإحلال السلم العادل في المنطقة.



تعثّر بعض الشركات الصينية راجع إلى اختلاف المواصفات والاشتراطات الفنية بين البلدين وتأخر دفع المستحقات والتعديلات المتكررة



الخلافات الصينية- الأميركية

وطرح الزميل «سالم الغامدي» -مدير التحرير للشؤون السياسية- سؤالاً حول مدى التغيّر في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، لا سيما بعد انتخاب «أوباما» لولاية ثانية واختيار الرئيس الجديد للصين «تشي جين بينغ»؟.

وقال «د.وو بنغبنغ» -أستاذ الدراسات الأجنبية في جامعة بكين- أن من الواضح أن الرئيس «أوباما» قد عاد لسياسة التواجد في المحيط الهادي، وذلك كمحاولةٍ لتهميش وعزل الصين، وهذا ليس في صالح دول المنطقة ولا في صالح الولايات المتحدة الأميركية نفسها، مشيراً إلى أن بلاده تؤمن بمبدأ المنفعة المتبادلة بينها وبين دول المنطقة في جنوب شرق آسيا، موضحاً أن بلاده تنفذ مشروعات تنموية في الوقت الذي تكتفي فيه الولايات المتحدة بالحديث وعرض أطروحاتٍ عامة.


الشركات الصينية

وطرح الزميل «سليمان العصيمي» -مدير التحرير للشؤون المحلية- سؤالاً حول تأثير فشل الشركات الصينية في المملكة على سمعة بلد كبير مثل الصين؟، مشيراً إلى أن الأخطاء التي ارتكبتها تلك الشركات كانت بارزة بشكل كبير في المباني المدرسية.

وأجاب السيد «يانغ فوتشانغ» أن الشركات الصينية حققت نجاحاً في كل الدول التي عملت بها، وهو ما يؤكد على كفاءة تلك الشركات، وسمعتها العالمية، مشيراً إلى أنه سمع بمشاكل تواجه هذه الشركات في المملكة، وعزا السبب إلى ثلاثة عوامل: أولها الاختلاف في المواصفات والاشتراطات الفنية بين الصين والمملكة، وثانيها تقصير الشركات الصينية في دراسة المواصفات والاشتراطات الفنية السعودية، وثالثها: حداثة عهد هذه الشركات بالسوق السعودية وحاجتها لعدة سنوات حتى تكتسب خبرةً في بيئة العمل الجديدة.

وأضاف أن البدايات دائماً صعبة والتعثّر في المراحل الأوّلية لأي عمل طبيعي، ولكن الأهم هو الاستمرار للنجاح في المراحل المتبقية من العمل، مؤكداً على أن الفشل في مشروع ليس مقياساً دائماً على تعميم الحكم، خاصة إذا لم ندرك الأسباب ونتغلب عليها، موضحاً أن ما لدى المملكة والصين من تعاون في مجال المقاولات والإنشاءات العامة كبير جداً، ولا يمكن أن يتخلّف أحدهما على الآخر مستقبلاً.

وتحفّظ السيد «لي تشينغ وين» -السفير الصيني لدى المملكة- على مصطلح (فشل) -الذي أشار إليه الزميل سليمان العصيمي-، واستبدله بمصطلح (تعثّر).

وقال: لا يمكن الحكم على التجربة من دون معرفة الأسباب التي أدت إلى هذا الحكم، مقرّاً بتعثر مشروعات المقاولات التعليمية المتفق عليها بعدد 200 مدرسة سنوياً، مشيراً إلى وجود طرفي للمشكلة، عازياً جزءاً من السبب إلى تأخر دفع المستحقات للشركات الصينية، والتعديلات المفاجئة والمتكررة على نماذج البناء المتفق عليها مسبقاً؛ مما يؤخر كثيراً موعد التسليم، مشيداً أيضاً بتفهم المسؤولين في هذا القطاع بالتجربة الصينية في هذا المجال، وطبيعة العلاقة التي تحكم العمل الهندسي والإنشائي، وما يطرأ عليها من تغيير مفاجئ، مؤكداً على أنه وقف على كثير من هذه المشروعات، وفي زيارات متتالية داعماً للشركات، ومذللاً للصعوبات؛ لأن المهم لدينا أن ننجح في المشروع، ولا يحكم علينا أحد بالفشل، وهو ما لا نريده، ولا نتمناه، وتحديداً في بلد مثل المملكة، داعياً إلى تجنب إطلاق تعميمات على كافة الشركات الصينية أو كافة المشروعات، مبيناً أن ما لديهم كثير لصالح تنمية العلاقة بين البلدين.

وعاد «د.وو» للتمييز بين (حالات الفشل) و(وضع الفشل)؛ مدللاً بكلامه على انتشار المنتجات الصينية في كل مكان واقتحامها سوق المنتجات الفاخرة بعد تواجدها القوي في الأسواق الأخرى.


قطار المشاعر

وعقّب الزميل «يوسف الكويليت» على حديث السيد «يانغ فوتشانغ» - نائب وزير الخارجية الأسبق- حول الأسباب التي ذكرها لتعثّر المشروعات الصينية في المملكة، متسائلاً عن سبب نجاح الشركات التايوانية والكورية في المملكة مقارنة بالشركات الصينية؟.

ورجّح السيد «يانغ» السبب إلى وجود الخبرة الكافية لدى الشركات الكورية والتايوانية في التعامل مع هذه المشروعات، وتحديداً في هذا النوع من المواصفات الفنية، مشيراً إلى لقائه مؤخراً بصديق ماليزي كان من حجاج الموسم المنصرم، وجرّب «قطار المشاعر» -الذي أنجزته شركة صينية- وأشاد بإمكاناته، إلاّ أن القطار لم يحقق أرباحاً تجارية؛ بسبب عدم فهم الشركات الصينية للبيئة السعودية.

وتداخل السفير الصيني، قائلاً:»قطار المشاعر حقق أرقاماً قياسية عديدة سواءٌ على مستوى زمن التنفيذ أو عدد العربات أو عدد الركاب الذين يمكن نقلهم دفعةً واحدة -أربعة ملايين راكب خلال ستة أيام-»، وضرب مثالاً بمصانع التكييف الصينية التي لم تعمل أجهزتها كما ينبغي للمشروع؛ لأنها لم تصنّع لتواكب درجات الحرارة العالية في المملكة، وهو ما تم تداركه.



يانغ فوتشانغ: الصين لا تدعم النظام السوري واستخدمت «الفيتو» للحفاظ على مبدئها في احترام سيادة الشعوب



التعاون الثقافي

وتساءل الزميل «د.عبدالمحسن الداود» -نائب رئيس التحرير- عن نظرة القارئ الصيني للأدب العربي، وأجاب «د.تشو» أن الأدب العربي لقي ترحيباً من القراء الصينيين، لافتاً إلى وجود الكثير من الروايات العربية المترجمة إلى اللغة الصينية، مشيراً إلى أن كتاب «ألف ليلة وليلة» هو أكثر الكتب العربية شهرة وتوزيعاً في الصين، تليه أعمال الأديب اللبناني «جبران خليل جبران»، ثم أعمال الروائي المصري «نجيب محفوظ»، موضحاً أن هناك ترجمات لأعمال مثقفين سعوديين للغة الصينية، مثل: «عبده خال»، و»رجاء عالم»، وأخيراً ترجمة رواية (بنات الرياض) ل»رجاء الصانع».

وأضاف إن هناك إقبالا من الشعب الصيني على تعلّم اللغة العربية، حيث شهدت الفترة الأخيرة قفزة في عدد الجامعات التي تدرّس اللغة العربية، بينما كان عددها في السابق لا يتجاوز سبعاً -حتى وقتٍ غير بعيد-، والآن قفز العدد إلى ثلاثين جامعة، مشيداً بمساهمة المملكة في نشر اللغة العربية عبر تكفلها بإنشاء «مكتبة بكين»؛ لتكون فرعاً لمكتبة الملك عبدالعزيز، موضحاً أن دورها غير مقصور على تقديم الكتب فحسب، بل الإشراف على إعداد بحوث ودراسات إسلامية.

وطرح الزميل «سليمان العصيمي» سؤالاً حول مدى وجود تعاون أكاديمي بين الجامعات الصينية ونظيرتها السعودية، وأجاب «د.وو»، قائلاً:»هناك تعاون بالفعل مع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، كما توجد خطةُ لإنشاء مركزٍ للدراسات الخليجية، وذلك بغية التوصل لفهم كامل وعميق للمنطقة وكيفية تطور مجتمعاتها».


اللغة الصينية

وعاد الزميل «د.عبدالمحسن الداود» متسائلاً عن تقويم الجامعات الصينية للطلاب السعوديين، ومدى رضاهم عن مستوياتهم، وقال: «د.وو» أنه كان يعرف شخصيا ثمانية طلاب سعوديين ابتعثتهم وزارة الدفاع السعودية، ودرسوا اللغة الصينية لمدة عامين في «جامعة بكين»، واستطاعوا تعلّم اللغة، مشيراً إلى أن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية يدرس إنشاء معهدٍ لتعليم اللغة الصينية، مُطالِباً السفارة الصينية بدعمه، كاشفاً عن وجود ثلاثين باحثاً عربياً متخصصاً في الشأن الصيني ليس من بينهم سعوديٌ واحد، موضحاً أنه التقى بطالبٍ سعودي يجيد اللغة الصينية بطلاقة، مقتنعاً بوجود جيلٍ سعودي جديد يمكنه الانطلاق إلى آفاقٍ أرحب، وبناء مستقبل أفضل لوطنه، والإفادة من التجارب الدولية ونقلها إلى مجتمعه. وعلّق السفير الصيني عن أمنيته في الترتيب لإرسال دفعةٍ من الطلاب السعوديين تحت إشراف السفارة ليتعلموا اللغة الصينية.



السفير الصيني: وجدت بضائع صينية رديئة في المملكة لم أرَ مثلها في بلادي والسبب مواصفات التجار!



قائمة سوداء للبضائع

وطرح الزميل «د.أحمد الجميعة» -مدير التحرير لشؤون التحقيقات- سؤالاً حول تأثير سياسة الإغراق للبضائع الصينية في الأسواق العالمية على جودة المنتجات؟، وأجاب السفير الصيني، قائلاً:»هناك أكثر من 2 تريليون دولار من الصادرات الصينية لا يمكن أن تكون كلها رديئة الجودة»، مشيراً إلى أن بلاده بدأت قبل نحو ستة أشهر تطبيق نظام اللائحة السوداء على البضائع رديئة الصنع، منبّهاً إلى وجود تجار عرب يختارون منتجات بمواصفات رديئة ليستوردوها إلى المملكة، مؤكداً على أنه يجد بضائع صينية رديئة في المملكة لم يرَ لها مثيلاً في رداءتها في الصين، وهذا يدلل على أن بعض التجار يبحثون عن المواصفات الأقل جودة؛ بحثاً عن الربح على حساب المستهلك، داعياً رجال الجمارك في البلدين إلى إيقاف البضائع الرديئة والمغشوشة؛ حفاظاً على سلامة المستهلك، ورفع قيمة جودة المنتج في السوق.

السفر والسياحة

وفي سؤال آخر للزميل «د.أحمد الجميعة» عن ترويج السياحة في الصين، أوضح السفير الصيني السياحي أن معظم السياح السعوديين هم من التجار وعددهم دون المأمول -حوالي 40 ألف زائر سنوياً-، مرجعاً السبب إلى عدم توفر رحلات مباشرة بين البلدين، متمنياً زيادة عدد السياح السعوديين إلى الصين مستقبلاً، وتكثيف الجانب الترويجي لذلك، كما يهمنا بالقدر نفسه الترويج للسياح الصينيين إلى المملكة.



أبرز مشروعات الشركات الصينية في المملكة


تعمل في المملكة أكثر من (70) شركة صينية؛ تنشط (62) منها في مجال الإنشاءات، وتستخدم حوالي (16.000) عامل صيني، وقد فازت إحداها بعقد قيمته (2.2) مليار ريال؛ للمساهمة في توسيع منشآت جامعة الملك خالد، وهذا هو أضخم عقد تفوز به شركة إنشاءات صينية منذ بداية انخراط شركات الإنشاءات الصينية في السوق السعودية.

وهناك مشروع آخر وهو مصنع الألمنيوم الصيني السعودي المقترَح إنشاؤه في «جازان» الذي تشترك في ملكيته (تشالكو) -شركة الصين للألمنيوم المحدودة-، وقد فازت شركة مقاولات صينية أخرى بعقد لبناء مرفأ لسفن الحاويات في «ميناء جدة الإسلامي» بتكلفة قدرها (860) مليون ريال، وتم اختيار الشركة نفسها لبناء الميناء الصناعي في «رأس الزور» بالتعاون مع إحدى الشركات المحليّة، وساهمت شركات الإسمنت الصينية أيضاً في تحديث وتوسيع نظيراتها السعودية، وأخيراً وليس آخراً فاز «كون سورتيوم» صيني-سعودي بعقد قيمته (6.7) مليارات ريال سعودي لتنفيذ الأعمال المدنية اللازمة لبناء سكّة حديدية للنقل السريع تربط بين مكة المكرمة والمدينة المنوّرة، وذلك نيابةً عن مؤسسة السكك الحديدية السعودية. ومنحت المملكة شركة النفط الصينية العامةّ عقداً قيمته (1.1) مليار ريال؛ لاستكشاف وإنتاج الغاز الطبيعي في المملكة في مساحة تبلغ (38.000) كلم، كما تمتلك شركة النفط الصينية العامةّ نسبة (80%) من إحدى شركات الأغراض الخاصة، بينما تمتلك أرامكو السعودية النسبة المتبقية من الشركة (20%)، ومع أنّ خبرة شركة النفط الصينية العامةّ في مجال استكشاف الغاز الطبيعي ليست واسعة، إلاّ أنّ هذا الامتياز الرمزي يعكس طبيعة العلاقات المتبادلة بين البلديْن في مجال «الهيدروكربونات».



د.تشو كينغو: الرئيس الصيني التقى الملك عبدالله خلال ثلاثة أشهر وهو أمر نادر الحدوث مع زعيم آخر




أهم المعاهد والمراكز البحثية والتعليمية الصينية في شؤون الشرق الأوسط


فتحت الصين أبوابها على العالم قبل ثلاثين عاماً مع بداية تطبيق سياسة الاصلاح والانفتاح على العالم الخارجي، وعملت على تعزيز العلاقات السياسية والثقافية والتجارية مع جميع دول العالم، وأولت اهتماماً خاصاً للعالم العربى الذى تربطه بالصين علاقات تاريخية قديمة تعود إلى رحلة «تشانغ تشيان» لبلاد العرب. وتم في الخمسينات إنشاء أقسام خاصة لدراسة أوضاع وقضايا الشرق الأوسط في بعض هيئات العلوم الاجتماعية، وبعض الجامعات والمعاهد العليا في الصين، وقد أهلت كلية العلوم الشرقية بجامعة بكين (كلية اللغات الشرقية وآدابها آنذاك) أول دفعة من الباحثين الناطقين باللغة العربية في قضايا الشرق الأوسط.

وفي الستينات؛ وتماشياً مع تصاعد حركات التحرر في غرب آسيا وافريقيا وتطور الأوضاع فيها؛ أسست الصين -بناء على توجيهات مباشرة من الرئيس «ماو تسي تونغ»- معهد أبحاث الشؤون الأفرو- آسيوية (معهد أبحاث شؤون غربي آسيا وأفريقيا للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية)؛ ليصبح أول هيئة بحثية في شؤون الشرق الأوسط، حيث كان يترأسه السيد «وو شيو تشيان» -وزير الخارجية الصيني الأسبق-.

وبفضل عناية ورعاية «شو ان لاي» -رئيس مجلس الدولة آنذاك- تم في بكين تأسيس «الجمعية الصينية للشؤون الأفرو- آسيوية»، وهي أهم الجمعيات العلمية للأبحاث في شؤون المنطقة على نطاق الصين، وكانت هذه الجمعية تشارك «معهد أبحاث الشؤون الأفرو- آسيوية» في إصدار أعمال مترجمة من آسيا وأفريقيا، والتي لعبت دوراً كبيراً لدفع البحوث والدراسات في شؤون المنطقة.




تعاون بين «كاوست» وجامعة بكين وخطة لإنشاء مركز صيني للدراسات الخليجية



وتوالت بعد ذلك «جامعة بكين»، و»جامعة الشعب الصيني»، و»معهد العلاقات الدولية»، و»جامعة فودان بشنغهاي»، لإنشاء «كلية السياسات الدولية»، التي تشمل فروعاً متخصصة في تدريس شؤون الشرق الأوسط، كما استحدثت «جامعة بكين»، و»جامعة الدراسات الاجنبية ببكين»، و»جامعة اللغات والثقافة»، و»جامعة الاقتصاد والتجارة الخارجية»، و»المعهد الثاني للغات الاجنبية ببكين»، و»جامعة الدراسات الدولية بشنغهاي» كليات متخصصة لتدريس مواد «التاريخ»، و»الثقافة العربية»، و»الدراسات الاسلامية»، بالإضافة إلى تدريس اللغة العربية.

وفي عام 1978م، تحول «معهد البحوث الاسلامية» لجامعة الشمال الغربي إلى «معهد ابحاث شؤون الشرق أوسطية»، واصبح يتمتع بقوة كبيرة وتأثير واسع في مجال البحوث العلمية.

وفي عام 1979م تأسست «جمعية القضايا الاستراتيجية الدولية ببكين»، وفي عام 1993م تحول اسمها إلى «الجمعية الصينية للإستراتيجية الدولية»، وتضم العديد من الخبراء المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط.

وفي عام 1980م تم تأسيس «المعهد الصيني للعلاقات الدولية المعاصرة»، الذي يشمل قسم «غرب آسيا وأفريقيا»، وفي عام 1982م تأسست «الجمعية الصينية لشؤون الشرق الأوسط»، وفي عام 1983م أنشأت جامعة المعلمين (شي فانغ) بالجنوب الغربي معهداً متخصصاً في شؤون غرب آسيا، تتركز دراساته على الجغرافيا والتاريخ لدول الشرق الأوسط.

وفي عام 1986م أنشأت «أكاديمية نينغشيا للعلوم الاجتماعية» معهداً للأبحاث في شؤون الدول الإسلامية في الشرق الأوسط، وفي عام 1992م أنشأت «أكاديمية شنغهاي للعلوم الاجتماعية» معهداً للأبحاث في شؤون أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى والغربية، وفي عام 1995م أنشأت «جامعة الدراسات الدولية بشنغهاي» معهداً لبحوث العلوم الاجتماعية، وتأسس تحته «مركز دراسات الشرق الاوسط»، ويصدر عنه مجلة دورية تحت اسم «العالم العربي»، وفي عام 1980م تأسس معهد «بحوث حضارات الشرق الأوسط» في «جامعة الدراسات الدولية بشنغهاي».

ونظراً لوجود (10) قوميات إسلامية في الصين، شرعت الصين الجديدة بتأسيس الجمعية الإسلامية الصينية، ويتبعها قسم للدراسات في الشؤون والقضايا الاسلامية، وكان «المعهد الصيني للعلوم الاسلامية» أكبر المعاهد المتخصصة في العلوم الاسلامية، المعنية باجراء الدراسات والابحاث في الشؤون الدينية، بالإضافة إلى تدريس اللغة العربية، وتدريب وتأهيل أئمة المساجد.



ميزان التبادل التجاري يعكس قوة العلاقة بين البلدين


تأسست العلاقات الدبلوماسية بين المملكة والصين في عام 1990م، ولولا التبادل التجاري ونمو الاقتصاد الصيني لكانت العلاقات بين المملكة والصين أقل إثارة للاهتمام، وتعتبر الصين ثاني أكبر مصدر لواردات المملكة، وخامس أكبر مستوردي المنتجات التصديرية السعودية، حيث تلتفت المملكة شرقاً لإيجاد أسواق نامية لصادراتها من النفط والبتروكيماويات.

ويُعزى وصول هذه العلاقات الثنائية لمستواها الحالي، بالدرجة الأولى إلى تطورها بصورة متبادلة، فالصين دولة مصدرة للسلع الاستهلاكية والمملكة مستورد مهم لمثل هذه السلع، ولطالما لبّت المملكة جزءاً كبيراً من احتياجات الصين المتنامية من النفط المستورد، فالمملكة هي أكبر شريك تجاري للصين في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا، وتحسن التصنيف التجاري بين البلدين بصورة عامة؛ نتيجة للتبادل التجاري بينهما على مدى عقد من الزمان. وخلال العقد الذي أعقب تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، تعاظم حجم التبادل التجاري بينهما، وارتفعت قيمة الصادرات الصينية إلى المملكة بنسبة (167%)، وفي الفترة نفسها نمت الصادرات السعودية إلى الصين، وكان من أبرز الصادرات الصينية إلى المملكة الملابس والمنتجات الميكانيكية والإلكترونية وأجهزة التكييف والمنسوجات، أمّا أبرز وارداتها من المملكة فهي النفط الخام، والغاز الطبيعي المسال، ولدائن البلاستيك الخام.

وكانت صادرات المملكة إلى الصين ضئيلة خلال الجزء الأكبر من الثمانينات، لكن سجّلت زيادة ملحوظة على هذا الصعيد وقفزت صادرات المملكة إلى الصين، وسبب الزيادات التي سجلت أنّ الصين أصبحت مستورداً صافياً للنفط، وجاء هذا النمو المذهل، بالدرجة الأولى، نتيجةً لطلب الصين المتزايد على الطاقة إثر اتساع الهوّة بين مستويات استهلاكها النفطي وإجمالي إنتاجها المحلي من الخام. والصين هي المستورد الصافي الثاني للنفط في العالم بعد الولايات المتّحدة، فعلى صعيد الطاقة، وخلافاً لما كان سائداً قبل عقد من الزمن، أصبحت الصين تستورد اليوم كميات هائلة من النفط، ومن خلال تعديل محطاتها لتكرير النفط وزيادة طاقاتها الإنتاجية، أصبحت الصين قادرة على استيعاب كميات متزايدة من الخام السعودي (الثقيل)، وهذا ما حول المملكة إلى المصدَر الرئيس لواردات الصين النفطية وجعل الأخيرة في الوقت ذاته أهم مستوردي الخام السعودي في نظر المملكة، لكنّ هذا التحوّل ما كان ليحدث لولا النمو المتسارع للاقتصاد الصيني. وأظهرت الأرقام الإحصائية الصادرة عن الجمارك الصينية مؤخراً أنّ حجم التبادلات التجارية بين الصين والبلدان العربية نما بزيادة (22.1%) في النصف الأول من هذه السنة ليصل إلى (111.78) مليار دولار، بالمقارنة مع (91.5) مليار دولار في الفترة المماثلة من العام الماضي.

وبلغ حجم التجارة بين الصين ودول الخليج في النصف الأول من هذه السنة (77.72) مليار دولار أمريكي بزيادة (29.1%)؛ مما شكل نحو (70%) من الإجمالي بين الصين والدول العربية، حيث وصل حجم التجارة بين الصين والسعودية إلى (38.12) مليار دولار في النصف الأول من هذا العام، وأصبحت الصين أكبر الشركاء التجاريين للسعودية.


المشاركون في الندوة


يانغ فوتشانغ

نائب وزير الخارجية الأسبق

لي تشينغ وين

السفير الصيني لدى المملكة

د.تشو كينغو

أستاذ الأدب العربي في جامعة بكين

د.وو بنغبنغ

أستاذ الدراسات الأجنبية في جامعة بكين

د.ليو زونغمينغ

متخصص في دراسات الشرق الأوسط في جامعة شانغهاي