صفحة 1 من 1

إلى "فتح" و"حماس"... إياكما والهاوية

مرسل: السبت إبريل 20, 2013 12:11 pm
بواسطة هارون عزير9
لا أعرف من أين أبدأ، فما يحدث في فلسطين المحتلة يقارب الوصول بالقضية الفلسطينية الى شفير الهاوية، والسلوك العام للطاقم السياسي ليس مطلقا في المستوى المطلوب مما يهدد بالانزلاق المتسارع الى مصير مجهول، لذا علينا جميعا في هذه اللحظة المفصلية ان نصارح مسؤولي "السلطة" و"الحكومة الفلسطينية" بمغبة تجاوزهم الخطوط الحمر التي إن بقيت التطورات تسير في المنحى الحالي فقد تتحول فلسطين كقضية مسلسل مشاكل تنهش الجسم السياسي – الاجتماعي للشعب الفلسطيني. واذا تقلصت القضية الى مسلسل مشاكل خرجت فلسطين عن كونها بؤرة الالتزام القوي والانساني لأعدل قضية في التاريخ.
نقول هذا ولا نحصر المسؤولية عن التدهور الخطر الحالي بالطاقم السياسي، أي بمؤسستي الرئاسة والحكومة، في رام الله وغزه فحسب، فهي تشمل النظام العربي القائم الذي ساهم بدوره في تفاقم الازمة وتعقيداتها وفي مفهومها الخاطىء للواقعية الذي ادى إلى ان تصبح "اللجنة الرباعية" هي المرجعية بدلا من ان تكون لفلسطين – القضية مرجعية من صلب الامة العربية التي تنتمي اليها.
لسنا هنا في صدد تعداد الاسباب التي ادت الى حال التدهور الحالية والتي ان استمرت سوف تعرض الشعب الفلسطيني لمزيد من الاستباحة وبالتالي يتم ما سعى اليه المشروع الصهيوني اي خروج فلسطين من الذاكرة القومية ومن الهم الوجداني تمهيدا لتفكيك كيان الامة، فيصبح وضع العراق عدوى تصيب الاقطار العربية التي تعتقد ان اعتبارها من "محور المعتدلين العرب" يمنحها حصانة تجعلها في منأى عن تداعيات انهيار القضية الفلسطينية.
قد يبدو ما أسجله في هذه العجالة نصاً شديد التشاؤم، الا اني وغيري الذين عاصروا مسيرة النضال الفلسطيني لعقود واعتبروها مكوّنا رئيسيا لحال وجدانية، إضافة الى كونها مسؤولية فردية وجماعية، نخشى على شراكة الالتزام التي شكلت رافدا لاثراء النضال الفلسطيني بعديد من مستلزماته للابحار وسط مختلف الظروف التي واجهت مراحل نشأتها والصعوبات التي حالت دون نجاحاتها المستحقة. وقد ساهم العديد من الفريق القومي والدولي في تمكين المقاومة الفلسطينية من تأمين الاستجابة والتأييد لاهدافها، وعملوا في شكل دؤوب لتأمين استحقاقاتها وضمان حقوقها. اجل ان احلام "ثورة حتى النصر" تكاد تتحول في ضوء المشهد الفلسطيني الحالي كوابيس تستولد النزاعات العبثية والعقيمة التي تلحق اضرارا فادحة حتى بالحد الادنى بحقوق الشعب الفلسطيني في الاراضي المحتلة وحاجاته، كما تسهل سياسات التهويد في القدس وداخل الخط الاخضر لتصبح واقعا يكرس نظام "الأبارتايد" في كل فلسطين

ازاء خطورة حصول ما كان دوما ممنوعا لا مفر من المساهمة في وضع الامور في اطارها الصحيح قبل استفحال الازمة وبالتالي استحالة عودة فلسطين الى مركزيتها كقضية مثلما كانت، وعليها ان تستعيد بوصلتها وحيويتها... وجاذبيتها ايضا.
صحيح ان معاهدة الصلح بين مصر واسرائيل اخرجت اكبر وأهم دولة عربية من دورها الرادع لتمادي العدوان الاسرائيلي في المنطقة، وبالتالي لم يكن لاعتداءات اسرائيل المتكررة اي كلفة رادعة، مما سهل بقاءها، بمنأى عن الادانة والعقوبات الدولية التي حالت الادارات الاميركية دون فرضها وهذا بدوره أدى الى ان يتعامل المجتمع الدولي، بعد قيام نظام أحادية القطبية، بإضفاء واقع الاستثناء على اسرائيل مما جعلها فوق القانون الدولي. كما ان غزو الكويت ثم احداث 11 ايلول وغيرها عرقلت مساعي تثمير القرارات التي كان من شأنها لو نفذت ان تؤدي الى حلول سلمية وعادلة الى حد ما للشعب الفلسطيني. هذا بالطبع لم يحدث والحقت تلك الاحداث اضرارا فادحة بالحالة العربية اجمالا وبالحالة الفلسطينية على وجه الخصوص.لكن ما حصل في الاسبوعين الاخيرين في الاراضي الفلسطينية المحتلة يدفعنا الى ان نعيد النظر في المعادلات الفلسطينية الراهنة واتخاذ اجراءات جذرية تعيد الى النضال الفلسطيني استقامته، والى ادارة الشأن الفلسطيني نجاعته،والى الحقوق الفلسطينية احتمالا جديا لانجازها.وهذا يعني ضرورة اجراء مراجعة نقدية صارمة وإبداء استعداد لتقبل نقد للذات صريح وواضح والتزام ما تفرضه نتائج المراجعة في هذه المرحلة العصيبة، والتخطيط الدقيق انطلاقاً من اعادة ترسيخ الوحدة الوطنية واخراج الخطاب الفلسطيني الراهن من مفردات الواقعية المزورة والمقيدة للنضال السليم ومن الوعود المستحيلة الانجاز في المرحلة الراهنة
علينا ان ننطلق في التحليل من الاقرار بان لامؤسسة السلطة، هي "سلطة ومشروع للدولة"، ولا مؤسسة الحكومة هي "حكومة"، فهذه التسميات اربكت المعادلة المطلوبة، والتي تقضي بان التعامل الاسرائيلي لم يسلم وبالتالي لم يفترض كون وجوده في الاراضي المحتلة هو سلطة محتلة. هذا النقص في الواقع القانوني اسقط حصول مفاوضات وحوّل ما سوق من "مفاوضات" الى مجرد محادثات. فالمفاوضات تفترض اتفاقا مسبقا على النتيجة. لذا كانت اتفاقات اوسلو بين اسرائيل ومنظمة التحرير، وهذا الوضع مكن رئيس المنظمة، رئيس السلطة، من عزل "الحكومة" الحالية (حماس) عن المشاركة في المحادثات المسماة مفاوضات، كما مكن رئيس السلطة والمنظمة من فرض شرط التزام "الحكومة" – الوزارة" الاتفاقات التي عقدتها "السلطة" المنظمة. لقد جاءت حكومة "حماس" من رحم المقاومة لكنها تعرضت لسياسات الابتزاز التي مكنت اسرائيل من جعل اعتراف "حماس"
"بحقها في الوجود" شرطا مسبقا لتأهيلها للقيام بالمهمات المنوطة بها اسوة بـ"الحكومات" الفلسطينية التي سبقتها. ورغم محاولات مؤسسة الرئاسة – السلطة الانفتاح على "حكومة "حماس" المنتخبة فان رئاسة السلطة بدورها اشترطت على "الحكومة" ان تلتزم الاتفاقات التي وقّعتها "السلطة" مع اسرائيل والتي كان التوقيع عليها فلسطينيا باسم منظمة التحرير. ان "حماس" لم تكن في صلب منظمة التحرير بل خارجها، وقد اعتبر المجتمع الدولي منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ولكن قبل ان تنجح "حماس" في كسب الاكثرية في المجلس التشريعي الملتبسة صلاحياته بدوره في الشؤون "السيادية". من هنا بدأت التناقضات التي زرعت بذور الازمة التي يمكن وصفها بالمعيبة والتي لا يمكن الخروج منها الا بمستوى عال جدا من الحكمة وصدقية الالتزام

كيف يجوز لمنظمة التحرير ان تطالب الحكومة بالتزام اتفاقات لا تشكل "حماس" جزءاً منها؟ ان "حماس" رضينا ام ابينا قطاع مهم من الشعب الفلسطيني وبالتالي لا يجوز ان تبقى خارج اطارها وغير مشاركة في القرارات المصيرية.
وحتى لو سلمنا بأن "حماس وحكومتها" باقيتان خارج المنظمة اي ا تفاقات تطالب "فتح" – وبالتالي السلطة وبالتالي المنظمة من "حماس" بالمساهمة في الموافقة عليها؟ فمنذ اتفاقات اوسلو والتوقيع عليها لم تستطع مؤسسة السلطة والمنظمة ان تحول دون الخروق المتكررة التي قامت بها اسرائيل، من الضم القسري للقدس اي الاستمرار في بناء المستعمرات وتكثيف الكثير منها؟ ومنذ اتفاقات اوسلو تكاثرت ممارسة الاغتيالات والاعتقالات والاعتداءات والحواجز والاجراءات المنافية لاتفاقات جنيف الرابعة وكانت اسرائيل تفسر عدم امتثالها حتى لبنود هذه الاتفاقات بتفسيرات مغايرة لتفسيرات السلطة، كون السلطة الفلسطينية اعتبرت انها "تفاوض" الاحتلال في حين ان اسرائيل تتباحث في اولويات "التنسيق الامني" لوجودها، وليس لاحتلال لا تقر به. فكيف طالبت "السلطة" "حكومة حماس" بالتزام اتفاقات مع اسرائيل اثبتت عدم جداوها بل اعتبرتها حكومة اسرائيل المتعاقبة ترخيصا لادارتها والتصرف في الاراضي المحتلة باعتبار ان غالبيتها مملوكة لها او مرشحة ان تكون لها كلها ويجب ان تكون ضمن سيادتها؟ الم تدرك مؤسسة الرئاسة ان التقطع في الاتصال الاسرائيلي معها لم يكن الا وسيلة لابلاغ "السلطة والمنظمة" ان كل القرارات الدولية المتعلقة بالحقوق الفلسطينية الوطنية والانسانية لاغية عمليا، واي اقرار ببعضها هو بمثابة "تنازل أليم" من قبلها، هذا اذا "تنازلت"؟ الم يكن اكثر نجاعة ان تتعامل مؤسسة رئاسة السلطة مع قيام "حكومة" حماس باعتبارها فرصة لتنشيط ممانعة الضغوط الاسرائيلية التي قيدت حركة "السلطة" في اتخاذ الخطوات نحو الدولة الموعودة؟
ثم لماذا تصرفت "حماس" على اساس كونها رافضة للالتزام بدلا من المساءلة الجادة حول ما انتجت هذه الاتفاقات حتى تجيب السلطة وتفسر بعد نحو 14 عاماً سبب ازدياد الاحوال سوءاً في الاراضي المحتلة، وكل ذلك قبل ا لانتخابات الاخيرة؟ الم يكن انجح ان يكون رصيد الاتفاقات التي تدعو "فتح" "حماس" الى التزامها هو المقياس لفرض الالتزام او لفك "فتح" و"السلطة" الالتزام، فيتم حوار من منطلق اثراء عناصر الوحدة الوطنية بدلا من الشرخ التي يهددها، والذي جعل الحوار متسماً بالتهديد المتبادل وجعل اسرائيل مع "الرباعية" تمارس الابتزاز والتجويع والتطويق كما جعل "السلطة وفتح" تتصرفان كأن ثمة فرصة لاسترجاع انفرادها بأتخاذ القرارات المصيرية واعطاء الانطباع ان "المجتمع الدولي" يعاقب الشعب الفلسطيني لكونه اخطأ في الاختيار؟

الم يكن اجدر بـ"حماس" ان تكون اكثر دقة في ما سوقت له اسرائيل حول رفض الحركة "الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود"، فتضع موقفها في اطار ان حق اسرائيل في الوجود هو غير الاعتراف بوجود اسرائيل؟ ان حكومة حماس على حق مشروع عندما تأبى الاعتراف بحق اسرائيل لكون الاعتراف بحق ينطوي على "حق" شرعية قانون العودة لكل يهودي، اي "العودة" الى اسرائيل مما يضمن ديمومة توسعها، وبالتالي يحول دون تنفيذ حق العودة للاجئين الفلسطينيين وهو من حقوق الانسان غير قابلة للتصرف.
اما الاقرار بوجود اسرائيل فكان يمكن ان يكون مدخلا لحكومة "حماس" لتطالب مؤسسة الرئاسة استيضاح المطلوب الاعتراف بوجودها اين هي حدودها؟ واين اطار وجودها القانوني؟ ثم ما هو مفهوم اعتراف اسرائيل بفلسطين دولة ومساحة واطارا؟ عندئذ وفي حال الحصول على اجابات واضحة مكتوبة وموثقة من اسرائيل تشكل التزاما واضحا مضمونا، تصبح "المحادثات الامنية" الجارية مفاوضات لكون النتيجة قد حسمت. وعندئذ لا يجوز للسلطة بالوعي او اللاوعي ان تستدرج "حكومة حماس" الى موافقة مسبقة على اتفاقات، لعدم تمكن "السلطة – فتح" من تأمين أي اشارة الى ان اسرائيل تستجيب بنداً من بنود تؤول الى الدولة المنشودة، فلا يكون رفض "حماس" مزايدة ولا اصرار "فتح" و(السلطة) غطاء لابتزاز "الحكومة"! لكن ما حصل من تجريح متبادل وبالتالي من معاناة نتيجة ضغوط "الرباعية" وخاصة الولايات المتحدة وما افرزته من صدامات دموية مرفوض وطنيا وقوميا وضميريا وانسانيا، ويشكل في حال استمراره لطخة عار على اقدس قضية للعرب ويجب ان تدفع "السلطة" و"الحكومة" الى مراجعة.
ان المنظمة تستطيع ان تستعيد شمولية تمثيلها عندما تصبح طليعة ومقاومة للاحتلال وبالتالي تستطيع افراز ادارات محلية للتعامل اليومي، وهذا بدوره يوفر شروط استقامة المعادلة المقاومة بكل وسائلها الشرعية، ويفرض على المحتل الاعتراف الواضح بصفته كمحتل.
اذذاك نخرج جميعنا من ازمة الضمير التي تعطل المساهمة المطلوبة ونعيد الى النضال بعده الاخلاقي وشرعيته الاكيدة.