صفحة 1 من 1

انتخابات فنزويلا ومستقبل الصراع مع واشنطن

مرسل: الأحد إبريل 21, 2013 5:18 pm
بواسطة محمد بن جديد 9
الانقسام هو رد الفعل المباشر الذي فرض نفسه بقوة على فنزويلا عقب إعلان “المجلس الوطني للانتخابات” رسمياً يوم الاثنين الماضي فوز الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو رئيساً منتخباً للبلاد، فقد تأكد أن الانقسام أضحى السمة الغالبة ليس داخل فنزويلا ولكن أيضاً خارجها حيث انقسمت الأطراف الخارجية ذات الصلة “بالحالة الفنزويلية”، ممثلة في حكم الرئيس الراحل هوغو شافيز وإرثه السياسي ومستقبل هذا الإرث .

بوادر هذا الانقسام داخلياً ظهرت مع بدء مراسم تشييع جثمان شافيز عندما أعلن نواب “طاولة الوحدة الوطنية” (الائتلاف الرئيس للمعارضة الفنزويلية) عدم حضورهم مراسم أداء نيكولاس مادورو لليمين الدستورية كرئيس بالوكالة لحين انتخاب رئيس في غضون ثلاثين يوماً، لأنهم اعتبروا أن تولي مادورو مهام الرئاسة المؤقتة “انتهاكاً” للدستور، ويرجع هذا الموقف إلى تبني نواب المعارضة رؤية مختلفة لتفسير الحكومة للدستور بعد وفاة شافيز، هذه الرؤية تتلخص في أن رئيس الجمعية الوطنية (البرلمان) ديوسرادو كابيللو هو الذي يجب أن يتولى الرئاسة بالوكالة خلال الفترة الانتقالية حتى موعد إجراء الانتخابات المبكرة وليس نائب الرئيس . كان الدافع من وراء هذا الرفض حرمان مادورو من الاستفادة من موقع الرئيس المؤقت أو الانتقالي لدعم فرص فوزه كمرشح رئاسي خليفة للراحل شافيز على أمل أن يؤدي إزاحة مادورو إلى إنهاء عهد “الشافيزية” كتجربة اشتراكية ثورية في فنزويلا .

هذا الانقسام تحول إلى مواجهات دامية يوم الثلاثاء الماضي، فقد قتل سبعة أشخاص في أعمال عنف أعقبت إعلان نتيجة الانتخابات، حيث اندلعت تظاهرات من القوى الداعمة للمعارضة احتجاجاً على النتيجة التي جاءت في غير مصلحة مرشح المعارضة انريكي كابريليس ما دعا الشرطة إلى الدخول في اشتباكات مع المئات من هؤلاء المعارضين .

وفي المقابل دعا الرئيس المنتخب مادورو أنصاره إلى التظاهر السلمي في أرجاء البلاد رداً على التظاهرات الاحتجاجية للمعارضة، في الوقت نفسه حرص على تأكيد التزامه بنهج سلفه الزعيم الراحل شافيز، وقال في مؤتمر صحفي “أنا ابن شافيز، وأنا أول رئيس شافيزي، وسأظل ملتزماً بتشريعاته لحماية الفقراء وحماية استقلالنا”، واتهم المعارضة بأنهم “ينطلقون من عقلية انقلابية” . وكان مادورو قد حذر قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية من “حلول اللعنة على كل من يصوت ضده” وفي الوقت ذاته اتهم سفيرين أمريكيين سابقين بتدبير مؤامرة لاغتياله بالتعاون مع من سماهم ب”اليمين السلفادوري” وقال: “إنهم يريدون قتلي لأنهم يعرفون أنهم لا يستطيعون كسب انتخابات حرة ونزيهة” .

هذه التطورات المتلاحقة والسريعة في فنزويلا بعد ما لا يزيد كثيراً على شهر من وفاة شافيز تكشف أن حالة عدم الاستقرار التي كانت متوقعة في فنزويلا نتيجة لرحيل شافيز جاءت مبكرة أكثر مما كان متوقعاً، وأن الصراع السياسي على السلطة سيكون مدعوماً بقوة من الخارج، وهو الصراع الذي تمتد جذوره ويمتد الاستقطاب الخارجي حوله إلى سنوات حكم شافيز مع فارق شديد الأهمية هو أن شافيز لم يعد موجوداً وأن خليفته قد يكون صورة باهتة من زعامته ولا يمتلك الكاريزما ولا التاريخ النضالي لشافيز في حين أن المعارضة لديها معارض قوي له حضوره السياسي المميز، ولديه رؤية للتغيير نحو نظام بديل يأخذ بنظام اقتصاد السوق ويحتذي بالتجربة البرازيلية بدلاً من النموذج الاشتراكي الثوري لشافيز وانحيازاته وتحالفاته الخارجية التي تحاول المعارضة تشويهها وتصويرها على أنها بددت ثروات فنزويلا ودعمت حلفاء شافيز في الخارج خاصة كوبا على حساب مصالح الشعب الفنزويلي .

فالمعارض كابريليس الذي يرفض الاعتراف بنتيجة فوز منافسه مادورو في الانتخابات مازال يردد أن “هناك رئيس غير شرعي، ومن حق الشعب الفنزويلي إجراء تدقيق في الانتخابات ومعرفة الحقيقة”، ويرى كابريليس (41 عاماً) وهو محام شاب ينحدر من يهود أوروبيين من ناحية والدته وينتمي إلى عائلة ثرية ويعمل حاكماً لولاية ميراندا، أن فنزويلا تحتاج إلى العدول عن سياسات شافيز التي انتهجها على مدى 14 عاماً، وأحدثت (من وجهة نظره) انقساماً في البلاد، كما أنه حريص على أن ينفي اتهامات مادورو له بأنه يعتزم إلغاء مشاريع الدعاية الاجتماعية أو قوافل الأحياء الفقيرة التي كانت ركناً بارزاً لشعبية الزعيم الراحل لدى الفقراء . وهو ينادي ب”الاشتراكية الديمقراطية” على النمط البرازيلي وباقتصاد السوق ويعد بعدم إلغاء ما يسمى ب”المهمات البوليفارية” لكنه يؤكد أنه سيقطع إمدادات النفط عن كوبا الحليف الدائم الذي يتلقى أكثر من مئة ألف برميل يومياً مقابل إرسال أطباء ودعم صحي إلى فنزويلا .

وعلى العكس من هذا التوجه المدعوم أمريكياً يؤكد الرئيس المنتخب مادورو التمسك بإرث شافيز وهو وإن كان عضواً سابقاً في فريق لموسيقا الروك وعمل سائقاً لشاحنة وبرع كناشط نقابي إلا أنه اقترب كثيراً من شافيز وعمل معه كوزير للخارجية ثم كنائب له، وهو حريص على أن يعزف على وتر جذوره الفقيرة في كل مؤتمراته الجماهيرية، كما أنه حريص على التنديد ب”التدخل الأمريكي” في بلاده فهو يرى أنه “مع الولايات المتحدة هناك دائماً مشكلات لأنهم مازالوا يتآمرون”، وهذا ما يعده المراقبون في داخل فنزويلا وخارجها نقطة ضعف في شخصية مادورو وهروباً مسبقاً من مواجهة المشكلات الحقيقية، خاصة أنه يفتقر إلى الجاذبية الشخصية (الكاريزما) والقدرة على إلهاب المشاعر بالخطب المتقدمة التي كانت من مميزات شافيز، لذلك هناك تخوفات من أن إرث شافيز معرض للخطر، إذ إن خليفته ليس بقوته وتاريخه النضالي وجاذبيته، والمعارضة الآن لها شرعية قوية على ضوء نتيجة “الفوز الهزيل” الذي حققه مادورو، والانقسام الخارجي حول دعم التحول الجديد في فنزويلا في ظل تمتعها الآن بأعلى احتياطي نفطي في العالم، حيث ارتفعت تلك الاحتياطات الفنزويلية من 2 .211 مليار برميل في عام 2009 إلى 5 .296 مليار برميل في عام 2012 .

هذه الخصوصية تزيد من التنافس الدولي على فنزويلا وبالذات من جانب الولايات المتحدة، وهو تنافس مرشح إلى أن يتحول إلى استقطاب قد يفوق كثيراً ما كان موجوداً أيام شافيز .

ففي حين سارعت الولايات المتحدة إلى انتقاد نتائج الانتخابات الرئاسية الفنزويلية، سارعت روسيا وكوبا وحلفاء فنزويلا في أمريكا اللاتينية، إضافة إلى رئيس بيلاروسيا ووزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي لتهنئة الرئيس المنتخب مادورو، فقد اعتبر المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض غاي كارني أن التدقيق في مجريات الانتخابات يشكل مرحلة مهمة وضرورية، وقال “في ضوء تقارب الأصوات فإن التسرع في اتخاذ قرار (إعلان فوز مادورو) لن يتسق وتوقعات الفنزويليين سعياً لإقرار نتيجة واضحة وديمقراطية”، في حين بادر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتهنئة مادورو بفوزه رئيساً لفنزويلا، مؤكداً أن فنزويلا بقيادته “ستعزز علاقات الشراكة مع روسيا”، وأن موسكو مستعدة لمواصلة “حوار بناء” مع كراكاس حول “كل القضايا الثنائية والدولية” . موقف الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشينكو كان أكثر حميمية ولم تنافسه غير مشاعر رفاق درب شافيز في أمريكا اللاتينية، خاصة الرئيس الكوبي راؤول كاسترو ورئيس الاكوادور رافائيل كوريا، ورئيس بوليفيا ايفو موراليس .

استقطاب دولي حول فنزويلا الجديدة بعد شافيز ينذر باحتدام الصراع داخلها، وهو صراع له جذوره الممتدة، وعليه سوف تتوقف نتائج الكثير من التطورات خاصة الصراع الأمريكي مع التمرد اللاتيني الذي كان شافيز أبرز جنرالاته .

----------------
* نقلا عن دار الخليج، الأحد، 21/4/2013.