بشار في حالة إنكار ولكن تهديد أيضاً
مرسل: الأحد إبريل 21, 2013 8:18 pm
مرة أخرى يظهر بشار على وسائل التلفزة خلال وقت لم يطل كثيرا بعد مقابلته مع إحدى القنوات التركية قبل أسابيع، وهي مقابلة جرى تخصيصها لتركيا، ولأردوجان بشكل خاص. ولما كانت المقابلة مع قناة محلية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا يتعلق بالهدف من ترتيبها في هذا التوقيت، والرسائل المراد توصيلها.
المقابلة بدت أكثر دخولا في تفاصيل الحالة السورية من مقابلة القناة التركية التي خصصت كما قلنا للموقف التركي، مع أن أكثر تلك التفاصيل لم تكن مهمة ولا لافتة، إذا واصل بشار غرقه في حالة الإنكار التي يعيشها منذ عامين، كما لم يفتح أي أفق سياسي ذي معنى من الناحية العملية، بقدر ما استعاد مقولات سابقة سخيفة ومملة حول الحوار وتصنيفات المعارضة.
في هذا السياق حاول توضيح بعض المواقف؛ أولها ما يتعلق بالوضع الأمني وفي المقدمة سيطرة الثوار على مساحات واسعة من البلاد، ما جعلها خارج سيطرة الدولة كما جاء في سؤال المذيعة، فكان تبريره مضحكا إلى حد كبير، إذ قال إن الحرب هنا غير تقليدية، وأن محاولة استعادة أي منطقة يدخلونها ليست ذات جدوى لأنهم سيذهبون إلى منطقة أخرى، ما يفرض برأيه استراتيجية «القضاء على الإرهابيين» وليس تحرير المناطق التي يحتلونها!!
هل سيقضي بشار على أكثر من 100 ألف مقاتل، وكيف سيمنع انضمام مزيد من المقاتلين إليهم، أو حتى مجيء آخرين من الخارج؛ من نفس الصنف (الإرهابي بحسب تعبيره) الذي أمعن في الحديث عنه خلال المقابلة؟! لم يجب بالطبع على سؤال كهذا، لكنه كان يراوح بين حالة الإنكار ومحاولة إظهار التماسك، ربما لأن إيران التي تدير المعركة وتلقي بثقلها خلفها ما زالت تملك الأمل في تحسين الوضع العسكري على نحو يحسّن شروط التفاوض، أو يعزّز إمكانية التوصل إلى صفقة مع الغرب تشمل ملفها النووي وسوريا في الآن نفسه.
من المواقف التي حاول توضيحها ما يتعلق بالطائفية، لكنه كالعادة لم يذكر كلمة علويين أو سنّة، وإن ذكر المسيحيين (هذا للغرب أيضا)، فهو يسوّق نفسه سنيا، لكنه لا يذكر ذلك كي لا يغضب العلويون، وعموما لا جديد في هذا السياق سوى الاستمرار في لعبة الإنكار.
هناك أيضا الموقف من التقسيم، ويبدو أنه أراد الرد على مقولة الدويلة العلوية بشكل غير مباشر، وإلا فما معنى الحديث عن التقسيم في ظل نظام يزعم أنه متماسك، وأنه سينجح في الإرهابيين وبسط سيطرته الكاملة على الدولة؟ تحدث عن أن التقسيم لا أفق له، لأنه في حاجة إلى خطوط فصل بين الطوائف، الأمر الذي لا يتوافر في سوريا، وربما كان ذلك صحيحا بعض الشيء، لكن ترتيب الأمر للدويلة العلوية لن يكون مستحيلا في حالة اليأس؛ طبعا بمساعدة حزب الله وإيران. في ذات السياق تحدث عن الأكراد بطريقة إيجابية، وبروحية التعويل على إبعادهم عن الصراع، ثم حشر تركيا في القضية بالتشكيك في نواياها حيالهم، وبالطبع إدراكا منه لحقيقة أن اتفاق أردوجان مع أوجلان قد سحب منه ومن إيران ورقة للضغط على حكومة العدالة والتنمية.
الأهم في المقابلة بعد ذلك، أو لعله جديدها النسبي يتعلق بالأردن وبالغرب والقاعدة والإرهاب، فضلا عن تركيا التي حضرت هذه المرة أيضا (هاجمها أردوجان وحكومته بشدة) رغم تخصيص المقابلة السابقة لها.
السبب بالطبع أن من غير الممكن تجاهل الحالة الأردنية أسوة بنظيرتها التركية، فكلاهما يشكلان معبر السلاح والمقاتلين بعد الضمان النسبي للبنان عبر حزب الله وسيطرته على الدولة، وفي حين كانت تركيا هي الوحيدة سابقا، فقد دخل الأردن على الخط، ويبدو أن أهم هدف من المقابلة هو توجيه التحذير، وربما التهديد للأردن من مغبة فتح حدوده مثلما فعلت تركيا، مع التأكيد على أن ذلك قد حدث بالفعل، ولم يعد مجرد تكهنات كما قال في المقابلة السابقة (تجاهل طبيعة الدعم والجهات التي يقدم لها، وحساسية الأردن حيال القاعدة والإخوان).
تجاهل بالطبع أن الأردن لم يخط هذه الخطوة إلا بعد أن تأكد من الناحية العملية أن النظام سيسقط، وأن لا مناص من محاولة التأثير في الوضع التالي بعد السقوط، لكن التهديد كان ضروريا بالنسبة إليه، لأنه يدرك أن فتح الجبهة الأردنية على غرار التركية سيعني تسريعا للحسم، بصرف النظر عن مداه الزمني.
الرسالة الأخرى كانت للغرب، وهي كانت أقرب إلى عرض صفقة أو تفاوض بطريقة غير مباشرة، وإذا كان بشار قد فاوض نتنياهو وكان على وشك التوصل لاتفاق معه بوساطة أميركية، الأمر الذي أفشلته الثورة، فهل يُستبعد عليه أن يشتري بقاءه في الكرسي مقابل صفقة تؤمن مطالب الكيان الصهيوني؟ كلا بالطبع.
لكنه لم يقل ذلك صراحة، بل صاغ الفكرة من خلال تذكير الغربيين بأن القاعدة التي يرعونها في سوريا ستظهر لهم داخل بلدانهم لاحقا كما حصل بعد أفغانستان بحسب قوله (هل يقر بأن الهزيمة هي مصيره كما الاتحاد السوفيتي؟!). ولا تعني الصفقة بالنسبة إليه سوى التفاوض على حل يؤمن بقاءه مع إصلاحات معينة.
يبقى القول إن حالة الإنكار التي يعيشها بشار لم تغادره بعد، ربما لأنه يعول على الصفقة إياها، وإلا، فهل ثمة عاقل يمكن أن يقتنع بأنه سيبقى حاكما لسوريا بعد كل الذي جرى، حتى لو استمرت الحرب خمسة أعوام أخرى؟!
ياسر الزعاترة
المقابلة بدت أكثر دخولا في تفاصيل الحالة السورية من مقابلة القناة التركية التي خصصت كما قلنا للموقف التركي، مع أن أكثر تلك التفاصيل لم تكن مهمة ولا لافتة، إذا واصل بشار غرقه في حالة الإنكار التي يعيشها منذ عامين، كما لم يفتح أي أفق سياسي ذي معنى من الناحية العملية، بقدر ما استعاد مقولات سابقة سخيفة ومملة حول الحوار وتصنيفات المعارضة.
في هذا السياق حاول توضيح بعض المواقف؛ أولها ما يتعلق بالوضع الأمني وفي المقدمة سيطرة الثوار على مساحات واسعة من البلاد، ما جعلها خارج سيطرة الدولة كما جاء في سؤال المذيعة، فكان تبريره مضحكا إلى حد كبير، إذ قال إن الحرب هنا غير تقليدية، وأن محاولة استعادة أي منطقة يدخلونها ليست ذات جدوى لأنهم سيذهبون إلى منطقة أخرى، ما يفرض برأيه استراتيجية «القضاء على الإرهابيين» وليس تحرير المناطق التي يحتلونها!!
هل سيقضي بشار على أكثر من 100 ألف مقاتل، وكيف سيمنع انضمام مزيد من المقاتلين إليهم، أو حتى مجيء آخرين من الخارج؛ من نفس الصنف (الإرهابي بحسب تعبيره) الذي أمعن في الحديث عنه خلال المقابلة؟! لم يجب بالطبع على سؤال كهذا، لكنه كان يراوح بين حالة الإنكار ومحاولة إظهار التماسك، ربما لأن إيران التي تدير المعركة وتلقي بثقلها خلفها ما زالت تملك الأمل في تحسين الوضع العسكري على نحو يحسّن شروط التفاوض، أو يعزّز إمكانية التوصل إلى صفقة مع الغرب تشمل ملفها النووي وسوريا في الآن نفسه.
من المواقف التي حاول توضيحها ما يتعلق بالطائفية، لكنه كالعادة لم يذكر كلمة علويين أو سنّة، وإن ذكر المسيحيين (هذا للغرب أيضا)، فهو يسوّق نفسه سنيا، لكنه لا يذكر ذلك كي لا يغضب العلويون، وعموما لا جديد في هذا السياق سوى الاستمرار في لعبة الإنكار.
هناك أيضا الموقف من التقسيم، ويبدو أنه أراد الرد على مقولة الدويلة العلوية بشكل غير مباشر، وإلا فما معنى الحديث عن التقسيم في ظل نظام يزعم أنه متماسك، وأنه سينجح في الإرهابيين وبسط سيطرته الكاملة على الدولة؟ تحدث عن أن التقسيم لا أفق له، لأنه في حاجة إلى خطوط فصل بين الطوائف، الأمر الذي لا يتوافر في سوريا، وربما كان ذلك صحيحا بعض الشيء، لكن ترتيب الأمر للدويلة العلوية لن يكون مستحيلا في حالة اليأس؛ طبعا بمساعدة حزب الله وإيران. في ذات السياق تحدث عن الأكراد بطريقة إيجابية، وبروحية التعويل على إبعادهم عن الصراع، ثم حشر تركيا في القضية بالتشكيك في نواياها حيالهم، وبالطبع إدراكا منه لحقيقة أن اتفاق أردوجان مع أوجلان قد سحب منه ومن إيران ورقة للضغط على حكومة العدالة والتنمية.
الأهم في المقابلة بعد ذلك، أو لعله جديدها النسبي يتعلق بالأردن وبالغرب والقاعدة والإرهاب، فضلا عن تركيا التي حضرت هذه المرة أيضا (هاجمها أردوجان وحكومته بشدة) رغم تخصيص المقابلة السابقة لها.
السبب بالطبع أن من غير الممكن تجاهل الحالة الأردنية أسوة بنظيرتها التركية، فكلاهما يشكلان معبر السلاح والمقاتلين بعد الضمان النسبي للبنان عبر حزب الله وسيطرته على الدولة، وفي حين كانت تركيا هي الوحيدة سابقا، فقد دخل الأردن على الخط، ويبدو أن أهم هدف من المقابلة هو توجيه التحذير، وربما التهديد للأردن من مغبة فتح حدوده مثلما فعلت تركيا، مع التأكيد على أن ذلك قد حدث بالفعل، ولم يعد مجرد تكهنات كما قال في المقابلة السابقة (تجاهل طبيعة الدعم والجهات التي يقدم لها، وحساسية الأردن حيال القاعدة والإخوان).
تجاهل بالطبع أن الأردن لم يخط هذه الخطوة إلا بعد أن تأكد من الناحية العملية أن النظام سيسقط، وأن لا مناص من محاولة التأثير في الوضع التالي بعد السقوط، لكن التهديد كان ضروريا بالنسبة إليه، لأنه يدرك أن فتح الجبهة الأردنية على غرار التركية سيعني تسريعا للحسم، بصرف النظر عن مداه الزمني.
الرسالة الأخرى كانت للغرب، وهي كانت أقرب إلى عرض صفقة أو تفاوض بطريقة غير مباشرة، وإذا كان بشار قد فاوض نتنياهو وكان على وشك التوصل لاتفاق معه بوساطة أميركية، الأمر الذي أفشلته الثورة، فهل يُستبعد عليه أن يشتري بقاءه في الكرسي مقابل صفقة تؤمن مطالب الكيان الصهيوني؟ كلا بالطبع.
لكنه لم يقل ذلك صراحة، بل صاغ الفكرة من خلال تذكير الغربيين بأن القاعدة التي يرعونها في سوريا ستظهر لهم داخل بلدانهم لاحقا كما حصل بعد أفغانستان بحسب قوله (هل يقر بأن الهزيمة هي مصيره كما الاتحاد السوفيتي؟!). ولا تعني الصفقة بالنسبة إليه سوى التفاوض على حل يؤمن بقاءه مع إصلاحات معينة.
يبقى القول إن حالة الإنكار التي يعيشها بشار لم تغادره بعد، ربما لأنه يعول على الصفقة إياها، وإلا، فهل ثمة عاقل يمكن أن يقتنع بأنه سيبقى حاكما لسوريا بعد كل الذي جرى، حتى لو استمرت الحرب خمسة أعوام أخرى؟!
ياسر الزعاترة