الحرب البارده
مرسل: الاثنين إبريل 22, 2013 11:11 am
الأحد 1 ربيع الأول 1434هـ - 13 يناير 2013م
بديع يونس
بعدما كثر الكلام في الآونة الأخيرة عن حرب محتملة ضد إيران, لا بد من التنبه إلى عدة مؤشرات كانت تلوح في الأفق وقتها, تدحض نظرية المواجهة العسكرية لصالح حرب من نوع أخرى, ويكفي فقط العودة عقودا قليلة إلى الوراء وقراءة التاريخ الحديث... أي "فترة الحرب الباردة", لنرى أن المشهد يتكرر والمفارقة هي فقط في هوية أحد الأقطاب. إيران بديلة الاتحاد السوفياتي في الحرب الباردة الثانية, والولايات المتحدة تلعب بالاستراتيجية عينها.
تحاليل وتنبؤات وتهويلات تقول: "طبول الحرب تُقرع اليوم", لكن التالي يستبعد ذلك ويشير إلى أن دورة التاريخ تلتقي في النقطة عينها مع تعديل في صفوف اللاعبين.
في العلاقات الدولية هناك ما يُعرف بميزان القوى أو Balance of Powers. والحديث عن حرب والتسويق لها يُفسر في علم السياسة باستبعاد تام لمفهوم الحرب العسكرية ويصب في خانة الحرب الباردة للتهويل ليس إلا.
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي كتب صامويل هانتغتون مقالا حوله إلى كتاب لاحقا, بعنوان "صدام الحضارات", الذي لقي أصداء في الأوساط الدولية والدبلوماسية خصوصا بعد العام 2001 (هجمات أيلول) إذ كان لهانتغتون نظرة مستقبلية في هذا الصدد. جاء مقاله أولا ثم كتابه لاحقا, ردا على فرانسيس فوكوياما الذي اعتبر في العام 1989 أن النظام الليبيرالي الجديد هو "المستقبل" وقد زحف مسيطرا على العالم "أحاديا" ليرسم UNIPOLARITY في فترة ما بعد الاتحاد السوفياتي. لكن نظرية الأحادية لا يمكن أن تقوم إلا لفترة محددة قبل أن يعود السباق على السلطة إلى الملعب الدولي بما أن العالم السياسي والدبلوماسي يقوم دائما على صراع بين قطبين على الأقل, في المسعى "إلى السيطرة" - فيكون التجييش أيديولوجيا أحيانا, ودينيا أحيانا أخرى وحضاريا لاحقا... وبهذا دُحضت نظرية "نهاية التاريخ" ليتأكد أن الدول الكبرى في صراع دائم فيما بينها في مسعاها إلى "القوة".
هذه القراءة ليست من باب المزايدة في المعرفة أو استعراضا تاريخيا وعلميا, وإنما تقديم لما يشهده عالم اليوم . فالدب الروسي عاد لينام رغم شخيره بين تارة وأخرى حالِما باسترجاع مجد سابق خسره في العقد الأخير لمصلحة الولايات المتحدة, فيما الصين تتحضر من جهتها للتربّع في قطبٍ ـ سلاحه هذه المرة "اقتصادي" ـ على خلاف الحرب الباردة السابقة التي قامت على التسلح العسكري فيما عُرف بالسباق إلى التسلح وصولا إلى WAR of STARS التي كانت سببا رئيسا في إسقاط الاتحاد السوفياتي عبر تفتيت اقتصاده لأن تمويل تسلحه للبقاء في اللعبة أتى على حساب شعبه.
"سباق التسلح" ـ "الحرب الباردة" ـ "ميزان القوى" ـ "مفهوم القوة" وغيرها من التسميات الواردة في معجم اللغة الدبلوماسية, تعابير طبعت المرحلة السابقة واستعمالنا لها لم يكن عفويا وإنما يؤكد أنها تتلاءم مع المرحلة الحالية في المفهوم السياسي.
الصراع اليوم بين الولايات المتحدة وإيران, هو صراع أيديولوجي في الشكل, داخله اقتصادي, وقعره "بحث عن القوة" وتخوف من صعود طهران عسكريا في سباق التسلح، لأن ذلك يُخولها حجز موقعها في مفهوم "الأقطاب".
إلا أن نظرية الحرب لم تعد قائمة في عالم اليوم بعدما تبين أن خسائرها تفوق عائداتها وهو ما أبقى العالم بمنأى عن حرب عالمية ثالثة على المستوى العسكري لعشرات السنين فيما التهويل بها والتسويق لها كان يوميا في فترة الحرب الباردة الأولى. وها نحن اليوم نعيش حربا باردة ثانية بين الولايات المتحدة وإيران تحاول فيها واشنطن ـ تل أبيب إسقاط طهران بالطريقة نفسها التي أُسقط فيها الاتحاد السوفياتي خلال "لعبة" السباق الى التسلح, حين وصل السوفييت إلى تمويل مشروعهم على حساب شعبٍ جاع فانتفض ليُسقط نظامه.
واشنطن ـ2013ـ مع الرئيس الاميركي باراك اوباما في ولايته الثانية وإدارته يقرران الرد على المتسائلين والمحللين والسياسيين الذين اعتقدوا أن طبول الحرب قُرعت بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة وإيران من الجهة الثانية. بادرتان مهمتان في مفهوم علم السياسة تدحضان المخاوف من مواجهة عسكرية مع إيران لصالح خيار أكثر نفعا, ويؤتي بنتائج أكثر ضمانة: "الحرب الاقتصادية" التي متى ما انتهت تقضي على الطرف المهزوم لسنوات طوال.
البادرة الأولى, عبر اختيار تشاك هاغل لحقيبة الدفاع (جمهوري متمرد, الخيار العسكري لديه غير مطروح, وتعترض عليه إسرائيل) والثاني اقتصادي يتجلّى عبر إقرار رزمة عقوبات جديدة مشددة وموسعة تطال التجارة والصناعة, اهتمت صحيفة واشنطن بوست بالتسويق لأهميتها كاتبة (نقلا عن مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى وخبراء في الشأن الإيراني) أنه حتى لو تم رفع العقوبات في الوقت الراهن عن طهران فإن "إنقاذ الاقتصاد الإيراني أصبح أمرا صعبا وبات أقرب إلى الانهيار منه إلى الصمود بسبب آثار العقوبات المشددة المفروضة عليه أميركيا وأوروبيا".
إذا فإن واشنطن ـ 2013 ـ أتت بهاغل الذي يعارض المواجهة العسكرية, وشددت العقوبات مجددا على إيران لمواصلة تطويقها ودفعها نحو السقوط تماما كحال الاتحاد السوفياتي, فشعبها يجوع اليوم ولقمة عيشه تُستعمل وقودا لتشغيل المفاعلات.
على أي حال يبقى الانتظار, فيما المؤكد هو أن الحرب لا يُسوَّق لها إن كانت ستقوم فعلا, خصوصا أننا نعيش في عالم استبدل الحرب العسكرية بالحرب الاقتصادية لمردودها الأكبر على كل الأصعدة. أما المعارك التي تقوم هنا وهناك, إنما هي تُغذي نظرية الحرب الباردة ولا تدحضها.
بديع يونس
بعدما كثر الكلام في الآونة الأخيرة عن حرب محتملة ضد إيران, لا بد من التنبه إلى عدة مؤشرات كانت تلوح في الأفق وقتها, تدحض نظرية المواجهة العسكرية لصالح حرب من نوع أخرى, ويكفي فقط العودة عقودا قليلة إلى الوراء وقراءة التاريخ الحديث... أي "فترة الحرب الباردة", لنرى أن المشهد يتكرر والمفارقة هي فقط في هوية أحد الأقطاب. إيران بديلة الاتحاد السوفياتي في الحرب الباردة الثانية, والولايات المتحدة تلعب بالاستراتيجية عينها.
تحاليل وتنبؤات وتهويلات تقول: "طبول الحرب تُقرع اليوم", لكن التالي يستبعد ذلك ويشير إلى أن دورة التاريخ تلتقي في النقطة عينها مع تعديل في صفوف اللاعبين.
في العلاقات الدولية هناك ما يُعرف بميزان القوى أو Balance of Powers. والحديث عن حرب والتسويق لها يُفسر في علم السياسة باستبعاد تام لمفهوم الحرب العسكرية ويصب في خانة الحرب الباردة للتهويل ليس إلا.
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي كتب صامويل هانتغتون مقالا حوله إلى كتاب لاحقا, بعنوان "صدام الحضارات", الذي لقي أصداء في الأوساط الدولية والدبلوماسية خصوصا بعد العام 2001 (هجمات أيلول) إذ كان لهانتغتون نظرة مستقبلية في هذا الصدد. جاء مقاله أولا ثم كتابه لاحقا, ردا على فرانسيس فوكوياما الذي اعتبر في العام 1989 أن النظام الليبيرالي الجديد هو "المستقبل" وقد زحف مسيطرا على العالم "أحاديا" ليرسم UNIPOLARITY في فترة ما بعد الاتحاد السوفياتي. لكن نظرية الأحادية لا يمكن أن تقوم إلا لفترة محددة قبل أن يعود السباق على السلطة إلى الملعب الدولي بما أن العالم السياسي والدبلوماسي يقوم دائما على صراع بين قطبين على الأقل, في المسعى "إلى السيطرة" - فيكون التجييش أيديولوجيا أحيانا, ودينيا أحيانا أخرى وحضاريا لاحقا... وبهذا دُحضت نظرية "نهاية التاريخ" ليتأكد أن الدول الكبرى في صراع دائم فيما بينها في مسعاها إلى "القوة".
هذه القراءة ليست من باب المزايدة في المعرفة أو استعراضا تاريخيا وعلميا, وإنما تقديم لما يشهده عالم اليوم . فالدب الروسي عاد لينام رغم شخيره بين تارة وأخرى حالِما باسترجاع مجد سابق خسره في العقد الأخير لمصلحة الولايات المتحدة, فيما الصين تتحضر من جهتها للتربّع في قطبٍ ـ سلاحه هذه المرة "اقتصادي" ـ على خلاف الحرب الباردة السابقة التي قامت على التسلح العسكري فيما عُرف بالسباق إلى التسلح وصولا إلى WAR of STARS التي كانت سببا رئيسا في إسقاط الاتحاد السوفياتي عبر تفتيت اقتصاده لأن تمويل تسلحه للبقاء في اللعبة أتى على حساب شعبه.
"سباق التسلح" ـ "الحرب الباردة" ـ "ميزان القوى" ـ "مفهوم القوة" وغيرها من التسميات الواردة في معجم اللغة الدبلوماسية, تعابير طبعت المرحلة السابقة واستعمالنا لها لم يكن عفويا وإنما يؤكد أنها تتلاءم مع المرحلة الحالية في المفهوم السياسي.
الصراع اليوم بين الولايات المتحدة وإيران, هو صراع أيديولوجي في الشكل, داخله اقتصادي, وقعره "بحث عن القوة" وتخوف من صعود طهران عسكريا في سباق التسلح، لأن ذلك يُخولها حجز موقعها في مفهوم "الأقطاب".
إلا أن نظرية الحرب لم تعد قائمة في عالم اليوم بعدما تبين أن خسائرها تفوق عائداتها وهو ما أبقى العالم بمنأى عن حرب عالمية ثالثة على المستوى العسكري لعشرات السنين فيما التهويل بها والتسويق لها كان يوميا في فترة الحرب الباردة الأولى. وها نحن اليوم نعيش حربا باردة ثانية بين الولايات المتحدة وإيران تحاول فيها واشنطن ـ تل أبيب إسقاط طهران بالطريقة نفسها التي أُسقط فيها الاتحاد السوفياتي خلال "لعبة" السباق الى التسلح, حين وصل السوفييت إلى تمويل مشروعهم على حساب شعبٍ جاع فانتفض ليُسقط نظامه.
واشنطن ـ2013ـ مع الرئيس الاميركي باراك اوباما في ولايته الثانية وإدارته يقرران الرد على المتسائلين والمحللين والسياسيين الذين اعتقدوا أن طبول الحرب قُرعت بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة وإيران من الجهة الثانية. بادرتان مهمتان في مفهوم علم السياسة تدحضان المخاوف من مواجهة عسكرية مع إيران لصالح خيار أكثر نفعا, ويؤتي بنتائج أكثر ضمانة: "الحرب الاقتصادية" التي متى ما انتهت تقضي على الطرف المهزوم لسنوات طوال.
البادرة الأولى, عبر اختيار تشاك هاغل لحقيبة الدفاع (جمهوري متمرد, الخيار العسكري لديه غير مطروح, وتعترض عليه إسرائيل) والثاني اقتصادي يتجلّى عبر إقرار رزمة عقوبات جديدة مشددة وموسعة تطال التجارة والصناعة, اهتمت صحيفة واشنطن بوست بالتسويق لأهميتها كاتبة (نقلا عن مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى وخبراء في الشأن الإيراني) أنه حتى لو تم رفع العقوبات في الوقت الراهن عن طهران فإن "إنقاذ الاقتصاد الإيراني أصبح أمرا صعبا وبات أقرب إلى الانهيار منه إلى الصمود بسبب آثار العقوبات المشددة المفروضة عليه أميركيا وأوروبيا".
إذا فإن واشنطن ـ 2013 ـ أتت بهاغل الذي يعارض المواجهة العسكرية, وشددت العقوبات مجددا على إيران لمواصلة تطويقها ودفعها نحو السقوط تماما كحال الاتحاد السوفياتي, فشعبها يجوع اليوم ولقمة عيشه تُستعمل وقودا لتشغيل المفاعلات.
على أي حال يبقى الانتظار, فيما المؤكد هو أن الحرب لا يُسوَّق لها إن كانت ستقوم فعلا, خصوصا أننا نعيش في عالم استبدل الحرب العسكرية بالحرب الاقتصادية لمردودها الأكبر على كل الأصعدة. أما المعارك التي تقوم هنا وهناك, إنما هي تُغذي نظرية الحرب الباردة ولا تدحضها.