صفحة 1 من 1

العراق الجديد

مرسل: الاثنين إبريل 22, 2013 8:16 pm
بواسطة احمد بن نايف 5
ما من شك عندي أن نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي يتحمل مسؤولية الأزمة بشكل كبير في العراق، وهذا ليس افتراء على الرجل أو تجنيا عليه، بل قياسا على تصرفاته وعنجهيته المفرطة في إدارة الأمور، يبدو الرجل اليوم كديكتاتور في زمن لا مكان فيه لهذا الصنف من الزعامات، وفي بلاد لم ينهكها ويفككها ويقضي على ثرواتها سوى الأوهام التي سكنت في رؤوس زعمائها المستبدين، والمالكي يغامر في مسألتين خطيرتين وساذجتين في الوقت نفسه، فكرة السيطرة والهيمنة على كل شيء، وتوقيتها!
مع بداية الربيع العربي، اندَلعت المظاهرات في العراق، وكانت احتجاجات محدودة على سياسات حكومة المالكي، التي ترسخ الوضع الطائفي وتسعى لإحياء الحكم الديكتاتوري في العراق من جديد، وإن بصورة أخرى، ما لبثت هذه الاحتجاجات أن هدأت في خضم الأحداث الكبرى في العالم العربي، حتى عادت من جديد نهاية العام الماضي، شهدت محافظة الأنبار التي تشكل ثلث مساحة العراق، وغالبية سكانها من السنة، أكبر التظاهرات التي عرفتها العراق الحديث، ومباشرة خرج الآلاف من العراقيين في محافظات كركوك ونِينوى وصلاح الدين، ورفعوا مجتمعين مطالب عادلة أبرزها إطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات، وإيقاف تنفيذ أحكام الإعدام، وتعليق العمل بالمادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب، هذا القانون الذي استثمره المالكي ومن قبله في تصفية الخصوم بحجة محاربة الإرهاب، كما طالبوا بإيقاف العمل بقانون المساءلة والعدالة، وإصدار قانون للعفو العام، وإلغاء قيادات العمليات الأمنية في جميع مناطق العراق، وأخيرا التوصل إلى إجراء تعداد سكاني بإشراف دولي قبل إجراء الانتخابات العامة.
كانت هذه المطالب للعرب السنة العراقيين، لكنها ليست مطالب طائفية، يريد المواطن أن يشعر بالمساواة والعدالة في وطنه، ونلاحظ هنا أن التظاهرات والاحتجاجات ليست خارج العملية السياسية القائمة منذ الاحتلال، بل تحت سقفها وبشروطها المجحفة، إنها رغبة واضحة بتسوية الأمور في بلاد صاغها المحتل على مقاس مصالحه، حتى هيئة علماء المسلمين الرافضة جملة وتفصيلا لدولة بريمر وجدت نفسها غير بعيدة عن هذا الحراك، تكاد هذه اللحظة تكون لحظة تاريخية لترميم العراق الذي أنهكه الغزو الأميركي، يريد المواطنون السنة إعادة ترتيب الأمور على أساس التساوي، لكن نوري لا يعجبه الأمر، يفتح نار الاتهامات والتخوين والغباء الناتج عن شهوة السلطة وأوهام الهيمنة!
لدى النخبة السياسية الشيعية في العراق أوهام كثيرة وكبيرة، هناك من يشعر بضرورة عدم تفويت اللحظة التاريخية للطائفة، وأن بإمكانهم صناعة أوطان على مقاساتهم المذهبية، وأن ظلم الشيعة على مدى التاريخ ستعوضه دويلة العراق الجديدة التي جاء بها المستعمر، ويدعمها الجار الإيراني المذهبي حتى النخاع، هذا ليس خطأ قاتلا فقط، بل جريمة ترتكب بحق العراقيين والعرب جميعا سنة وشيعة، لا يمكن أن تقوم دولة حديثة على النقاء العرقي أو المذهبي، الدولة الدينية الطائفية لا وجود لها في بلاد مختلطة الأعراق والأديان والمذاهب، السلوك السياسي الشيعي ما بعد الثورة الإيرانية يؤجج المنطقة ويزرع الفتنة فيها، هناك ما يقودنا إلى حرب أهلية دامية في العراق وسوريا ولبنان وغيرها من البلدان، والأحزاب الدينية -على رأسها الشيعية- تسهم إسهاما كبيرا في هذا الأمر، بوعي منها ودون وعي أحيانا.
أكثر فكرة غبية مستفزة تقابلنا هذه الأيام، وهي تأتي مقابل النفوذ المتنامي لإيران والأحزاب الشيعية في المنطقة، أن السنة هم الأمة، ولن يستطيع الشيعة هزيمة الأمة بأي حال من الأحوال، وهذه الفكرة جاءت نتيجة إسهام متساوٍ بين المتنازعين تحت عباءة الهويات الضيقة، الأشخاص والتيارات الذين لا يمكنهم النظر بعيدا عن أقدامهم، من لا يدركون أن الأمة هي مجموع المواطنين المتساوين في البلد الذي ينتمون له، دون أن يكون لمذهبهم أو عرقهم أو مناطقهم تأثير في حصتهم من هذا الوطن، الأمة هي المشروع الذي يقوم على المنافسة الشريفة بين الجميع، ولا يمنح أحدا امتيازات أقل أو أكثر حسب انتمائه الصغير، الانتماء الذي يُسيَّس حسب ما تشتهي المصالح.
ما يجري في العراق محاولة لإعادة البوصلة في الاتجاهات الصحيحة، هذا ليس بلدا للشيعة، كما لم يكن يوما للسنة، مشكلته الأساسية في الاستبداد وحرمان المواطنين من حقوقهم، كل المواطنين بلا استثناء، ليست لحظة السنة كما يتوهم البعض، بل لحظة إعادة العراق وبنائه كما يجب، ونزع فتيل حرب أهلية لن تكون سهلة وهينة على أحد.

علي الظفيري