- الجمعة إبريل 10, 2009 4:38 pm
#15364
#0002ff((ما الذي نفعله هنا؟ هذا ممل جداً)). هذه العبارة همس بها مدير إحدى المؤسسات الأكاديمية الكبرى في أمريكا لأحد أعضاء الوفد المرافق له أثناء زيارته الرياض مؤخراً، ثم تلقى دعوة عشاء شبه إجبارية لزيارة أحد المراكز الحكومية ليجد نفسه مضطراً لسماع محاضرة طويلة لعدة أطراف كلها تشيد بدور المركز وإنجازاته، الأمر الذي لم يكن ضمن دائرة اهتماماته الأكاديمية التي جاء من أجلها. المركز الحكومي الذي يقوم بمهمة إصلاحية وتأهيلية عمل خلال أشهر طويلة على دعوة كل زائر غربي ذي منصب لزيارة المركز وسماع المحاضرة الطويلة التي يبدو من طريقة عرضها أن القائمين على المركز قد قاموا بإلقائها عشرات المرات من قبل. الهدف الإعلامي البحت من استغلال وجود الغربيين في السعودية هو تحويلهم إلى (شهود) يساعدون في مهمة تبرئة السعودية مما تتهم به في الخارج، وهو جهد ينصبّ في دائرة العلاقات العامة التي تهم كل منشأة، ولكن هل هكذا تدار العلاقات العامة؟
وأثناء زيارة الوفد الأمريكي للسعودية، تلقى دعوات متفرقة من هنا وهناك، موجهة من مؤسسات وأفراد. إلا أن قاسماً مشتركاً برز أكثر من مرة وراء هذه الدعوات. ليس الكرم وحسن الضيافة فحسب، بل محاولة مقصودة من الداعين لتحويل الوفد الغربي إلى شهود آيديولوجيين لعلهم إذا عادوا إلى ديارهم أن يتحولوا إلى أصوات مدافعة عن السعودية. وبالتالي كانت الدعوة لزيارة جامعة البنات لسيدات الوفد الأمريكي، ليست لدراسة سبل التعاون الأكاديمي بين الجامعتين، بل (فقط ليرين أن بناتنا لسن مضطهدات!). والدعوة لزيارة مؤسسة دينية حكومية، ليست للاطلاع على آليات العمل البيروقراطي فحسب، بل (ليروا بأم أعينهم كم نحن إنسانيون). والدعوة لزيارة عائلة سعودية صغيرة في بيتها، ليست من أجل التواصل الاجتماعي والثقافي والإنساني فقط، بل (ليروا أننا نعيش في رغد، وسعادة، وانفتاح..). دعوة لزيارة دار لتحفيظ القرآن، ليست من باب حوار الثقافات والأديان، بل (لعل الله يشرح قلوبهم للإسلام). دعوة للعشاء في مطعم فاخر يعقبها توزيع هدايا قيمة، ليست لتوثيق رابط المحبة الإنسانية المجردة من النيات المبيتة، بل (تأليفاً للقلوب الضالة، وطمعاً في هدايتها).
أتفق إذن مع ما ذكره الأمير سلطان بن سلمان، رئيس الهيئة العليا للسياحة، من أن السعودية ليست مستعدة بعد لاستقبال السائح الخارجي، ولكن لأسباب إضافية إلى تلك التي ذكرها الأمير، وهو أن بعضنا ما يزال غير قادر على التفريق بين السائح، ذي الكينونة الفردية المستقلة، وبين ما يحمّله إياه بلده الذي أتى منه من أوزار سياسية. وبالتالي فإن (بعضنا) لا يمكن له أن يستقبل سائحاً أمريكياً دون أن يزجّ به رغماً عنه في حوار سياسي، أو مناظرة دينية، أو تباه آيديولوجي، أو تفاخر قوميّ. المهم أن ينتزع منه في آخر زيارته للسعودية اعترافاً ببراءة السعودية، برمزيتها الدينية والثقافية، من كل ألحقته بها (بعض) الجهات الإعلامية الغربية من تهم، بغض النظر عما إذا كان هذا السائح يعنيه ذلك الأمر أو لا.
على الجهة المقابلة، أذكر تلك الرؤية الكلاسيكية التي عاد بها أحد الطلاب السعوديين من أمريكا بعد بعثة قصيرة عندما سئل: (كيف وجدت الأمريكان؟) فأجاب: عنصريون وحاقدون وخبثاء. (كيف ذلك؟). فأجاب: عنصريون لأنهم دائماً يطرحون عليّ أسئلة عن حقوق المرأة والحريات والتشدد الديني. وحاقدون لأنهم دائماً يطرحون أسئلة عن النفط وأسعاره في السعودية. وخبثاء لأنهم دائماً يحاولون تزيين القيم الأمريكية لي بشكل غير مباشر من خلال الرحلات والموضوعات التي نتناولها في معهد اللغة! هذا الطالب الذي سافر إلى أمريكا بعين السخط، تاركاً عين الرضا في الرياض، يمنح بإجاباته تلك كل السياح والزوار الأمريكيين للسعودية الحق في أن يتهموا السعوديين بالمثل، لأن الكثير من السعوديين (وليس كلهم) يستغل تواجد الأجانب في السعودية لأهداف يتمحور أغلبها حول ثلاثة: (1) تحميلهم بالذنب السياسي (2) تحويلهم إلى أبواق صوتية موالية (3) محاصرتهم بالفرص الدعوية!
في كل الأحوال فإن محاولات تسويق الثقافة للآخر لا يمكن أن تعود بنتائج جيدة إذا ما تمت بشكل مباشر وفجّ، هذا إذا ما اتفقنا على أن هناك داعياً أصلاً لتسويق الثقافات. إذا كان هناك في السعودية من يرى أننا بحاجة إلى برنامج علاقات عامة دولية مكثف فمن الأفضل أن يقتنع بأن لمثل هذه البرامج معايير حرفية، وأنها علمٌ قائم بذاته، ويتطلب دراسات أعمق وإنفاقاً أكبر من أجل تحقيق النتائج المرجوة. وأما الرأي الآخر الذي لا يرى حاجة لبرنامج علاقات عامة، فلعله يتفق معنا أن ممارسة التسويق غير المدروس لوطن أو ثقافة يسيء أكثر مما يحسن، ويضرّ أكثر مما ينفع. ويتحول في آخر المطاف إلى مرافعة عالية الصوت هي آخر ما يريد السائح الغربي أن يسمعه في إجازته!
1
وأثناء زيارة الوفد الأمريكي للسعودية، تلقى دعوات متفرقة من هنا وهناك، موجهة من مؤسسات وأفراد. إلا أن قاسماً مشتركاً برز أكثر من مرة وراء هذه الدعوات. ليس الكرم وحسن الضيافة فحسب، بل محاولة مقصودة من الداعين لتحويل الوفد الغربي إلى شهود آيديولوجيين لعلهم إذا عادوا إلى ديارهم أن يتحولوا إلى أصوات مدافعة عن السعودية. وبالتالي كانت الدعوة لزيارة جامعة البنات لسيدات الوفد الأمريكي، ليست لدراسة سبل التعاون الأكاديمي بين الجامعتين، بل (فقط ليرين أن بناتنا لسن مضطهدات!). والدعوة لزيارة مؤسسة دينية حكومية، ليست للاطلاع على آليات العمل البيروقراطي فحسب، بل (ليروا بأم أعينهم كم نحن إنسانيون). والدعوة لزيارة عائلة سعودية صغيرة في بيتها، ليست من أجل التواصل الاجتماعي والثقافي والإنساني فقط، بل (ليروا أننا نعيش في رغد، وسعادة، وانفتاح..). دعوة لزيارة دار لتحفيظ القرآن، ليست من باب حوار الثقافات والأديان، بل (لعل الله يشرح قلوبهم للإسلام). دعوة للعشاء في مطعم فاخر يعقبها توزيع هدايا قيمة، ليست لتوثيق رابط المحبة الإنسانية المجردة من النيات المبيتة، بل (تأليفاً للقلوب الضالة، وطمعاً في هدايتها).
أتفق إذن مع ما ذكره الأمير سلطان بن سلمان، رئيس الهيئة العليا للسياحة، من أن السعودية ليست مستعدة بعد لاستقبال السائح الخارجي، ولكن لأسباب إضافية إلى تلك التي ذكرها الأمير، وهو أن بعضنا ما يزال غير قادر على التفريق بين السائح، ذي الكينونة الفردية المستقلة، وبين ما يحمّله إياه بلده الذي أتى منه من أوزار سياسية. وبالتالي فإن (بعضنا) لا يمكن له أن يستقبل سائحاً أمريكياً دون أن يزجّ به رغماً عنه في حوار سياسي، أو مناظرة دينية، أو تباه آيديولوجي، أو تفاخر قوميّ. المهم أن ينتزع منه في آخر زيارته للسعودية اعترافاً ببراءة السعودية، برمزيتها الدينية والثقافية، من كل ألحقته بها (بعض) الجهات الإعلامية الغربية من تهم، بغض النظر عما إذا كان هذا السائح يعنيه ذلك الأمر أو لا.
على الجهة المقابلة، أذكر تلك الرؤية الكلاسيكية التي عاد بها أحد الطلاب السعوديين من أمريكا بعد بعثة قصيرة عندما سئل: (كيف وجدت الأمريكان؟) فأجاب: عنصريون وحاقدون وخبثاء. (كيف ذلك؟). فأجاب: عنصريون لأنهم دائماً يطرحون عليّ أسئلة عن حقوق المرأة والحريات والتشدد الديني. وحاقدون لأنهم دائماً يطرحون أسئلة عن النفط وأسعاره في السعودية. وخبثاء لأنهم دائماً يحاولون تزيين القيم الأمريكية لي بشكل غير مباشر من خلال الرحلات والموضوعات التي نتناولها في معهد اللغة! هذا الطالب الذي سافر إلى أمريكا بعين السخط، تاركاً عين الرضا في الرياض، يمنح بإجاباته تلك كل السياح والزوار الأمريكيين للسعودية الحق في أن يتهموا السعوديين بالمثل، لأن الكثير من السعوديين (وليس كلهم) يستغل تواجد الأجانب في السعودية لأهداف يتمحور أغلبها حول ثلاثة: (1) تحميلهم بالذنب السياسي (2) تحويلهم إلى أبواق صوتية موالية (3) محاصرتهم بالفرص الدعوية!
في كل الأحوال فإن محاولات تسويق الثقافة للآخر لا يمكن أن تعود بنتائج جيدة إذا ما تمت بشكل مباشر وفجّ، هذا إذا ما اتفقنا على أن هناك داعياً أصلاً لتسويق الثقافات. إذا كان هناك في السعودية من يرى أننا بحاجة إلى برنامج علاقات عامة دولية مكثف فمن الأفضل أن يقتنع بأن لمثل هذه البرامج معايير حرفية، وأنها علمٌ قائم بذاته، ويتطلب دراسات أعمق وإنفاقاً أكبر من أجل تحقيق النتائج المرجوة. وأما الرأي الآخر الذي لا يرى حاجة لبرنامج علاقات عامة، فلعله يتفق معنا أن ممارسة التسويق غير المدروس لوطن أو ثقافة يسيء أكثر مما يحسن، ويضرّ أكثر مما ينفع. ويتحول في آخر المطاف إلى مرافعة عالية الصوت هي آخر ما يريد السائح الغربي أن يسمعه في إجازته!
1