حقوق الانسان
مرسل: الجمعة إبريل 26, 2013 1:02 am
في مواجهة تاريخ طويل من الممارســات القمعية والاستبدادية في العالم العربي، رفع عدد كبير من الفقــهاء والباحــثين شــعار «المستبد العادل». ولعل أقصى ما كان يطمح إليــه الإنسان العربي آنذاك أن يتمتع بالأمن والاستــقرار في ظل حــاكم مستبد يتصدى لجشع الأقوياء، ويشــعر الجــميع بواجب الطــاعة إليه خوفا من عقابه.
استمر موروث «المستبد العادل» طويلا في الفـكر العربي الحديث، وما زال حاضرا بقوة في دراسات تصف بنية النظــام الســياسي العربي بأنها تسلطية وتجدد نفسها بأشكال مختلفة على امتــداد الوطن العربي. فــباتت الأنظــمة السياســية العربية متشــابهة إلى حد بعيــد، رغم توصيــفها بين نـــظم ملــكية أو جمهــورية. وذلــك يطرح تساؤلات منهجية حول مستـقبل هذا النـظام في عصر العولمة منها:
1ـ أن البنى الاقتصادية والاجتمـاعية القــبلية والــطائفية ساهمت في توليد النظم السياسية التســلطية العربية. مما يعطي أهمية استثنائية لمقــولات ابن خلدون عن العصــبية، والــبداوة، وأطوار الدولة، والعمران الحضري، وتحول العصبية القبلية المتحالفة مع العصبية الدينية إلى ملك. وبرز تشابه لدرجة التطابق في البنى السياسية العربيــة التي تولدت عنها أنظمة تسلطية تمارس الحكم على طريقة زعيم القبلية المســتبد لا الــعادل. وما زالت الشعوب العربية تعيش حالة مزرية من الفقر، والأمية، والبطالة كما دلت جميع تقارير التنمية العربية الصادرة عن الأمم المتـحدة خلال السنوات الماضية.
2ـ ليس من شك بأن شرعية الدولة العربيــة ليــست نتاج علاقة سليمة مع مواطنيها، لأنهم لا يعاملون كمواطــنين بل كرعايا لدولة تسلطية تجيد كل أشكال القمع، ولا تقدم الحد الأدنى من العدالة والمساواة والرعاية الاجتماعية. وبرزت فــوارق هائلة بين القوى التسلطية والجماهير الشعبية التي تشكو غياب الخدمــات على أنواعهــا، وفرص الــعمل، وتدني الدخل الفردي ومستوى التعليم وغيرها. بالمقابل، تكدست ثروات طائلة من الأمــوال النفــطية وغيرها، لكنها لم توظف في عملية التــنمية البشرية والاقتــصادية المستدامة داخــل الوطن العربي بل نُقلت إلى الخارج، واستــخدم قسم كبير منها في البورصة، وشراء الأسلحة التي لم تســتخدم في المعـارك القومــية، وفي شراء الســلع الاستهلاكية الغالية الثمن والقصور الفاخرة. فانتــهى مفـعول الطفرة النفــطية الأولى والثــانية إلى هــدر للإمكانات الاقتصادية المتوافرة في بلاد العـرب دون تطــوير ملحوظ للبنى الاقتصادية والاجتــماعية. وارتفع حجم الأموال العــربية الهالكة بعد انفجــار الأزمة الرأسمالية العالمية الحالية إلى أكثر من ثــلاثة آلاف ملـيار دولار كان بإمكانها إحــداث قفـزة نوعيـة في الوطن العربي.
3ـ فصيغة المستبد لا العــادل هي التي سادت في الوطن العربي. وقد بدأت فردية عــبر زعماء الأسر الحاكمة وشيوخ القــبائل، ثم تطــورت إلى حكم عسكري عبر الانــقلابات المتلاحـقة في أكثر من بلد عربي. ورفعت في البداية راية الإصلاح السياسي والاقتصادي والتحديث الاجتماعي، لكنها سرعان ما تحولت إلى معوق أساسي للحداثة السليمة، والديموقراطية، وبناء الحــكم الصالح. واتجه بعضها إلى بنـاء الحــزب الواحــد، وأوكـــل إدارة الــحكم إلى أجــهزة الاستخــبارات التي باتــت الحاكم الــفعلي في الوطــن العــربــي. وقطــعت الطريق أمــام أي تغــيير ديــموقراطــي، وأقــامت شــبكة من العلاقات الممــتازة في ما بيــنها، وحدّثت أجهزة القمع حتى باتت أفضل مما هي عليه في الدولــة المتطورة.
4ـ أصبح شعار «تحــديث النظام التسلطي»، الهاجس الرئيسي لكل مـن تسلــم السلــطة في أي بلد عربي. فالنــظام لا يحــمي نفــسه عبر ضمان الحقــوق الفـردية والجــماعية، ونشر العدالة والمســاواة، وروح المواطــنة، والتنمية المستدامة بل بالقمــع وحــده. فالحاكم العــربي القــوي هو الذي يضمن لنــفسه الاستــمرارية في الســلطة أطول فــترة ممكنة، ويمارس كل أشكال التسلط لضمان الاستقرار الداخلــي، وتأمــين الوراثة من الآباء إلى الأحــفاد. ويُغيّب الفرد المســتقل أو المواطن الحــر بــصورة شــبه تامــة بحيث بات عاجـزا عن القــيام بأي دور فاعــل في عمـلية التــغيير الســياسي والاجتماعي. وما زال النظام التســلطي العربي يخوض معركة مفتوحة ضد ثقافــة التغــيير والمثقــفين المتــنورين، وإجبــارهم عــلى السكوت تحت طائلة السجن، والتهــجير، ومصـادرة أعــمالهم الإبداعية. فيما فتحت أبواب الوظائف العــليا وجمــع الثروة أمام أعداد كبيرة من المثقفين الذين ساندوا السلطة، وتســلموا وزارات الدولة، وباتوا أعضاء في مجالسها البرلمانـــية بعدما أعلــنوا ولاءهم التام للنظام التسلطي، وكالوا المديــح لقادة مـستبدين دون أن يكـونوا عادلين.
5ـ نـــجح النظــام التسلــطي في السيــطرة عــلى مؤسسات المجتمع الأهلي ومؤسـسات المجتــمع المدني، عبر مختــلف وسائل الترغيب والترهيب، وإلحاقها قسريا بأجـهزة الدولة التســلطية. كما نجح أحيانا في تهدئة العصبيات القبــلية والطائفية الموروثة إبان مرحلة الاستقرار، ثم استفاد من تناقضاتها الكثيرة في زمن الأزمات الحادة.
فلم يسع الزعيم التسلطي أبدا إلى ضرب العصبيات التقليدية السابقة على ولادة الدولة العربية الحديثة، واعتبرها، إلى جانب الأجهزة الأمنية، خط الدفاع الثاني عنه.
ويواجه الآن معركة مصـيرية في زمــن العــولمة والتــكتلات السياسية والاقتصادية الكبيرة التي تسعى إلى نشــر ديموقراطية تتلاءم مع طبيعة النظام العالمي الجديد. ومع إســقاط النــظام العراقي، والبدء بمحاكمة نظام البشير في السودان أمام محكمة دولية، شعرت بعض الأنظمة العربية بمصير مشابه، وكأن هــناك مخططا لتفكيك المنطقة العربية بهدف إدماجها قسريا بمشروع الشرق الأوسط الجديد.
نخلص إلى القول إن النظام التسلطي، فردا كان أم حزبا، أو جماعة انقلابية، ساهم في تغييب المواطن العربي الحر الذي يشكل القاعدة الأساسية للتغير العقلاني الشامل.
فيــما المرحلــة الراهنة تضــج باحــتمالات كثــيرة للتغــيير الجــذري علــى غــرار ما يجــري في دول أميــركا اللاتيــنية. ونــجاح عملــية التغــيير رهن بــضمان الحــريات العــامة والخاصة، وبناء الديموقراطية، وتشجــيع المجتمــع المدني، ونشر العلوم العصرية والتكنولوجيا المتطورة، والانفتاح على جميع الثقافات، والعمل على كسر التبعية مع الغرب وإقامة التوازن بين الأصالة والمعاصرة.
لذلك تخشى الدولة التسلطية العربية من مسار الديموقراطية الحقيقية وتستعيض عنها بديمــوقراطــية شكلية هدفها إحكام سيطرة الدولة على المجتمع بطرق مرنة من خلال جذب الأفراد، والجماعات، والنقــابات، والأحــزاب الســياسية، والمهن الحرة وإلحاقهــا بالدولة. وقد نجــحت في تــحديث أجــهزة الدولة التسلطــية بوضـوح في الـدول التي تــسيطر عــلى الاقتــصاد الريعي، وتتحكم بمــراكز الإنتاج الأساسية وطرق توزيعه على المناصرين لها وحــرمان المعارضــة منــها. ولم تنجح تلك السياسة إلى حد ما في الدول التي يتمــتع فــيها القـطاع الخاص بنــوع من الحــرية التنافســية الـتي تجــعله عصيا على الخضوع، ولديه شبكات أمان مع الخارج.
ختاما، لقد تمثلت الدولة التسلطية العربية جيدا تاريخها المستند إلى مقولة «المســتبد العــادل». فحذف قادتها سمة العدالة وأبقــوا على سمة الاستبداد الضامن لمصالحهم. وأدخلوا على أجــهزة القــمع عليه كل أشكال التحديث والعصرنة. فنجــحت في تحاشي المزيد من الانقلابات العسكرية التي ضربت العالم العربي عقوداً طويلة في النصف الثاني من القرن العشرين. وراقبت عن كثب جميع التيارات القومية والأممية والإسلامية. وتنبهت إلى مخاطر العصبيات الطائفيــة والمذهبــية والقــبلية وشجــعت على الصــراع في ما بينها. واستخــدمت موارد الدولة والقطاع العــام لجــذب نسبة كــبيرة من المثقفين الذين تهــافتـوا لاستلام مراكز عليا في الدولة، فاستُبــدلوا بسرعة قياســية بعد إشعارهم بالعجز عن تغيير بنى الدولــة التســلطية التي ازدادت منعة في العقود الثــلاثة الأخــيرة ولم تــشهد أي تبديل جذري مــهم في أي مــن الدول الــعربية. وأنتجت الدولة التسلطية صيــغة ثابتة من الاستــقرار المحــروس بقــوى عــسكرية لم تعد تخــطط لأي صراع مع إسرائيل أو مع أي من الدول الإقليمــية. ويتــضامن قادة العـــرب في الأزمــات الحادة، على غرار تضامنهم الحالي مع الرئيس السوداني. فهم يخــافون أن تبــدأ مســيرة العدالة الحقــيقية التي طالما حلم بها الفقــهاء والمثقــفون العرب، لكن الثمرة المرة ما زالت تتــجدد عبر قائد مــستبد، ودولة تسلطية.
استمر موروث «المستبد العادل» طويلا في الفـكر العربي الحديث، وما زال حاضرا بقوة في دراسات تصف بنية النظــام الســياسي العربي بأنها تسلطية وتجدد نفسها بأشكال مختلفة على امتــداد الوطن العربي. فــباتت الأنظــمة السياســية العربية متشــابهة إلى حد بعيــد، رغم توصيــفها بين نـــظم ملــكية أو جمهــورية. وذلــك يطرح تساؤلات منهجية حول مستـقبل هذا النـظام في عصر العولمة منها:
1ـ أن البنى الاقتصادية والاجتمـاعية القــبلية والــطائفية ساهمت في توليد النظم السياسية التســلطية العربية. مما يعطي أهمية استثنائية لمقــولات ابن خلدون عن العصــبية، والــبداوة، وأطوار الدولة، والعمران الحضري، وتحول العصبية القبلية المتحالفة مع العصبية الدينية إلى ملك. وبرز تشابه لدرجة التطابق في البنى السياسية العربيــة التي تولدت عنها أنظمة تسلطية تمارس الحكم على طريقة زعيم القبلية المســتبد لا الــعادل. وما زالت الشعوب العربية تعيش حالة مزرية من الفقر، والأمية، والبطالة كما دلت جميع تقارير التنمية العربية الصادرة عن الأمم المتـحدة خلال السنوات الماضية.
2ـ ليس من شك بأن شرعية الدولة العربيــة ليــست نتاج علاقة سليمة مع مواطنيها، لأنهم لا يعاملون كمواطــنين بل كرعايا لدولة تسلطية تجيد كل أشكال القمع، ولا تقدم الحد الأدنى من العدالة والمساواة والرعاية الاجتماعية. وبرزت فــوارق هائلة بين القوى التسلطية والجماهير الشعبية التي تشكو غياب الخدمــات على أنواعهــا، وفرص الــعمل، وتدني الدخل الفردي ومستوى التعليم وغيرها. بالمقابل، تكدست ثروات طائلة من الأمــوال النفــطية وغيرها، لكنها لم توظف في عملية التــنمية البشرية والاقتــصادية المستدامة داخــل الوطن العربي بل نُقلت إلى الخارج، واستــخدم قسم كبير منها في البورصة، وشراء الأسلحة التي لم تســتخدم في المعـارك القومــية، وفي شراء الســلع الاستهلاكية الغالية الثمن والقصور الفاخرة. فانتــهى مفـعول الطفرة النفــطية الأولى والثــانية إلى هــدر للإمكانات الاقتصادية المتوافرة في بلاد العـرب دون تطــوير ملحوظ للبنى الاقتصادية والاجتــماعية. وارتفع حجم الأموال العــربية الهالكة بعد انفجــار الأزمة الرأسمالية العالمية الحالية إلى أكثر من ثــلاثة آلاف ملـيار دولار كان بإمكانها إحــداث قفـزة نوعيـة في الوطن العربي.
3ـ فصيغة المستبد لا العــادل هي التي سادت في الوطن العربي. وقد بدأت فردية عــبر زعماء الأسر الحاكمة وشيوخ القــبائل، ثم تطــورت إلى حكم عسكري عبر الانــقلابات المتلاحـقة في أكثر من بلد عربي. ورفعت في البداية راية الإصلاح السياسي والاقتصادي والتحديث الاجتماعي، لكنها سرعان ما تحولت إلى معوق أساسي للحداثة السليمة، والديموقراطية، وبناء الحــكم الصالح. واتجه بعضها إلى بنـاء الحــزب الواحــد، وأوكـــل إدارة الــحكم إلى أجــهزة الاستخــبارات التي باتــت الحاكم الــفعلي في الوطــن العــربــي. وقطــعت الطريق أمــام أي تغــيير ديــموقراطــي، وأقــامت شــبكة من العلاقات الممــتازة في ما بيــنها، وحدّثت أجهزة القمع حتى باتت أفضل مما هي عليه في الدولــة المتطورة.
4ـ أصبح شعار «تحــديث النظام التسلطي»، الهاجس الرئيسي لكل مـن تسلــم السلــطة في أي بلد عربي. فالنــظام لا يحــمي نفــسه عبر ضمان الحقــوق الفـردية والجــماعية، ونشر العدالة والمســاواة، وروح المواطــنة، والتنمية المستدامة بل بالقمــع وحــده. فالحاكم العــربي القــوي هو الذي يضمن لنــفسه الاستــمرارية في الســلطة أطول فــترة ممكنة، ويمارس كل أشكال التسلط لضمان الاستقرار الداخلــي، وتأمــين الوراثة من الآباء إلى الأحــفاد. ويُغيّب الفرد المســتقل أو المواطن الحــر بــصورة شــبه تامــة بحيث بات عاجـزا عن القــيام بأي دور فاعــل في عمـلية التــغيير الســياسي والاجتماعي. وما زال النظام التســلطي العربي يخوض معركة مفتوحة ضد ثقافــة التغــيير والمثقــفين المتــنورين، وإجبــارهم عــلى السكوت تحت طائلة السجن، والتهــجير، ومصـادرة أعــمالهم الإبداعية. فيما فتحت أبواب الوظائف العــليا وجمــع الثروة أمام أعداد كبيرة من المثقفين الذين ساندوا السلطة، وتســلموا وزارات الدولة، وباتوا أعضاء في مجالسها البرلمانـــية بعدما أعلــنوا ولاءهم التام للنظام التسلطي، وكالوا المديــح لقادة مـستبدين دون أن يكـونوا عادلين.
5ـ نـــجح النظــام التسلــطي في السيــطرة عــلى مؤسسات المجتمع الأهلي ومؤسـسات المجتــمع المدني، عبر مختــلف وسائل الترغيب والترهيب، وإلحاقها قسريا بأجـهزة الدولة التســلطية. كما نجح أحيانا في تهدئة العصبيات القبــلية والطائفية الموروثة إبان مرحلة الاستقرار، ثم استفاد من تناقضاتها الكثيرة في زمن الأزمات الحادة.
فلم يسع الزعيم التسلطي أبدا إلى ضرب العصبيات التقليدية السابقة على ولادة الدولة العربية الحديثة، واعتبرها، إلى جانب الأجهزة الأمنية، خط الدفاع الثاني عنه.
ويواجه الآن معركة مصـيرية في زمــن العــولمة والتــكتلات السياسية والاقتصادية الكبيرة التي تسعى إلى نشــر ديموقراطية تتلاءم مع طبيعة النظام العالمي الجديد. ومع إســقاط النــظام العراقي، والبدء بمحاكمة نظام البشير في السودان أمام محكمة دولية، شعرت بعض الأنظمة العربية بمصير مشابه، وكأن هــناك مخططا لتفكيك المنطقة العربية بهدف إدماجها قسريا بمشروع الشرق الأوسط الجديد.
نخلص إلى القول إن النظام التسلطي، فردا كان أم حزبا، أو جماعة انقلابية، ساهم في تغييب المواطن العربي الحر الذي يشكل القاعدة الأساسية للتغير العقلاني الشامل.
فيــما المرحلــة الراهنة تضــج باحــتمالات كثــيرة للتغــيير الجــذري علــى غــرار ما يجــري في دول أميــركا اللاتيــنية. ونــجاح عملــية التغــيير رهن بــضمان الحــريات العــامة والخاصة، وبناء الديموقراطية، وتشجــيع المجتمــع المدني، ونشر العلوم العصرية والتكنولوجيا المتطورة، والانفتاح على جميع الثقافات، والعمل على كسر التبعية مع الغرب وإقامة التوازن بين الأصالة والمعاصرة.
لذلك تخشى الدولة التسلطية العربية من مسار الديموقراطية الحقيقية وتستعيض عنها بديمــوقراطــية شكلية هدفها إحكام سيطرة الدولة على المجتمع بطرق مرنة من خلال جذب الأفراد، والجماعات، والنقــابات، والأحــزاب الســياسية، والمهن الحرة وإلحاقهــا بالدولة. وقد نجــحت في تــحديث أجــهزة الدولة التسلطــية بوضـوح في الـدول التي تــسيطر عــلى الاقتــصاد الريعي، وتتحكم بمــراكز الإنتاج الأساسية وطرق توزيعه على المناصرين لها وحــرمان المعارضــة منــها. ولم تنجح تلك السياسة إلى حد ما في الدول التي يتمــتع فــيها القـطاع الخاص بنــوع من الحــرية التنافســية الـتي تجــعله عصيا على الخضوع، ولديه شبكات أمان مع الخارج.
ختاما، لقد تمثلت الدولة التسلطية العربية جيدا تاريخها المستند إلى مقولة «المســتبد العــادل». فحذف قادتها سمة العدالة وأبقــوا على سمة الاستبداد الضامن لمصالحهم. وأدخلوا على أجــهزة القــمع عليه كل أشكال التحديث والعصرنة. فنجــحت في تحاشي المزيد من الانقلابات العسكرية التي ضربت العالم العربي عقوداً طويلة في النصف الثاني من القرن العشرين. وراقبت عن كثب جميع التيارات القومية والأممية والإسلامية. وتنبهت إلى مخاطر العصبيات الطائفيــة والمذهبــية والقــبلية وشجــعت على الصــراع في ما بينها. واستخــدمت موارد الدولة والقطاع العــام لجــذب نسبة كــبيرة من المثقفين الذين تهــافتـوا لاستلام مراكز عليا في الدولة، فاستُبــدلوا بسرعة قياســية بعد إشعارهم بالعجز عن تغيير بنى الدولــة التســلطية التي ازدادت منعة في العقود الثــلاثة الأخــيرة ولم تــشهد أي تبديل جذري مــهم في أي مــن الدول الــعربية. وأنتجت الدولة التسلطية صيــغة ثابتة من الاستــقرار المحــروس بقــوى عــسكرية لم تعد تخــطط لأي صراع مع إسرائيل أو مع أي من الدول الإقليمــية. ويتــضامن قادة العـــرب في الأزمــات الحادة، على غرار تضامنهم الحالي مع الرئيس السوداني. فهم يخــافون أن تبــدأ مســيرة العدالة الحقــيقية التي طالما حلم بها الفقــهاء والمثقــفون العرب، لكن الثمرة المرة ما زالت تتــجدد عبر قائد مــستبد، ودولة تسلطية.