صفحة 1 من 1

الحكومة تحت الضغط

مرسل: الجمعة إبريل 26, 2013 4:16 am
بواسطة عبدالله عبدالسلام 0
الحكومة تحت الضغط
بول سالم مقال تحليلي 23 آذار/مارس 2013
ملخّص
احتمال انزلاق لبنان في منحدرٍ خطيرٍ قائم وحقيقي، ولذلك يجب أن تُشكَّل حكومة جديدة، ويُعيَّن قائد لقوى الأمن الداخلي، وتُجرى انتخابات برلمانية.
مواضيع ذات صلة
• المشرق العربي
• السياسات العربية
• العلاقات الإقليمية
موارد إعلامية وأدوات ذات الصلة
• English
• إطبع هذه الصفحة
• أضف تعليق





جاءت استقالة رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، حصيلة الضغط المطّرد بين المعسكر الداعم للأسد وبين المعسكر المناهض له في كلٍّ من لبنان والمنطقة. وتمهّد هذه الاستقالة، على الأقل، لمرحلة تتّسم بمزيد من التدهور والضعف في مؤسسات الدولة السياسية والأمنية. وفي أسوأ الحالات، قد تنذر بتمدّدٍ خطيرٍ للنزاع السوري إلى لبنان، وبمواجهةٍ بين مختلف الأطراف اللبنانية، كما تُهدِّد النظام الدستوري الأساسي في البلاد.
لذلك، يتعيّن على قادة لبنان وأصدقائه في الخارج أن يدركوا عمق الخطر القائم، ويعملوا على إيجاد السبيل المؤدّي إلى تشكيل حكومة جديدة، وتعيين رئيس جديد وفعّال لقوى الأمن الداخلي، وإجراء انتخابات برلمانية جديدة.


بول سالم
مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط وباحث رئيسي
المزيد من إصدارات الباحث
• العراق بعد عشر سنوات على الغزو الأميركي
• عودة المشرق العربي إلى نقطة البداية
• السياسة الخارجية القطرية: الديناميات المتغيرة لدور استثنائي
كان السبب المباشر الذي دفع رئيس الوزراء إلى الاستقالة هو رفضُ تحالف 8 آذار الداعم للأسد، والذي يملك الأغلبية في الحكومة، التمديدَ لمدير عام قوى الأمن الداخلي، اللواء أشرف ريفي، وأيضاً رفضه القبول بتعيين أعضاء اللجنة المشرفة على الانتخابات. ففي حين يتمتّع حزب الله وتحالف 8 آذار بنفوذٍ واسعٍ في الجيش، وخصوصاً استخبارات الجيش، تبقى قوى الأمن الداخلي خارج نطاق نفوذهما ومقرّبةً من تحالف 14 آذار المناهض للأسد.

جدير ذكره أن قائد فرع المعلومات في الأمن الداخلي، اللواء وسام الحسن، كان اغتيل في تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وآنذاك، وجّه قادة 14 آذار أصابع الاتهام في اغتياله إلى نظام الأسد وحلفائه. كان حلفاء اللواء ريفي ينظرون إليه على أنه الرجل الوحيد الذي لايزال يقف في وجه محاولات 8 آذار عرقلة عمل مؤسسة الأمن الداخلي أو السيطرة عليها. هذا علماً أن كلاً من الحسن وريفي هما من الطائفة السنّية ومن منطقة شمال لبنان التي يتحدّر منها ميقاتي، وولاية ريفي تنتهي في الأول من نيسان/أبريل.

أما الخلاف على لجنة الانتخابات، فيرتبط بالأولوية الملحّة لإجراء الانتخابات البرلمانية، إذ أن ولاية البرلمان الحالي تنتهي بعد بضعة أشهر. وفي غياب قانون انتخابي جديد للبلاد، أصرّ كلٌّ من ميقاتي والرئيس ميشال سليمان على احترام المهل الدستورية وإجراء الانتخابات في موعدها في حزيران/يونيو. وكان القانون الحالي، الذي يُعرَف بقانون الستّين، أُقِرّ في العام 2008 بشرط أن يُعتمَد "لمرة واحدة فقط" لإجراء انتخابات 2009 البرلمانية، وشرعيّته هي موضع نقاش لهذا السبب.

إجراء الانتخابات بموجب هذا القانون كان لينتج برلماناً شبيهاً بالبرلمان الحالي، حيث تحالف 8 آذار لايمتلك الأغلبية، وحيث الزعيم الوسطي وليد جنبلاط يبقي على توازن القوى بكتلته الصغيرة المؤلّفة من 7 نوابّ من أصل 128. وكان تعيين أعضاء لجنة الانتخابات ليكون خطوةً أخيرةً في استكمال التحضيرات القانونية اللازمة لإجراء الانتخابات في حزيران/يونيو.

لكن عرقلة هذه التعيينات واستقالة رئيس الحكومة يعنيان أن الانتخابات لن تُجرى في حزيران/يونيو. ونتيجة لذلك، لايجد لبنان نفسه في المستقبل القريب من دون حكومة قوية وقائد للأمن الداخلي وحسب، بل أيضاً من دون برلمان شرعي قريباً.

والواقع أن تحالف 14 آذار رحّب باستقالة ميقاتي التي ما انفكّ يدعو إليها منذ شكّل هذا الأخير الحكومة قبل سنتين تقريباً. وكان ميقاتي وافق على تشكيل حكومة يسيطر عليها حزب الله في بداية العام 2011 على الرغم من اعتراضات 14 آذار. وقد حصل ذلك بعد أن أسقط حزب الله وحلفاؤه الحكومة السابقة برئاسة زعيم 14 آذار، سعد الحريري.

تُعَدّ استقالة ميقاتي والحكومة التي يسيطر عليها تحالف 8 آذار الداعم للأسد، نكسةً جزئية لهذا الأخير. لكن يبدو أن التحالف كان مهتماً في عرقلة ولاية ريفي وانتخابات حزيران/يونيو أكثر مما كان حريصاً على الإبقاء على الحكومة.

يفرض الدستور على رئيس الجمهورية الآن أن يجري استشارات مع أعضاء البرلمان لتسمية رئيس حكومة جديد، وعندئذ يتعيّن على الرئيس المُسمّى تشكيل حكومة تحظى بموافقة الرئيس ويمكن أن تنال الأغلبية في البرلمان. وستتولّى أي حكومة جديدة مباشرةً تسمية مدير جديد للأمن الداخلي وتنظيم الانتخابات البرلمانية المتأخّرة.

بيد أنه في غياب اتفاق على قانون انتخابي جديد، ونظراً إلى الانقاسامات العميقة في البلاد، ولاسيما بين الطرفين السنّي والشيعي، يصعب تصوّرُ أن يقبل أيُّ سياسي سنّي موثوق هذه المهمة أو ينجح فيها. ولذلك يُرجَّح أن يبقى لبنان أشهراً عدة بحكومة تصريف أعمال.

لكن ثمة عناصر إيجابية هنا في اللوحة، تفتح استقالة ميقاتي المجال أمام استئناف جلسات الحوار الوطني. فالرئيس سليمان كان دعا إلى إعادة عقد هذه الجلسات منذ أشهر عدة، إلا أن تحالف 14 آذار وضع استقالة ميقاتي شرطاً مسبقاً للعودة إلى طاولة الحوار. أما إذا استُئنِفَت الجلسات، فقد تشكّل أرضيةً لتهدئة التوترات، وللاتفاق على قانون انتخاب، وتشكيل حكومة، والخروج من المأزق الحالي.

غير أن الأطراف السياسية الفاعلة الرئيسة في لبنان لاتزال في حالة مواجهة. فتيار المستقبل السنّي يعتقد أن الموجة في سورية تنقلب لمصلحته، ويفضّل الانتظار ليصبح أكثر قوةً، عوض أن يسعى الآن وراء اتفاق مع حزب الله وحلفائه. أما حزب الله، فيخشى أن تمتدّ إلى لبنان الحربُ ضد نظام الأسد، التي تدعمها دول الخليج وتركيا والغرب. وهو بالتالي يحرص على عدم إظهار أي ضعف، وعلى سدّ الثغرات السياسية والأمنية التي من شأنها أن تشكّل خطراً عليه في المستقبل القريب.

لاشك أن الاستقرار الهشّ والحياد الرسمي إزاء النزاع السوري اللذين سادا في عهد ميقاتي قد يشارفان على النهاية. يرغب حزب الله في تشكيل حكومة تكون داعمة للأسد بشكل أوضح، وفي السيطرة على قوى الأمن الداخلي، وبسط سيطرة شاملة أكثر على قيادة الجيش. لكن ذلك لايبدو ممكناً نظراً إلى موقف رئيس الجمهورية الصارم ضدّ قيام حكومة منحازة جداً، وإلى إصرار جنبلاط على حلّ شامل ووسطي.

ومع ذلك، قد تأخذ المجموعات السنّية والشيعية المسلّحة زمام الأمور بيدها إذا لم يجرِ التوصّل إلى اتفاق وطني، ولم يتمَّ إحياء المؤسسات السياسية والأمنية. والواقع أن حزب الله يمتلك جهازاً عسكرياً قوياً، وفي ظلّ المناخ الحالي، من المرجّح أن تتكاثر المجموعات السنّية المتطرّفة وتكتسب زخماً، وتزداد تسلّحاً ويصبح صوتها مسموعاً أكثر فأكثر. وقد تكون الصدامات بين المجموعات السنّية والعلوية في طرابلس أولى المواجهات التي ستتصاعد، كما قد تسوء التوترات المتصاعدة في بيروت وصيدا.

لكن الاستراتيجية الأساسية التي يتّبعها تيار المستقبل هي انتظار نتيجة المعركة في سورية ثم إعادة تقييم الوضع، بدلاً من السعي إلى المواجهة الآن. ويبقى من المستحيل معرفة ما إذا كان ذلك سيكون كافياً للحؤول دون قيام مواجهة بين الطائفتين السنّية والشيعية، أو ما إذا كانت العناصر المتطرّفة في المعسكرين ستسرّع نشوب قتال.

إذا ولج لبنان مرحلةً يفتقر فيها إلى حكومة مُمَكَّنة وقوى أمن داخلي وبرلمان شرعي، فقد يشهد حقبةً من التراجع المؤسسي الشديد، شبيهةً بتلك التي تَلَت العام 1976 وبداية الحرب الأهلية. فعند تلك النقطة، تطلّبت العودة إلى وضع سياسي وأمني طبيعي إعادةَ تفاوض أساسي حول الميثاق الوطني، لم تُحقَّق إلا في اتفاق الطائف في العام 1989.

والواقع أن حزب الله لم يُخفِ ازدراءه للدولة غير الفعّالة التي نتجت عن ترتيبات اتفاق الطائف. كما أن بعض المعلّقين الشيعة يلفتون إلى الأهمية المحدودة للمناصب الشيعية في السلطة التشريعية. وقد اقترح حسن نصرالله، في أحد خطاباته الأخيرة، تشكيل جمعية تأسيسية لإعادة البحث في دستور جديد للبلاد. إذا ما أدّى النظام الدستوري إلى إضعاف لبنان أكثر، فقد تستحيل العودة إلى الوراء: قد يُحَلّ اتفاق الطائف ويصبح من الأصعب إعادة التفاوض حول اتفاقات معقّدة لتقاسم السلطة بين مختلف الطوائف. هذا وقد يعمد حزب الله إلى توطيد هيمنة طائفته في النظام السياسي على غرار ماحصل في العراق، إذا شعر أنه يُحشَر أكثر في الزاوية إقليمياً.

إن خطر الانحدار الكبير سياسياً وأمنياً حقيقيٌّ، ولذا يجب أن يدرك قادة لبنان والداعمون الدوليون لكلا تحالفَيه الرئيسَين – أي إيران وروسيا من جهة، والسعودية وقطر وتركيا وأوروبا والولايات المتحدة من جهة أخرى – أنهم إذ يشنّون حرباً بالوكالة في سورية، يُحتمَل أن يخرج جارُها لبنان عن السيطرة. على الأطراف جميعاً أن تتحرّك بسرعة للتوصّل إلى اتفاق حول قانون للانتخابات البرلمانية، وتحثّ على تشكيل حكومة جديدة تقوم على تقاسم السلطة وتُعيِّن مديراً لقوى الأمن الداخلي، وتُجري انتخابات برلمانية جديدة. عندئذ فقط يكون من المستطاع إنقاذ استقرار لبنان الهشّ، ومنحه فرصةً لتفادي الحرب الأهلية التي تستعر في سورية المجاورة.