منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#60950
عشرة أعوام على سقوط العراق... الصفيونية تنتصر


عشرة اعوام عجاف دموية سوداء مرت منذ ان تكفلت الولايات المتحدة عسكريا ومعنويا بمهمة اسقاط النظام الشمولي الاستبدادي السابق في العراق والذي هو نفسه ماجاء للسلطة في عام 1979 الا عبر مخطط دولي مشبوه كانت لحمته وسداه تكسيح العراق وتوريطه في اتون مغامرات عسكرية وسياسية وامنية كبرى حققت نتائجها لاعداء العراق والامة العربية, نتائج انتصار تاريخية لم يحلموا ابدا بامكانية تحقيقها على ارض الواقع بهذه السرعة الخيالية التي حولت العراق و العالم العربي لساحة خراب واسعة النطاق ولساحة قتل و مطاردة لجميع حثالات التاريخ والسياسة. في التاسع من ابريل عام 2003 لم تسقط بغداد كأول عاصمة عربية بعد بيروت طبعا عام 1982 تحت جنازير الدبابات الاميركية التي استباحتها بعد موجات هائلة من القصف الستراتيجي والتهشيم التدريجي استمر طيلة 12 عاما منذ حرب عاصفة الصحراء وتحرير الكويت في 17 يناير عام 1991, فالنظام العراقي السابق كان متهاويا مكسورا منخورا بالهزيمة المرة, وترك الدود ينخر في جثته لعقد ونيف من السنين بعد ان منع العراقيون من تحمل (شرف) اسقاطه بأيديهم وبقدراتهم الذاتية, وتم افشال اكثر من محاولة انقلاب عسكرية كان يمكن لها ان تطيح بالطاغية الذي كان, وتؤسس لعراق جديد يمشي على مهل و بتؤدة وتدريجيا نحو حالة طبيعية من الاستقرار في ظل وجود المؤسستين الامنية و العسكرية وبعيدا عن بشاعات التقسيمات الطائفية العفنة او العرقية المريضة, نعم لقد افشلت الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة اهم محاولة انقلابية عام 1994 التي لو نجحت لجنبت العراق والمنطقة وحتى العالم خسائر وتداعيات لم يكن لها اي داع او مبرر, ولكنه المخطط الاميركي الصهيوني القديم والذي تسلل الينا للاسف على شكل وعود وعهود مخملية منافقة اندفعنا جميعا للاسف نحو تصديق مضامينها اللفظية ونحن في غمرة الشوق لعالم وواقع جديد ومختلف, يبدو انه من صنع احلامنا الجميلة التي تحولت لكوابيس فقط. لقد كان يوم سقوط بغداد المنصور سقوطا كاملا لكل نظريات الدجل والخديعة, وبداية حقيقية لتنفيذ ابشع مخطط تقسيمي وتدميري اعتمد في آلياته ومراحله على حماقات وجرائم النظام الفاشي الصدامي السابق الذي تم النفخ فيه دوليا حتى طغى وتجبر وتجاوز حدود اوهام القوة ليتصور نفسه بانه عصي على الاقتلاع والفناء, بعد ان انعزل عن الجماهير وسقط في الفخ المنصوب و تحول لبيدق رخيص وساذج في لعبة الامم. في عام 1980 انطلق نظام صدام حسين بشعاراته القومية وباعلان عمله القومي الذي اعلنه في الثامن من فبراير من ذلك العام في حملة علاقات وتسويق قومية عامة هي الاعنف والاشد تركيزا و شحنا اعلاميا منذ نظام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر, كانت المادة الاولى من ذلك الاعلان تدعو لتحريم اللجوء للعمل العسكري في حل الخلافات بين الدول العربية, وكانت تلك الديباجة بمثابة المقدمة لاشعال نيران الحرب مع ايران والتي بحماقة وسذاجة نظامها الثوري الجديد وفي ضوء الصراع على السلطة هناك كانت قد وفرت الاسس والاسباب لاندلاع تلكم الحرب (الفخ) التي كانت حربا خاطئة في زمن خاطىء ضد عدو خاطىء, كان صدام حسين يسعى لغسل عار اتفاق الجزائر عام 1975 و الذي تنازل فيه العراق ولاول مرة في تاريخه الحديث عن سيادته على (شط العرب) متذرعا بحكاية الدعم الايراني للاحزاب الطائفية المتخلفة العميلة كحزب الدعوة العميل او منظمة العمل الشيرازية العميلة او مجاميع العملاء الاخرين الذين لايقلون فاشية واجراما عن نظام صدام حسين الدموي. لقد وجه صدام ضربته الاولى نحو حزبه شخصيا الذي (طهره) من كل القيادات التي توسم منها شرا على مخططاته الخاصة,وصفى العناصر البعثية التي كانت تحمل روحا استقلالية ونزعة وطنية, فكانت حملات الاعدام ضد الرفاق والتي شملت حتى المعتقلين انفراديا منذ سنوات مثل القيادي البعثي الراحل عبد الخالق السامرائي !, وكانت مجزرة شنيعة حفرت اخاديد عميقة في الجرح العراقي النازف و اسست لديكتاتورية فردية واستبداد اسود كان مدعوما وقتذاك من الشرق والغرب وحتى من غالبية دول المنطقة, حتى ان الصحافي المصري الشهير واحد منظري الاستبداد القومي المعاصر محمد حسنين هيكل وصف صدام حسين بقوله انه (قيادة شابة من نوع جديد), وعلى العكس من جمال عبد الناصر الذي تحالف الغرب على اسقاطه واضعافه برز صدام حسين مدججا بالسلاح والخبرات والتغطية الاعلامية والسياسية من الشرق والغرب بوقت واحد, فالسلاح (السوفياتي) كان يجري بين يديه كالماء السلسبيل, وطائرات حلف الناتو الفرنسية (سوبر ايتندارد وصواريخ اكزوسيت) طوع بنانه!, واقمار اميركا الصناعية كانت تزوده بالصور الاستخبارية بكل ممنونية!! بل ان الطيران الحربي العراقي ضرب الفرقاطة الاميركية (المارشال ستارك) في عمق الخليج العربي قاتلا اكثر من 37 من عناصر المارينز عام 1987 ولم تحرك اميركا ساكنا او تحتج وتهدد بالرد, بل تقبلت وبفرح وسرور اعتذار طارق عزيز الدبلوماسي عبر قولته الشهيرة (لقد كان الامر مجرد خطأ, (it was just mistake)
لقد كانت واحدة من اكبر عمليات النصب والاحتيال الدولية والتي بلغت الذروة مع لجوء صدام لاستعمال السلاح الكيماوي في حلبجة في ربيع 1988 ضد الفقراء الاكراد في مدينة حلبجة, فاغلق الغرب الصهيوني المنافق عيونه عن الحقائق, وصمت صمت الحملان ولم يقم بادانة النظام العراقي ولو بكلمات بسيطة ومرت الجريمة وكأن شيئا لم يكن وبراءة الاطفال في عيون سادة البيت الابيض وجنرالات البنتاغون الذين كانوا يضعون اللمسات الاخيرة على مرحلة النظام الدولي الجديد الذي سيطبق بعد شهور من ذلك الحادث الاجرامي البشع, انها لعبة الامم التي لا تعرف الرحمة, اما العالم العربي بانظمته المهترئة فقد كان نائما في العسل يشيد ببطولات الرفيق صدام الكارتونية فيما ينافق الاعلام العربي لتجميل القبائح وصنع الطغاة واغماض العيون وصم الاذان, حتى بلغت الفاشية في العراق قمة غرورها وصدقت حكاية عضلاتها المنفوخة بالوهم, وتصورت ان بامكانها تغيير الخرائط ورسم الشرق الاوسط الجديد فحصل ماحصل من غزو للكويت ومن الاحداث التي تبعته والتي ظلت تستنزف المنطقة حتى اليوم, لقد كانت مرحلة عبثية اختلطت فيها الرؤى, وساد التهريج, و انعدمت فيها الضمائر, وتسيدت الفوضى الموقف, لقد تم تحرير الكويت عام 1991 وازالة اثار العدوان الهمجي الذي لم يستمر سوى سبعة شهور طاحنة وباثمان باهظة دون ان يتم التخلص الفوري من النظام الذي مارس الفوضى واسدى خدمات لاتقدر للصهيونية العالمية التي تعملقت بعد مؤتمر مدريد عام 1991 ثم اضحت واقعا ملموسا بعد اتفاق اوسلو الشهير عام 1993 والذي حول القضية الفلسطينية لدكان بقالة!!, وانهى رسميا وفعليا حالة الصراع لصالح الصهاينة, فيما كان صدام المهزوم ما زال يصرخ حول امهات المعارك والحواسم والانتصارات الهوائية!, لقد كان المسرح الدولي بصدد الاعداد الميداني لمذبحة عراقية جديدة تحت يافطة الدفاع عن الحريات وبناء الديمقراطية في الشرق الاوسط, فتم انتشال المعارضة العراقية وخصوصا الطائفية من خيبتها الثقيلة وهي التي تخلت عنها ايران ذاتها بعد شرب حكامها لكاس سم الهزيمة عام 1988, وقام الغرب المنافق بتجميع تلكم الاحزاب المفلسة من جديد بعناصرها المتساقطة و المنهكة, وتم الصرف على مؤتمرات وادوات نشطت اعلاميا وهي تحمل شعارات الديمقراطية الذهبية التي لا يعرفها ابدا اهل تلكم الاحزاب الشمولية فكرا وسلوكا والمتخلفة ايديولوجيا وثقافيا, وهي نفسها الاحزاب التي قادت الارهاب الدولي في الشرق الاوسط في ثمانينات القرن الماضي بنفس قياداتها المترهلة والتي نبذها حتى الايرانيون!!, لقد رفض الاميركان رفضا مطلقا اتاحة المجال للتيارات الحرة وللعناصر الليبرالية والخبيرة ان تكون في قيادة المشروع التغييري تحقيقا لهدف (الفوضى الخلاقة) التي لم تنتج سوى الدماء والدموع والالام, وهنا تداخل المشروع الصفوي مع المشروع الصهيوني لينتج حالة هلامية وغريبة تكررت عبر التاريخ وحيث تلاقحت ارادة الاشرار لتنال من وحدة وسيادة وحرية العراق, فالولايات المتحدة ارادت للعراق ان يكون منطقة قتل وجذب لخصومها المتشددين الذين هم في البداية صناعة اميركية منذ ايام افغانستان, فبدلا من ان يكون القتال في شوارع نيويورك او لوس انجلس او تكساس, كانت الحرب في شوارع بغداد و الموصل والفلوجة والبصرة, وكانت الفرصة التاريخية للنظام الايراني الذي حاول طويلا ومن دون جدوى تحقيق شعاراته التاريخية القديمة (بفتح كربلاء)! وفشلوا في ذلك فشلا ذريعا!, فقدم لهم الاميركان الفرصة وحققوا امنيتهم القديمة و تقدموا نحو كربلاء والنجف وعموم العراق عبر وكلائهم وادواتهم ثم دخلوا بانفسهم وبقوات حرسهم الارهابي وبجيوشهم من دعاة الصفوية السياسية و المذهبية ليستبيحوا العراق و يحولوه لمحمية طائفية مريضة و متخلفة وحيث تجمد البناء والتحديث والعصرنة وانطلقت اشباح التاريخ من معاقلها السراديبية, فتصوروا وضعية بلد يقضي نصف ايام العمل السنوية في العطل الدينية والمذهبية وحفلات اللطم والزار والندب وشق الجيوب ? وتصوروا اوضاع بلد تمزقت الروابط الوطنية وحتى الاسرية فيه لصالح الانحيازات الطائفية المريضة!?, بلد باتت الجموع فيه لاهم لها سوى مضغ احداث العصر الاموي!! والنوم في سراديب العصر العباسي!! والامل الموعود في عودة (غودو), لقد حقق الصهاينة و الصفويون اهدافهم المتوحشة واحقادهم التاريخية, وتكفل الاميركان بتنفيذ اجندتهم الشيطانية في تقسيم العراق عبر حماية الصفويين والارهابيين فيه الذين اخذوا على عاتقهم تنفيذ المهمة باتقان وحرفنة... مبروك لايران الصفوية.. ومبروك لاسرائيل الصهيونية... لقد خططتم وصبرتم و نلتم مبتاغكم بدماء اهل المارينز... وهارد لك لاحرار العراق الذين يكافحون من اجل افشال مخططات التقسيم والتشرذم في ظل اوضاع غير مريحة بالمرة... نعم لقد انتصر الصفيونيون.. ولكنه انتصار موقت بكل تاكيد, فالحرب لم تنته بعد... انه فصل ستتبعه فصول.
* كاتب عراقي