الشعر و السياسة
مرسل: السبت إبريل 27, 2013 5:37 am
يعود تعدد أوجه التخصص في الشعر لاختلاف ميل وتوجهات الشعراء أنفسهم، فهناك من يختص نتاجه الشعري بالعاطفة أو الهجاء والذم، أو المديح أو السياسة والمجتمع.....ويفرض الاتجاهان الأخريان موقفاً على الشاعر مع أو ضد الحاكم وغالباً ما يكون شاعر السلطة منبوذ اجتماعياً وانتهازي يسخر موهبته للدفاع عن الطغاة لقاء الكسب المالي وعلى حساب المجتمع.في حين أن الشاعر المناهض للحاكم بالضرورة تكون توجهاته متوافقة وتوجهات ومطالب المجتمع، وبالتالي فإنه يسخر إبداعه لخدمة الإنسان وينال لقاء ذلك السجن والتعذيب والإساءة وبالمقابل يحظى باحترام وتقدير أبناء شعبه.إن طريق الرذيلة متاح أمام النفس الدنيئة الساعية أبداً وراء تحقيق مصالحها الخاصة وطريق الفضيلة لاتسلكه سوى النفس السوية المتعاطفة أبداً مع محيطها الاجتماعي، وهي مؤمنة بعدالة قضيتها وتوجهاتها بالرغم من أنها لاتحصد سوى العذابات لقاء مواقفها.لاتقاس موهبة الشاعر فقط بآليات وتقنيات الشعر، وإنما بتوظيفها في خدمة الإنسان. وحين يكون هذا التوظيف ذاتياً ومتعارضاً مع الإنسان فإنه يلحق الأذى والضرر بالمجتمع، ويتوجب أن يجابه صاحبه بالاحتقار والنبذ الاجتماعي كونه خالف مهامه الأساس باعتباره مثقفاً يعكس مطالب المجتمع لا الطغاة الذين يحتكمون إلى العنف والاستبداد.إن فعل القصيدة الشعرية في التحريض الاجتماعي ضد الحاكم، يفوق عشرات المرات فعل البيانات والمذكرات الحزبية ضد الحاكم. لذا تسعى معظم الكيانات الحزبية لاستمالة الشعراء وتجيير خطابهم السياسي لصالح مواقفها الحزبية، فهي تعي مدى التأثير العاطفي والوجداني الذي يتركه الشعر السياسي على الأفراد في المجتمعات المقهورة. يعبر ((معروف الرصافي)) عن موقفه السياسي ضد الحكومة قائلاً:"لـم تسـتفد إلا سـقوط وزارة.............وتأليف أخرى مثل تلك بلا فرقألم يبصروا للعدل غير طريقهم..............فإن طريـق العدل أوضح الطرقماذا عسى يجدي سـقوط وزارة............إذا لم تقم أخرى على العدل والصدقولكـن وراء السـتر كف خفية...........تزحزح من شاءت عن الأمر أو تبقي".تعرض العديد من شعراء الكلمة الصادقة للسجن والتنكيل على مدى العصور نتيجة مواقفهم وتوجهاتهم المساندة لشعوبهم وبالمقابل فإنهم نالوا من التقدير والاحترام والمكانة الاجتماعية ما لم يناله شعراء السلطة بالرغم من النعيم والمال والمكانة والحظوة عند الحاكم. ولاتغفل المجتمعات الحرة على مدى تاريخها مكانة وحظوة الشاعر المساندة لحقوقها وغالباً ما تستشهد بأشعاره ومكانته في منعطافاتها التاريخية، فتأثير شعره يمتد عبر الأجيال ويطال كافة حكام الاستبداد والقهر لأنه ينهل من توجهاته ومطالب المجتمع مفرداته وحسه الإنساني.والإرث الثقافي ركيزة الشعوب نحو المستقبل، وهو الهوية الشخصية المعبرة عن الذات والانتماء عبر الأجيال وبالتالي فإنه سجل تاريخي لايغفل مزايا وسيئات مجريات الأحداث عبر العصور.إن الأحكام والتقييمات الاجتماعية لشاعر السلطة وشاعر المجتمع لايغفلها سجل التاريخ، وإنما يخضعها للمزيد من المراجعة والتقييم لإدانة شاعر السلطة ونتاجه الشعري في كل محطة من محطات المستقبل. وإن تجسيد حس ومعاناة المجتمع في الخطاب الشعري، يعني بكل المقاييس صياغة خطاب سياسي مناهض للسلطة ومعبراً عن مصالح ومطالب المجتمع.لـ ((معروف الرصافي)) خطابه السياسي ضد السلطة حيث يقول:"من أين يرجى للعراق تقدم..............وسبيل ممتلكيه غير سبيله؟لاخير في وطن يكون السيف...........عند جبانه والمال عند بخيلهوالرأي عنـد طريده، والعلم...........عند غريبه، والحلم عند دخيلهوقـد اسـتبد قليله بكثيـره............ظلمـاً وذل كثـيره لقليـله".لايفقد الخطاب السياسي المتبني للمطالب الاجتماعية في القصيدة الشعرية بريقه وحجته ومدلوله باختلاف الأنظمة والحكام والأزمنة لأنه خطاب ضمير ينهل مفرداته وصياغته من منظومة قيم الخير والشر الناظمة لشبكة العلاقات بين البشر.أعلىإضافة ردمشاركة واحده • صفحة 1 من 1