مأزق الأيديولوجيا في الفكر السياسي العربي الحديث
مرسل: السبت إبريل 27, 2013 6:38 pm
لقد نشأ الفكر العربي الحديث عموماً في قلب الدولة العثمانية في أواخر عهدها بحثاً عن آفاق جديدة تعيد للدولة شبابها و للمجتمع حيويته و فاعليته، و في هذه الأجواء تبلورت أنوية التيارات الفكرية الأساسية، القومية منها و العلمانية اليسارية و كذلك الإسلامية، لكن هذه التيارات التي استمرّت في التصارع على مدار قرن مَضى لم تلاحظ أنّ الدولة التي كان يُراد إصلاحها قد ذهبت، و أنّ واقع ما بعد التحرر من الاستعمار المباشر لا يرتقي إلى مستوى الدولة بالمعنى الحقيقي للكلمة، لكن هذه التيارات الفكرية بقيت مشدودة إلى صراعها الأيديولوجي و أهملت قضية الدولة، أو لِنَقُل أهملت أولوية الدولة باعتبارها معبّراً عن إرادة الأمة، فبعد أن فشلَ القوميون في بناء دولتهم القومية، وفشلَ الماركسيون في بناء دولة العمّال و الفلاّحين و فشلَ الإسلاميون في بناء الخلافة الإسلامية، يبدو و كأن الجميع استكان و رضي بفكرة الدولة القطرية واقعا لا يمكن تجاوزه.
إنّ الرّؤى الأيديولوجية هي التي كرّست مجموعة من الإشكاليات المستعصية و الأغاليط المنهجية التي تمثلت في مجموعة من الثنائيات الزائفة في الوعي العربي المعاصر ، كثنائية العروبة و الإسلام، و الرجعية و التقدّمية ، و النهضة و الانحطاط ، و المجتمع الديني و المجتمع المدني، و ما ينبثق عن هذه الثّنائيات المزيّفة من قضايا و تفرّعات أكثر زيفاً و بعداً عن الواقع. إنّ الأداء الجماهيري للناس في معظم الساحات العربية كان قادراً على تجاوز محدّدات الأيديولوجيا العربية ، فالناس عبّروا عن أنفسهم كمسلمين بعيداً عن تناقضات الإسلاميين، كانوا مسلمين و لم يكونوا سلفيين أو إخوانا مسلمين أو غير ذلك، و كانوا عروبيين من دون أيديولوجيا قومية ، وكانوا مدنيين من دون أن يكونوا ليبراليين و علمانيين ، و الأهم من كلّ ذلك أنهم كانوا كلّ هذا و في الوقت نفسه.
إنّ الشروع اليوم في بناء مشروع عربي يتطلّب قبل كلّ شيء تحوّلاً في تفكير النّخب العربية المعنية بصناعة التغيير و تصوراتها و رؤاها، وعنوان هذا التحوّل الأساسي هو الخروج من إطار المشاريع الأيديولوجية إلى المشاريع الجيوسياسية.
إنّ " الجيوسياسية" أو "الجيوبوليتيكا" مفهوم واسع و له مقدّماته النظرية و مَقولاته المختلفة التي لا تعنينا كثيراً الآن، إنّ ما يعنينا في هذا المنظور هو قضيّتان تمثّلان برأينا أساسا للمنهجية الجديدة في التفكير السياسي التي ندعو إليها ، أوّلاً : في التفكير الجيوبوليتيكي يتم الكفّ عن محاولات تغيير بنية المجتمع و هويّته الحضارية و دراسة هذه البنية و الهويّة كمعطى تاريخي حضاري منجز و غير قابل للتحويل في المدى السياسي المنظور.
ثانياً: في نمط التفكير الجيوبوليتيكي تتقدم قضية الدولة بحدّ ذاتها لتحتلّ الأولوية على حساب قضية نظام الحكم. فنظام الحكم و كلّ المحدّدات الاجتماعية و الاقتصادية هي رهن التفاعل الاجتماعي في مناخ من الحرية داخل إطار الدولة.
و إنّ قضية الدولة هي في صلب الرؤية الجيوسياسية ، لكن قبل ذلك ماذا نقصد بالمشاريع الإيديولوجية ليتضح لنا المقصود بالمشاريع الجيوسياسية؟
لقد عاشت المنطقة العربية على مدار القرن العشرين تجاربَ عديدة و متنوّعة تصارعت وتجاذبت السياسة و الاجتماع و العمل الثوري و الانقلابات، و هذه التيارات في العموم لم تخرج عن إطار المشاريع الثلاثة المعروفة : المشروع الإسلامي الحركي ، و المشروع القومي العربي و المشروع العلماني بتحوّلاته اليسارية و الليبرالية و تقاطعاته مع المشاريع الأخرى.
بالنسبة إلى التيارات القومية و العلمانية على اختلاف مشاربها فقد كانت مشاريع إيديولوجية بامتياز، لأنها في جوهرها كانت مشاريع شمولية تستهدف إجراء تحوّلات حضارية، أي تغيرات تلامس الرؤية الوجودية و رؤية الشعوب العربية للعالم و المجتمع والاقتصاد و السياسة على المستوى القيمي ، لذلك فقد فكانت في مجملها مشاريع انقلابية شمولية تهدف إلى بناء مجتمع و نموذج حضاري جديديْن على أساس الانقطاع عن سياق الأمّة التاريخي و الحضاري ، و هذا ما لم يتحقّق لأنّ الخروج عن هذا السياق يبدو في الواقع و كأنه خروج على الأمة. فعلى القوى القومية اليوم أن تبتعد عن الإرث السلبي للموروث الأيديولوجي القومي ،و أن تؤسِّس لوعي قومي قابل للتناغم مع هويّة الأمة الحضارية و قادر على بلورة مشروع سياسي يحقّق تطلعات الأمة.
إنّ بناء مشروع جيوسياسي عربي يتطلب قبل كلّ شيء الكفّ عن محاولات تغيير بنية المجتمع و هويته الحضارية و دراسة هذه البنية و الهوية كمعطى تاريخي حضاري منجز غير قابل للتحويل أو التبديل في المدى السياسي المنظور، و بالتالي بدء دراسة جدية لمكونات هذه الهوية كمعطى ثابت و الاستفادة إلى أكبر قدر ممكن ممّا تتيحه هذه المكوّنات في بناء رؤية واقعية معاصرة للحياة العربية.
إنّ ذلك يتطلب دراسة و تحديد مكوّنات المشروع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية في تناغمها و تعاضدها مع مكوّنات الهويّة أوّلا و معطيات الجغرافيا ثانياً وضرورات المرحلة التاريخية ثالثاً من أجل مزجها معاً لتقديم مشروع سياسي عربي يخرج بالأمة نحو مستقبلها المنشود.إن العنوان المركزي و الرئيس لهذا المشروع هو الدولة، و نعني هنا بالدولة "الدولة القادرة" على تحقيق مصالح المجموعة البشرية المنضوية في إطارها، و هذا هو شرطها الأوّل و الأساس، ثم يأتي لاحقاً شكل المجتمع و الدولة و مواصفاتهما و نموذجهما ليكون رهن الحراك السياسي و الاجتماعي الحرّ في إطار الدولة القادرة ، و هذا هو شرطها الثاني.
إنّ الرّؤى الأيديولوجية هي التي كرّست مجموعة من الإشكاليات المستعصية و الأغاليط المنهجية التي تمثلت في مجموعة من الثنائيات الزائفة في الوعي العربي المعاصر ، كثنائية العروبة و الإسلام، و الرجعية و التقدّمية ، و النهضة و الانحطاط ، و المجتمع الديني و المجتمع المدني، و ما ينبثق عن هذه الثّنائيات المزيّفة من قضايا و تفرّعات أكثر زيفاً و بعداً عن الواقع. إنّ الأداء الجماهيري للناس في معظم الساحات العربية كان قادراً على تجاوز محدّدات الأيديولوجيا العربية ، فالناس عبّروا عن أنفسهم كمسلمين بعيداً عن تناقضات الإسلاميين، كانوا مسلمين و لم يكونوا سلفيين أو إخوانا مسلمين أو غير ذلك، و كانوا عروبيين من دون أيديولوجيا قومية ، وكانوا مدنيين من دون أن يكونوا ليبراليين و علمانيين ، و الأهم من كلّ ذلك أنهم كانوا كلّ هذا و في الوقت نفسه.
إنّ الشروع اليوم في بناء مشروع عربي يتطلّب قبل كلّ شيء تحوّلاً في تفكير النّخب العربية المعنية بصناعة التغيير و تصوراتها و رؤاها، وعنوان هذا التحوّل الأساسي هو الخروج من إطار المشاريع الأيديولوجية إلى المشاريع الجيوسياسية.
إنّ " الجيوسياسية" أو "الجيوبوليتيكا" مفهوم واسع و له مقدّماته النظرية و مَقولاته المختلفة التي لا تعنينا كثيراً الآن، إنّ ما يعنينا في هذا المنظور هو قضيّتان تمثّلان برأينا أساسا للمنهجية الجديدة في التفكير السياسي التي ندعو إليها ، أوّلاً : في التفكير الجيوبوليتيكي يتم الكفّ عن محاولات تغيير بنية المجتمع و هويّته الحضارية و دراسة هذه البنية و الهويّة كمعطى تاريخي حضاري منجز و غير قابل للتحويل في المدى السياسي المنظور.
ثانياً: في نمط التفكير الجيوبوليتيكي تتقدم قضية الدولة بحدّ ذاتها لتحتلّ الأولوية على حساب قضية نظام الحكم. فنظام الحكم و كلّ المحدّدات الاجتماعية و الاقتصادية هي رهن التفاعل الاجتماعي في مناخ من الحرية داخل إطار الدولة.
و إنّ قضية الدولة هي في صلب الرؤية الجيوسياسية ، لكن قبل ذلك ماذا نقصد بالمشاريع الإيديولوجية ليتضح لنا المقصود بالمشاريع الجيوسياسية؟
لقد عاشت المنطقة العربية على مدار القرن العشرين تجاربَ عديدة و متنوّعة تصارعت وتجاذبت السياسة و الاجتماع و العمل الثوري و الانقلابات، و هذه التيارات في العموم لم تخرج عن إطار المشاريع الثلاثة المعروفة : المشروع الإسلامي الحركي ، و المشروع القومي العربي و المشروع العلماني بتحوّلاته اليسارية و الليبرالية و تقاطعاته مع المشاريع الأخرى.
بالنسبة إلى التيارات القومية و العلمانية على اختلاف مشاربها فقد كانت مشاريع إيديولوجية بامتياز، لأنها في جوهرها كانت مشاريع شمولية تستهدف إجراء تحوّلات حضارية، أي تغيرات تلامس الرؤية الوجودية و رؤية الشعوب العربية للعالم و المجتمع والاقتصاد و السياسة على المستوى القيمي ، لذلك فقد فكانت في مجملها مشاريع انقلابية شمولية تهدف إلى بناء مجتمع و نموذج حضاري جديديْن على أساس الانقطاع عن سياق الأمّة التاريخي و الحضاري ، و هذا ما لم يتحقّق لأنّ الخروج عن هذا السياق يبدو في الواقع و كأنه خروج على الأمة. فعلى القوى القومية اليوم أن تبتعد عن الإرث السلبي للموروث الأيديولوجي القومي ،و أن تؤسِّس لوعي قومي قابل للتناغم مع هويّة الأمة الحضارية و قادر على بلورة مشروع سياسي يحقّق تطلعات الأمة.
إنّ بناء مشروع جيوسياسي عربي يتطلب قبل كلّ شيء الكفّ عن محاولات تغيير بنية المجتمع و هويته الحضارية و دراسة هذه البنية و الهوية كمعطى تاريخي حضاري منجز غير قابل للتحويل أو التبديل في المدى السياسي المنظور، و بالتالي بدء دراسة جدية لمكونات هذه الهوية كمعطى ثابت و الاستفادة إلى أكبر قدر ممكن ممّا تتيحه هذه المكوّنات في بناء رؤية واقعية معاصرة للحياة العربية.
إنّ ذلك يتطلب دراسة و تحديد مكوّنات المشروع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية في تناغمها و تعاضدها مع مكوّنات الهويّة أوّلا و معطيات الجغرافيا ثانياً وضرورات المرحلة التاريخية ثالثاً من أجل مزجها معاً لتقديم مشروع سياسي عربي يخرج بالأمة نحو مستقبلها المنشود.إن العنوان المركزي و الرئيس لهذا المشروع هو الدولة، و نعني هنا بالدولة "الدولة القادرة" على تحقيق مصالح المجموعة البشرية المنضوية في إطارها، و هذا هو شرطها الأوّل و الأساس، ثم يأتي لاحقاً شكل المجتمع و الدولة و مواصفاتهما و نموذجهما ليكون رهن الحراك السياسي و الاجتماعي الحرّ في إطار الدولة القادرة ، و هذا هو شرطها الثاني.