الخلط بين الدين وأشكال التدين في الفكر الحركي
مرسل: السبت إبريل 27, 2013 7:02 pm
لا يخفى على دارس للفكر الإسلامي خاصة في جانبه الحركي والسياسي أنه يخلص إلى أن ثمة إشكال في جانب الفهم والتطبيق؛من حيث فهم دلالات النصوص وأبعادها،وتحرير مناطاتها وعللها ،ومن ثم إيقاع الدلالات على مناطاتها الصحيحة على الوقائع،وأحسب أن مرد هذا الإشكال إلى عوامل كثيرة منها؛عدم التمييزالدلالي بين العام والخاص،والمطلق والمقيد،والكلي والجزئي،والقطعي والظني،والعلة والسبب ،والمناط والوصف والقيد،ونصوص الشارع وكلام الشارح،والذي يهمنا في هذا المقال الآخير من هذه الأسباب،وهو عدم إحسان عملية الفرز بين كلام الشارع سبحانه وكلام الشارح،بين نصوص الدين وأشكال التدين في مجالات الحركة والسياسة-طبعا لا مجال للحديث عن الجانب التعبدي النسكي-.
من هذا المنظور أرى أن الفكر الإسلامي في جانبيه(الحركي والسياسي)يمر بمرحلة من أصعب مراحله من حيث تنوع البيئات التي يعمل فيها،والمجالات التي يتحرك من خلالها ،وسرعة الأحداث العالمية وتشابك أسبابها وتعقدها لدرجة تصعب معها المتابعة ناهيك عن التحليل والتطوير،مما يحتم على أهل الفكر والاجتهاد فرز جملة من القضايا الحركية والسياسية،وإجراء عمليات الفرز والفك،ثم التحليل والتركيب لتلك الحزم من القضايا الأساسية في السياسة والحركة،وتحرير ما هو نص قطعي الدلالة لا يحتمل غيره وما هو ظني، وبين الفهم المتفق عليه والمختلف فيه ،وبين اشكال التدين التي تعضدها دلالات النصوص والتي أملتها ظروف البيئة وعوامل تقدير المصالح ودرء المفاسد،ولكن هذه العملية الهامة والضرورية والخطيرة في آن واحد ينبغي أن يتناولها من هم أهلا للبحث والتدقيق،والأمانة والدين.
والمدخل لهذه العملية لابد من الاعتماد على قاعدة هامة مفادها أن تحمّل الشريعة يدور على منهجين لا غني لأحدهما عن الأخر،منهج فهم النص،ومنهج تطبيقه،فمنهج الفهم يقوم على الاستكشاف والتجريد والتعميم،وأما منهج التطبيق فهو يهدف إلى إجراء الأحكام المجردة على واقع المستجدات والأوضاع بملابسات وعوامل المتغير الذي لا ينضبط بالمنطق المجرد الثابت،وكل ذلك جار وفق ضوابط عملية؛تخريج؛وتنقيح؛وتحقيق المناط المعروفة عند أهل الأصول والمقاصد.وقد عبر الشاطبي عن هذين المنهجين بعبارة جامعة رائعة فقال:فهم النص وتحقيق مناطه،وعبر عنهما ابن القيم:فهم الرواية وعلم الدارية وإنزال إحداهما على الآخرى وإلا يحدث شذوذا في الفتوى.
وعلى ضوء هذا يمكن فرز نصوص الدين من أشكال التدين في فضاءات الفكر الإسلامي السياسي التي وردت إلينا عبر التاريخ الإسلامي ،فقد وردت نصوص قرآنية وسنيةعامة في مجالات الفكر السياسي والحركي تدّين بها السلف بصور متعددة وفهمت بطريقة تتناسب وزمانهم ومكانهم وانسانهم الذي عاش تلك الحقبة،حتى أنهم أدرجوا بعض تلك الاشكال والصورفي كتب العقائد واستدعوا عليها دليل الإجماع،كما قال إمام الحرمين في مقدمة كتابه الغياث:(فما أجدر هذه السدة المنيفة بمجموع يجمع أحكام الله تعالى في الزعامة بين الخاصة والعامة ليكون شوف الرأي السامي قدامه وأمامه فيما يأتي ويذر أمامه.ثم تتأبد فائدته إلى قيام القيامة)(الغياث:48-49)،وقد جاءت مباحث في كتاب العقيدة الطحاوية،والمواقف للإيجي وغيره تشير إلى عمق التدين بتلك الإشكال والصور الاجتهادية!!
وبعد هذه التوطئة العلمية وجدت أن كتب أعلام السلف قد زخرت بصور وأشكال من صور التدين،فكانت فكرت القريشية،وأنماط الحكم،وأنواع ولاية العهد والتوريث،وبيعة المتغلب التي صارت الأصل في الولاية،حتى قال محمد ابن عبدالوهاب(فلا جرم قد صار العمل على هذا والاتفاق)(الدررالسنية:9/29)!!،وتحت هذا الاتفاق على ولاية المتغلب صودرت قيمة الشورى شكلا ومضمونا،وتقلص دورها ومجالها لدرجة أن البيعة الكبرى أصبحت تنعقد للرضيع في مهده،بل تنعقد بالواحد دون الأمة ونوابها!!كما قرر ذلك الجويني بقوله:(إن بايع رجل واحد مرموق كثير الاتباع والاشياع،مطاع في قوم،وكانت بيعته تفيد ما أشرنا إليه-من نصرة الإمام وحمايته-انعقدت الإمامة)(88)،وبذلك تمهد السبيل إلى نزع حق الأمة عامة والنساء خاصة في أخص آدميتهم،من حيث ممارسة السياسة والحركة والحراك الاجتماعي؛كتنصيب الإمام وتعيينه،ومحاسبته وعزله،والمشاركة الفاعلة في حراك المجتمع السياسي،وسنن التدافع بين الخير والشر،والصواب والخطأ ،يقول الجويني:(فما نعلمه قطعا،أن النسوة لا مدخل لهن في تخّير الإمام وعقد الإمامة(1)،فإنهن ما روجعن قط،ولو استشير في هذا الأمر امرأة لكان أحرى النساء وأجدرهن بهذا الأمر فاطمة رضي الله عنها،ثم نسوة رسول الله أمهات المؤمنين،ونحن بابتداء الأذهان،نعلم أنه ما كان لهن في هذا المجال مخاض في منقرض العصور ومكرّ الدهور،وذلك لا يناط هذا الأمر بالعبيد،وإن حازوا قصب السبق في العلوم،ولاتعلق له بالعوام الذي لا يعدون من العلماء وذوي الأحلام،ولا مدخل لأهل الذمة في نصب الأئمة،فخروج هؤلاء عن منصب الحل والعقد ليس به خفاء)(الغياث:81)!!
وقد يكون لأولئك الأسلاف تأويلا ومخرجا يسعفهم في تدينهم بتلك الصور والإشكال المغلوطة،وليس هذا بيت القصيد ولا محل الإشكال والمعالجة في هذا المقال،ولكن الإشكال الحقيقي يكمن بأن تقدم هذه الصور والإنماط والمفاهيم والاشكال من التدّين إلى الأجيال اللاحقة على أساس أنها من الدين ،بل من معالم أهل الإيمان والمنهج القويم الذي ينبغي المحافظة عليه وتدريسه في قاعات الجامعات ومحاضن الجماعات،على الرغم من تغير أبعاد المعادلة بالكامل(الزمان،والمكان ،والانسان)،وياليت أن الأمر توقف عند هذا الحد ،بل أعطيت هذه الأنماط والمفاهيم والإشكال ما للنص القرآني والسني من قوة استدلالية من حيث القداسة والعموم والاطلاق عبر الزمان والمكان والإنسان-وإن لم تعط لها نظريا فإنها تتمتع بها فعليا-وهنا يكمن الخلل،ويستفحل الداء،ويصعب الدواء،ويختلط الحابل بالنابل،وكلام الشارع بكلام الشارح،وهذا هو بيت القصيد ومربط الفرس!!
لذلك فإن إشاعة هذه الاشكال والانماط من التدّين بطريقة المثاقفة والمدارسة،ومحاولة تعميم فلسفتها بدون نقد وفرز،وتقديمها للأجيال على اساس أنها من الثابت والمحكم،وأنها من سمات ومعالم المنهج القويم لفهم الدين السليم،قد فتحت مجالات رحبة؛ومناخات واسعة للإستبداد داخل الفكر الحركي،وممارسة شرسة لقمع الشورى وقيمها وأخلاقها وتضيق مجالاتها،وإبعاد الأمة جملة وتفصيلا،وتجريم المرأة وسلب حقوقها في التنظير والممارسة(2)،واغتيال ما تبقى من قيم العدل والاجتهاد والتجديد،وإحياء العقلية الذرائعية؛عقلية التسويغ والتبرير،وإذاعة روح العبودية،وأنه ليس في الإمكان أفضل مما كان،وما ترك الأول للأخر شيئا،فكانت النتيجة–كما ترون-صورا من ألوان طيف التخلف الحركي في الفكر والسياسة،والمدافعة والممارسة في الواقع والمواقع.
والمحير والمقلق أن الحركات الإسلامية تضم في صفوفها خيرة عقول الأمة في كل المجالات إلا أنها قد أبتليت بقيادات لا تضع لمنهج الفهم والتطبيق اعتبارا،ولا تعرف لقواعد التمييز بين الإسلام وتاريخ المسلمين ميزانا،بل تغفل عن هذا المتطلب الأساسي للنهوض بالأمة،متوهمين أن إخلاص العزم في الأخذ بأحكام الشريعة،والاحتماء بتجارب الأسلاف،وإنماط التاريخ،كفيلة بنهوض الأمة وتغيير حالها إلى أحسن حال.وفي تقديري أن الفكر الحركي بهذه العقلية المتخلفة قد يشهد نكسة شديدة حينما لا تؤدي مفاهيمه إلى مقاصده لسوء فهمه وتطبيقه المغلوطين،لذا فإن لم تجر عملية التغيير القيادي،والتجديد المفاهيمي،والتطوير الوسائلي ،قد يصبح حالهم كمن يبني قصرا ويهدم مصرا!!
ومن هنا ينبغي ممارسة عملية النقد والتقويم الذاتي،والفك والتركيب،والفرز والتمييز بين ما حقه الإطلاق والعموم والقداسة وبين الفهوم وأشكال التدّين،بغية التحول والتطور والإرتقاء بالفكر والوسائل ،ومن ثم إحياء الأمة الواعية الراشدة،مما يحتم على العقلاء في الحركات الإسلامية الواسعة تجديد القيادات التي أصبحت مع الزمن جزءا من الواقع المتأزم،وهي بطبيعة الحال قيادات مرحلة إيقاظ وتحريض،وشحذ الهمم،وقرع الأجراس،وليست قيادات مراحل هدم وبناء،وتجديد واجتهاد،ووضع رؤى واستراتيجيات!! علما بأن الخطورة كل الخطورة أن تستمر قيادات مرحلة قرع الطبول بكل ضجيجها وبأشخاصها،على الرغم من تبدل الظروف،وتغير الأحوال،وتجدد المسؤوليات،وتنوع المواقع!!
وأحسب أننا إن لم نقم بتلك العملية نكون قد حكمنا على أنفسنا بالعجز وعدم الأهلية،وهذا هو الغياب الرهيب عن الشهود الحضاري، والغيبوبة عن الوعي ،وباختصار شديد إنه يعني أن يصير الماضي هو المستقبل،وصور التدين هو الدين،ويظل الافتتان بالتاريخ والعيش فيه هو البديل عن التعامل مع الحاضر،واستشراف المستقبل.
من هذا المنظور أرى أن الفكر الإسلامي في جانبيه(الحركي والسياسي)يمر بمرحلة من أصعب مراحله من حيث تنوع البيئات التي يعمل فيها،والمجالات التي يتحرك من خلالها ،وسرعة الأحداث العالمية وتشابك أسبابها وتعقدها لدرجة تصعب معها المتابعة ناهيك عن التحليل والتطوير،مما يحتم على أهل الفكر والاجتهاد فرز جملة من القضايا الحركية والسياسية،وإجراء عمليات الفرز والفك،ثم التحليل والتركيب لتلك الحزم من القضايا الأساسية في السياسة والحركة،وتحرير ما هو نص قطعي الدلالة لا يحتمل غيره وما هو ظني، وبين الفهم المتفق عليه والمختلف فيه ،وبين اشكال التدين التي تعضدها دلالات النصوص والتي أملتها ظروف البيئة وعوامل تقدير المصالح ودرء المفاسد،ولكن هذه العملية الهامة والضرورية والخطيرة في آن واحد ينبغي أن يتناولها من هم أهلا للبحث والتدقيق،والأمانة والدين.
والمدخل لهذه العملية لابد من الاعتماد على قاعدة هامة مفادها أن تحمّل الشريعة يدور على منهجين لا غني لأحدهما عن الأخر،منهج فهم النص،ومنهج تطبيقه،فمنهج الفهم يقوم على الاستكشاف والتجريد والتعميم،وأما منهج التطبيق فهو يهدف إلى إجراء الأحكام المجردة على واقع المستجدات والأوضاع بملابسات وعوامل المتغير الذي لا ينضبط بالمنطق المجرد الثابت،وكل ذلك جار وفق ضوابط عملية؛تخريج؛وتنقيح؛وتحقيق المناط المعروفة عند أهل الأصول والمقاصد.وقد عبر الشاطبي عن هذين المنهجين بعبارة جامعة رائعة فقال:فهم النص وتحقيق مناطه،وعبر عنهما ابن القيم:فهم الرواية وعلم الدارية وإنزال إحداهما على الآخرى وإلا يحدث شذوذا في الفتوى.
وعلى ضوء هذا يمكن فرز نصوص الدين من أشكال التدين في فضاءات الفكر الإسلامي السياسي التي وردت إلينا عبر التاريخ الإسلامي ،فقد وردت نصوص قرآنية وسنيةعامة في مجالات الفكر السياسي والحركي تدّين بها السلف بصور متعددة وفهمت بطريقة تتناسب وزمانهم ومكانهم وانسانهم الذي عاش تلك الحقبة،حتى أنهم أدرجوا بعض تلك الاشكال والصورفي كتب العقائد واستدعوا عليها دليل الإجماع،كما قال إمام الحرمين في مقدمة كتابه الغياث:(فما أجدر هذه السدة المنيفة بمجموع يجمع أحكام الله تعالى في الزعامة بين الخاصة والعامة ليكون شوف الرأي السامي قدامه وأمامه فيما يأتي ويذر أمامه.ثم تتأبد فائدته إلى قيام القيامة)(الغياث:48-49)،وقد جاءت مباحث في كتاب العقيدة الطحاوية،والمواقف للإيجي وغيره تشير إلى عمق التدين بتلك الإشكال والصور الاجتهادية!!
وبعد هذه التوطئة العلمية وجدت أن كتب أعلام السلف قد زخرت بصور وأشكال من صور التدين،فكانت فكرت القريشية،وأنماط الحكم،وأنواع ولاية العهد والتوريث،وبيعة المتغلب التي صارت الأصل في الولاية،حتى قال محمد ابن عبدالوهاب(فلا جرم قد صار العمل على هذا والاتفاق)(الدررالسنية:9/29)!!،وتحت هذا الاتفاق على ولاية المتغلب صودرت قيمة الشورى شكلا ومضمونا،وتقلص دورها ومجالها لدرجة أن البيعة الكبرى أصبحت تنعقد للرضيع في مهده،بل تنعقد بالواحد دون الأمة ونوابها!!كما قرر ذلك الجويني بقوله:(إن بايع رجل واحد مرموق كثير الاتباع والاشياع،مطاع في قوم،وكانت بيعته تفيد ما أشرنا إليه-من نصرة الإمام وحمايته-انعقدت الإمامة)(88)،وبذلك تمهد السبيل إلى نزع حق الأمة عامة والنساء خاصة في أخص آدميتهم،من حيث ممارسة السياسة والحركة والحراك الاجتماعي؛كتنصيب الإمام وتعيينه،ومحاسبته وعزله،والمشاركة الفاعلة في حراك المجتمع السياسي،وسنن التدافع بين الخير والشر،والصواب والخطأ ،يقول الجويني:(فما نعلمه قطعا،أن النسوة لا مدخل لهن في تخّير الإمام وعقد الإمامة(1)،فإنهن ما روجعن قط،ولو استشير في هذا الأمر امرأة لكان أحرى النساء وأجدرهن بهذا الأمر فاطمة رضي الله عنها،ثم نسوة رسول الله أمهات المؤمنين،ونحن بابتداء الأذهان،نعلم أنه ما كان لهن في هذا المجال مخاض في منقرض العصور ومكرّ الدهور،وذلك لا يناط هذا الأمر بالعبيد،وإن حازوا قصب السبق في العلوم،ولاتعلق له بالعوام الذي لا يعدون من العلماء وذوي الأحلام،ولا مدخل لأهل الذمة في نصب الأئمة،فخروج هؤلاء عن منصب الحل والعقد ليس به خفاء)(الغياث:81)!!
وقد يكون لأولئك الأسلاف تأويلا ومخرجا يسعفهم في تدينهم بتلك الصور والإشكال المغلوطة،وليس هذا بيت القصيد ولا محل الإشكال والمعالجة في هذا المقال،ولكن الإشكال الحقيقي يكمن بأن تقدم هذه الصور والإنماط والمفاهيم والاشكال من التدّين إلى الأجيال اللاحقة على أساس أنها من الدين ،بل من معالم أهل الإيمان والمنهج القويم الذي ينبغي المحافظة عليه وتدريسه في قاعات الجامعات ومحاضن الجماعات،على الرغم من تغير أبعاد المعادلة بالكامل(الزمان،والمكان ،والانسان)،وياليت أن الأمر توقف عند هذا الحد ،بل أعطيت هذه الأنماط والمفاهيم والإشكال ما للنص القرآني والسني من قوة استدلالية من حيث القداسة والعموم والاطلاق عبر الزمان والمكان والإنسان-وإن لم تعط لها نظريا فإنها تتمتع بها فعليا-وهنا يكمن الخلل،ويستفحل الداء،ويصعب الدواء،ويختلط الحابل بالنابل،وكلام الشارع بكلام الشارح،وهذا هو بيت القصيد ومربط الفرس!!
لذلك فإن إشاعة هذه الاشكال والانماط من التدّين بطريقة المثاقفة والمدارسة،ومحاولة تعميم فلسفتها بدون نقد وفرز،وتقديمها للأجيال على اساس أنها من الثابت والمحكم،وأنها من سمات ومعالم المنهج القويم لفهم الدين السليم،قد فتحت مجالات رحبة؛ومناخات واسعة للإستبداد داخل الفكر الحركي،وممارسة شرسة لقمع الشورى وقيمها وأخلاقها وتضيق مجالاتها،وإبعاد الأمة جملة وتفصيلا،وتجريم المرأة وسلب حقوقها في التنظير والممارسة(2)،واغتيال ما تبقى من قيم العدل والاجتهاد والتجديد،وإحياء العقلية الذرائعية؛عقلية التسويغ والتبرير،وإذاعة روح العبودية،وأنه ليس في الإمكان أفضل مما كان،وما ترك الأول للأخر شيئا،فكانت النتيجة–كما ترون-صورا من ألوان طيف التخلف الحركي في الفكر والسياسة،والمدافعة والممارسة في الواقع والمواقع.
والمحير والمقلق أن الحركات الإسلامية تضم في صفوفها خيرة عقول الأمة في كل المجالات إلا أنها قد أبتليت بقيادات لا تضع لمنهج الفهم والتطبيق اعتبارا،ولا تعرف لقواعد التمييز بين الإسلام وتاريخ المسلمين ميزانا،بل تغفل عن هذا المتطلب الأساسي للنهوض بالأمة،متوهمين أن إخلاص العزم في الأخذ بأحكام الشريعة،والاحتماء بتجارب الأسلاف،وإنماط التاريخ،كفيلة بنهوض الأمة وتغيير حالها إلى أحسن حال.وفي تقديري أن الفكر الحركي بهذه العقلية المتخلفة قد يشهد نكسة شديدة حينما لا تؤدي مفاهيمه إلى مقاصده لسوء فهمه وتطبيقه المغلوطين،لذا فإن لم تجر عملية التغيير القيادي،والتجديد المفاهيمي،والتطوير الوسائلي ،قد يصبح حالهم كمن يبني قصرا ويهدم مصرا!!
ومن هنا ينبغي ممارسة عملية النقد والتقويم الذاتي،والفك والتركيب،والفرز والتمييز بين ما حقه الإطلاق والعموم والقداسة وبين الفهوم وأشكال التدّين،بغية التحول والتطور والإرتقاء بالفكر والوسائل ،ومن ثم إحياء الأمة الواعية الراشدة،مما يحتم على العقلاء في الحركات الإسلامية الواسعة تجديد القيادات التي أصبحت مع الزمن جزءا من الواقع المتأزم،وهي بطبيعة الحال قيادات مرحلة إيقاظ وتحريض،وشحذ الهمم،وقرع الأجراس،وليست قيادات مراحل هدم وبناء،وتجديد واجتهاد،ووضع رؤى واستراتيجيات!! علما بأن الخطورة كل الخطورة أن تستمر قيادات مرحلة قرع الطبول بكل ضجيجها وبأشخاصها،على الرغم من تبدل الظروف،وتغير الأحوال،وتجدد المسؤوليات،وتنوع المواقع!!
وأحسب أننا إن لم نقم بتلك العملية نكون قد حكمنا على أنفسنا بالعجز وعدم الأهلية،وهذا هو الغياب الرهيب عن الشهود الحضاري، والغيبوبة عن الوعي ،وباختصار شديد إنه يعني أن يصير الماضي هو المستقبل،وصور التدين هو الدين،ويظل الافتتان بالتاريخ والعيش فيه هو البديل عن التعامل مع الحاضر،واستشراف المستقبل.