- السبت إبريل 27, 2013 7:11 pm
#61036
أحسب أن قراءة مفهوم المواطنة من خلال التجربة النبوية التى شكل دستورها (صحيفة المدينة) المرتكز والنموذج المحتذى به في عملية الارتقاء والتنمية البشرية مع اعتبار تغير ظرفي الزمان والمكان (السياق والمساق) بقراءة سهمية متحركة،تسهم في تجاوز مفهوم الذمة الذي تأصل في الفكر الإسلامي السياسي. لأن تجربة النبي السياسية أسست مجتمعا فريدا في إطار زمانه ومكانه قد جمعت فيه طياته بين (الجماعة الدينية–والجماعة السياسية) على أسس الحقوق والواجبات المشتركة مع مراعاة الخصوصيات الدينية لكل لبنة من لبنات مجتمع المدينة، فكانت هذه الحقوق والواجبات المشتركة تقوم على مناط الاعتراف بالغير كقيمة إنسانية، تلتقي في مسارات عدة، كأحترام القانون، والمشاركة في الدفاع عن الوطن (وإن عليهم النصر على من دهم يثرب)، وحترام الدستور (وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة)، والانفاق من أجل حماية المجتمع وتطويره (إن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين) أي أنه إذا حدثت الحرب وشارك فيها اليهود، فهم ملزمون بدفع مايحتاجونه من نفقات.
ولا شك أنه من خلال هذه التجربة التي لها السبق الزماني يمكن للفكر الإسلامي السياسي المعاصر أن ينظر إلى فلسفة مفهوم الذمة من عبر أبعاده الايجابية المتنوعة، على أساس المصالحة بين النص والتجربة، والانسان والارض، واستبدال الانتماء إلى الأرض مكان العشيرة والقبيلة والعرق، والقانون العام بدلا من الخصوصية الدينية، حيث تتقلص بذلك دائرة الاستقطاب دلالي العرقي لصالح الاستيعاب الدلالي للأرض، وينحصر الاحتماء بالطائفية الدينية لصالح الانحياش إلى القانون والدستور العام، حتى أصبح الشعور بالانتماء مثلا لأهل مكة أرقى من الانتماء إلى قريش، والانتماء لأهل المدينة أكثر تحضرا من الانتماء إلى بطون القبائل أو الطوائف الدينية، كذلك الانتماء للدولة العادلة أرقى من الانحياش إلى قبيلة أو حزب وإن كبر،ويصبح الانتصار للقانون الذي يحقق العدالة والمساواة بين الناس أفضل من الانتماء إلى طائفية تفرق ولا تجمع،وتظلم ولا تعدل.
وإن نظرة فاحصة قصدية لجملة من الآيات الكريمة التي ورد في ثناياها إشارات إلى قضايا الولاء والبراء توكد لنا هذا التوجه وهذه الرؤية التجديدية،حيث نجد في مجملها أنها تشير إشارات متفاوتة، أو ممكن أن يفهم منها أن الانتماء إلى الأرض–الدولة بلغة العصر-التي يتحقق فيها الأمن والاستقرار؛ من خلال قوانين تحترم الكرامة الانسانية؛ وتفسح مجالات الحرية؛ وتعزز من قيمة العدل لبني البشر على مختلف ألوانهم ومعتقداتهم وطبقاتهم، ينبغي على المسلم أن يراعي شأن هذه القوانين والأرض ويحترمها، ومن هذه الآيات قوله تعالى:( يا أيها الذين آمنوا،لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء...يخرجون الرسول وإياكم ). حيث وصفت الآية عملية أخراج الناس من أرضهم مكة الآمنين فيها بأنها جريمة نكراء تستحق أن تدرج ضمن معاني البراء فقال تعالى:( لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ... يخرجون الرسول وإياكم ).
فإذا كان ذلك كذلك في الذين مارسوا عملية إخراج الناس من ديارهم، فقد جاءت الاشارة في آيات آخرى تأمر بالاحسان والبروالقسط للذين لم يمارسوا عملية الإخراج من الديار حسيا كان أو معنويا وإن كانوا مخالفين لنا في الدين كقوله تعالى:( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، ولم يخرجوكم من دياكم إن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياكم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ،ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون).
ولعل في أمره صلى الله عليه وسلم لثلة من أصحابه الكرام رضوان الله عليهم بالهجرة إلى دار الحبشة التي كانت بها آنذاك جملة من القوانين العادلة يحكم به ملكهم النجاشي( أذهبوا إلى أرض الحبشة فإن بها حاكم لا يظلم عنده أحد)، ما يفيد ما أشرت إليه آنفا.كذلك فرح المهاجرون بانتصار النجاشي على خصمه الذي أراد أن ينازعه في ملكه يعتبر اشارة واضحة إلى أن فهمهم للدار كان يدور في فلك مدى حضور القيمة العدلية في القانون والحاكم، وما تحققه من أمن واستقرار، وتوفره من حريات للانسانية، دون الإلتفات إلى غيرها. يخبرنا عن هذا الفهم واعتبار هذه القيم أحدى رواد الهجرة الحبشية، تقول أم سلمه:( فاقمنا عنده مع خير جار في خير دار، فلم يلبث أن خرج عليه رجل من الحبشة ينازعه في ملكه، فوالله ما علمنا حزنا قط هو أشد منه فرقا من أن يظهر ذلك الملك عليه، فيأتي ملكه لا يعرف من حقنا ما كان يعرفه، فجعلنا ندعو الله ونستنصره للنجاشي....فجاءنا الزبير يليح لنا بردائه ويقول: ألا فابشروا فقد أظهر الله النجاشي،قلت: فوالله ما علمنا أننا فرحنا بشيء قط فرحنا بظهور النجاشي..).
وبالضرورة يترتب على هذه الرؤية الانتصار والدفاع وحماية الذين يشاركوننا في الانتماء إلى الدولة العادلة وإن كانوا على غير ديننا( مواطنون )، وفي مقابل ذلك لم يكن للمسلمين الذين اختاروا أن يعيشون خارج نطاق الدولة وأرض الإسلام هذا الحق( غير مواطنين )،كما قال تعالى:( والذين أمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ). حتى وأن استنصرونا في الدين على قوم كافرين بينهم وبين أرض الإسلام عهد وميثاق،وقال تعالى:( وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق ).ولعله من المناسب ذكر كلام صاحب الظلال في تفسير هذه الآية:( وجد هؤلاء الأفراد سواء في مكة،أو في الإعراب حول المدينة،يعتنقون العقيدة، ولكنهم لا ينضمون للمجتمع الذي يقوم على هذه العقيدة،ولا يدينون فعلا دينونة كاملة للقيادة القائمة عليه..وهؤلاء لم يعتبروا أعضاء في المجتمع المسلم،ولم يجعل الله لهم ولاية –بكل أنواع الولاية-مع هذا المجتمع ،لأنهم بالفعل ليسوا من المجتمع الإسلامي،وفي هؤلاء نزل هذا الحكم والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء).
وهذه الرؤية التجديدية لمفهوم المواطنة وقضية الانتماء للدولة العادلة التي تقوم على تراتيب إصلاحية للانسان والبنيان وإن كانت لا تدين بدين سماوي أصلا، كما يمكن في ذلك مما ذهب إليه ابن تيمية عند حديثه عن عدل الله سبحانه في نصرته للدولة الكافرة العادلة ؛ أرضا وقانونا وشعبا،وعدم نصرته للدولة المسلمة الظالمة،فقال:( الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة،ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مؤمنة ).
وأكد الطرطوشي على أهمية مراعاة القيمة العدلية والانتماء إليه والمحافظة عليها في الإسلام بغض النظر عن اختلاف الدين، فقال:( إن السلطان الكافر الحافظ لشروط السياسة الاصطلاحية أبقى وأقوى من السلطان المؤمن العدل في نفسه ،المضيع للسياسة الشرعية.والجور المرتب أبقى من العدل المهمل ،إذ لا أصلح للسلطان من ترتيب الأمور، ولا أفسد له من الحكم، ولا يقوم سلطان إيمان أو كفر إلا بعدل نبوي أو ترتيب اصطلاحي).
وبهذه الرؤية الموجزة لمصطلح مفهوم المواطنة عوضا عن مفهوم الذمة يمكن نكون للفكر السياسي الاسلامي أن يعيد النظر في مفهوم الذمة في إطار التعاون والتعايش، والعلاقات العامة،فصير المسلم وغير المسلم في الدولة القانونية مواطنا صالحا يلتزم بمبدأ الحقوق والواجبات المشتركة من حماية البلاد وتحقيق أمن العباد،والانفاق في الصالح العام،كذلك التمتع بالخصوصية الملّية،والمطالبة بالحقوق القانونية.وأحسب أن تناول المفاهيم السياسية كمفهوم الذمة بقراءة سهمية قصدية تعتبر مراعاة ظرفي الزمان والمكان في الفهم والتنزيل تجعل مفهوم الذمة في ذمة التاريخ(*)، وتمد الفكر السياسي بالحيوية والمرونة والقدرة على التكيف مع المستجدات.
ولا شك أنه من خلال هذه التجربة التي لها السبق الزماني يمكن للفكر الإسلامي السياسي المعاصر أن ينظر إلى فلسفة مفهوم الذمة من عبر أبعاده الايجابية المتنوعة، على أساس المصالحة بين النص والتجربة، والانسان والارض، واستبدال الانتماء إلى الأرض مكان العشيرة والقبيلة والعرق، والقانون العام بدلا من الخصوصية الدينية، حيث تتقلص بذلك دائرة الاستقطاب دلالي العرقي لصالح الاستيعاب الدلالي للأرض، وينحصر الاحتماء بالطائفية الدينية لصالح الانحياش إلى القانون والدستور العام، حتى أصبح الشعور بالانتماء مثلا لأهل مكة أرقى من الانتماء إلى قريش، والانتماء لأهل المدينة أكثر تحضرا من الانتماء إلى بطون القبائل أو الطوائف الدينية، كذلك الانتماء للدولة العادلة أرقى من الانحياش إلى قبيلة أو حزب وإن كبر،ويصبح الانتصار للقانون الذي يحقق العدالة والمساواة بين الناس أفضل من الانتماء إلى طائفية تفرق ولا تجمع،وتظلم ولا تعدل.
وإن نظرة فاحصة قصدية لجملة من الآيات الكريمة التي ورد في ثناياها إشارات إلى قضايا الولاء والبراء توكد لنا هذا التوجه وهذه الرؤية التجديدية،حيث نجد في مجملها أنها تشير إشارات متفاوتة، أو ممكن أن يفهم منها أن الانتماء إلى الأرض–الدولة بلغة العصر-التي يتحقق فيها الأمن والاستقرار؛ من خلال قوانين تحترم الكرامة الانسانية؛ وتفسح مجالات الحرية؛ وتعزز من قيمة العدل لبني البشر على مختلف ألوانهم ومعتقداتهم وطبقاتهم، ينبغي على المسلم أن يراعي شأن هذه القوانين والأرض ويحترمها، ومن هذه الآيات قوله تعالى:( يا أيها الذين آمنوا،لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء...يخرجون الرسول وإياكم ). حيث وصفت الآية عملية أخراج الناس من أرضهم مكة الآمنين فيها بأنها جريمة نكراء تستحق أن تدرج ضمن معاني البراء فقال تعالى:( لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ... يخرجون الرسول وإياكم ).
فإذا كان ذلك كذلك في الذين مارسوا عملية إخراج الناس من ديارهم، فقد جاءت الاشارة في آيات آخرى تأمر بالاحسان والبروالقسط للذين لم يمارسوا عملية الإخراج من الديار حسيا كان أو معنويا وإن كانوا مخالفين لنا في الدين كقوله تعالى:( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، ولم يخرجوكم من دياكم إن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياكم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ،ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون).
ولعل في أمره صلى الله عليه وسلم لثلة من أصحابه الكرام رضوان الله عليهم بالهجرة إلى دار الحبشة التي كانت بها آنذاك جملة من القوانين العادلة يحكم به ملكهم النجاشي( أذهبوا إلى أرض الحبشة فإن بها حاكم لا يظلم عنده أحد)، ما يفيد ما أشرت إليه آنفا.كذلك فرح المهاجرون بانتصار النجاشي على خصمه الذي أراد أن ينازعه في ملكه يعتبر اشارة واضحة إلى أن فهمهم للدار كان يدور في فلك مدى حضور القيمة العدلية في القانون والحاكم، وما تحققه من أمن واستقرار، وتوفره من حريات للانسانية، دون الإلتفات إلى غيرها. يخبرنا عن هذا الفهم واعتبار هذه القيم أحدى رواد الهجرة الحبشية، تقول أم سلمه:( فاقمنا عنده مع خير جار في خير دار، فلم يلبث أن خرج عليه رجل من الحبشة ينازعه في ملكه، فوالله ما علمنا حزنا قط هو أشد منه فرقا من أن يظهر ذلك الملك عليه، فيأتي ملكه لا يعرف من حقنا ما كان يعرفه، فجعلنا ندعو الله ونستنصره للنجاشي....فجاءنا الزبير يليح لنا بردائه ويقول: ألا فابشروا فقد أظهر الله النجاشي،قلت: فوالله ما علمنا أننا فرحنا بشيء قط فرحنا بظهور النجاشي..).
وبالضرورة يترتب على هذه الرؤية الانتصار والدفاع وحماية الذين يشاركوننا في الانتماء إلى الدولة العادلة وإن كانوا على غير ديننا( مواطنون )، وفي مقابل ذلك لم يكن للمسلمين الذين اختاروا أن يعيشون خارج نطاق الدولة وأرض الإسلام هذا الحق( غير مواطنين )،كما قال تعالى:( والذين أمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ). حتى وأن استنصرونا في الدين على قوم كافرين بينهم وبين أرض الإسلام عهد وميثاق،وقال تعالى:( وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق ).ولعله من المناسب ذكر كلام صاحب الظلال في تفسير هذه الآية:( وجد هؤلاء الأفراد سواء في مكة،أو في الإعراب حول المدينة،يعتنقون العقيدة، ولكنهم لا ينضمون للمجتمع الذي يقوم على هذه العقيدة،ولا يدينون فعلا دينونة كاملة للقيادة القائمة عليه..وهؤلاء لم يعتبروا أعضاء في المجتمع المسلم،ولم يجعل الله لهم ولاية –بكل أنواع الولاية-مع هذا المجتمع ،لأنهم بالفعل ليسوا من المجتمع الإسلامي،وفي هؤلاء نزل هذا الحكم والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء).
وهذه الرؤية التجديدية لمفهوم المواطنة وقضية الانتماء للدولة العادلة التي تقوم على تراتيب إصلاحية للانسان والبنيان وإن كانت لا تدين بدين سماوي أصلا، كما يمكن في ذلك مما ذهب إليه ابن تيمية عند حديثه عن عدل الله سبحانه في نصرته للدولة الكافرة العادلة ؛ أرضا وقانونا وشعبا،وعدم نصرته للدولة المسلمة الظالمة،فقال:( الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة،ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مؤمنة ).
وأكد الطرطوشي على أهمية مراعاة القيمة العدلية والانتماء إليه والمحافظة عليها في الإسلام بغض النظر عن اختلاف الدين، فقال:( إن السلطان الكافر الحافظ لشروط السياسة الاصطلاحية أبقى وأقوى من السلطان المؤمن العدل في نفسه ،المضيع للسياسة الشرعية.والجور المرتب أبقى من العدل المهمل ،إذ لا أصلح للسلطان من ترتيب الأمور، ولا أفسد له من الحكم، ولا يقوم سلطان إيمان أو كفر إلا بعدل نبوي أو ترتيب اصطلاحي).
وبهذه الرؤية الموجزة لمصطلح مفهوم المواطنة عوضا عن مفهوم الذمة يمكن نكون للفكر السياسي الاسلامي أن يعيد النظر في مفهوم الذمة في إطار التعاون والتعايش، والعلاقات العامة،فصير المسلم وغير المسلم في الدولة القانونية مواطنا صالحا يلتزم بمبدأ الحقوق والواجبات المشتركة من حماية البلاد وتحقيق أمن العباد،والانفاق في الصالح العام،كذلك التمتع بالخصوصية الملّية،والمطالبة بالحقوق القانونية.وأحسب أن تناول المفاهيم السياسية كمفهوم الذمة بقراءة سهمية قصدية تعتبر مراعاة ظرفي الزمان والمكان في الفهم والتنزيل تجعل مفهوم الذمة في ذمة التاريخ(*)، وتمد الفكر السياسي بالحيوية والمرونة والقدرة على التكيف مع المستجدات.