خديعة بريطانيا للشريف حسين بن علي
مرسل: الأحد إبريل 28, 2013 2:58 pm
"الشريف الحسين بن علي"، هو الحسين بن علي بن محمد بن عبد المعين بن عون، من أحفاد أبي نمي بن بركات الحسني الهاشمي القرشي (1854 ـ 1931م). أول من نادى باستقلال العرب عن الامبراطورية العثمانية وقاد الثورة العربية الكبرى سنة 1916 م، وآخر من حكم مكة من الأشراف الهاشميين.
ولد الشريف حسين في الآستانة بتركيا حيث كان أبوه منفياً فيها. انتقل مع والده إلى مكة وكان عمره ثلاث سنوات، نشأ وتعلم وتفقه ونظم الشعر وتعلم الفروسية والصيد. أحبه عمه الشريف "عبدالله باشا" أمير مكة فوثق به وعهد اليه بالمهمات. أحكم صلته بالقبائل في نجد، ولما مات أبوه وعمه وآلت إمارة مكة إلى عمه الثاني "عون الرفيق"، لم يحتمل العم تدخل الشريف حسين في شؤون الإمارة، التي كانت تابعة للدولة العثمانية في ذلك الوقت، فما كان من عمه الا أن طلب من السلطات العثمانية إبعاده من الحجاز، فتم نفيه إلى الآستانة، وصار فيها من أعضاء مجلس "شورى الدولة".
أقام في تركيا إلى أن توفي عمه "عون الرفيق"، ثم توفى عمه الثالث "عبد الإله" فعين أميراً لمكة سنة 1908م فعاد إليها، وقاد بحملة إلى بلاد عسير بالحجاز، كانت نجدة للترك، فقاتل "الإدريسي" في عسير.
وفي مسعى بريطانيا لتقويض أركان الخلافة العثمانية، استخدمت النزعة القومية لتحقيق هدفها فشجعت على إنشاء جمعية الاتحاد والترقي في تركيا التي تنادي بتفوق الأتراك وفصلهم عن العالم العربي. ولما نشبت الحرب العالمية الأولى سنة 1914م، واشتدت جمعية "تركيا الفتاة" السرية في العمل بواسطة حزبها العلني "الاتحاد والترقي" على تتريك العناصر في الدولة، فقتلت جمهرة من حملة الفكرة العربية وطلائع يقظتها الحديثة، وشرّدت الكثيرين، ونمت في بلاد الشام والعراق والحجاز روح النقمة على الترك والدعوة إلى الانفصال عنهم.
انتهز البريطانيون الفرصة، وهم في حرب مع دولة آل عثمان وحليفتها المانيا، فاتصلوا بالشريف حسين، وكاتبوه من مصر، وكان على غير وفاق مع موظفي "الدولة" العثمانية في الحجاز، فنهض وأطلق رصاصته الأولى بمكة سنة 1916م، حاصر من كان في البلاد الحجازية من عساكر الترك، وأمده الإنكليز بالمال والسلاح، ونُعت بالملك "المنقذ"، ووجه ابنه فيصل إلى سورية فدخلها مع الجيش البريطاني، فاتحاً، وبانتهاء الحرب العالمية (سنة 1918م) تم استيلاء الحسين على الحجاز كله. وأرسل ابنه الثاني "عبدالله" بجيش ضخم لإخضاع واحتي "تربة" و"الخُرمة" في شرقي الطائف، وكانتا مواليتين لابن سعود الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، زعيم نجد في ذلك الحين، فعسكر بينهما، فباغته رجالهما يقودهم بعض أتباع ابن سعود سنة 1919م فانهزم عبدالله بفلول قليلة من عساكره، وأضاع الحسين في هذه الحملة أكبر قوة جمعها.
تداعت الامور اكثر، فاخرج الفرنسيون ابنه فيصل من سورية بعد معركة ميسلون سنة 1920م واحتلوها، ولما استنجد بعض زعمائها بالحسين، وجه اليها ابنه "عبدالله" لكي يثأر لأخيه، أو ليجمع على حدود سورية قوة تكون نواة لجيش يقلق المحتل. اقترب عبدالله من سوريا، ونزل ببلدة عمّان (عاصمة الاردن حاليا) ودعاه الإنكليز إلى القدس، فاتفقوا معه على أن تكون له إمارة "شرقي الأردن" فأقام بعمان، وتناسى ما جاء من أجله.
ولما استفحلت ثورة العراق على الإنجليز، ساعدوا فيصل بن الحسين على اعتلاء العرش في بغداد، فتولاه، وأصبح للحسين جناحان قويان: فيصل في شمال شبه الجزيرة، وعبدالله في شمالها الغربي. ولما حاول ابن سعود ان يتقرب اليه راغبا في الصلح وكان الحسين قد زار عمان سنة 1924م وبايعه ألناس بالخلافة. عاد إلى مكة ملقباً بأمير المؤمنين، فأراد أهل "نجد" الحج، فلم يأذن بدخولهم الحجاز، فاشتد توتر الحال بينه وبين ابن سعود، وأقبلت جموع من نجد وتربة والخرمة إلى مدينة "الطائف" فمزقت جيش الحسين المرابط فيها، واحتلتها، وسرى الذعر إلى مكة.
ولما اتصل الشريف حسين بالقنصل البريطاني في جدة طالبا العون، أجابه هذا بأن حكومته قررت الحياد. اجتمع بجدة بعض ذوي الرأي من أهلها وأهل مكة، فاتفقوا على نصح الحسين بالتخلي عن العرش لكبير أبنائه "علي" ففعل، وانتقل من مكة إلى جدة سنة 1924م ثم ركب البحر إلى "العقبة" التي كانت تقع عند آخر حدود الحجاز في الشمال، وكانت في ولاية ابنه عبدالله، فأقام بضعة أشهر، ثم أخبره ابنه عبد الله بأن البريطانيين يرون أن إقامته فيها قد تحمل "ابن سعود" على مهاجتمتها، وتلقى إنذاراً بريطانياً بوجوب رحيله عنها، ووصلت إلى مينائها مدمرة بريطانية، ركبها وهو ساخط، إلى جزيرة قبرص سنة 1925م فأقام ست سنين في قبرص ومرض، فأذن الإنجليز بسفره إلى عمّان، فجاءه ابناه فيصل وعبدالله، وصحباه الى عمان، فمكث معتلاً ستة أشهر وأياماً، ووافته المنية، فحمل إلى القدس، ودفن في المسجد الأقصى. (عن ملوك العرب)
لكن الامور لم تكن فقط بذاك الاختصار كما ورد في الحديث السابق عن الشريف حسين بن علي، فقد يكون من المفيد للقاريء العربي الاطلاع على تطورات الاحداث خلال الحرب العالمية الاولى ومقارنتها بما حدث بعد ذلك:
نشبت الحرب العالمية الأولى سنة 1914 م، و نمت روح النقمة على العثمانيين في بلاد المناطق العربية خصوصا في الشام والعراق والحجاز، وحلم العرب فى الاستقلال من تبعية الحكم التركى العثمانى، فانتهز البريطانيون الفرصة بينما هم في حرب مع دولة آل عثمان والألمان، اتصلوا بالشريف حسين من مصر، ووعدوه بخلافة عربية اسلامية، من مصر إلى بلاد فارس ما عدا مصالحهم في الكويت وعدن والساحل السوري إن هو عاونهم وثار على العثمانيين.
وكان قد تم وضع مباديء الثورة العربية بناء على الاتفاق الذى تم بين الشريف حسين حاكم مكة وبين قادة الجمعيات والمنظمات العربية في سوريا والعراق ضمن ميثاق قومى عربى موحد يهدف الى اقامة الدولة العربية الموحدة. وعلى ذلك تمت مكاتبات ومراسلات بين الشريف حسين بن علي وهنري مكماهون ممثل ملك انجلترا في مصر بعد ان ارسل " الشريف حسين ابنه " فيصل" الى دمشق سنة 1915م لكي يتصل بزعماء الحركة القومية العربية وعرض الامر عليهم فباركوا القيام بالثورة. وتعبيرا عن الموافقة ومباركة الحركة اعطت جمعيتى " العربية الفتاة " و" العهد " فيصل بن الحسين خريطة لحدود الدولة العربية لكي تعينهم اثناء الحرب، كما وضعوا لائحة بها عدة مطالب يريدون الحصول عليها عند نيل الاستقلال أو ما سمي بروتوكول دمشق. وهو البروتوكول الذى وضعه العرب عند موافقتهم على اقامة الثورة العربية الكبرى ومبايعة قيام الثورة للشريف حسين، وقد وضعوا به عده مطالب لكي يتم التفاوض عليها مع بريطانيا بعد قيام الثورة، وكانت تلك المطالب هى:
إلغاء الامتيازات الأجنبية. وعقد تحالف دفاعي بين بريطانيا والدولة العربية المستقلة. ومنح بريطانيا الأفضلية في الشؤون الاقتصادية. وان تعترف بريطانيا باستقلال البلاد العربية الواقعة ضمن الحدود، شمالا والتى تبدأ عند خط مرسين واطنة وتمتد على أورفة وماردين وجزيرة عمر ثم اخيرا حدود فارس. اما من ناحية الشرق فهى كانت حدود ايران حتى الخليج العربى وفى الجنوب كان المحيط الهندى ما عدا جزء عدن. واما من ناحية الغرب فكان البحر الاحمر والابيض المتوسط حتى مرسين في تركيا.
وهكذا، فقد احتدم الخلاف اكثر بين العرب والعثمانيين خصوصا عندما تم تعيين "وهيب باشا" العثماني بان يكون واليا على الحجاز، وذلك من اجل ان يجمع فى قبضة يده السلطة على الحياة المدنية والعسكرية وبالتالى محاولة القضاء على الشرافة وحكم الشريف حسين، وهكذا اصبح الاحتدام بين الدولة العثمانية والشريف حسين فبادرت بريطانيا بان تجعل نفسها حليفا للشريف حسين بالتطميع فى اقامة الدولة العربية التى طالما حلم بها كل العرب. (انظر مراسلات الحسين – مكماهون في قسم الوثائق في نهاية هذا الكتاب)
بدأت المراسلات بين الحسين ومكماهون فى 1912 م عند زيارة "عبد الله ابن الشريف حسين" للمعتمد البريطانى فى القاهرة " كتشنر" ليتباحثا فى شأن الوضع العربى العثمانى فى الحجاز وعن موقف بريطانيا اذا ما نشبت حرب بين الحسين والاتحاديين في تركيا. كان اللقاء بالنسبة لبريطانيا مثمرا فعلى الاقل اصبحت بريطانيا على دراية لما يطمح اليه العرب، وستستغله اذا ما تبدلت الظروف فقد كانت في ذلك الوقت على علاقة حسنة مع الخلافة العثمانية. فلما ساءت بعد ذلك العلاقة بين تركيا وبريطانيا حينما زادت اطماع الاخيرة في الممتلكات العثمانية، راحت بريطانيا تعيد النظر فى العرض الذى كان قد طرحه عليها عبدالله ابن الشريف حسين. فاستأنفت المفاوضات سنة 1914 م وتم اعادة الاتصالات والتجهيز للحرب والثورة على تركيا.
كانت الرسالة الاولى التى ارسلها الشريف حسين الى المعتمد البريطانى في القاهرة هي وثيقة بروتوكول دمشق القومي العربي، لكي يكون الاساس العام للتحالف العربي البريطاني ضد الاتراك. لكن بريطانيا ومعها فرنسا الحليفتين ضد دولة العثمانيين خدعتا العرب، واستعملتهم بريطانيا كطعم ضد الاتراك لتحقيق مصالح الدولتين، فعملت بريطانيا وفرنسا اتفاقا سريا خلف ظهر الحلفاء العرب وتقاسمتا مغانم دولة العثمانيين ولم تكن الحرب قد انتهت بعد، فكانت معاهدة "سايكس – بيكو سنة 1916 م" خديعة للعرب.
وعلى هذا الاساس عملت القوات العربية بقيادة الامير فيصل على نسف خط سكة حديد الحجاز الذى كان يربط بين الحجاز والخلافة العثمانية، واحتلت ينبع والعقبة التى اتخذتها القوات العربية نقطة ارتكاز لها لتمولها بريطانيا بالامدادات العسكرية، وفي ثلاثة اشهر فقط منذ بدء اعلان الثورة تم الاستيلاء على مدن الحجاز الكبرى باستثناء المدينة المنورة التى بقيت محاصرة حتى نهاية الحرب. استطاع أفراد القبائل مساعدة ضابط المخابرات البريطاني الشهير "لورنس" من منع وصول الدعم التركى للجيش فى منطقة الحجاز والمدينة المنورة ومعان ودمشق والعقبة واخيرا حلب فى عام 1919 م. وليس هذا فحسب بل ان الجيش العربي بقيادة فيصل بن الحسين هو الذي استولى على الاردن، وبذلك تمت محاصرة الحاميات التركية في فلسطين، فكانت مهمة الجيش البريطاني بقيادة الجنرال اللنبي سهلة في الدخول الى القدس واحتلال فلسطين.
واما المراسلات بين الشريف حسين ومكماهون فقد تمت في اطار ما كانت تجريه الاستخبارات البريطانية في مكتبيها بمصر وبالهند، وذلك حول امكانية قيام ثورة عربية ضد الاتراك العثمانيين من جهة، ولطمأنة رعايا بريطانيا من المسلمين بسلامة الاماكن المقدسة من جهة اخرى، وقد جرت المراسلات على مرحلتين:
المرحلة الاولى: بواسطة الشريف "عبد الله" النجل الثاني للشريف حسن بن علي، الذي حاول معرفة موقف الحكومة البريطانية في حال اضطرار الشريف الى الدفاع عن الحجاز، وحمايته من تعديات الاتراك، وكان ذلك بينما هو يمر بالقاهرة في طريقه الى إسطنبول. حيث كان يلتقي اللورد "كتشنر" المعتمد البريطاني، و "رونالد ستورز" السكرتير الشرقي في دار الاعتماد. قال اللورد كتشنر: "اذا ساعدت الامة العربية انجلترا في هذه الحرب التي فرضتها تركيا علينا فرضا، فان انجلترا ستضمن عدم وقوع تدخل في الشئون الداخلية لجزيرة العرب، وستقدم للعرب كل مساعدة ضد اي عدوان خارجي".
المرحلة الثانية: وقد بدأها "وينجيت" بواسطة السيد "علي الميرغني" الذي اقترح بعد اتصالاته في مذكرة من الخرطوم مؤرخة في 6 مايو 1915 م، بان تلتزم بريطانيا بمطالب الحسين. وعلى ذلك استكملت الاتصالات مع "هنري مكماهون" أو ما سمي "مراسلات الشريف حسين – مكماهون".
بدأت المراسلات بين الشريف حسين ومكماهون في 14 يوليو 1915 م واستمرت حتى 10 مارس 1916 م وبلغ مجموع الرسائل المتبادلة فيها عشر رسائل، وكان هدف الإنجليز منها إشعال الثورة ضد الأتراك.
الرسالة الأولى التي بعثها الشريف حسين حملت إلى مكماهون مقترحات محددة بشأن حدود الدولة العربية التي طالب باستقلالها، وأن توافق بريطانيا على إعلان خليفة عربي للمسلمين، وألمح الشريف حسين أن هذه المطالب نهائية للبلاد العربية، ولا يقبل العرب المساومة عليها، وفي أغسطس 1915 م بعث مكماهون برده على رسالة الشريف، وموافقة بريطانيا على أن يكون الخليفة عربيًا عند إعلان الخلافة، لكنه حاول إقناع الحسين بإرجاء الكلام في مسألة الحدود المقترحة للدولة العربية.
لم يكن رد مكماهون سارا للشريف حسين، فكتب إلى مكماهون رسالة يعرب فيها عن دهشته لتهربه من مسألة الحدود وهي مسألة جوهرية، فأجابه مكماهون برسالة في 24 أكتوبر 1915 م بتعهدات قوية في قيام الدولة العربية وحمايتها. وعلى هذا الاساس ظل العرب بعد الحرب يتهمون بريطانيا بانها لم تف بوعدها لهم.
في 15 نوفمبر 1915 م رد الحسين على مكماهون برسالة جاء فيها: "رغبة في تسهيل الاتفاق وخدمة الإسلام واجتناب كل ما من شأنه تعكير صفو المسلمين، واعتمادا على نيات بريطانيا العظمى ومواقفها الحميدة فإننا نتنازل عن إصرارنا على ضم مرسين وأطنة إلى المملكة" إلا أنه تمسك بولايتي: حلب وبيروت، الا أن مكماهون بعث إليه برسالة أصرّ فيها على استثناء حلب وبيروت من الدولة العربية، ودعى الشريف حسين الى البدء بالثورة. فعاد الشريف حسين إلى إرسال مكاتبة أخرى إلى مكماهون يبلغه فيها استعداده للتنازل عن منطقة غرب دمشق، حلب، حمص، على أن يكون من حق العرب المطالبة بها بعد انتهاء الحرب.
في 10 مارس 1916 م بعث مكماهون برسالة إلى حسين بموافقة بريطانيا على جميع مطالبه عدا انه طلب استبعاد محمية عدن ومرسين وجنوب العراق وحمص مبدئيا أن تكون جزء من الدولة العربية، على أن يكون من حقه المطالبة بها بعد انتهاء الحرب.
لم تسفر تلك الرسائل عن منح العرب أية مطالب، فكان فقط نصيب الشريف حسين أن خلد اسمه في التاريخ بوصفه قائد الثورة العربية الكبرى. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في عام 1918 م بدأت انجلتر وفرنسا تقسيم أملاك الخلافة العثمانية أو تركة الرجل المريض كما أسموها وطبقوا اتفاقية سايكس بيكو الشهيرة مع تعديل بجعل فلسطين تحت الانتداب البريطاني وشرع في تنفيذ وعد بلفور بطريقة عملية وجادة على الارض في فلسطين.
_________________________
ولد الشريف حسين في الآستانة بتركيا حيث كان أبوه منفياً فيها. انتقل مع والده إلى مكة وكان عمره ثلاث سنوات، نشأ وتعلم وتفقه ونظم الشعر وتعلم الفروسية والصيد. أحبه عمه الشريف "عبدالله باشا" أمير مكة فوثق به وعهد اليه بالمهمات. أحكم صلته بالقبائل في نجد، ولما مات أبوه وعمه وآلت إمارة مكة إلى عمه الثاني "عون الرفيق"، لم يحتمل العم تدخل الشريف حسين في شؤون الإمارة، التي كانت تابعة للدولة العثمانية في ذلك الوقت، فما كان من عمه الا أن طلب من السلطات العثمانية إبعاده من الحجاز، فتم نفيه إلى الآستانة، وصار فيها من أعضاء مجلس "شورى الدولة".
أقام في تركيا إلى أن توفي عمه "عون الرفيق"، ثم توفى عمه الثالث "عبد الإله" فعين أميراً لمكة سنة 1908م فعاد إليها، وقاد بحملة إلى بلاد عسير بالحجاز، كانت نجدة للترك، فقاتل "الإدريسي" في عسير.
وفي مسعى بريطانيا لتقويض أركان الخلافة العثمانية، استخدمت النزعة القومية لتحقيق هدفها فشجعت على إنشاء جمعية الاتحاد والترقي في تركيا التي تنادي بتفوق الأتراك وفصلهم عن العالم العربي. ولما نشبت الحرب العالمية الأولى سنة 1914م، واشتدت جمعية "تركيا الفتاة" السرية في العمل بواسطة حزبها العلني "الاتحاد والترقي" على تتريك العناصر في الدولة، فقتلت جمهرة من حملة الفكرة العربية وطلائع يقظتها الحديثة، وشرّدت الكثيرين، ونمت في بلاد الشام والعراق والحجاز روح النقمة على الترك والدعوة إلى الانفصال عنهم.
انتهز البريطانيون الفرصة، وهم في حرب مع دولة آل عثمان وحليفتها المانيا، فاتصلوا بالشريف حسين، وكاتبوه من مصر، وكان على غير وفاق مع موظفي "الدولة" العثمانية في الحجاز، فنهض وأطلق رصاصته الأولى بمكة سنة 1916م، حاصر من كان في البلاد الحجازية من عساكر الترك، وأمده الإنكليز بالمال والسلاح، ونُعت بالملك "المنقذ"، ووجه ابنه فيصل إلى سورية فدخلها مع الجيش البريطاني، فاتحاً، وبانتهاء الحرب العالمية (سنة 1918م) تم استيلاء الحسين على الحجاز كله. وأرسل ابنه الثاني "عبدالله" بجيش ضخم لإخضاع واحتي "تربة" و"الخُرمة" في شرقي الطائف، وكانتا مواليتين لابن سعود الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، زعيم نجد في ذلك الحين، فعسكر بينهما، فباغته رجالهما يقودهم بعض أتباع ابن سعود سنة 1919م فانهزم عبدالله بفلول قليلة من عساكره، وأضاع الحسين في هذه الحملة أكبر قوة جمعها.
تداعت الامور اكثر، فاخرج الفرنسيون ابنه فيصل من سورية بعد معركة ميسلون سنة 1920م واحتلوها، ولما استنجد بعض زعمائها بالحسين، وجه اليها ابنه "عبدالله" لكي يثأر لأخيه، أو ليجمع على حدود سورية قوة تكون نواة لجيش يقلق المحتل. اقترب عبدالله من سوريا، ونزل ببلدة عمّان (عاصمة الاردن حاليا) ودعاه الإنكليز إلى القدس، فاتفقوا معه على أن تكون له إمارة "شرقي الأردن" فأقام بعمان، وتناسى ما جاء من أجله.
ولما استفحلت ثورة العراق على الإنجليز، ساعدوا فيصل بن الحسين على اعتلاء العرش في بغداد، فتولاه، وأصبح للحسين جناحان قويان: فيصل في شمال شبه الجزيرة، وعبدالله في شمالها الغربي. ولما حاول ابن سعود ان يتقرب اليه راغبا في الصلح وكان الحسين قد زار عمان سنة 1924م وبايعه ألناس بالخلافة. عاد إلى مكة ملقباً بأمير المؤمنين، فأراد أهل "نجد" الحج، فلم يأذن بدخولهم الحجاز، فاشتد توتر الحال بينه وبين ابن سعود، وأقبلت جموع من نجد وتربة والخرمة إلى مدينة "الطائف" فمزقت جيش الحسين المرابط فيها، واحتلتها، وسرى الذعر إلى مكة.
ولما اتصل الشريف حسين بالقنصل البريطاني في جدة طالبا العون، أجابه هذا بأن حكومته قررت الحياد. اجتمع بجدة بعض ذوي الرأي من أهلها وأهل مكة، فاتفقوا على نصح الحسين بالتخلي عن العرش لكبير أبنائه "علي" ففعل، وانتقل من مكة إلى جدة سنة 1924م ثم ركب البحر إلى "العقبة" التي كانت تقع عند آخر حدود الحجاز في الشمال، وكانت في ولاية ابنه عبدالله، فأقام بضعة أشهر، ثم أخبره ابنه عبد الله بأن البريطانيين يرون أن إقامته فيها قد تحمل "ابن سعود" على مهاجتمتها، وتلقى إنذاراً بريطانياً بوجوب رحيله عنها، ووصلت إلى مينائها مدمرة بريطانية، ركبها وهو ساخط، إلى جزيرة قبرص سنة 1925م فأقام ست سنين في قبرص ومرض، فأذن الإنجليز بسفره إلى عمّان، فجاءه ابناه فيصل وعبدالله، وصحباه الى عمان، فمكث معتلاً ستة أشهر وأياماً، ووافته المنية، فحمل إلى القدس، ودفن في المسجد الأقصى. (عن ملوك العرب)
لكن الامور لم تكن فقط بذاك الاختصار كما ورد في الحديث السابق عن الشريف حسين بن علي، فقد يكون من المفيد للقاريء العربي الاطلاع على تطورات الاحداث خلال الحرب العالمية الاولى ومقارنتها بما حدث بعد ذلك:
نشبت الحرب العالمية الأولى سنة 1914 م، و نمت روح النقمة على العثمانيين في بلاد المناطق العربية خصوصا في الشام والعراق والحجاز، وحلم العرب فى الاستقلال من تبعية الحكم التركى العثمانى، فانتهز البريطانيون الفرصة بينما هم في حرب مع دولة آل عثمان والألمان، اتصلوا بالشريف حسين من مصر، ووعدوه بخلافة عربية اسلامية، من مصر إلى بلاد فارس ما عدا مصالحهم في الكويت وعدن والساحل السوري إن هو عاونهم وثار على العثمانيين.
وكان قد تم وضع مباديء الثورة العربية بناء على الاتفاق الذى تم بين الشريف حسين حاكم مكة وبين قادة الجمعيات والمنظمات العربية في سوريا والعراق ضمن ميثاق قومى عربى موحد يهدف الى اقامة الدولة العربية الموحدة. وعلى ذلك تمت مكاتبات ومراسلات بين الشريف حسين بن علي وهنري مكماهون ممثل ملك انجلترا في مصر بعد ان ارسل " الشريف حسين ابنه " فيصل" الى دمشق سنة 1915م لكي يتصل بزعماء الحركة القومية العربية وعرض الامر عليهم فباركوا القيام بالثورة. وتعبيرا عن الموافقة ومباركة الحركة اعطت جمعيتى " العربية الفتاة " و" العهد " فيصل بن الحسين خريطة لحدود الدولة العربية لكي تعينهم اثناء الحرب، كما وضعوا لائحة بها عدة مطالب يريدون الحصول عليها عند نيل الاستقلال أو ما سمي بروتوكول دمشق. وهو البروتوكول الذى وضعه العرب عند موافقتهم على اقامة الثورة العربية الكبرى ومبايعة قيام الثورة للشريف حسين، وقد وضعوا به عده مطالب لكي يتم التفاوض عليها مع بريطانيا بعد قيام الثورة، وكانت تلك المطالب هى:
إلغاء الامتيازات الأجنبية. وعقد تحالف دفاعي بين بريطانيا والدولة العربية المستقلة. ومنح بريطانيا الأفضلية في الشؤون الاقتصادية. وان تعترف بريطانيا باستقلال البلاد العربية الواقعة ضمن الحدود، شمالا والتى تبدأ عند خط مرسين واطنة وتمتد على أورفة وماردين وجزيرة عمر ثم اخيرا حدود فارس. اما من ناحية الشرق فهى كانت حدود ايران حتى الخليج العربى وفى الجنوب كان المحيط الهندى ما عدا جزء عدن. واما من ناحية الغرب فكان البحر الاحمر والابيض المتوسط حتى مرسين في تركيا.
وهكذا، فقد احتدم الخلاف اكثر بين العرب والعثمانيين خصوصا عندما تم تعيين "وهيب باشا" العثماني بان يكون واليا على الحجاز، وذلك من اجل ان يجمع فى قبضة يده السلطة على الحياة المدنية والعسكرية وبالتالى محاولة القضاء على الشرافة وحكم الشريف حسين، وهكذا اصبح الاحتدام بين الدولة العثمانية والشريف حسين فبادرت بريطانيا بان تجعل نفسها حليفا للشريف حسين بالتطميع فى اقامة الدولة العربية التى طالما حلم بها كل العرب. (انظر مراسلات الحسين – مكماهون في قسم الوثائق في نهاية هذا الكتاب)
بدأت المراسلات بين الحسين ومكماهون فى 1912 م عند زيارة "عبد الله ابن الشريف حسين" للمعتمد البريطانى فى القاهرة " كتشنر" ليتباحثا فى شأن الوضع العربى العثمانى فى الحجاز وعن موقف بريطانيا اذا ما نشبت حرب بين الحسين والاتحاديين في تركيا. كان اللقاء بالنسبة لبريطانيا مثمرا فعلى الاقل اصبحت بريطانيا على دراية لما يطمح اليه العرب، وستستغله اذا ما تبدلت الظروف فقد كانت في ذلك الوقت على علاقة حسنة مع الخلافة العثمانية. فلما ساءت بعد ذلك العلاقة بين تركيا وبريطانيا حينما زادت اطماع الاخيرة في الممتلكات العثمانية، راحت بريطانيا تعيد النظر فى العرض الذى كان قد طرحه عليها عبدالله ابن الشريف حسين. فاستأنفت المفاوضات سنة 1914 م وتم اعادة الاتصالات والتجهيز للحرب والثورة على تركيا.
كانت الرسالة الاولى التى ارسلها الشريف حسين الى المعتمد البريطانى في القاهرة هي وثيقة بروتوكول دمشق القومي العربي، لكي يكون الاساس العام للتحالف العربي البريطاني ضد الاتراك. لكن بريطانيا ومعها فرنسا الحليفتين ضد دولة العثمانيين خدعتا العرب، واستعملتهم بريطانيا كطعم ضد الاتراك لتحقيق مصالح الدولتين، فعملت بريطانيا وفرنسا اتفاقا سريا خلف ظهر الحلفاء العرب وتقاسمتا مغانم دولة العثمانيين ولم تكن الحرب قد انتهت بعد، فكانت معاهدة "سايكس – بيكو سنة 1916 م" خديعة للعرب.
وعلى هذا الاساس عملت القوات العربية بقيادة الامير فيصل على نسف خط سكة حديد الحجاز الذى كان يربط بين الحجاز والخلافة العثمانية، واحتلت ينبع والعقبة التى اتخذتها القوات العربية نقطة ارتكاز لها لتمولها بريطانيا بالامدادات العسكرية، وفي ثلاثة اشهر فقط منذ بدء اعلان الثورة تم الاستيلاء على مدن الحجاز الكبرى باستثناء المدينة المنورة التى بقيت محاصرة حتى نهاية الحرب. استطاع أفراد القبائل مساعدة ضابط المخابرات البريطاني الشهير "لورنس" من منع وصول الدعم التركى للجيش فى منطقة الحجاز والمدينة المنورة ومعان ودمشق والعقبة واخيرا حلب فى عام 1919 م. وليس هذا فحسب بل ان الجيش العربي بقيادة فيصل بن الحسين هو الذي استولى على الاردن، وبذلك تمت محاصرة الحاميات التركية في فلسطين، فكانت مهمة الجيش البريطاني بقيادة الجنرال اللنبي سهلة في الدخول الى القدس واحتلال فلسطين.
واما المراسلات بين الشريف حسين ومكماهون فقد تمت في اطار ما كانت تجريه الاستخبارات البريطانية في مكتبيها بمصر وبالهند، وذلك حول امكانية قيام ثورة عربية ضد الاتراك العثمانيين من جهة، ولطمأنة رعايا بريطانيا من المسلمين بسلامة الاماكن المقدسة من جهة اخرى، وقد جرت المراسلات على مرحلتين:
المرحلة الاولى: بواسطة الشريف "عبد الله" النجل الثاني للشريف حسن بن علي، الذي حاول معرفة موقف الحكومة البريطانية في حال اضطرار الشريف الى الدفاع عن الحجاز، وحمايته من تعديات الاتراك، وكان ذلك بينما هو يمر بالقاهرة في طريقه الى إسطنبول. حيث كان يلتقي اللورد "كتشنر" المعتمد البريطاني، و "رونالد ستورز" السكرتير الشرقي في دار الاعتماد. قال اللورد كتشنر: "اذا ساعدت الامة العربية انجلترا في هذه الحرب التي فرضتها تركيا علينا فرضا، فان انجلترا ستضمن عدم وقوع تدخل في الشئون الداخلية لجزيرة العرب، وستقدم للعرب كل مساعدة ضد اي عدوان خارجي".
المرحلة الثانية: وقد بدأها "وينجيت" بواسطة السيد "علي الميرغني" الذي اقترح بعد اتصالاته في مذكرة من الخرطوم مؤرخة في 6 مايو 1915 م، بان تلتزم بريطانيا بمطالب الحسين. وعلى ذلك استكملت الاتصالات مع "هنري مكماهون" أو ما سمي "مراسلات الشريف حسين – مكماهون".
بدأت المراسلات بين الشريف حسين ومكماهون في 14 يوليو 1915 م واستمرت حتى 10 مارس 1916 م وبلغ مجموع الرسائل المتبادلة فيها عشر رسائل، وكان هدف الإنجليز منها إشعال الثورة ضد الأتراك.
الرسالة الأولى التي بعثها الشريف حسين حملت إلى مكماهون مقترحات محددة بشأن حدود الدولة العربية التي طالب باستقلالها، وأن توافق بريطانيا على إعلان خليفة عربي للمسلمين، وألمح الشريف حسين أن هذه المطالب نهائية للبلاد العربية، ولا يقبل العرب المساومة عليها، وفي أغسطس 1915 م بعث مكماهون برده على رسالة الشريف، وموافقة بريطانيا على أن يكون الخليفة عربيًا عند إعلان الخلافة، لكنه حاول إقناع الحسين بإرجاء الكلام في مسألة الحدود المقترحة للدولة العربية.
لم يكن رد مكماهون سارا للشريف حسين، فكتب إلى مكماهون رسالة يعرب فيها عن دهشته لتهربه من مسألة الحدود وهي مسألة جوهرية، فأجابه مكماهون برسالة في 24 أكتوبر 1915 م بتعهدات قوية في قيام الدولة العربية وحمايتها. وعلى هذا الاساس ظل العرب بعد الحرب يتهمون بريطانيا بانها لم تف بوعدها لهم.
في 15 نوفمبر 1915 م رد الحسين على مكماهون برسالة جاء فيها: "رغبة في تسهيل الاتفاق وخدمة الإسلام واجتناب كل ما من شأنه تعكير صفو المسلمين، واعتمادا على نيات بريطانيا العظمى ومواقفها الحميدة فإننا نتنازل عن إصرارنا على ضم مرسين وأطنة إلى المملكة" إلا أنه تمسك بولايتي: حلب وبيروت، الا أن مكماهون بعث إليه برسالة أصرّ فيها على استثناء حلب وبيروت من الدولة العربية، ودعى الشريف حسين الى البدء بالثورة. فعاد الشريف حسين إلى إرسال مكاتبة أخرى إلى مكماهون يبلغه فيها استعداده للتنازل عن منطقة غرب دمشق، حلب، حمص، على أن يكون من حق العرب المطالبة بها بعد انتهاء الحرب.
في 10 مارس 1916 م بعث مكماهون برسالة إلى حسين بموافقة بريطانيا على جميع مطالبه عدا انه طلب استبعاد محمية عدن ومرسين وجنوب العراق وحمص مبدئيا أن تكون جزء من الدولة العربية، على أن يكون من حقه المطالبة بها بعد انتهاء الحرب.
لم تسفر تلك الرسائل عن منح العرب أية مطالب، فكان فقط نصيب الشريف حسين أن خلد اسمه في التاريخ بوصفه قائد الثورة العربية الكبرى. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في عام 1918 م بدأت انجلتر وفرنسا تقسيم أملاك الخلافة العثمانية أو تركة الرجل المريض كما أسموها وطبقوا اتفاقية سايكس بيكو الشهيرة مع تعديل بجعل فلسطين تحت الانتداب البريطاني وشرع في تنفيذ وعد بلفور بطريقة عملية وجادة على الارض في فلسطين.
_________________________