شي من الاقتصاد الاعلامي
مرسل: الأحد إبريل 28, 2013 3:00 pm
الإعلام كالمجتمع، له «بنيته التحتية (الاقتصادية)»، و«بنيته الفوقية (السياسية والفكرية..)»؛ وكالتاريخ، يستقيم ويصح فهمه، ويتيسر تمييز الحقائق فيه من الأوهام، إذا ما سعينا في تفسيره تفسيرا اقتصاديا، فإنَّ لِمَا يمكن تسميته «الاقتصاد الإعلامي» أهمية قصوى في فهم وتفسير ظواهر حياتنا الإعلامية والصحافية.
نتمنى أن تكون 2010 سنة «الاستقلال الاقتصادي» للصحافة الأردنية (اليومية على وجه الخصوص) عن الحكومة، فالصحافة، وبصفة كونها «سلطة رابعة»، حان لها أن تنعم بمبدأ «فصل السلطات»، وبالاستقلال الاقتصادي عن السلطة التنفيذية، بصفة كونه الأساس الصلب والوطيد لاستقلالها الإعلامي والسياسي والفكري..
«الحكومة»، أي كل حكومة، ليست بجمعية خيرية، تعمل لوجه الله تعالى، وتتوفَّر على أعمال البرِّ والإحسان، لا تريد جزاء أو شكورا؛ وينبغي لنا، بالتالي، ألاَّ نضرب صفحا عن أمر هو في منزلة البديهية والمسلَّمة، وهو أنَّ الحكومة تتَّخِذ من اشتراكات وزاراتها ومؤسساتها في الصحف، ونشر إعلاناتها فيها، سياسة للسيطرة والإخضاع، تشبه كثيرا سياسة العصا والجزرة، فالعصا هي أن تسْبِغ على صحيفة نعمة «الاشتراك» و«الإعلان»، والجزرة هي أن تَمْنَع عنها هذه النعمة.
إنَّها، أي الحكومة، لا تلعب هذه اللعبة، لعبة «المَنْح والمنع»، إلاَّ توصّلا لأمر من أمرين اثنين: شراء التأييد، أي تأييد الصحيفة لها، أو شراء سكوتها على الأقل.
ويكفي أن يشتد التنافس بين الصحف اليومية في الحصول على حصَّة أكبر من الاشتراكات والإعلانات الحكومية حتى تضعف وتتلاشى مقاومة تلك الصحف للمساعي الحكومية للسيطرة عليها وإخضاعها بـ «القوَّة الناعمة».
و«القوَّة (الحكومية) الناعمة»، بوجهيها، أي «الاشتراكات» و«الإعلانات»، إنَّما يستعملها، في المقام الأوَّل، النافذون في الوزارات والمؤسسات الحكومية، دفاعا عن «سياسة» ترتضيها وتحبِّذها مصالح شخصية وفئوية ضيِّقة، هي، عادة، في تعارض مع مصالح عامة. وهمْ يستعملونها إيجابا لتأليف قلوب الصحف، وسلبا للعقاب والردع. إنَّ «سياسة» تفْقِد الصحافة استقلالها السياسي هي ما يكمن، على وجه العموم، في «الاشتراكات» و«الإعلانات» الحكومية، أي في ما تقدِّمه الحكومة إلى الصحف من «مساعدة مالية»، لا تختلف من حيث الدافع والغاية عمَّا يقدِّمه إلينا صندوق النقد الدولي من «مساعدات مالية».
إنَّنا في مجتمع يَشْهَد اتِّساعا لظاهرة «العائلات التجارية ـ السياسية»، ومزيدا من الاندماج والتداخل بين «عالم الأعمال (البيزنس)» و«عالم السياسة»، حتى أصبح من الصعوبة بمكان تمييز «التجَّار» من «الساسة»، و«التجارة» من «السياسة». وثمَّة، بالتالي، رجال أعمال ومستثمرون أصبح لديهم من تشابك المصالح الاقتصادية والمصالح السياسية ما شدَّد الحاجة لديهم إلى تملّك أدوات إعلامية كالصحف.
إنَّه نمط من الإعلام، اسْتَحْدثته مصالح وحاجات تلك العائلات، لا يستهدف أصحابه ربحا، أو معدَّل ربح، كالذي يستهدفونه في مشاريعهم الاقتصادية والتجارية والاستثمارية العادية، فإذا خَسِر فإنَّه لا يخسر إلاَّ ليعود على أصحابه بالربح والنفع والفائدة في «العالم الآخر» حيث كل شيء خير وأبقى.. أي في «عالم السياسة»، أو في «عالم الأعمال - السياسة».
وهذا الإعلام، الذي يسْتَنْبَت في تربة «القطاع الخاص»، ويترعرع ويزدهر في مناخه، يمكن أن يجنح لشيء من الليبرالية، توصّلا إلى حيازة واكتساب مزيد من النفوذ الشعبي الإعلامي؛ ولكنَّه مهما علا وارتفع وحلَّق بعيدا، في قضايا وأمور ليست بالجوهرية، لن يَخْرج، في غيرها، أي في القضايا والأمور الجوهرية، عن المدار الذي ينبغي له أن يدور فيه، والذي هو كناية عن المصالح التي خدمة لها وجِدَت تلك الأداة الإعلامية.
أمَّا العاقبة الحتمية والطبيعية فهي وقوع الجريدة، بحريتها واستقلالها ورسالتها، بين مطرقة «الاشتراكات» و«الإعلانات» الحكومية وسندان مصالح الذي إليه (أو إليهم) تعود ملكيتها.
لقد حان للصحافة، بصفة كونها «صانع الرأي العام»، والساعية دائما إلى الموضوعية في إجابة سؤال «ماذا حدث؟»، وسؤال «لماذا حدث؟»، وإلى التوسّع في اكتشاف مجتمعها، بقضاياه وحاجاته وهمومه واهتماماته وميوله الحقيقية، أن تحصِّن نفسها ضد سياسة العصا والجزرة الحكومية، وأنْ تؤسِّس لها «بنية تحتية (اقتصادية)»، تضمن لها أن تكون حرَّة مستقلة، سياسيا وفكريا.
مِلْكية الصحافة عندنا تطرَّفت في تناقضها، فلم نرَ حتى الآن إلاَّ صحافة «القطاع العام»، أي التي تملكها الدولة، أو صحافة «القطاع الخاص»، أي التي يملكها أفراد. وأحسب أنَّ هذا التناقض يقوَّم على خير وجه بالتأسيس لصحافة مملوكة ملكية جماعية، فالجماعات الحزبية، وغير الحزبية التي يشترك أفرادها في مصالح وحاجات ما، هي التي ينبغي لها أن تتملَّك جرائد، تَعْكِس مصالحها وحاجاتها وقضاياها، وتعبِّر من خلالها عن وجهات نظرها العامة. إنَّ جريدة تموِّل نفسها بنفسها، وبالمساهمات المالية من أعضاء الجماعة المالكة لها، ومن أنصارها، هي التي يجب أن تكون الاتِّجاه الجديد في تطوّرنا الإعلامي.
أمَّا «الإعلان» بأنواعه المختلفة، فيجب ألاَّ يكون له مكان في صحافتنا اليومية، فالدولة يمكنها وينبغي لها أن تصْدِر «جريدة إعلانية»، توزَّع مجانا مع كل صحيفة يومية، فالمواطِن يشتري جريدة يومية ما، ويحصل معها على تلك «الجريدة الإعلانية»، التي تشتمل على «الإعلانات الحكومية» و«الإعلانات التجارية» و«الوفيات».. إنَّ استقلال الجريدة اليومية عن «الإعلان الحكومي»، و«الإعلان التجاري»، وعن الدولة والقطاع الخاص في مِلْكيتها، هو السبيل إلى إعلام قوي وحيوي، يصنع الرأي العام بما يخدم المصالح العامة.
نتمنى أن تكون 2010 سنة «الاستقلال الاقتصادي» للصحافة الأردنية (اليومية على وجه الخصوص) عن الحكومة، فالصحافة، وبصفة كونها «سلطة رابعة»، حان لها أن تنعم بمبدأ «فصل السلطات»، وبالاستقلال الاقتصادي عن السلطة التنفيذية، بصفة كونه الأساس الصلب والوطيد لاستقلالها الإعلامي والسياسي والفكري..
«الحكومة»، أي كل حكومة، ليست بجمعية خيرية، تعمل لوجه الله تعالى، وتتوفَّر على أعمال البرِّ والإحسان، لا تريد جزاء أو شكورا؛ وينبغي لنا، بالتالي، ألاَّ نضرب صفحا عن أمر هو في منزلة البديهية والمسلَّمة، وهو أنَّ الحكومة تتَّخِذ من اشتراكات وزاراتها ومؤسساتها في الصحف، ونشر إعلاناتها فيها، سياسة للسيطرة والإخضاع، تشبه كثيرا سياسة العصا والجزرة، فالعصا هي أن تسْبِغ على صحيفة نعمة «الاشتراك» و«الإعلان»، والجزرة هي أن تَمْنَع عنها هذه النعمة.
إنَّها، أي الحكومة، لا تلعب هذه اللعبة، لعبة «المَنْح والمنع»، إلاَّ توصّلا لأمر من أمرين اثنين: شراء التأييد، أي تأييد الصحيفة لها، أو شراء سكوتها على الأقل.
ويكفي أن يشتد التنافس بين الصحف اليومية في الحصول على حصَّة أكبر من الاشتراكات والإعلانات الحكومية حتى تضعف وتتلاشى مقاومة تلك الصحف للمساعي الحكومية للسيطرة عليها وإخضاعها بـ «القوَّة الناعمة».
و«القوَّة (الحكومية) الناعمة»، بوجهيها، أي «الاشتراكات» و«الإعلانات»، إنَّما يستعملها، في المقام الأوَّل، النافذون في الوزارات والمؤسسات الحكومية، دفاعا عن «سياسة» ترتضيها وتحبِّذها مصالح شخصية وفئوية ضيِّقة، هي، عادة، في تعارض مع مصالح عامة. وهمْ يستعملونها إيجابا لتأليف قلوب الصحف، وسلبا للعقاب والردع. إنَّ «سياسة» تفْقِد الصحافة استقلالها السياسي هي ما يكمن، على وجه العموم، في «الاشتراكات» و«الإعلانات» الحكومية، أي في ما تقدِّمه الحكومة إلى الصحف من «مساعدة مالية»، لا تختلف من حيث الدافع والغاية عمَّا يقدِّمه إلينا صندوق النقد الدولي من «مساعدات مالية».
إنَّنا في مجتمع يَشْهَد اتِّساعا لظاهرة «العائلات التجارية ـ السياسية»، ومزيدا من الاندماج والتداخل بين «عالم الأعمال (البيزنس)» و«عالم السياسة»، حتى أصبح من الصعوبة بمكان تمييز «التجَّار» من «الساسة»، و«التجارة» من «السياسة». وثمَّة، بالتالي، رجال أعمال ومستثمرون أصبح لديهم من تشابك المصالح الاقتصادية والمصالح السياسية ما شدَّد الحاجة لديهم إلى تملّك أدوات إعلامية كالصحف.
إنَّه نمط من الإعلام، اسْتَحْدثته مصالح وحاجات تلك العائلات، لا يستهدف أصحابه ربحا، أو معدَّل ربح، كالذي يستهدفونه في مشاريعهم الاقتصادية والتجارية والاستثمارية العادية، فإذا خَسِر فإنَّه لا يخسر إلاَّ ليعود على أصحابه بالربح والنفع والفائدة في «العالم الآخر» حيث كل شيء خير وأبقى.. أي في «عالم السياسة»، أو في «عالم الأعمال - السياسة».
وهذا الإعلام، الذي يسْتَنْبَت في تربة «القطاع الخاص»، ويترعرع ويزدهر في مناخه، يمكن أن يجنح لشيء من الليبرالية، توصّلا إلى حيازة واكتساب مزيد من النفوذ الشعبي الإعلامي؛ ولكنَّه مهما علا وارتفع وحلَّق بعيدا، في قضايا وأمور ليست بالجوهرية، لن يَخْرج، في غيرها، أي في القضايا والأمور الجوهرية، عن المدار الذي ينبغي له أن يدور فيه، والذي هو كناية عن المصالح التي خدمة لها وجِدَت تلك الأداة الإعلامية.
أمَّا العاقبة الحتمية والطبيعية فهي وقوع الجريدة، بحريتها واستقلالها ورسالتها، بين مطرقة «الاشتراكات» و«الإعلانات» الحكومية وسندان مصالح الذي إليه (أو إليهم) تعود ملكيتها.
لقد حان للصحافة، بصفة كونها «صانع الرأي العام»، والساعية دائما إلى الموضوعية في إجابة سؤال «ماذا حدث؟»، وسؤال «لماذا حدث؟»، وإلى التوسّع في اكتشاف مجتمعها، بقضاياه وحاجاته وهمومه واهتماماته وميوله الحقيقية، أن تحصِّن نفسها ضد سياسة العصا والجزرة الحكومية، وأنْ تؤسِّس لها «بنية تحتية (اقتصادية)»، تضمن لها أن تكون حرَّة مستقلة، سياسيا وفكريا.
مِلْكية الصحافة عندنا تطرَّفت في تناقضها، فلم نرَ حتى الآن إلاَّ صحافة «القطاع العام»، أي التي تملكها الدولة، أو صحافة «القطاع الخاص»، أي التي يملكها أفراد. وأحسب أنَّ هذا التناقض يقوَّم على خير وجه بالتأسيس لصحافة مملوكة ملكية جماعية، فالجماعات الحزبية، وغير الحزبية التي يشترك أفرادها في مصالح وحاجات ما، هي التي ينبغي لها أن تتملَّك جرائد، تَعْكِس مصالحها وحاجاتها وقضاياها، وتعبِّر من خلالها عن وجهات نظرها العامة. إنَّ جريدة تموِّل نفسها بنفسها، وبالمساهمات المالية من أعضاء الجماعة المالكة لها، ومن أنصارها، هي التي يجب أن تكون الاتِّجاه الجديد في تطوّرنا الإعلامي.
أمَّا «الإعلان» بأنواعه المختلفة، فيجب ألاَّ يكون له مكان في صحافتنا اليومية، فالدولة يمكنها وينبغي لها أن تصْدِر «جريدة إعلانية»، توزَّع مجانا مع كل صحيفة يومية، فالمواطِن يشتري جريدة يومية ما، ويحصل معها على تلك «الجريدة الإعلانية»، التي تشتمل على «الإعلانات الحكومية» و«الإعلانات التجارية» و«الوفيات».. إنَّ استقلال الجريدة اليومية عن «الإعلان الحكومي»، و«الإعلان التجاري»، وعن الدولة والقطاع الخاص في مِلْكيتها، هو السبيل إلى إعلام قوي وحيوي، يصنع الرأي العام بما يخدم المصالح العامة.