هل من الممكن تقدير عمر افتراضي للنفط؟
مرسل: الأحد إبريل 28, 2013 3:13 pm
نقرأ من حين إلى آخر، ومن مصادر مختلفة، تقديرات مبدئية عن عمر النفط في بلد ما أو تقديرًا لما تبقى من عصر النفط. وهي تقديرات لا تمت إلى الواقع بصلة، خصوصًا ما يتعلق منها بانتهاء عصره الذهبي، سواء بالنضوب أو الاستغناء عنه، كما يظن البعض. ومن أجل تبسيط الأمر فسنحصر الحديث في حالة مثالية، في بلد يُنتِج ويصدر النفط إلى الأسواق العالمية. وهذا ينطبق على معظم دول الخليج، دون أن نحدد دولة بعينها؛ لأننا سنستخدم فرضيات للاحتياطي النفطي ولكمية الإنتاج اليومي.
أكثر الاحتمالات وأقربها قبولاً فرضية أن المواد النفطية كانت قد تكونت منذ مئات الملايين من السنين. ويتفق معظم الجيولوجيين على أنها تكونت من بقايا الحيوانات البرية والنباتات التي كانت تجرفها فيضانات السيول نحو البحار والأماكن المنخفضة، فتختلط مع الحيوانات البحرية ثم تطمرها المواد الرسوبية التي تحملها مجاري السيول. ومع مرور الوقت تتوالى الطبقات فوقها خلال ملايين السنين، حتى بلغ سُمك الطبقات الرسوبية من سطح الأرض إلى أماكن تجمع المواد الحيوانية والنباتات المطمورة آلاف الأقدام. ومع تعرضها لحرارة جوف الأرض وضغط التربة الرسوبية فوقها والتفاعل الكيماوي تحولت إلى حالة السيولة وبعض الغازات الذائبة. وليس بالضرورة أن يكون وجودها الحالي هو مكان تكونها، فقد تكون قد تسربت أو هاجرت من مكانها الأصلي إلى مكامنها الحالية نتيجة للزلازل وحركة الطبقات الأرضية.
وعادة ما تكون محبوسة داخل قبب مقوسة بفعل الزلازل والحركات الجانبية لطبقات الأرض. وما يحول دون تسربها إلى سطح الأرض وجود طبقة صماء غير مُنفِذة في الصخور التي تعلو القبة، أو المَكمَن. وأحيانًا يُطلق على المكمن المصيدة. والمواد النفطية، وكذلك المياه الجوفية، توجد داخل مسام الصخور الميكروسكوبية، وليس داخل فراغات أو غرف كما يظن البعض. والمسام الميكروسكوبية يربط في الغالب بينها منافذ دقيقة تسمح بالسوائل والغازات بالانتقال من خلالها إذا فُتِح لها المجال عن طريق حفر الآبار إلى أعماق المكامن. والقاعدة المعروفة أن الحفر هو الطريقة الوحيدة للتأكد من وجود المواد النفطية بكميات تجارية. وقبل البدء بالإنتاج يحصل المهندسون على عينات من الصخور الحاملة للنفط بطريقة تحفظ حالتها تحت الأرض، فيقيسون نسبة الفراغات الصغيرة التي يحتلها النفط بالنسبة للحجم الكلي لصخور المكمن، إلى جانب الضغط والحرارة. ومنها يحسبون المجموع الكلي للنفط المخزون.
ومن المعروف أن نسبة الاستخلاص من المكامن الصخرية تراوح في أغلب الأحوال بين 30 و50 في المائة فقط. والباقي يظل في مكامنه إلى ما شاء الله، وذلك بموجب تقنيات الإنتاج المعروفة اليوم. ومعظم الحقول النفطية المثالية تحوي ثلاثة مكونات، كمية من الغاز في أعلى المكمن يليه السائل النفطي وتحته كميات كبيرة من الماء الذي تزيد ملوحته على خمسة أضعاف ملوحة ماء البحر. وفي المراحل الأولى من عملية الإنتاج، يصل عمق الآبار إلى منتصف الطبقات الحاملة للنفط من أجل التأكد من عدم إنتاج الماء والغاز غير الذائب. ويشبه وضع النفط بين طبقة الغاز من أعلى والماء من أسفل "بالساندويتش" بين الاثنين. وعند فتح صمامات البئر يندفع السائل النفطي تحت ثلاثة مؤثرات، ضغط الغاز من أعلى وتمدد الماء من أسفل وكمية الغاز الذائب في السائل النفطي. وهذه هي الحالة المثلى للإنتاج، لكنها لا تستمر هكذا طويلاً.
فبعد فترة من الزمن، تحددها عوامل فنية كثيرة، يتسرب الماء إلى مدخل البئر ويتحول الإنتاج إلى خليط من النفط والماء. ومع مرور الوقت ترتفع نسبة الماء، وهو ما يتطلب إضافة مرافق جديدة مُكلِفة تساعد على فصل الماء عن النفط ومن ثم إعادة ضخه إلى الحقل. ولذلك تجد الآن أن معظم الحقول الرئيسة في منطقة الخليج تُنتِج ما بين 30 و60 في المائة من الماء. فلو افترضنا أن نسبة الماء هي 40 في المائة، فإن ذلك يعني أننا من إنتاج كل 100 برميل نحصل على 60 برميل نفط فقط. وهناك بطبيعة الحال عمليات "ترقيعية" تبدأ مع ارتفاع نسبة الماء لمحاولة الحد من وصول الماء إلى بئر الإنتاج حتى لا تصل نسبته إلى مستوى مرتفع جدا. وفي السنوات الأخيرة أسهم الحفر الأفقي في إيجاد طرق أكثر فاعلية للتحكم نسبيًّا في إنتاج كمية الماء المُصاحِب. وعلى الرغم من ذلك فإن نسبة الماء تظل تتزايد مع مرور الوقت واستمرارية الإنتاج حتى تصل إلى مستوى مرتفع قد تعوق جريان النفط إلى مرافق الإنتاج. وفي هذه الحالة، نستعين بالمضخات الغطاسة التي من شأنها زيادة تكلِفة الإنتاج. ومن أجل الحفاظ على مستوى معيًّن من الإنتاج، فلا بًدَّ من حفر وإضافة كثير من الآبار الجديدة عالية التكلِفة، وهي عملية أيضا محدودة وتخضع لأمور اقتصادية مُعقدة.
والهدف من هذا الشرح المطوَّل هو توضيح نقطة مهمة، وهي أن كميات الإنتاج من أي حقل تتناقص مع الزمن بنسب مختلفة. فلو افترضنا أن كامل الاحتياطي القابل للإنتاج في دولة ما هو 100 مليار برميل، وأعلى إنتاجها ثلاثة ملايين برميل نفط صافي في اليوم، أو ما يزيد قليلاً على مليار برميل في السنة. فلو كانت المسألة عملية ضرب وقسمة، لقلنا إن احتياطي هذه الدولة يكفي لمائة سنة. لكن الأمر ليس بهذه البساطة. فكما ذكرنا آنفًا، الإنتاج سينخفض مع مرور الوقت إلى مستويات متدنية رغم كل المحاولات التي نبذلها من أجل الحفاظ على مستوى ثابت. أي أن الإنتاج في مثالنا السابق سينخفض إلى أقل من مليونين ثم أقل حتى من المليون عندما تصل كمية الماء المصاحب للنفط مستويات مرتفعة، قد تصل بعد عقود قليلة إلى 70 و80 في المائة من كمية الإنتاج، على الرغم من بقاء كمية كبيرة من النفط تحت الأرض. وإذا كانت هذه الدولة من الدول الذي يعتمد معظم دخلها على الإنتاج النفطي، فالأمر كما ترون خطير جدا. وهذا لا يعني نهاية إنتاج النفط، الذي سيستمر يتسرب من مكامنه لسنوات طويلة، لكنها نهاية الإنتاج الذي يُغطي متطلبات الدولة الاقتصادية.
*نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية.
أكثر الاحتمالات وأقربها قبولاً فرضية أن المواد النفطية كانت قد تكونت منذ مئات الملايين من السنين. ويتفق معظم الجيولوجيين على أنها تكونت من بقايا الحيوانات البرية والنباتات التي كانت تجرفها فيضانات السيول نحو البحار والأماكن المنخفضة، فتختلط مع الحيوانات البحرية ثم تطمرها المواد الرسوبية التي تحملها مجاري السيول. ومع مرور الوقت تتوالى الطبقات فوقها خلال ملايين السنين، حتى بلغ سُمك الطبقات الرسوبية من سطح الأرض إلى أماكن تجمع المواد الحيوانية والنباتات المطمورة آلاف الأقدام. ومع تعرضها لحرارة جوف الأرض وضغط التربة الرسوبية فوقها والتفاعل الكيماوي تحولت إلى حالة السيولة وبعض الغازات الذائبة. وليس بالضرورة أن يكون وجودها الحالي هو مكان تكونها، فقد تكون قد تسربت أو هاجرت من مكانها الأصلي إلى مكامنها الحالية نتيجة للزلازل وحركة الطبقات الأرضية.
وعادة ما تكون محبوسة داخل قبب مقوسة بفعل الزلازل والحركات الجانبية لطبقات الأرض. وما يحول دون تسربها إلى سطح الأرض وجود طبقة صماء غير مُنفِذة في الصخور التي تعلو القبة، أو المَكمَن. وأحيانًا يُطلق على المكمن المصيدة. والمواد النفطية، وكذلك المياه الجوفية، توجد داخل مسام الصخور الميكروسكوبية، وليس داخل فراغات أو غرف كما يظن البعض. والمسام الميكروسكوبية يربط في الغالب بينها منافذ دقيقة تسمح بالسوائل والغازات بالانتقال من خلالها إذا فُتِح لها المجال عن طريق حفر الآبار إلى أعماق المكامن. والقاعدة المعروفة أن الحفر هو الطريقة الوحيدة للتأكد من وجود المواد النفطية بكميات تجارية. وقبل البدء بالإنتاج يحصل المهندسون على عينات من الصخور الحاملة للنفط بطريقة تحفظ حالتها تحت الأرض، فيقيسون نسبة الفراغات الصغيرة التي يحتلها النفط بالنسبة للحجم الكلي لصخور المكمن، إلى جانب الضغط والحرارة. ومنها يحسبون المجموع الكلي للنفط المخزون.
ومن المعروف أن نسبة الاستخلاص من المكامن الصخرية تراوح في أغلب الأحوال بين 30 و50 في المائة فقط. والباقي يظل في مكامنه إلى ما شاء الله، وذلك بموجب تقنيات الإنتاج المعروفة اليوم. ومعظم الحقول النفطية المثالية تحوي ثلاثة مكونات، كمية من الغاز في أعلى المكمن يليه السائل النفطي وتحته كميات كبيرة من الماء الذي تزيد ملوحته على خمسة أضعاف ملوحة ماء البحر. وفي المراحل الأولى من عملية الإنتاج، يصل عمق الآبار إلى منتصف الطبقات الحاملة للنفط من أجل التأكد من عدم إنتاج الماء والغاز غير الذائب. ويشبه وضع النفط بين طبقة الغاز من أعلى والماء من أسفل "بالساندويتش" بين الاثنين. وعند فتح صمامات البئر يندفع السائل النفطي تحت ثلاثة مؤثرات، ضغط الغاز من أعلى وتمدد الماء من أسفل وكمية الغاز الذائب في السائل النفطي. وهذه هي الحالة المثلى للإنتاج، لكنها لا تستمر هكذا طويلاً.
فبعد فترة من الزمن، تحددها عوامل فنية كثيرة، يتسرب الماء إلى مدخل البئر ويتحول الإنتاج إلى خليط من النفط والماء. ومع مرور الوقت ترتفع نسبة الماء، وهو ما يتطلب إضافة مرافق جديدة مُكلِفة تساعد على فصل الماء عن النفط ومن ثم إعادة ضخه إلى الحقل. ولذلك تجد الآن أن معظم الحقول الرئيسة في منطقة الخليج تُنتِج ما بين 30 و60 في المائة من الماء. فلو افترضنا أن نسبة الماء هي 40 في المائة، فإن ذلك يعني أننا من إنتاج كل 100 برميل نحصل على 60 برميل نفط فقط. وهناك بطبيعة الحال عمليات "ترقيعية" تبدأ مع ارتفاع نسبة الماء لمحاولة الحد من وصول الماء إلى بئر الإنتاج حتى لا تصل نسبته إلى مستوى مرتفع جدا. وفي السنوات الأخيرة أسهم الحفر الأفقي في إيجاد طرق أكثر فاعلية للتحكم نسبيًّا في إنتاج كمية الماء المُصاحِب. وعلى الرغم من ذلك فإن نسبة الماء تظل تتزايد مع مرور الوقت واستمرارية الإنتاج حتى تصل إلى مستوى مرتفع قد تعوق جريان النفط إلى مرافق الإنتاج. وفي هذه الحالة، نستعين بالمضخات الغطاسة التي من شأنها زيادة تكلِفة الإنتاج. ومن أجل الحفاظ على مستوى معيًّن من الإنتاج، فلا بًدَّ من حفر وإضافة كثير من الآبار الجديدة عالية التكلِفة، وهي عملية أيضا محدودة وتخضع لأمور اقتصادية مُعقدة.
والهدف من هذا الشرح المطوَّل هو توضيح نقطة مهمة، وهي أن كميات الإنتاج من أي حقل تتناقص مع الزمن بنسب مختلفة. فلو افترضنا أن كامل الاحتياطي القابل للإنتاج في دولة ما هو 100 مليار برميل، وأعلى إنتاجها ثلاثة ملايين برميل نفط صافي في اليوم، أو ما يزيد قليلاً على مليار برميل في السنة. فلو كانت المسألة عملية ضرب وقسمة، لقلنا إن احتياطي هذه الدولة يكفي لمائة سنة. لكن الأمر ليس بهذه البساطة. فكما ذكرنا آنفًا، الإنتاج سينخفض مع مرور الوقت إلى مستويات متدنية رغم كل المحاولات التي نبذلها من أجل الحفاظ على مستوى ثابت. أي أن الإنتاج في مثالنا السابق سينخفض إلى أقل من مليونين ثم أقل حتى من المليون عندما تصل كمية الماء المصاحب للنفط مستويات مرتفعة، قد تصل بعد عقود قليلة إلى 70 و80 في المائة من كمية الإنتاج، على الرغم من بقاء كمية كبيرة من النفط تحت الأرض. وإذا كانت هذه الدولة من الدول الذي يعتمد معظم دخلها على الإنتاج النفطي، فالأمر كما ترون خطير جدا. وهذا لا يعني نهاية إنتاج النفط، الذي سيستمر يتسرب من مكامنه لسنوات طويلة، لكنها نهاية الإنتاج الذي يُغطي متطلبات الدولة الاقتصادية.
*نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية.