صفحة 1 من 1

الثورة السورية

مرسل: الاثنين إبريل 29, 2013 7:42 am
بواسطة عبدالعزيز آل دشان
تتعدد مشاهد الثورة السورية وتتنوع إلى الحد الذي تستحق فيه وصف « الملحمة» .. وصف يعني أنه من المستحيل (1) اختزال المشاهد كلها كما لو أنها مشهدا واحدا يهم الشعب السوري وحده، أو (2) الفصل بين مشهد وآخر، أو (3) المفاضلة فيما بينها.

بداية؛ ثمة مشهد النظام الطائفي وهو يتفنن في أعتى صور الوحشية، حيث القتل والذبح والسلخ والحرق والاختطاف والاغتصاب والتدمير والتجويع والتعطيش والسلب والنهب و ... مشهد أعجب ما فيه أنه لا يخجل البتة، هو وحلفاؤه وأبواقه، من التحصن المقرف بالمزاعم والكذب والنفاق والكفر والغطرسة والإجرام ... مشهد نظام لا تعنيه أية روادع قيمية أو أخلاقية أو إنسانية أو بشرية أو عقدية ... مشهد نظام غبي لا يفكر للحظة أنه من المستحيل أن يستمر في الحكم؛ وقد صار بحوزة كل مسلم في بلاد الشام والعرب خاصة وبلاد المسلمين عامة ملفات حساب وعقاب لا يمحوها الزمن.

وثمة مشهد نظام دولي، بشقيه الشرقي والغربي، خبيث ولئيم، ولا يقل وقاحة وإجراما عن النظام الطائفي نفسه .. نظام يأتي العجائب وهو يتباكى على مشاهد الإبادة والتدمير، ويشتكي من نفسه في مجلس الأمن!! بينما يخوض حروبه الوحشية ضد الثورة السورية، ويحول دون تسليحها .. ويحرص على أمن الطائفة « النصيرية» أكثر من حرصه على الانزلاق في حرب أهلية أو خشيته من مصير السلاح أن يصل إلى أيدي « التطرف» و « الإرهاب» .... مشهد نظام يخشى من انفجار الثورة إلى الخارج السوري؛ فتكون الطامة الكبرى عليه وعلى نظامه ومصالحه .. مشهد نظام يتميز غيظا بعد أن بات عاجزا عن وقف الثورة أو احتوائها؛ فسعى جاهدا لاختراقها بعد فشل النظام الطائفي في المهمة.

في هذا الوقت، حيث الرعب من الثورة، يستوطن النظام الدولي وحلفائه وأدواته من المخذلين والمحبطين والمجرمين؛ وحيث يتمتع النظام الطائفي بالغطاء السياسي الدولي، ويتلقى منه الدعم العسكري والفني والاستشاري، ويستقبل عشرات آلاف المقاتلين من شيعة إيران ولبنان والعراق واليمن فضلا عن علوية تركيا؛ ...

في هذا الوقت وفي هذا الحال، يخرج علينا أولئك الذين خرجوا من قبل قي العراق وأفغانستان، لينادوا بترك سوريا للسوريين، بدعوى أن « أهل مكة أدرى بشعابها»!!! وليت هؤلاء شعروا بأحوال مكة أو كانوا أوفياء لأهلها في يوم ما .. هؤلاء وأمثالهم ممن استمرؤوا الذل والعبودية والتبعية؛ سيخرجون لاحقا، وقد خرجوا، ليقولوا للثوار: « لا نريد إرهابيين في سوريا .. لا نريد وافدين»!! ولسنا نستبعد أن يقولوا لاحقا أيضا: « لا توجد راية جهادية في سوريا» .. بل ربما سيقولون أن الثوار في سوريا « يقاتلون في سبيل الطاغوت»، كما سبق وقالوها عن العراق!!! والعجيب في هؤلاء وأمثالهم أنهم يصلون الليل بالنهار بحثا عن « الناتو» وكل قتلة البشر، ويجيزون لهم ما لا يجيزونه لأحد من المسلمين .. والأعجب أن « الناتو» لم يصلهم، ولن يصلهم أبدا إلا كقوة احتلال أو وصاية .. ولا شك أنهم بهذا فرحون!!! لا أفرحهم الله في الدنيا والآخرة.

هؤلاء غفلوا حقيقة عن مشهد ثورة سلمية فرضت عليها وحشية النظامين، الطائفي والدولي، التسلح للدفاع عن نفسها وشعبها .. مشهد ثورة، رغم شراسة الأعداء، إلا أنها بدت عصية على الانكسار وحتى الاختراق أو الاحتواء ... مشهد ثورة تنزف أغزر الدماء، وتشهد دمار البلاد، وانتهاك الأعراض، وتدفع أفدح الأثمان، ومع ذلك تسجل وقائعها أعظم مدونات الشعوب في الصبر والإصرار والتضحية والتحدي والبطولة والإقدام .. وتخرق، في عنادها، السجلات التاريخية للنظام الدولي والإقليمي والطائفي .. وتهدم كافة أبنية الزيف والخداع والنفاق والغدر لكل الأيديولوجيات والفلسفات الوطنية والقومية واليسارية ...

لكن الحقيقة التي يتعين على من يرائي فيها أن يعلم جيدا، ويفهم رغم أنفه، أن الثورة السورية في (1) وقائعها الملحمية الجبارة؛ وفي ضوء (2) عمق الشام العقدي والتاريخي؛ وإزاء (3) وحشية الحرب الدولية عليها، ليست شأنا محليا، ولن تكون .. بل أن مشاهدها الملحمية أقرب ما تكون إلى « فورمات» شامل، قطعت فيه شوطا طويلا، إلى الحد الذي بات فيه مطلب الحرية هدفا وضيعا أمام (1) حرية الأمة و (2) تحرير العقيدة