صفحة 1 من 1

الأمم المتحدة والربيع العربى

مرسل: الاثنين إبريل 29, 2013 9:22 am
بواسطة محمد الخمشي 1
رغم إبداء الأمم المتحدة لبعض التخوفات مع بداية الربيع العربى فى 2011، حينما ذكرت بأنه سيرفع عدد طالبى اللجوء للغرب بنسبة 20%، إلا أن وكالاتها المختلفة لعبت أدواراً مهمة فى خدمة الثورات المنتشرة فى أنحاء العالم العربى.. فتفاعلها مع ثورات الربيع العربى، والتى أطاحت بحكم بن على فى تونس، ومبارك فى مصر، والقذافى فى ليبيا، وعلى عبد الله صالح فى اليمن، يعد تفاعلاً ملفتاً للنظر فى علاقة المؤسسة الدولية بالمنطقة العربية فى عمومها.. وفى هذا الإطار وقفت الأمم المتحدة وقفة جيدة ومساندة حقيقية لتلك الثورات، لدرجة جعلت البعض يعتبرها راعية لهذا الربيع.. فقد راحت، بكل قواها ومؤسساتها الإعلامية، تمارس ضغوطاً على الحكام للإطاحة بهم.. وفى حالة ليبيا تحديداً نجحت فى أن تصبح سلاحاً للشعب الليبى، ومفتاحاً رئيسياً للحلول التى تم اتخاذها فيما بعد، ولعل إدانتها المتكررة لاستعمال القوة من طرف القوات الحكومية العربية ضد المتظاهرين فى الشوارع العربية، ودفاعها عن حق الشعوب العربية فى تقرير مصيرها وتغيير الأنظمة السياسية القائمة فى كل أحداث الربيع العربى، ثم تركيزها واهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط تحديداً، وصياغتها لمواقف موحدة فى تونس ومصر واليمن وليبيا على حساب الأنظمة السياسية، كل ذلك وغيره رفع مكانتها لأعلى درجة فى تاريخها على الإطلاق جعلت العرب يثقون فى عمومهم بتلك المنظمة التى خذلتهم فى صراعهم مع العدو الصهيونى مراراً وتكراراً.
ولاشك أن موقف الأمم المتحدة من ثورة 17 فبراير الليبية عام 2011، يعد هو المثال الأبرز فى ارتفاع مكانة المؤسسة الدولية فى أعين العالم قبل العرب، بل إن المتابع لوثائقها، والراصد لكل التقارير والبيانات والتصريحات التى صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وأمينها العام، أو من قبل الجهات التابعة لها، بدءاً من مناقشتها للمسألة الليبية فى 21 فبراير 2011، مروراً بمساعداتها الإنسانية للاجئين الليبيين فى تونس، وتنديدها بانتهاكات حقوق الإنسان، انتهاءً بإصدارها القرار رقم 1973 القاضى بحظر الطيران فوق الأراضى الليبية، وحماية المدنيين الليبيين من عنف الحكومة الليبية فى 17 مارس 2011، واجتماع باريس بشأنها، والقرار الذى صدر بالتدخل الدولى فى 19 مارس 2011، يتأكد تماماً بأن هذا الموقف هو الأهم فى حياتها عموماً، وفى علاقتها مع المنطقة العربية خصوصاً، فقد ارتفعت مكانتها لدرجة غير مسبوقة فى الشارع العربى، ولعل دعم الأمم المتحدة فى مارس 2012 لـ15 منظمة نسائية عربية بمبلغ 408 ملايين دولار فى مصر واليمن وليبيا، لدفعهن للمشاركة السياسية، ثم عقدها لمائدة حوار حول "الاستدامة فى أفق الربيع العربى"، لم يلق الترحيب العربى الكافى مثلما حدث هذا الترحيب عبر الثورة الليبية منذ قرار التدخل الدولى وحتى مقتل العقيد القذافى فى نوفمبر 2011.
غير أن تطورات الصراع على المسار السورى أظهر مدى الارتباك فى موقف الأمم المتحدة وسقوطها فى المستنقع السورى. فقد كشف طبيعة التخوفات الغربية من مسارات العلاقات الوثيقة مع نظام بشار الأسد، ومع أن إدراكها بأن التغيير قادم لا محالة قد جعلها تتفاعل مع الحدث، فإصدار مجلس الأمن لبيانه فى3 أغسطس 2011 معتبراً "أن الوسيلة الوحيدة لتسوية الأزمة فى سوريا هى العملية السياسية الداخلية من قبل السوريين أنفسهم"، وتبنيها لمبادرة الجامعة العربية فى نوفمبر عام 2011، وإرسالها لمبعوثها كوفى أنان، إلا أن إطالة المفاوضات مع ارتفاع حصيلة القتلى والجرحى والمفقودين اعتبره البعض تواطئاً أممياً مع نظام الأسد، وسقوطاً لهيئة الأمم فى الهاوية السورية، بل اعتبروا أن اعتراف المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، بأن الحرب الأهلية قائمة الآن فى سوريا، وأن أعداد القتلى تتجاوز كل الحدود، قد أوجب عليها تدخلاً فورياً لحماية الشعب السورى من اعتداءات النظام، غير أنها لم تفعل.. فاقتصر الأمر على قيام أمينها العام، بان كى مون، بإرسال رسالة إلى الرئيس السورى أكد فيها فقدان شرعيته، وأنه يجب عليه أن يكف عن قتل شعبه. وأشار فى مناسبة أخرى، إلى أن وجوداً للأمم المتحدة داخل سوريا هدفه أبعد من تقديم المساعدة الإنسانية فقط، بل لإقامة علاقات منتظمة وبناءة مع الأطراف السوريين، وتقييم الوضع على الأرض.
وفى نفس السياق، فإن تخوفات الدول الغربية من التدخل العسكرى فى سوريا هى التى تثير التساؤلات حول سقوط الأمم المتحدة فى مستنقع المحنة السورية.. ولعل التصويت الرافض، والمتكرر للمرة الثالثة، من الصين وروسيا لهذا التدخل يشير لتلك المحنة التى تعانيها الهيئة الدولية، وربما تأتى تصريحات مسئوليها الأخيرة، بأن الإبقاء على وجود فاعل ومرن لها بعد انتهاء مهمة المراقبين الدوليين فى 19 أغسطس 2012، لتقر بأن المؤسسة الدولية عاجزة تماماً عن تبنى أى موقف مشابه لموقفها فى ليبيا، وليس لديها أية حلول على الإطلاق لما يعانيه الشعب السورى من عمليات القتل والتعذيب والتجويع والتشريد، ولعل تكرار مواقفها، رغم إرسالها لموفدها الجديد، الأخضر الإبراهيمى، خلفاً لكوفى أنان، يكون بمثابة رصاصة الرحمة التى يمكن أن تطلق على المؤسسة الدولية التى فشلت فى مهمتها الأساسية.. وهى محنة كبيرة ستعانى منها فى المستقبل.