- الاثنين إبريل 29, 2013 12:20 pm
#61267
كان من الطبيعي أن تعمل "إسرائيل"، بدعم أمريكي خاص وغربي عام، على ألا تسفر التحولات العاصفة للحراك الشعبي العربي، عموماً، والمصري والسوري خصوصاً، عن حدوث انقلابات سياسية بعيدة المدى من شأنها المس بتفوقها الاستراتيجي على ما عداها من دول المنطقة وقواها . وكان من الطبيعي أكثر أن تدخل "إسرائيل"- سراً وعلناً-، وبتنسيق كامل مع الولايات المتحدة، على خط هذا الحراك بهدف تحويل الصراع الناجم عنه من صراع داخلي في بلدانه إلى صراع عليها، وعلى منطقة الشرق الأوسط برمتها بغرض تفكيك ميزان نظامها الإقليمي القائم وإعادة صياغته في نظام جديد يكون ل"إسرائيل" الدور الأساس فيه، سياسة واقتصاداً وأمناً، على حساب الدول العربية مجتمعة، وعلى حساب الدول الكبيرة الأساسية منها بالذات . علماً أنه لا يمكن فصل كل هذا عن دور كل من إيران وتركيا- كدولتين إقليميتين أساسيتين- ما يفسر تنامي الغزل الأمريكي الأوروبي "الإسرائيلي" مع تركيا، من جهة، والتصعيد الأمريكي "الإسرائيلي" ضد إيران، من جهة ثانية . بهذا تكون المنطقة، وقلبها الوطن العربي، قد دخلت محطة نوعية تاريخية حاسمة من الصراع السياسي على مستقبل ميزان قوى نظامها الإقليمي . صراع معقد ومفتوح على كل الاحتمالات، بما فيها احتمال وقوع حرب ما انفك قادة "إسرائيل"، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، يلوحون بها، ويدقون طبولها، ليس بهدف أن يكون لكيانهم الدور الأساس في ما يخطط له من نظام إقليمي جديد فقط، بل أيضاً بهدف تحويل قضايا الصراع العربي - "الإسرائيلي"، وجوهره القضية الفلسطينية، إلى مسائل هامشية يجري العمل على تسويتها، وبالأحرى على تصفيتها، وفقاً لشروط الرؤية الأمريكية - "الإسرائيلية" ومصالحها .
إزاء هذه الحال يصبح "قديم" السياسة الرسمية العربية على المحك، وتصبح سياسة "جديد" أنظمتها، وفي مصر بالذات، تحت الاختبار . وبقدر ما يتعلق الأمر بمصر، الدولة العربية الأهم، لأسباب غنية عن الشرح، يمكن القول: لئن كان من التهور مطالبتها بالدخول في مغامرات غير محسوبة العواقب فيما المطلوب التركيز على معالجة قضايا وضعها الداخلي الانتقالي الكبيرة والثقيلة، فإن من غير الطبيعي السكوت عن استمرار تبعية سياسة نظامها "الجديد" تجاه قضايا الأمة، وأولاها القضية الفلسطينية، للسياسة الأمريكية، ولما تمليه عليها اتفاقية كامب ديفيد وشروط ملاحقها الأمنية من قيود ثقيلة ومذلة .
لكن يبدو أن النظام المصري "الجديد" ليس في وارد الإقدام على اتخاذ خطوات نوعية من شأنها التأسيس لسياسة خارجية جديدة ومختلفة عن سياسة النظام السابق . ففي حديث مطول مع فضائية "الجزيرة" دافع الرئيس المصري، مرسي، عن جوهر سياسته الداخلية والخارجية . وكان لافتاً دفاعه عن مواصلة السلطة المصرية "الجديدة" سياسة التعاون والتنسيق الأمني مع "إسرائيل"، حيث قال: "هذا التنسيق موروث وعمره ثلاثين عاماً، ولم يشهد تحسناً بعد أن تولينا السلطة، كما يشاع، ونواصله كما تفعل أي "دولتين متجاورتين" لهما مصلحة متبادلة في استقرار الحدود بينهما" .
لكن الرئيس مرسي، ربما بسبب الشعور بضعف الحجة، استدرك بالقول: "بعكس النظام السابق، ندير هذا التنسيق من موقع الندية، وليس من موقع الرضوخ لأحد -يقصد "إسرائيل"- أو بناء على طلب من أحد-يقصد الولايات المتحدة . هنا ثمة معنى سياسي لما قيل قبل الاستدراك . أما الاستدراك فكلام زائد استدعته معرفة القائل بأن وراثة التنسيق الأمني مع "إسرائيل" لا تبرر الاستمرار فيه، كأنه مقدس أو غير قابل للمراجعة على يد رئيس صعد إلى السلطة على كتف انتفاضة شعبية كان بين مطالبها تحرير الإرادة الوطنية من التبعية السياسية والاقتصادية والأمنية، وتولاها، (السلطة)، ممثلاً لجماعة طالما دعت إلى إلغاء معاهدة كامب ديفيد وإلى التحلل أو التخفيف من التزاماتها وقيودها المذلة، بل، وطالما استعملت التنسيق الأمني بين النظام السابق و"إسرائيل" ورقة لكسب الشعبية وبلوغ السلطة .
علاوة على أن الرئيس مرسي يعرف -قبل وأكثر من غيره- أن مناهضة الشعب المصري وقواه الوطنية لمعاهدة كامب ديفيد وملاحقها الأمنية لم تكن بسبب تفصيل هنا أو آخر هناك، بل بسبب ما فرضته على مصر من قيود تحد من قيامها بواجبها القومي تجاه الصراع العربي - "الإسرائيلي"، وجوهره القضية الفلسطينية، وبسبب تكريسها للتطبيع مع "إسرائيل" واعتبارها "دولة مجاورة" في ظل استمرار احتلالها لفلسطين وتنكرها لحقوق شعبها وممارسة كل أشكال التوسع والعدوان والاستباحة وجرائم الحرب الموصوفة ضده، بل وفي ظل استمرار احتلالها لأجزاء من أراضي دول عربية أخرى، ومواصلة الاعتداءات والحروب وعمليات التخريب والتجسس وانتهاك السيادة، ليس فقط ضد "دول الطوق" بما فيها مصر، إنما أيضاً ضد الدول العربية كافة، وضد بعض دول الغلاف الشرق الأوسطي والإفريقي للوطن العربي .
يروم حديث الرئيس المصري عن الندية في التعاون والتنسيق الأمني مع "إسرائيل" إقناع المواطن المصري والفلسطيني، والعربي، عموماً، بأن هنالك ما هو جديد في سياسة السلطة المصرية "الجديدة" تجاه الصراع العربي "الإسرائيلي"، وجوهره القضية الفلسطينية . للحق ثمة جديد على هذا الصعيد، لكنه صوب الأسوأ يسير . أما لماذا؟ لأن الرئيس مرسي، (وهو القادم إلى السلطة باسم ثورة شعبية وممثلاً لجماعة ترفض معاهدة كامب ديفيد)، لم يجرؤ على مراجعة هذه المعاهدة، لا كمبدأ، ولا حتى كملاحق أمنية تمس بنودها بأمن مصر واستقلالها وسيادتها وتواجد جيشها وحركته في سيناء . كما أنه لم يجرؤ على اتخاذ خطوات سياسية سيادية تنهي الحصار المفروض على قطاع غزة . فضلاً عن أنه لم يكتفِ بمواصلة لعب دور الوسيط الأمني حيال اعتداءات "إسرائيل" العسكرية ضد غزة واستباحتها الشاملة للفلسطينيين، عموماً، بل أضاف توريط مصر في لعب دور الضامن السياسي لمنع تهريب السلاح إلى غزة عبر تصعيد سياسة هدم الأنفاق، ولمنع فصائل المقاومة من الدفاع عن شعبها، بحسبان أن مقاومتها صارت في عداد "العمليات العدائية"، وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار الذي رعاه الرئيس المصري ووزيرة الخارجية الأمريكية السابقة بعد العدوان "الإسرائيلي" الأخير على غزة .
ولعل في هذا كله ما يجعل حديث الرئيس مرسي عن الندية بلا رصيد . وهذه نتيجة طبيعية مادام مستمراً في سياسة سلفه من حيث اعتبار "إسرائيل" مجرد "دولة مجاورة" . وما دام يواصل سياسته الاقتصادية القائمة على الاقتراض والاستدانة والمعونات والمساعدات المالية الأجنبية التي لا تكبح نهوض مصر الاقتصادي فقط، بل وتشل قدرتها على التعامل بندية في السياسة والأمن أيضاً، وما دام يضرب كسلفه، وربما بشكل أسوأ، وحدة الصف الوطني التي لا تكون إلا بتوافر شرطها الأساس، (الديمقراطية السياسية والاجتماعية)، الغائب أصلاً عن ذهن الرئيس المصري وجماعته .
--------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الأحد، 28/4/2013
إزاء هذه الحال يصبح "قديم" السياسة الرسمية العربية على المحك، وتصبح سياسة "جديد" أنظمتها، وفي مصر بالذات، تحت الاختبار . وبقدر ما يتعلق الأمر بمصر، الدولة العربية الأهم، لأسباب غنية عن الشرح، يمكن القول: لئن كان من التهور مطالبتها بالدخول في مغامرات غير محسوبة العواقب فيما المطلوب التركيز على معالجة قضايا وضعها الداخلي الانتقالي الكبيرة والثقيلة، فإن من غير الطبيعي السكوت عن استمرار تبعية سياسة نظامها "الجديد" تجاه قضايا الأمة، وأولاها القضية الفلسطينية، للسياسة الأمريكية، ولما تمليه عليها اتفاقية كامب ديفيد وشروط ملاحقها الأمنية من قيود ثقيلة ومذلة .
لكن يبدو أن النظام المصري "الجديد" ليس في وارد الإقدام على اتخاذ خطوات نوعية من شأنها التأسيس لسياسة خارجية جديدة ومختلفة عن سياسة النظام السابق . ففي حديث مطول مع فضائية "الجزيرة" دافع الرئيس المصري، مرسي، عن جوهر سياسته الداخلية والخارجية . وكان لافتاً دفاعه عن مواصلة السلطة المصرية "الجديدة" سياسة التعاون والتنسيق الأمني مع "إسرائيل"، حيث قال: "هذا التنسيق موروث وعمره ثلاثين عاماً، ولم يشهد تحسناً بعد أن تولينا السلطة، كما يشاع، ونواصله كما تفعل أي "دولتين متجاورتين" لهما مصلحة متبادلة في استقرار الحدود بينهما" .
لكن الرئيس مرسي، ربما بسبب الشعور بضعف الحجة، استدرك بالقول: "بعكس النظام السابق، ندير هذا التنسيق من موقع الندية، وليس من موقع الرضوخ لأحد -يقصد "إسرائيل"- أو بناء على طلب من أحد-يقصد الولايات المتحدة . هنا ثمة معنى سياسي لما قيل قبل الاستدراك . أما الاستدراك فكلام زائد استدعته معرفة القائل بأن وراثة التنسيق الأمني مع "إسرائيل" لا تبرر الاستمرار فيه، كأنه مقدس أو غير قابل للمراجعة على يد رئيس صعد إلى السلطة على كتف انتفاضة شعبية كان بين مطالبها تحرير الإرادة الوطنية من التبعية السياسية والاقتصادية والأمنية، وتولاها، (السلطة)، ممثلاً لجماعة طالما دعت إلى إلغاء معاهدة كامب ديفيد وإلى التحلل أو التخفيف من التزاماتها وقيودها المذلة، بل، وطالما استعملت التنسيق الأمني بين النظام السابق و"إسرائيل" ورقة لكسب الشعبية وبلوغ السلطة .
علاوة على أن الرئيس مرسي يعرف -قبل وأكثر من غيره- أن مناهضة الشعب المصري وقواه الوطنية لمعاهدة كامب ديفيد وملاحقها الأمنية لم تكن بسبب تفصيل هنا أو آخر هناك، بل بسبب ما فرضته على مصر من قيود تحد من قيامها بواجبها القومي تجاه الصراع العربي - "الإسرائيلي"، وجوهره القضية الفلسطينية، وبسبب تكريسها للتطبيع مع "إسرائيل" واعتبارها "دولة مجاورة" في ظل استمرار احتلالها لفلسطين وتنكرها لحقوق شعبها وممارسة كل أشكال التوسع والعدوان والاستباحة وجرائم الحرب الموصوفة ضده، بل وفي ظل استمرار احتلالها لأجزاء من أراضي دول عربية أخرى، ومواصلة الاعتداءات والحروب وعمليات التخريب والتجسس وانتهاك السيادة، ليس فقط ضد "دول الطوق" بما فيها مصر، إنما أيضاً ضد الدول العربية كافة، وضد بعض دول الغلاف الشرق الأوسطي والإفريقي للوطن العربي .
يروم حديث الرئيس المصري عن الندية في التعاون والتنسيق الأمني مع "إسرائيل" إقناع المواطن المصري والفلسطيني، والعربي، عموماً، بأن هنالك ما هو جديد في سياسة السلطة المصرية "الجديدة" تجاه الصراع العربي "الإسرائيلي"، وجوهره القضية الفلسطينية . للحق ثمة جديد على هذا الصعيد، لكنه صوب الأسوأ يسير . أما لماذا؟ لأن الرئيس مرسي، (وهو القادم إلى السلطة باسم ثورة شعبية وممثلاً لجماعة ترفض معاهدة كامب ديفيد)، لم يجرؤ على مراجعة هذه المعاهدة، لا كمبدأ، ولا حتى كملاحق أمنية تمس بنودها بأمن مصر واستقلالها وسيادتها وتواجد جيشها وحركته في سيناء . كما أنه لم يجرؤ على اتخاذ خطوات سياسية سيادية تنهي الحصار المفروض على قطاع غزة . فضلاً عن أنه لم يكتفِ بمواصلة لعب دور الوسيط الأمني حيال اعتداءات "إسرائيل" العسكرية ضد غزة واستباحتها الشاملة للفلسطينيين، عموماً، بل أضاف توريط مصر في لعب دور الضامن السياسي لمنع تهريب السلاح إلى غزة عبر تصعيد سياسة هدم الأنفاق، ولمنع فصائل المقاومة من الدفاع عن شعبها، بحسبان أن مقاومتها صارت في عداد "العمليات العدائية"، وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار الذي رعاه الرئيس المصري ووزيرة الخارجية الأمريكية السابقة بعد العدوان "الإسرائيلي" الأخير على غزة .
ولعل في هذا كله ما يجعل حديث الرئيس مرسي عن الندية بلا رصيد . وهذه نتيجة طبيعية مادام مستمراً في سياسة سلفه من حيث اعتبار "إسرائيل" مجرد "دولة مجاورة" . وما دام يواصل سياسته الاقتصادية القائمة على الاقتراض والاستدانة والمعونات والمساعدات المالية الأجنبية التي لا تكبح نهوض مصر الاقتصادي فقط، بل وتشل قدرتها على التعامل بندية في السياسة والأمن أيضاً، وما دام يضرب كسلفه، وربما بشكل أسوأ، وحدة الصف الوطني التي لا تكون إلا بتوافر شرطها الأساس، (الديمقراطية السياسية والاجتماعية)، الغائب أصلاً عن ذهن الرئيس المصري وجماعته .
--------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الأحد، 28/4/2013