صفحة 1 من 1

أوجلان كما قرأتُه

مرسل: الاثنين إبريل 29, 2013 3:57 pm
بواسطة سعدبن شهيوين5
في الذكرى الـ14 لاختطاف زعيم حزب العمّال الكردستاني عبد الله أوجلان، اتسع

المشهد الكردي القومي ليشمل الكورد السوريين أيضاً، هؤلاء كانوا مغيّبين عن الأدبيات الرسمية لحزب العمال الكردستاني حتى تشكيل حزب الاتحاد الديمقراطي.


في فترة الفراغ التنظيمي لحزب العمال في سوريا (1999 – 2004) سعى الكثير من السياسيين وضع أعينهم على "الغنيمة"، أي القاعدة الشعبية لحزب العمال، ونشأ لهذا الغرض حزبان كرديان، فشلا في ذلك، كما حاول منشقون عن العمال الكردستاني السيطرة على هذه القاعدة عبر حزب الوفاق، وأخفقوا أيضاً. في فترة الخمول التنظيمي هذه، لخص حزب الاتحاد الديمقراطي مهمته على "الحفاظ على وجوده التنظيمي" والتواصل مع الحد الأدنى للقاعدة الشعبية لحزب العمال، واليوم كثير من الموالين له، وبعضهم انضم إلى قوات الحماية، هم ممن كانوا يبدون تعاطفاً معنوياً فقط في فترة الفراغ المذكورة.


في العام المقبل،أتمنى أن يكون السيد أوجلان حراً، وأتمنى أن يتفرغ للعمل الكتابي ومراجعة مؤلفاته التي أصدرها من السجن، حيث تحتاج إلى تنقيحات وتصويبات في العديد من المفاهيم والحقائق. فظروف السجن لم تتح له الاستناد إلى المصادر الدقيقة، وقد قال ذلك بنفسه، واعتمد بدلا من ذلك على ذاكرته، ومقتطفات من المقالات التي كان يقرؤها من الصحف التركية التي كانت ترده إلى السجن، وكانت فيها صفحات مقصوصة لكي لا يطلع عليها!. وأتمنى أن يرحب بكل النقد الموجه إلى أطروحاته، وخاصة مؤلفه الأول " من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية"، لأنها تصلح أن تكون مرتكزاً للعديد من الرؤى التي تنطلق منها، مع عدم إغفال تجاهله ربما عن الوضع الكردي السوري في مؤلفاته، والقفز عليها سريعاً. عدم توفر المصادر أثرت أيضاً على تكرر الأفكار بطريقة ستاتيكية في مؤلفات السجن.


هناك قيادات في حزب العمال والأحزاب المنبثقة عنه، يتحدثون في التنظير بمنطق ومصطلحات اوجلان ذاته، مثل الكونفيدرالية الديمقراطية، والمقاربة من الإسلام، والثورة الصناعية، والرأسمالية الجديدة، والحداثة، ونتائج التحالف اللاأخلاقي بين العلم والسياسة..إلخ. وهؤلاء للأسف – في غالبيتهم – لا يملكون قاعدة المعلومات والمعرفة التي تؤهلهم لسرد هذه الأفكار، ومثال على ذلك حوارات نشرت على شكل كتاب مع السيد مراد قريلان، والذي كرر "بصماً" ما ورد في كتب أوجلان.. حتى من دون اجتهادات.


باعتباري من قراء أوجلان، فإن الكثير مما ورد في كتبه، هو مقتبس من أفكار وكتابات سابقة لا شك، وقرأت شيئاً من صدى أفكاره في كتابات لبرتراند رسل بخصوص المجتمع والفرد والحرية، وهناك أفكار مما كتبه المفكر الإيطالي ماتزيني والفرنسي إرنست رينان إضافة إلى ماركس وهيغل وبوكانن وكتّاب آخرين ربما كان تأثره بهم اكثر من المذكورين. حاول من خلال هذه التنويعة الواسعة للأفكار إحداث تحول في المفهوم التقليدي للقومية الكردية القائم على الجغرافيا إلى اللغة، ومن ثم إلى مفهوم العيش المشترك الذي يستوعب شعوباً أخرى، بحيث لا تبدو قومية عنصرية كما كل القوميات بالضرورة. هذه المحاولة لم تكتمل بعد، وتحتاج إلى متابعة وجهد كبير لرسم ملامحها بشكل أوضح. وبغض النظر عن المختلفين والمتفقين معه، فإن الميزة الأهم في اوجلان ككاتب هو جرأته الشديدة في التحول عندما يرى ذلك ضرورياً، او عندما يشعر بوجود حائط مسدود. الكثيرون هذه الأيام، يخجلون من تغيير موقفهم، بسبب عدم امتلاكهم الجرأة رغم تغير قناعاتهم بفكرة أو توجه ما. هذه الجرأة انعكست على شكل نقد ذاتي عميق لشخصيته، من مراحل الطفولة في منزل تسيطر عليه أمه، إلى تأثره بالأفكار الدينية (لبديع الزمان النورسي قبل استيلاء فتح الله غولن على ميراث النورسية)، ثم المرحلة الماركسية التركية، ثم القومية الكردية (البيشكجية الطابع) وصولاً إلى المرحلة غير واضحة المعالم حالياً. وأقول غير واضحة المعالم لأن أنصاره يعجزون عن تقديم أفكاره، بعيداً عن النزعة القومية الصرفة في الممارسة. هناك مسافة تفصل بين أوجلان وحزبه في الوقت الحالي من حيث صيغة الحل في تركيا.


إذا، ما أنتجه أوجلان (تأليفاً) هو خلاصة لآراء العديد من المفكرين في قضايا محددة في علاقة المجتمع والفرد بالدولة، ودور الاقتصاد في تشكل الأديان، وهذا لا ينتقص من حق الرجل وجهوده مطلقاً، حيث جاءت هذه الأفكار برؤية تخدم الفكرة التي يريدها أوجلان في إيجاد مخرج لما أسماه "المصيدة الكردية"، وهو تعبير دقيق حقاً: مواجهة الإبادة عند الثورة، والإبادة عند الاستسلام. وغالباً ما يأخذ الاستسلام شكل إبادة ثقافية على ما هم عليه الكثير من كورد تركيا.


من أبرز ما يؤخذ عليه، بالنسبة لي على الأقل، هو تحامله على تجرية إقليم كردستان الفيدرالي، في لقاءاته مع محاميه، وكثير من هذا التحامل كان يبدو لأغراض متعلقة بظروفه في السجن، ففي أوج انتقاداته لتجرية الإقليم في السجن (2004 – 2008) كان لافتاً مثلاً دعوته إلى تأسيس قوة كردية خاصة في الاقليم لحماية الوجود الكردي في المناطق الواقعة على التخوم العربية، وحدد بالاسم منطقة مخمور ثم شنكال.


كذلك بالغ في تحامله على الطريقة النقشبندية التي حمّلها أكثر مما تحتمل من مسؤولية تهشيم المجتمع الكردي سياسياً، وعمالتها لدوائر الأنظمة الرسمية المضطهدة للكورد. وتبقى كبرى المآخذ هو موقفه من الدكتاتور الراحل حافظ الأسد، فرغم أن مناصريه يذهبون إلى أن العلاقة كانت قائمة على المنفعة المتبادلة بين الطرفين، إلا أن عدم وجود أي مقاربة لأوجلان تجاه حافظ الأسد طيلة فترة سجنه المستمرة يوحي وكأن العلاقة كانت مبدئية وليست منفعية، وعندما وجه نقداً مرة في أحد لقاءاته مع محاميه (عام 2004 إذا لم تخنّي الذاكرة) فقد اتهمه حينها بالخروج عن مسار العلاقة التي كانت تربط الحزب بوالده، وأن بشار يخاطر بجعل الشعب الكردي عدواً له. وفي مطلع الثورة السورية، ألمح في اللقاء الأخير مع محاميه عام 2001، إلى ضرورة ان يتحاور الدكتاتور الابن مع ممثلي الشعب الكردي في سوريا وإجراء تحول ديمقراطي في البلاد، من دون أن يدلي بأي


رأي تجاه القتل اليومي الذي تشهده سوريا. وهذا مأخذ عليه لأن معظم نقد أوجلان للدول الأوروبية قائم على عدم مسؤوليتهم الأخلاقية وليست القانونية.


يبقى أهم ما لدى أوجلان هو السعي لتأسيس وعي بالشرق لدى الكردي. أوجلان هو أحد المغضوب عليهم في دوائر غربية متطرفة من ناحية إيراده الأدلة والبراهين التاريخية على بطلان نظرية تفوق الغرب تاريخياً على الشرق، ويعتبر مبتدأ الشرق هو ميزوبوتاميا العليا (منطقة كردستان في الوقت الحالي)، ولا أخفي تأثري به في النظريات الغربية المزيفة (الاستشراقية) التي تنطلق من "مركزية أوروبا"- تاريخياً - وليس في الوقت الحالي المفروغ منه بتفوق أوروبا. يعتبر أوجلان أن منطقة الشرق الأوسط هي أم الحضارة، وأوروبا هي طفلها الذي أصبح عاقاً عبر سعيها لإدامة الصراعات فيها، ولعل رسم الخرائط مع بداية الحرب العالمية الأولى هو الفصل الانتقامي الأكبر لأوروبا من الشرق برمته، ومن ضمنها حمايتهم الامبراطورية العثمانية من السقوط نحو مئة عام، ابتداءاً من إفشال محاولة محمد علي باشا.


من أفكاره المهمة جداً في هذا السياق، هو عدم قناعته بأن الكورد هم شعب هندو أوروبي مهاجر من ضفاف الدانوب، بل شعب قديم انضمت إليه قبائل آرية أخرى في وقت لاحق. فإذا كان الكورد مهاجرين فعلاً، من هو الشعب الذي كان يقيم هناك في تلك الأرض الخيّرة الشبيهة بيوتوبيا الجنة؟؟. هل يعقل أن الصحراء كانت مليئة بالسكان حينها، بينما منابع دجلة والفرات خالية من السكان؟.


من المعضلات التي بقيت من دون أجوبة قطعية في مؤلفات أوجلان، هو ميله لربط معركة الحقوق بالمدن (الحل السياسي والبرلمان والتطور الاقتصادي) وليس بالقرى (الثورة المستمرة والعلاقات الاجتماعية المعيقة للتطور)، لكن مع حيرة فكرية تنتابه في كيفية حماية الكورد من المدينة التي ابتلعتهم تباعاً في الكثير من مراكز الشرق عبر التاريخ (دمشق، بغداد، حلب، حماة، اسطنبول...)، لدرجة أن المدينة باتت عدواً للكراديتي.


سوّق أوجلان – الكاتب- لنظرية الأصل الأرضي للأديان، وتطورها بتطور القرية إلى مدينة، حيث أن الجنة في مخيلة السومريين كانت هي أعالي بلاد ميزوبوتاميا ذات الخير الوفير، والتي كانت تأتي منها الأخشاب إلى الممالك التاريخية المتعاقبة على ما يعرف بـ"العراق" حالياً، كما ورد شيء من هذا القبيل في ملحمة كلكامش. وهذه الأفكار حول الأديان منبعها يساري بحت، أقرب إلى إعادة كتابة لأفكار فريديريك أنجلز.


لأنه سجين، لدى أكبر مؤسسة سياسية وأمنية وعسكرية قتلت الكورد، أدعو له بالحرية. ولكي يتم تخليص أفكار حزبه ومواليه من "التوثين" و" التصنيم" كما يصف الصديق والكاتب هوشنك أوسي، أدعو له بالحرية. ولأنه كاتب ويقول دائماً إن ما يقوله ليس معطى نهائياً، أدعو له بالحرية. أوجلان كاتب كبير لمن يعرف أن يقرأ له، وهو قائد تاريخي "معصوم" لمن لا يعرف كيف يقرؤه.




*إضاءة:


في صيف سنة 2009، قرات مقالة للكاتب اللبناني سعد محيو حول أوجلان، ورأيت فيه بعض التجني على الرجل، وليس على حزبه، فبادرت إلى التواصل معه وأرسلت له مجلدين، "الدفاع عن شعب"، "والدمقرطة وقضايا تجاوز الحداثة الرأسمالية" (الجزء الأول) فكان رده علي بعد نحو أسبوع:


"فوجئت بالفعل بالعمق الثقافي- الفلسفي لأوجلان. كانت أعتقد في السابق أنه مثقف يساري بارز/ لكنه يبدو لي الآن كمنظّر ومفكر مميّز...هل تتمة الكتاب موجودة؟". أرسلت له حينها ما توفر لدي، وراسلت حينها الصديق نواف خليل الذي زودني بكتاب صغير آخر، وأذكر أني أرسلتها له، وكتبت في الرسالة الموجهة إلى محيو: "أوجلان فوق كل شيء شرقي مشاغب ولا يرضى بمقولة الغرب المتفوق" بسهولة.




حسين جمو