صفحة 1 من 1

راس العين/ سري كانيه رؤية في قاع التوتر والصراع على النفوذ و

مرسل: الاثنين إبريل 29, 2013 4:10 pm
بواسطة سعدبن شهيوين5
أثارت الاشتباكات التي اندلعت في مدينة رأس العين (سري كانيه)

في محافظة الحسكة جدلاً قلّ نظيره خلال الثورة، حيث لم يسبق أن وقعت مواجهات بهذه الحدّة بين طرفين يفترض أنّ كلاهما من المعارضة، وإذْ يقول مؤيدو الكتائب المسلّحة أن قوات الحماية الشعبية الكردية التي تعرف اختصاراً بـYPG)) وتتبع للهيئة الكردية العليا (كما تتبع لها كل الأحزاب الكردية بما فيها حزب الاتحاد الديمقراطي) متواطئة مع النظام بحسب بياناتهم الرسمية، فإن الحركة السياسية الكردية تكاد تُجمع على أنّ من يقاتل في صفوف الكتائب التابعة للجيش الحر في المدينة لا يشرّفون الثورة السورية، وآخرهم قائد كتيبة "جند الله" المطرب عز الدين الفراتي، صاحب أغنية "يا سوسو"، وأغنية أخرى تمجّد النظام سجّلها قبل سبعة شهور.






المقدمة السابقة قد تبدو شعبوية في إيراد بعض من تصورات كل طرف عن الآخر، لكن هذه المنطقة التي يطلق عليها الكورد "غرب كردستان"، ويطلق عليها العرب "الجزيرة" (يلحقون بها كلمة العربية أحياناً)، هي المدخل المحلي لفهم الصراع الدائر هناك والذي توقف صباح الجمعة بتاريخ 1 شباط في هدنة غير واضحة المعالم بين الطرفين.




إنّ جميع التقارير الميدانية التي تداولتها وسائل الإعلام الكبيرة عربياً وعالمياً، وحتى على مستوى مطبوعات المعارضة السورية، لم تلامس القاع الذي تترسب فيه الدوافع العميقة والخفية خلف هذه الأحداث المؤلمة التي كلفت عشرات القتلى من الطرفين، إضافة إلى تدمير فادح للبنية التحتية في الجولة الأخيرة من القتال. ويعتذر كاتب هذه السطور سلفاً من أن ملامسة هذا القاع المذكور يستدعي الغطس في الوحل الاجتماعي المعقّد، كما أنه سيظلم الكثير من أصحاب الأصوات المضادة للحرب كورداً وعرباً، لأن هذه الأصوات لا ترسم مسار الأحداث في الوقت الحالي.




إن الحيرة التي قد تنتاب المرء حول ما إذا كان عليه كتابة اسم المدينة "رأس العين" أم "سري كانيه" لمطبوعة سورية لا يعرف بالضبط رؤيتها السياسية هي واحدة من نقاط القاع الموحلة في هذه القضية!




سنبدأ من فرضية أساسية: ما جرى ويجري في هذه المنطقة ذات التنوع الشديد والملغّم بثلاثة صواعق كبيرة (كورد، عرب، مسيحيين) يقع خارج الثورة السورية أو على هامشها في أحسن الأحوال، وعليه، فإنه قضية إسقاط النظام في محافظة الحسكة ليست السبب الرئيس وراء اندفاع الكثير من شباب العشائر العربية إلى المشاركة في القتال ضد قوات YPG ، كما أن تصدي هذه الأخيرة بكل شراسة للدفاع عن المدينة ومنع تقدم الكتائب ليس هدفه تثبيت النظام كما يتهمها خصومها، وإن كان تواطؤ غير واضح المعالم مع النظام مثار شك حتى من أحزاب كردية. في قاع هذه المقاربة، لا يوجد بند "إسقاط النظام" لدى الطرفين هناك، بل إنّ القلق من مرحلة ما بعد سقوط النظام هو أحد محركات التوتر الحالي.




على الجانب الذي يقاتل مع الجيش الحر، هناك أكثر من 20 كتيبة، غالبيتها جاءت من خارج النطاق المحلي للمجتمع، الكثير من المتطوعين من ريف دير الزور، ومن جنوب الحسكة، والرقة. علماً أن المناطق الثلاث المذكورة ما تزال تحت سيطرة النظام جزئياً (دير الزور) أو كلّياً (مدينتني الرقّة والحسكة). ومما يشير إلى وقوع هذه الجبهة خارج الثورة هو انطلاق أفراد الكتائب المتوغلة في المدينة تحت عنوانين: الأول، يعتبر أن الكورد الذين يقاتلون ضد سيطرة الكتائب على المدينة هم جميعاً من حزب العمال الكردستاني الذي يعتبرونه موالياً للنظام، وهؤلاء غالبيتهم من أفراد لواء "الفتح" و"أحفاد الرسول" القادمين من مناطق حلب وادلب حيث الحساسية العرقية ضد الكورد لا تشكل هاجساً وجودياً. الثاني ينطلق من أن حزب العمال الكردستاني هم من الكورد الذين يستخدمهم مسعود بارزاني لإنشاء دولة كردية أو إقليم في "غرب كردستان". ولدى متابعة مقاطع الفيديو والبيانات المتعلقة بتلك المواجهات نجد أكثر من مثال على عدم أولوية إسقاط النظام، خاصة لدى أبناء العشائر المنحدرين من محافظة الحسكة، وفي مقطع واضح يقول المصور الذي وثق جانباً من معارك الكتائب ضد قوات الحماية الكردية إن القتال يجري ضد قوات البيشمركة (بارزاني). فمقاربة المقاتلين العرب للصراع تأخذ منحى عراقياً ما تزال مسألة سقوط صدام حسين تمنحه قوة دافعة ثأرية ضد الأكراد عموماً، وعليه، لا فرق




–بالنسبة لهم- بين قوات بارزاني وأوجلان، رغم اختلاف مقاربة كل من سياسة هذين القطبين السياسيين تجاه الثورة السورية.




أضف أنّ إحجام الكورد عن الانخراط العسكري في الثورة، وملاحقة حزب الاتحاد الديمقراطي للناشطين الجذريين من الكورد، قد أعطت "الطليعة المقاتلة" بين الشبان العرب دافعاً لانتزاع الشرعية الثورية تحت هاجس التهديد المستقبلي الذي يستشعرونه من "المشاريع القومية الكردية"، ووسيلة لتعميق فصل الكورد عن الثورة في منحاها الجذري، والذي ساهم فيه حزب الاتحاد الديمقراطي بالضد من النقمة الكردية على النظام الذي تسبب منذ 2005 بهجرة 300 ألف مواطن من الحسكة إلى دمشق وحلب، بسبب مرسوم منع عليهم بيع وشراء العقارات. أضف أن الحزب المذكور قرأ الثورة السورية بمداخل خاطئة من حيث ربطها العضوي بتركيا والاخوان. في موازاة ذلك، بدّل المغمورون العرب، الذين تم جلبهم من محافظة الرقة، ولاءاتهم بمجرد شعورهم بضعف النظام، فكان الانتقال من معسكر الموالاة والمشاركة في مسيرات التأييد إلى القتال في صفوف الجيش الحر سريعاً وغير خاضع لحسابات الثورة بقدر بحثهم عن وسيلة قد تعينهم على البقاء في ممتلكات الكورد التي صادرها النظام وأعطاهم إياها (ممتد على 300 كيلومتر من ديرك إلى راس العين).




هناك لافتة خلال مسيرة تأييد للنظام في "سري كانيه" جاء فيها: "عشيرة عدوان تجدد عهد الولاء والوفاء للقائد بشار الأسد... تقدمة الشيخ حلو محمد الحلو". تاريخ المسيرة كان في 28 حزيران 2011. يومها هاجم هؤلاء تظاهرة مناهضة للأسد نظّمها ناشطون أكراد وعرب... اليوم: يعتبر حلو محمد الحلو أحد القادة العشائريين للكتائب المقاتلة في المدينة. وهذا ينقلنا إلى المستوى الثاني للدوافع غير المتعلقة بإسقاط النظام، وهي الصراع على النفوذ بين العشائر العربية ذاتها.




حسب ما نقله الكاتب الكردي طه الحامد فإنّ "غالبية المنضوين في الكتائب ينحدرون من ثلاثة عشائر، هي البقّارة والجبور وطي، إضافة إلى عشائر أخرى صغيرة مساندة مثل العدوان وقسم من الشرابيين ومعظم المغمورين". هذه العشائر ذاتها منقسمة على نفسها، فبينما يعتبر نواف البشير، شيخ البقارة في محافظة دير الزور، المسوّق الأول لهذه الحرب، فإنه يضع نصب عينيه إعادة نفوذ عشيرته إلى محافظة الحسكة لتصبح له الزعامة على عرب المنطقة، وكان آخر مد بشري للبقّارة في محافظة الحسكة قد تم دحره بين أعوام 1941 و1945 في حرب طاحنة خاضها والده ضد العشائر الكردية المتحالفة مع عشيرة شمّر العربية. فيما يسعى القطب الآخر للحرب، أحمد الأسعد الملحم، شيخ عشائر الجبور في جنوب الحسكة، إلى انتزاع زعامة العشيرة كاملة عبر الإطاحة بابن عمه الشيخ سالم عبد العزيز المسلط الذي يعتبر أكثر نفوذاً وقوة، وشخصية ذات كاريزما سياسياً وعشائرياً، وهو من أشد المعارضين للهجمة على رأس العين من قبل زعماء العشائر المذكورين. كل هذه الأهداف العشائرية، التي لا تهم المقاتلين العاديين المنحدرين من مختلف العشائر، تمر من بوابة وحيدة: "كسر النفوذ الكردي في المنطقة عسكرياً، وتحويلهم إلى قوة سياسية صرفة غير مسلّحة.. والسيطرة على حقول النفط الواقعة في منطقة رميلان". مستقبلاً، في حال لم يتم ردم هذا القاع الموحل للدوافع، فإن مواجهات مرتقبة ستكون حتمية بين الشمّر (آل الجربا) والجبور (سالم المسلط) من جهة، وبين زعماء العشائر الآخرين الطامحين إلى الإطاحة بهؤلاء في طريقهم. وهذا لا يعني أن هناك خلافاً بين هؤلاء حول نظرتهم للكورد.. باستثناء وجهاء عشيرة شمّر الذين يميلون تاريخياً إلى التحالف مع الكورد.




كردياً، تكاد تكون الصورة مشابهة من حيث أن الهاجس الأساسي بات يتعلق بالوجود الكردي في المنطقة، وليس مسألة إسقاط النظام التي باتت جزئية لا تلعب دوراً كبيراً في صياغة أدوار اللاعبين الأساسيين. وبينما كانت الجولة الأولى من المواجهات التي اندلعت في تشرين الثاني من العام الماضي ذات طابع حزبي كردياً (الاتحاد الديمقراطي)، فإن الجولة الأخيرة جذبت الكثير من الكورد المتخاصمين مع الحزب المذكور أيضاً. على الأقل هناك توافق كردي عام أن هذه الكتائب ليست لها أجندة متعلقة بالثورة. ولدى الكورد قلق حقيقي من فقدان "السيادة السياسية" على المنطقة تلك، فالصراع يدور بين طرفين ليس النظام ثالثهما. ومن سخرية القدر أن النظام يكاد يصبح طرفاً خارجياً لا شأن له بما يحدث هناك، لذا نجد مثلاً أن أرتال عسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي مرت تحت تمثال الأسد الأب خلال تشييع أحد قتلى الحرب في "سري كانيه" وكأنه تمثال لشاعر من العصر العباسي. وفي الوقت ذاته، يتخلى شبان من عرب الحسكة وريفها الجنوبي عن تحرير مدنهم وبلداتهم من النظام وينطلقون في مواكب عسكرية تجاه راس العين.




بقيت جزئية لا بد من الإشارة إليها، وهو أن نعت الكتائب بأنها سلفية تكفيرية كما يتم الترويج له كردياً ليس دقيقاً، بل إن جبهة النصرة التي يتواجد عدد قليل من عناصرها هناك كانت من أولى الأطراف التي خاضت محادثات الهدنة مع الطرف الكردي، فيما رفضت الكتائب التي تتشكل من عرب الحسكة (منهم صاحب أغنية يا سوسو)




أي حديث عن وقف القتال حتى قبل يومين. أما الكتائب الكردية التي تقاتل مع الجيش الحر، فلها قصة أخرى، القاع فيها هو شعورهم بخطر الموت الذي ينتظرهم من أشقائهم الكورد على الطرف الآخر لأسباب لا مجال لتفصيلها الآن.




هذه هي المنطقة التي تقيم خارج الثورة في سوريا.. وإنهاء ذلك لن يكون عن طريق تحطم أحد الطرفين. لأن المخفي الذي سيظهر لاحقاً هو أن توافق مكونات محافظة الحسكة على صيغة سياسية ما للإدارة بين جميع المكونات سيشكّل خطراً على البرجوازية السورية المعارضة الباحثة منذ الآن عن ربط هذه المناطق الغنية بالموارد والثروة، بالمراكز الرئيسية (حلب ودمشق) كما جرت العادة مع الأنظمة المتعاقبة على سوريا، ومن ثم التكرم على أهلها بخطط تنموية مملّة.




حسين جمو