علاقة المنفعة: لماذا يعد التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائ
مرسل: الاثنين إبريل 29, 2013 7:38 pm
مايكل آيزنشتات و ديفيد بولوك
فورين آفيرز
7 تشرين الثاني/نوفمبر 2012
في المناظرة الرئاسية الأخيرة في موسم الحملات الانتخابية لعام 2012، ورد على لسان الرئيس باراك أوباما والحاكم ميت رومني ذكر إسرائيل نحو 30 مرة، وهو معدل تجاوز ذكر أي دولة أخرى باستثناء إيران. وصرّح كلا المرشحين أن الدولة اليهودية "صديق حقيقي" وتعهدا بالوقوف إلى جانبها في السراء والضراء. وقد انتقد بعض المعلقين السياسيين تصريحات الدعم المسرفة هذه باعتبارها محاولة للاسترضاء، مما يشير إلى أن المرشحَيْن كانا يسعيان ببساطة إلى الفوز بأصوات اليهود وأصوات الموالين لإسرائيل.
لكن إن كان الدعم الإسرائيلي في الواقع من عوامل الفوز السياسي، فيرجع ذلك على الأقل إلى معرفة الناخبين ما الذي هو أفضل [للمصالح الأمريكية]. والتحالف بين الولايت المتحدة وإسرائيل يُسهم الآن أكثر من أي وقت مضى في صالح تعزيز الأمن الأمريكي، حيث ازداد التعاون الثنائي في التعامل مع التحديات العسكرية وغير العسكرية خلال السنوات الأخيرة. ولا يمكن أن تكون العلاقة متماثلة؛ فقد أمدت الولايات المتحدة إسرائيل بدعم دبلوماسي واقتصادي وعسكري لا غنى عنه بلغ أكثر من 115 مليار دولار إجمالاً منذ عام 1949. لكن الشراكة متبادلة وحققت فوائد جمة للولايات المتحدة. أما التكاليف الأخرى الملموسة بشكل أقل والناجمة عن التحالف بين البلدين - والتي تتمثل بصفة أساسية في الضرر الذي لحق بسمعة واشنطن في البلدان العربية والإسلامية، وهي مشكلة نجمت كذلك عن التدخلات الأمريكية وعقود من الدعم الأمريكي للحكام المستبدين في الشرق الأوسط - فإنها تتضاءل عند المقارنة مع المكاسب الاقتصادية والعسكرية والسياسية التي عادت على واشنطن.
ويرجع التعاون الأمني بين الولايات المتحدة وإسرائيل إلى ذروة "الحرب الباردة"، عندما كان يُنظر إلى الدولة اليهودية في واشنطن على أنها حائط صد ضد النفوذ السوفيتي في الشرق الأوسط ومناهض للقومية العربية. وعلى الرغم من أن العالم قد تغير منذ ذلك الحين، إلا أن المنطق الاستراتيجي للتحالف بين إسرائيل والولايات المتحدة لم يتغير. ولا تزال إسرائيل ثقل موازنة ضد القوى الراديكالية في الشرق الأوسط، بما فيها الإسلام السياسي والتطرف العنيف. كما أنها حالت دون الانتشار الإضافي لأسلحة الدمار الشامل في المنطقة عن طريق إحباط البرامج النووية لكل من العراق وسوريا.
ولا تزال إسرائيل تساعد الولايات المتحدة على التعامل مع التهديدات الأمنية التقليدية. فالدولتان تشاركان بعضهما البعض المعلومات الاستخباراتية بشأن الإرهاب والانتشار النووي والسياسة في الشرق الأوسط. كما أن التجارب العسكرية الإسرائيلية جسّدت منهج الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب والأمن الداخلي. وتعمل الحكومتان معاً لتطوير تقنيات عسكرية متطورة، مثل نظم "ديفيدز سلينغ" للصواريخ المضادة ونظم الدفاع الصاروخية "آرو" التي قد تكون جاهزة بعد فترة قصيرة للتصدير إلى حلفاء الولايات المتحدة الآخرين. كما برزت إسرائيل كمورد هام لمعدات الدفاع إلى الجيش الأمريكي، حيث زادت المبيعات من 300 مليون دولار سنوياً قبل أحداث 11 أيلول/سبتمبر إلى 1.1 مليار دولار عام 2006، وذلك بسبب الحروب في أفغانستان والعراق. وقد قاد مجمع الأبحاث والتطوير العسكري الإسرائيلي العديد من التقنيات المتقدمة التي تحوِّل شكل الحرب الحديثة، ويشمل ذلك الأسلحة السيبرانية والمركبات بدون طيار (مثل أجهزة الروبوت الأرضية والطائرات بدون طيار) ونظم المجسات وأنظمة الحرب الإلكترونية والدفاعات المتقدمة للمركبات العسكرية.
إن التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل قد مهَّد الطريق أمام الدولتين للتعاون في مسائل تتجاوز القضايا الأمنية التقليدية. ويرجع ذلك جزئياً إلى العلاقات الأمنية والسياسية طويلة الأجل بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ونظراً لذلك يعرف معظم الإسرائيليين [الكثير عن] الولايات المتحدة ولديهم مشاعر إيجابية تجاهها. فالشركات الإسرائيلية التي تبحث عن أسواق عالمية لمنتجاتها غالباً ما تنظر إلى نظرائها الأمريكيين على أنهم الشركاء المفضلين. ومن ثم فإن الابتكارات التقنية المدنية الإسرائيلية أصبحت اليوم تساعد الولايات المتحدة في الحفاظ على تنافسيتها الاقتصادية وعلى تعزيز التنمية المستدامة والتعامل مع مجموعة من التحديات الأمنية غير العسكرية.
لقد أنشأت عشرات الشركات الأمريكية الرائدة حاضنات تكنولوجية في إسرائيل للاستفادة من ميول البلاد نحو الحصول على أفكار جديدة، وهذا هو السبب الذي جعل بيل غيتس يذكر في عام 2006 بأن "الابتكار الجاري في إسرائيل هو جوهري لمستقبل عالم التكنولوجيا". وبالمثل، غالباً ما تلجأ الشركات الإسرائيلية عالية التقنية إلى الشركات الأمريكية لتشاركها في الإنتاج وفرص التسويق المشتركة في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، مما يخلق عشرات الآلاف من فرص العمل للأمريكيين. ورغم أن الإسرائيليين لا يشكلون سوى ثلاثة بالمائة من سكان الشرق الأوسط، إلا أن إسرائيل كانت في عام 2011 وجهة لـ 25 في المائة من جميع الصادرات الأمريكية إلى المنطقة، وتخطت مؤخراً المملكة العربية السعودية في كونها السوق الأكبر للمنتجات الأمريكية في الشرق الأوسط.
إن التعاون الهائل من جانب الشركات الأمريكية مع إسرائيل في مجال تكنولوجيا المعلومات يعد جوهرياً لنجاح صناعات "وادي السليكون". وقد صمم المهندسون في مراكز الأبحاث والتطوير لشركة "إنتل" في إسرائيل، العديد من المعالجات الدقيقة الأكثر نجاحاً للشركة، التي شكلت نحو 40 في المائة من إيرادات "إنتل" في العام الماضي. فإذا كُنت قد أجريت معاملة آمنة على الإنترنت أو أرسلت رسالة فورية أو اشتريت شيئاً باستخدام موقع "باي بال"، فعليك أن تشكر باحثي تكنولوجيا المعلومات الإسرائيليين.
كما أن المبتكرين الإسرائيليين قد توصلوا إلى حلول جديدة للتحديات الأمنية المرتبطة بالمياه والغذاء الناجمة عن نمو السكان والتغير المناخي والتطور الاقتصادي. وفي ضوء جغرافيا الشرق الأوسط فإن إسرائيل هي بالضرورة رائد عالمي في الحفاظ على المياه وإدارتها وفي الزراعة عالية التقنية. إذ تقوم إسرائيل بتدوير أكثر من ثمانين في المائة من مياه الصرف الصحي - وهي أعلى نسبة في العالم - كما أنها رائدة في استخدام تقنيات الحفاظ على المياه وتنقيتها، بما في ذلك الري بالتنقيط وتحلية المياه بنظام التناضح العكسي. كما أن عدداً من الشركات الإسرائيلية حقق الريادة في تطوير مصادر الطاقة المستدامة؛ فشركة "برايت سورس إنداستريز" على سبيل المثال تعمل على بناء محطة طاقة شمسية في كاليفورنيا باستخدام تقنية إسرائيلية سوف تضاعف من كمية الكهرباء الحرارية الشمسية المنتجة في الولايات المتحدة. وهذه الابتكارات - التي يعززها الاستثمار الأمريكي الهائل في إسرائيل - تسهم في تعزيز أهداف السياسة الداخلية والخارجية الأمريكية المتعلقة بالتنمية المستدامة.
ولا شك أن التحالف مع إسرائيل لم يكن خالياً من المخاطر أو التكاليف بالنسبة لواشنطن. فحرب 1973 بين إسرائيل وجيرانها جعلت أمريكا على شفا صراع مع الاتحاد السوفيتي وأدت إلى فرض الدول العربية لحظر على صادرات النفط إلى الولايات المتحدة. وعقب الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982، أرسلت إدارة الرئيس ريغان جنود مشاة البحرية الأمريكية للمساعدة على إرساء الاستقرار في تلك البلاد، مما ترتب عليه في النهاية وقوع هجمات مُكلفة على الدبلوماسيين وأفراد الجيش الأمريكيين هناك. كما أن الدعم الدبلوماسي والعسكري الأمريكي لإسرائيل عزز الاتجاهات السلبية تجاه الولايات المتحدة في العديد من البلدان العربية وتلك ذات الأغلبية المسلمة.
لكن يجب عدم المبالغة في هذه التكاليف. إن دعم واشنطن لإسرائيل لم يكد يضر بالعلاقات الأمريكية مع حلفائها العرب والمسلمين، باستثناء حالات التصويت - الرمزية إلى حد بعيد - ضد مواقف الولايات المتحدة في الأمم المتحدة. إن الوقوف إلى جانب إسرائيل لم يعمل قطعاً على تقييد سياسة واشنطن تجاه المنطقة مثلما فعلت الحرب في العراق أو دعم الولايات المتحدة للأنظمة العربية المستبدة. وفي غضون ذلك، لم يرفض أبداً أي حليف عربي لواشنطن - نظراً لموقفها المؤيد لإسرائيل - التعاون مع الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب كما لم يرفض أي من طلبات حقوق الوصول أو بناء القواعد أو الطيران.
وفي الواقع أن التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل ساعد في بعض الأوقات على تحفيز قيام علاقات أوثق بين واشنطن والعرب استناداً إلى النظرية بأن الولايات المتحدة وحدها هي التي تستطيع إقناع إسرائيل بتقديم تنازلات في المفاوضات؛ وكان ذلك جزءاً من المنطق وراء ابتعاد مصر عن الاتحاد السوفيتي والتقرب من الولايات المتحدة في سبعينات القرن الماضي. وحتى خلال العقد الماضي الذي شهد تعاوناً وثيقاً بين الولايات المتحدة وإسرائيل - وعلى الرغم من الجمود في عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين - ازدهرت العلاقات العربية مع الولايات المتحدة إلى حد بعيد: فالتجارة والاستثمارات الثنائية آخذة في الازدهار، حيث وصلت الصادرات الأمريكية إلى منطقة الشرق الأوسط في عام 2011 إلى أعلى معدلاتها على الإطلاق ووصلت قيمتها إلى 56 مليار دولار. كما أن التعاون في مجال الدفاع وثيق كالعادة، وينعكس في اتفاقات شراء الأسلحة بمليارات الدولارات أبرمتها واشنطن مع حلفائها الخليجيين خلال السنوات الأخيرة. وعلاوة على ذلك، فإن دولاً عديدة من بينها مصر والأردن، إلى جانب السلطة الفلسطينية، تشارك المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل وعملت في أوقات متباينة من وراء الكواليس لتجنيد إسرائيل كوسيط لدى واشنطن. وقد كان ذلك هو الحال حتى في ظل الحكومة المصرية التي أعقبت الثورة. ويؤكد ذلك كله الحقيقة بأن المصلحة الذاتية، وليس الأيديولوجية، هي المحفز الرئيسي لعلاقات الدول العربية مع واشنطن.
وعلى الرغم من الروابط التي لا تزال قائمة بين الولايات المتحدة وبعض الدول العربية، إلا أن الاضطرابات خلال العامين الماضيين قد تسببت في قيام غضب بالغ بين العديد من حلفاء واشنطن التقليديين في المنطقة. ففي أوقات عدم اليقين الحرجة، لا سيما في ظل تزايد التوترات مع إيران، يرجح أن تعتمد الولايات المتحدة بشكل أكبر على حلفائها غير الديمقراطيين الأكثر استقراراً إلى حد ما، مثل المملكة العربية السعودية، إلى جانب حلفائها الديمقراطيين، مثل إسرائيل وتركيا، لتأمين مصالحها في المنطقة. وعلى النقيض من ذلك، عززت الأحداث الأخيرة المنطق الذي يقوم عليه التعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
إن الفوائد التي تحققها الولايات المتحدة من علاقتها مع إسرائيل تفند الحجة القائلة بأن التحالف قائم فقط على القيم الديمقراطية المشتركة للبلدين، أو على شعبية إسرائيل في السياسة الأمريكية، أو على السعي المراوغ للتقدم في عملية السلام. إنها علاقة تقوم على مصالح ملموسة - وسوف تبقى كذلك في المستقبل المنظور.
ليس من السهل دائماً أن تكون حليفاً لإسرائيل (كما أن الإجراءات الإسرائيلية لا تجعل الأمور أكثر سهولة بصورة دائمة). فالبلاد تواجه تحديات جمّة، منها الصراع المستمر مع الفلسطينيين، والفجوات الاجتماعية والاقتصادية الداخلية، والأصوات في جميع أنحاء العالم التي تنكر حقها في الوجود، والآن برنامج إيران النووي. لقد حققت إسرائيل تقدماً غير مستقيم تجاه معالجة هذه المسائل ويلزم أن تفعل المزيد لكي تظل شريكاً جذاباً للولايات المتحدة. لكن نجاحاتها السابقة في دمج أعداد غفيرة من المهاجرين وجسر الفجوات الاجتماعية العميقة وإظهار مرونة ملحوظة في مواجهة الحرب والإرهاب توفر سبباً للاعتقاد بأن واشنطن تستطيع مواصلة الاعتماد على شريكها الأقرب في الشرق الأوسط، وأنها سوف تواصل الاستفادة من تحالفها مع الدولة اليهودية.
مايكل آيزنشتات هو مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن
فورين آفيرز
7 تشرين الثاني/نوفمبر 2012
في المناظرة الرئاسية الأخيرة في موسم الحملات الانتخابية لعام 2012، ورد على لسان الرئيس باراك أوباما والحاكم ميت رومني ذكر إسرائيل نحو 30 مرة، وهو معدل تجاوز ذكر أي دولة أخرى باستثناء إيران. وصرّح كلا المرشحين أن الدولة اليهودية "صديق حقيقي" وتعهدا بالوقوف إلى جانبها في السراء والضراء. وقد انتقد بعض المعلقين السياسيين تصريحات الدعم المسرفة هذه باعتبارها محاولة للاسترضاء، مما يشير إلى أن المرشحَيْن كانا يسعيان ببساطة إلى الفوز بأصوات اليهود وأصوات الموالين لإسرائيل.
لكن إن كان الدعم الإسرائيلي في الواقع من عوامل الفوز السياسي، فيرجع ذلك على الأقل إلى معرفة الناخبين ما الذي هو أفضل [للمصالح الأمريكية]. والتحالف بين الولايت المتحدة وإسرائيل يُسهم الآن أكثر من أي وقت مضى في صالح تعزيز الأمن الأمريكي، حيث ازداد التعاون الثنائي في التعامل مع التحديات العسكرية وغير العسكرية خلال السنوات الأخيرة. ولا يمكن أن تكون العلاقة متماثلة؛ فقد أمدت الولايات المتحدة إسرائيل بدعم دبلوماسي واقتصادي وعسكري لا غنى عنه بلغ أكثر من 115 مليار دولار إجمالاً منذ عام 1949. لكن الشراكة متبادلة وحققت فوائد جمة للولايات المتحدة. أما التكاليف الأخرى الملموسة بشكل أقل والناجمة عن التحالف بين البلدين - والتي تتمثل بصفة أساسية في الضرر الذي لحق بسمعة واشنطن في البلدان العربية والإسلامية، وهي مشكلة نجمت كذلك عن التدخلات الأمريكية وعقود من الدعم الأمريكي للحكام المستبدين في الشرق الأوسط - فإنها تتضاءل عند المقارنة مع المكاسب الاقتصادية والعسكرية والسياسية التي عادت على واشنطن.
ويرجع التعاون الأمني بين الولايات المتحدة وإسرائيل إلى ذروة "الحرب الباردة"، عندما كان يُنظر إلى الدولة اليهودية في واشنطن على أنها حائط صد ضد النفوذ السوفيتي في الشرق الأوسط ومناهض للقومية العربية. وعلى الرغم من أن العالم قد تغير منذ ذلك الحين، إلا أن المنطق الاستراتيجي للتحالف بين إسرائيل والولايات المتحدة لم يتغير. ولا تزال إسرائيل ثقل موازنة ضد القوى الراديكالية في الشرق الأوسط، بما فيها الإسلام السياسي والتطرف العنيف. كما أنها حالت دون الانتشار الإضافي لأسلحة الدمار الشامل في المنطقة عن طريق إحباط البرامج النووية لكل من العراق وسوريا.
ولا تزال إسرائيل تساعد الولايات المتحدة على التعامل مع التهديدات الأمنية التقليدية. فالدولتان تشاركان بعضهما البعض المعلومات الاستخباراتية بشأن الإرهاب والانتشار النووي والسياسة في الشرق الأوسط. كما أن التجارب العسكرية الإسرائيلية جسّدت منهج الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب والأمن الداخلي. وتعمل الحكومتان معاً لتطوير تقنيات عسكرية متطورة، مثل نظم "ديفيدز سلينغ" للصواريخ المضادة ونظم الدفاع الصاروخية "آرو" التي قد تكون جاهزة بعد فترة قصيرة للتصدير إلى حلفاء الولايات المتحدة الآخرين. كما برزت إسرائيل كمورد هام لمعدات الدفاع إلى الجيش الأمريكي، حيث زادت المبيعات من 300 مليون دولار سنوياً قبل أحداث 11 أيلول/سبتمبر إلى 1.1 مليار دولار عام 2006، وذلك بسبب الحروب في أفغانستان والعراق. وقد قاد مجمع الأبحاث والتطوير العسكري الإسرائيلي العديد من التقنيات المتقدمة التي تحوِّل شكل الحرب الحديثة، ويشمل ذلك الأسلحة السيبرانية والمركبات بدون طيار (مثل أجهزة الروبوت الأرضية والطائرات بدون طيار) ونظم المجسات وأنظمة الحرب الإلكترونية والدفاعات المتقدمة للمركبات العسكرية.
إن التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل قد مهَّد الطريق أمام الدولتين للتعاون في مسائل تتجاوز القضايا الأمنية التقليدية. ويرجع ذلك جزئياً إلى العلاقات الأمنية والسياسية طويلة الأجل بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ونظراً لذلك يعرف معظم الإسرائيليين [الكثير عن] الولايات المتحدة ولديهم مشاعر إيجابية تجاهها. فالشركات الإسرائيلية التي تبحث عن أسواق عالمية لمنتجاتها غالباً ما تنظر إلى نظرائها الأمريكيين على أنهم الشركاء المفضلين. ومن ثم فإن الابتكارات التقنية المدنية الإسرائيلية أصبحت اليوم تساعد الولايات المتحدة في الحفاظ على تنافسيتها الاقتصادية وعلى تعزيز التنمية المستدامة والتعامل مع مجموعة من التحديات الأمنية غير العسكرية.
لقد أنشأت عشرات الشركات الأمريكية الرائدة حاضنات تكنولوجية في إسرائيل للاستفادة من ميول البلاد نحو الحصول على أفكار جديدة، وهذا هو السبب الذي جعل بيل غيتس يذكر في عام 2006 بأن "الابتكار الجاري في إسرائيل هو جوهري لمستقبل عالم التكنولوجيا". وبالمثل، غالباً ما تلجأ الشركات الإسرائيلية عالية التقنية إلى الشركات الأمريكية لتشاركها في الإنتاج وفرص التسويق المشتركة في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، مما يخلق عشرات الآلاف من فرص العمل للأمريكيين. ورغم أن الإسرائيليين لا يشكلون سوى ثلاثة بالمائة من سكان الشرق الأوسط، إلا أن إسرائيل كانت في عام 2011 وجهة لـ 25 في المائة من جميع الصادرات الأمريكية إلى المنطقة، وتخطت مؤخراً المملكة العربية السعودية في كونها السوق الأكبر للمنتجات الأمريكية في الشرق الأوسط.
إن التعاون الهائل من جانب الشركات الأمريكية مع إسرائيل في مجال تكنولوجيا المعلومات يعد جوهرياً لنجاح صناعات "وادي السليكون". وقد صمم المهندسون في مراكز الأبحاث والتطوير لشركة "إنتل" في إسرائيل، العديد من المعالجات الدقيقة الأكثر نجاحاً للشركة، التي شكلت نحو 40 في المائة من إيرادات "إنتل" في العام الماضي. فإذا كُنت قد أجريت معاملة آمنة على الإنترنت أو أرسلت رسالة فورية أو اشتريت شيئاً باستخدام موقع "باي بال"، فعليك أن تشكر باحثي تكنولوجيا المعلومات الإسرائيليين.
كما أن المبتكرين الإسرائيليين قد توصلوا إلى حلول جديدة للتحديات الأمنية المرتبطة بالمياه والغذاء الناجمة عن نمو السكان والتغير المناخي والتطور الاقتصادي. وفي ضوء جغرافيا الشرق الأوسط فإن إسرائيل هي بالضرورة رائد عالمي في الحفاظ على المياه وإدارتها وفي الزراعة عالية التقنية. إذ تقوم إسرائيل بتدوير أكثر من ثمانين في المائة من مياه الصرف الصحي - وهي أعلى نسبة في العالم - كما أنها رائدة في استخدام تقنيات الحفاظ على المياه وتنقيتها، بما في ذلك الري بالتنقيط وتحلية المياه بنظام التناضح العكسي. كما أن عدداً من الشركات الإسرائيلية حقق الريادة في تطوير مصادر الطاقة المستدامة؛ فشركة "برايت سورس إنداستريز" على سبيل المثال تعمل على بناء محطة طاقة شمسية في كاليفورنيا باستخدام تقنية إسرائيلية سوف تضاعف من كمية الكهرباء الحرارية الشمسية المنتجة في الولايات المتحدة. وهذه الابتكارات - التي يعززها الاستثمار الأمريكي الهائل في إسرائيل - تسهم في تعزيز أهداف السياسة الداخلية والخارجية الأمريكية المتعلقة بالتنمية المستدامة.
ولا شك أن التحالف مع إسرائيل لم يكن خالياً من المخاطر أو التكاليف بالنسبة لواشنطن. فحرب 1973 بين إسرائيل وجيرانها جعلت أمريكا على شفا صراع مع الاتحاد السوفيتي وأدت إلى فرض الدول العربية لحظر على صادرات النفط إلى الولايات المتحدة. وعقب الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982، أرسلت إدارة الرئيس ريغان جنود مشاة البحرية الأمريكية للمساعدة على إرساء الاستقرار في تلك البلاد، مما ترتب عليه في النهاية وقوع هجمات مُكلفة على الدبلوماسيين وأفراد الجيش الأمريكيين هناك. كما أن الدعم الدبلوماسي والعسكري الأمريكي لإسرائيل عزز الاتجاهات السلبية تجاه الولايات المتحدة في العديد من البلدان العربية وتلك ذات الأغلبية المسلمة.
لكن يجب عدم المبالغة في هذه التكاليف. إن دعم واشنطن لإسرائيل لم يكد يضر بالعلاقات الأمريكية مع حلفائها العرب والمسلمين، باستثناء حالات التصويت - الرمزية إلى حد بعيد - ضد مواقف الولايات المتحدة في الأمم المتحدة. إن الوقوف إلى جانب إسرائيل لم يعمل قطعاً على تقييد سياسة واشنطن تجاه المنطقة مثلما فعلت الحرب في العراق أو دعم الولايات المتحدة للأنظمة العربية المستبدة. وفي غضون ذلك، لم يرفض أبداً أي حليف عربي لواشنطن - نظراً لموقفها المؤيد لإسرائيل - التعاون مع الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب كما لم يرفض أي من طلبات حقوق الوصول أو بناء القواعد أو الطيران.
وفي الواقع أن التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل ساعد في بعض الأوقات على تحفيز قيام علاقات أوثق بين واشنطن والعرب استناداً إلى النظرية بأن الولايات المتحدة وحدها هي التي تستطيع إقناع إسرائيل بتقديم تنازلات في المفاوضات؛ وكان ذلك جزءاً من المنطق وراء ابتعاد مصر عن الاتحاد السوفيتي والتقرب من الولايات المتحدة في سبعينات القرن الماضي. وحتى خلال العقد الماضي الذي شهد تعاوناً وثيقاً بين الولايات المتحدة وإسرائيل - وعلى الرغم من الجمود في عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين - ازدهرت العلاقات العربية مع الولايات المتحدة إلى حد بعيد: فالتجارة والاستثمارات الثنائية آخذة في الازدهار، حيث وصلت الصادرات الأمريكية إلى منطقة الشرق الأوسط في عام 2011 إلى أعلى معدلاتها على الإطلاق ووصلت قيمتها إلى 56 مليار دولار. كما أن التعاون في مجال الدفاع وثيق كالعادة، وينعكس في اتفاقات شراء الأسلحة بمليارات الدولارات أبرمتها واشنطن مع حلفائها الخليجيين خلال السنوات الأخيرة. وعلاوة على ذلك، فإن دولاً عديدة من بينها مصر والأردن، إلى جانب السلطة الفلسطينية، تشارك المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل وعملت في أوقات متباينة من وراء الكواليس لتجنيد إسرائيل كوسيط لدى واشنطن. وقد كان ذلك هو الحال حتى في ظل الحكومة المصرية التي أعقبت الثورة. ويؤكد ذلك كله الحقيقة بأن المصلحة الذاتية، وليس الأيديولوجية، هي المحفز الرئيسي لعلاقات الدول العربية مع واشنطن.
وعلى الرغم من الروابط التي لا تزال قائمة بين الولايات المتحدة وبعض الدول العربية، إلا أن الاضطرابات خلال العامين الماضيين قد تسببت في قيام غضب بالغ بين العديد من حلفاء واشنطن التقليديين في المنطقة. ففي أوقات عدم اليقين الحرجة، لا سيما في ظل تزايد التوترات مع إيران، يرجح أن تعتمد الولايات المتحدة بشكل أكبر على حلفائها غير الديمقراطيين الأكثر استقراراً إلى حد ما، مثل المملكة العربية السعودية، إلى جانب حلفائها الديمقراطيين، مثل إسرائيل وتركيا، لتأمين مصالحها في المنطقة. وعلى النقيض من ذلك، عززت الأحداث الأخيرة المنطق الذي يقوم عليه التعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
إن الفوائد التي تحققها الولايات المتحدة من علاقتها مع إسرائيل تفند الحجة القائلة بأن التحالف قائم فقط على القيم الديمقراطية المشتركة للبلدين، أو على شعبية إسرائيل في السياسة الأمريكية، أو على السعي المراوغ للتقدم في عملية السلام. إنها علاقة تقوم على مصالح ملموسة - وسوف تبقى كذلك في المستقبل المنظور.
ليس من السهل دائماً أن تكون حليفاً لإسرائيل (كما أن الإجراءات الإسرائيلية لا تجعل الأمور أكثر سهولة بصورة دائمة). فالبلاد تواجه تحديات جمّة، منها الصراع المستمر مع الفلسطينيين، والفجوات الاجتماعية والاقتصادية الداخلية، والأصوات في جميع أنحاء العالم التي تنكر حقها في الوجود، والآن برنامج إيران النووي. لقد حققت إسرائيل تقدماً غير مستقيم تجاه معالجة هذه المسائل ويلزم أن تفعل المزيد لكي تظل شريكاً جذاباً للولايات المتحدة. لكن نجاحاتها السابقة في دمج أعداد غفيرة من المهاجرين وجسر الفجوات الاجتماعية العميقة وإظهار مرونة ملحوظة في مواجهة الحرب والإرهاب توفر سبباً للاعتقاد بأن واشنطن تستطيع مواصلة الاعتماد على شريكها الأقرب في الشرق الأوسط، وأنها سوف تواصل الاستفادة من تحالفها مع الدولة اليهودية.
مايكل آيزنشتات هو مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن