صفحة 1 من 1

تأثيرات أزمة "الجيزاوي" في علاقات مصر الخارجية

مرسل: الاثنين إبريل 29, 2013 8:24 pm
بواسطة سليمان الراجحي499
إيمان رجب

أعادت أزمة الجيزاوي الحديث مرة أخرى عن تأثيرات الثورة على السياسة الخارجية لمصر، وعلى علاقاتها الخارجية، وما إذا كانت ستحدث تحول استراتيجي كبير فيها أم لا، خاصة في حالة الدول التي كانت تدير مصر علاقاتها معها من خلال الرئيس السابق ذاته، مثل العلاقات مع السعودية وغيرها من دول الخليج، حيث كانت تعتبر من الملفات "الخاصة" بالرئيس مبارك، والذي تمكن من احتواء وتجنب أي توتر قد يطرأ عليها، حتى تحدث البعض من أبناء هذه الدول عن أن مبارك نفسه، هو من كان يقف إلى جانب البحرين عندما تصدر عن إيران تصريحات تطالب بضمها، وفي ذلك استدعاء للتغطية الإعلامية الكبيرة لزياراته للبحرين والتي كان يستقبله فيها الملك شخصيا. كما كانت هذه العلاقات من الملفات التي يحظر الاقتراب منها بالنقد في وسائل الاعلام والصحف المصرية.
وقد تكون أزمة الجيزاوي في حد ذاتها أزمة "صغيرة" في العلاقات بين مصر والسعودية، والتي تضخمت بفعل تأثيرات الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ولكن أهميتها تكمن في جانبين. يتعلق الجانب الأول بتأكيدها على أهمية "كيانات" داخل الدولة المصرية، ليس لها علاقة بمؤسسات الحكم، في التأثير في سياسات الدولة، وهي ظاهرة أخذت تتشكل منذ الثورة، حيث انشغلت مصر كدولة طوال العام الماضي، بالعديد من المشاكل والأزمات الداخلية، وبالتالي، لم تحدث إعادة نظر كبيرة في علاقات مصر الخارجية. وبالتوازي مع ذلك، كانت تشهد تحولات داخلية مهمة، منحت دورا لكيانات أكدت مع مرور الوقت، أن السياسة الخارجية لم تعد من السياسات "العليا" التي يتفرد بصناعتها الرئيس أو المجلس العسكري، وأخذت هذه الكيانات، مثل قوى الشارع، وجماعة الإخوان المسلمين، والمواطن الفرد، تمارس تأثيراتها وتعبر عن رؤيتها لعلاقات مصر الخارجية، حتى أن زيارات الوفود الأجنبية الرسمية التي استقبلتها مصر في الفترة التالية على تنحي مبارك، كانت تلتقي إلى جانب رئيس المجلس العسكري ورئيس مجلس الوزراء، بممثلي القوى الثورية، وبجماعة الإخوان المسلمين. وقد تشكلت هذه الظاهرة من خلال ثلاثة وقائع رئيسية، ارتبط كل منها بتزايد تأثير أحد تلك الكيانات.
تتمثل الواقعة الأولى في الاعتداء على مقر السفارة الإسرائيلية في القاهرة في سبتمبر 2011، بعد اعتداءات متكررة على الجنود المصريين على الحدود مع إسرائيل، من خلال عدد من المتظاهرين قدره البعض بعشرين ألف متظاهر، حيث بدأ هؤلاء بتحطيم الجدار الذي كان يحمي مقر السفارة، ثم اقتحام أحد الشقق التابعة لها في نفس مبنى السفارة. وقد تلا ذلك مغادرة السفير الإسرائيلي القاهرة، والنظر في اختيار مقر آخر للسفارة الإسرائيلية، وهو ما اعتبره المتظاهرون انجازا لم تنجح في تحقيقه سياسات الحكومة.
وقد أكدت هذه الواقعة تزايد أهمية الشارع كقوة مؤثرة، في السياسة الخارجية أيضا، بعد أن ظل تأثيره منذ الثورة مرتبط بقضايا السياسة الداخلية، فعلى سبيل المثال نجحت الدعوة للمليونيات في ميدان التحرير، وميادين مصر الأخرى،?في التأثير في عدد من القضايا الداخلية من قبيل المطالبة بإقالة احمد شفيق من منصبه كرئيس للوزراء، ثم المطالبة بإقالة عصام شرف من منصبه كرئيس للوزراء أيضا.?
ورغم صعوبة تعريف الشارع، من حيث طبيعة القوى التي يتألف منها، إلا أن هناك شبه اتفاق على أنه يعني القوى الغير منظمة، التي تسعى لتحقيق أهداف سياسية محددة، من خلال قدرتها على التأثير عن طريق التعبئة والحشد، وفي حالات معينة استخدام القوة. وهذه القوى قد تعبر عن نفسها بصور وتجليات مختلفة، مثل تجليها في ظاهرة ميدان التحرير، وهى ظاهرة لا يمكن تصنيفها على أنها? ?نتاج لنشاط مؤسسات المجتمع المدني في مصر، والتي عرفت تاريخيا باهتمامها بقضايا حقوق الإنسان،? ?أو على? ?أنها نتاج نشاط الأحزاب السياسية الموجودة،? ?منذ ما قبل الثورة، والتي لم يعرف عنها القدرة على الحشد والتعبئة على هذا النحو?. ?فمن الواضح أن ميدان التحرير هو القناة التى تمارس من خلالها جماعات وقوى شديدة التنوع الضغوط السياسية على من في السلطة.
وارتبطت الواقعة الثانية بتزايد قدرة جماعة الاخوان المسلمين على التأثير في علاقات مصر مع دول الخليج، وهذا ما تؤكده القضية التي عرفت إعلاميا بـ "تصريحات القرضاوي". حيث ندد يوسف القرضاوي في مارس 2011، في برنامج "الشريعة والحياة" على قناة الجزيرة القطرية، بترحيل الإمارات عدد من الناشطين السوريين بتهمة التظاهر غير المشروع، وبسحب الجنسيات من بعض الإماراتيين المنتمين لدعوة الإصلاح الإخوانية في الإمارات.وقد استدعت هذه التصريحات رد فعل من جانب الفريق ضاحي خلفان رئيس شرطة دبي، حيث هدد بإصدار مذكرة اعتقال في حق القرضاوي.
وقد اكتسبت هذه الواقعة بعدا آخر، مع تنديد محمود غزلان المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين في مصر بتصريحات خلفان، وأشار إلى انه إذا تم اعتقال يوسف القرضاوي، " لن تتحرك جماعة الإخوان المسلمين فقط، بل سيتحرك العالم الإسلامي كله ضد الإمارات". وقد تلا ذلك رد فعل جماعي من قبل مجلس التعاون الخليجي، حيث ندد الأمين العام للمجلس الدكتور عبد اللطيف الزياني، بتلك التصريحات، كما طالب وزير الخارجة الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد الحكومة المصرية بتوضيح موقفها من تصريحات غزلان.
وإذا كان مفهوما رد فعل إخوان مصر، نظرا لمكانة القرضاوي لدى الإخوان المسلمين، إلى جانب الطبيعة العابرة للحدود لتنظيم الإخوان المسلمين، إلا أن هذا الموقف كاد يؤدي إلى توتر العلاقات بين مصر والإمارات، في فترة كانت مصر تنتظر الحصول على المساعدات المالية التي وعدت الامارات بتقديمها بعد تنحي مبارك لدعم الاقتصاد المصري، والتي أعلن عن أنها تبلغ 3 مليار دولار في صورة قروض وودائع ومنح، ووفق بعض الدبلوماسيين المصريين، أوضحت الخارجية المصرية للإمارات أن غزلان لا يعبر إلا عن رأي جماعته، مما أدى لاحتواء التوتر.
وتتمثل الواقعة الثالثة في أزمة الجيزاوي، التي أكدت أهمية المواطن الفرد في إحداث توتر في علاقات مصر مع السعودية، فلأول مرة في تاريخ العلاقات بين الدولتين، يكون للمواطن ومن ورائه الشارع، هذه القدرة على التأثير في هذه العلاقات، مما يضطر السعودية لاستدعاء سفيرها للتشاور، وإغلاق سفارتها في القاهرة وقنصلياتها في كل من الإسكندرية والسويس، خاصة وأن حالات سابقة لم تؤثر على هذه العلاقات، والتي منها قضية جلد الطبيب المصري في السعودية، وقضية احتجاز الأطباء المصريين الستة ومنعهم من السفر إلى مصر.
وعدم احتواء هذه الأزمة، خاصة إذا تحرك مجلس التعاون لمساندة الموقف السعودي، كما حدث في حالة تصريحات القرضاوي، سيضر بمصالح مصر الاقتصادية مع السعودية، والتي تشمل إلى جانب العمالة المصرية في السعودية، الاستثمارات السعودية في مصر والتي تقدر قيمتها بحوالي 10 مليارات دولار.
ويتعلق الجانب الثاني، بكون أزمة الجيزاوي من الأزمات التي يتعدى تأثيراتها الحدث المرتبط بها، حيث تؤشر إلى تطور "إطار ما" لسياسات مصر الخارجية، يحكم علاقاتها مع السعودية، وربما مع الدول الأخرى، بدرجات متفاوتة، خلال الفترة المقبلة، يتركز على ثلاثة أبعاد.يتمثل البعد الأول في تأكيد البعد الشعبي في علاقات مصر الخارجية، والذي يتمثل من جانب مصر في احترام كرامة المواطن المصري، التي لم تعد مجرد مطلب رفعته الثورة في الداخل، وإنما امتد إلى علاقات مصر الخارجية أيضاً، وأي انتهاك لهذه الكرامة سيستدعي رد فعل ربما عنيف من قبل الشارع الذي لا يزال "ثورياً". وهذا البعد مرتبط باستخدام اليات الدبلوماسية الشعبية في إدارة علاقات مصر الخارجية، بحيث يتم تبديد الصورة الذهنية السلبية الموجودة لدى شعوب الدول الأخرى عن الشعب المصري، وعن العلاقات مع مصر، وهذه الصورة تكشفت بعض ملامحها مع أزمة الجيزاوي، حيث تحدث بعض قادة الرأي السعوديين عن "الابتزاز السياسي" الذي تمارسه مصر في مواجهة السعودية، وعن تفضل الخليج على مصر بأن "الخليج هو من آوى المصريين"، في استنكار لاعتراض الشارع على اعتقال الجيزاوي.
وينصرف البعد الثاني إلى إعادة تعريف دور وزارة الخارجية، بحيث لا تكون منفذ فقط للسياسة الخارجية المصرية، وغنما تلعب دور في حماية المصريين في الخارج، بما في ذلك العمالة، حيث كشفت أزمة الجيزاوي عن أنه لم يعد مقبولاً تخاذل السفارات المصرية في حماية المصريين في الخارج، أو تجاهل سوء المعاملة التي تلاقيها العمالة المصرية هناك، خاصة في الدول الخليجية. وهذه المسألة ستخضع للاختبار بمجرد وقوع مشكلة خاصة بالعمالة المصرية في أي من الدول الخليجية الأخرى، أو أي من الدول العربية.
ويتعلق البعد الثالث بإعادة توجيه العلاقة بين مصر والسعودية، وربما دول الخليج الأخرى، وفق أسس جديدة، تقوم على المصالح المشتركة، وتضمن علاج الخلافات القائمة، كتلك المتعلقة بملف العمالة المصرية في السعودية، والتي يبلغ حجمها 2.5 مليون عامل، يحولون ما قيمته 1 مليار دولا سنويا لمصر،خاصة وان الصورة الذهنية السلبية حول العلاقات مع مصر السابق الإشارة إليها، تقلل من أهمية مصالح السعودية وغيرها من دول الخليج في مصر، في حين أنه كما تعتبر مصر الخليج مهما لها، فإن مصر مهمة للخليج أيضا. وتظل مسألة استمرار أبعاد هذا الإطار الجديد، الذي لا يزال في طور التشكل، مرتبطة بمدى تبنى مرشحي الرئاسة له، حيث لا تزال السياسة الخارجية المصرية من اختصاصات الرئيس.
إن قدرة مصر على الاحتفاظ بعلاقات "طبيعية" مع الدول الأخرى خلال المرحلة الحالية، مرتبطة بقدرة أجهزتها الرسمية على احتواء التوترات التي قد تخلقها قوى الشارع وجماعة الإخوان المسلمين، كما ترتبط بقدرة الدول الأخرى على تطوير استراتيجيات للتعامل مع تلك الكيانات، والتي أصبحت تلعب دور ما في التأثير على السياسة الخارجية المصرية.