ماذا بقى لنظام الأسد فى سورية؟
مرسل: الاثنين إبريل 29, 2013 9:12 pm
محمود حمدي أبو القاسم
وصف الرئيس السورى بشار الأسد الوضع فى سورية فى الاجتماع الأول للحكومة الجديدة فى 26 من يونيو 2012 بقوله أن "سورية تعيش حالة حرب حقيقية" ولم يحدد ضد من تكون هذه الحرب، وأضاف بقوله "عندما نكون فى حالة حرب، كل سياساتنا وكل توجهاتنا وكل القطاعات تكون موجهة من أجل الانتصار فى هذه الحرب"، وأكد على أن سورية ستنتصر فى النهاية، فهل النظام السورى من الناحية العملية قادر على حسم الصراع لصالحه وضمان بقائه؟، أم أن الوضع يشير إلى عكس ذلك؟. الواقع يشير إلى امتلاك النظام السورى أرصدة متراكمة مهمة فى إطار صراعه من أجل البقاء لكن مستقبله مرهون بمدى احتفاظه بهذه المصادر أو دعمها كضمانة لاستمراره، ويمكن الإشارة إلى بعض هذه العوامل والمصادر وتحديات استمرارها على النحو الآتى:
أولا: القدرة على مواجهة الحراك الداخلى
1- استطاع النظام بناء تحالفات وعلاقات زبائنية مع شرائح واسعة من رجال الأعمال والتجار وأصحاب المصالح والنفوذ خصوصا فى مدينتى حلب ودمشق والذين لا يزالون يؤمنون بأن مصالحهم مرتبطة بالأساس ببقاء النظام هذا على جانب، وعلى جانب آخر استغل النظام تعقيدات بنية المجتمع وتعددياته كفزاعة فى مواجهة الداخل والإقليم بل والعالم، وبناء على ذلك أصبح هناك حاجز من الخوف بين هذه القوى وبين الثورة خوفا على وجودها أو مصالحها، وهذا الانقسام فى بنية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية بل والمؤسساتية أعطى للنظام فرصة أطول للبقاء لأن النظام ولعقود طويلة لم يعمل على بناء مجتمع يقوم على المواطنة والاعتراف بالتنوع الغني للهويات الاجتماعية والدينية والإثنية والإقليمية والسياسية في سورية بل قام بفرض قيود على الفضاء السياسي وجعل الحوار السياسي خاصا ومحصورا إضافة إلى توليد العداوات الطائفية واستمالة بعض عناصر وكسب ولائها بتسكينها فى التركيبة الاجتماعية فى مراكز السلطة والثروة.
2- لكن فى الواقع مع دخول جيل جديد من المحتجين من خارج الفضاء السياسى المنظور ومن خارج شبكة المصالح وبراعتهم وقدراتهم على الحشد وعلى تصدير صورة المشهد إعلاميا، وذلك فى مواجهة ضعف قدرة النظام على التكيف مع المستجدات وغلبة المعالجة الأمنية على نية الإصلاح الحقيقية، كل ذلك أدى فى النهاية إلى اتساع نطاق ونوعية الاحتجاجات وسقوط آلاف الضحايا الذين بدورهم يعطون تغذية عكسية للاحتجاجات، التى يبدو أنها كسرت حاجز الخوف تماما وشجعت الجماهير على تحدى السلطة، التى لم تتورع فى ارتكاب مجازر وجرائم استفزت بعض القيادات والجنود ودفعتهم للانشقاق عن الجيش، والذين كانوا بدورهم النواة الحقيقية للمعارضة المسلحة وبفضل الحصول على بعض الدعم الخارجى تمكنت من توجيه ضربات موجعة للنظام وأجهزته، ويمثل إصرار معارضتا الداخل بشقيها السلمى والمسلح ومعارضة الخارج على خيار سقوط النظام ورفض التفاوض معه أو الاستجابة لخطواته الإصلاحية العقبة الاولى أمام بقاء الأسد الابن ونظامه، ولا شك أن تواتر دخول شرائح جديدة من الطبقات الوسطى والوسطى/العليا من حلفاء النظام فى المدن الكبرى خصوصا حلب ودمشق يمثل دفعة مدينية قوية للثورة فى الداخل، وربما يدفع باتجاه تقويض تحالفات نظام الأسد الابن وإنهاء مفعول فزاعته الطائفية وفزاعة الهيمنة الإسلامية على سورية فى مرحلة ما بعد الثورة.
ثانيا: ولاء الجيش والأجهزة الأمنية للنظام
1- يدين غالب قادة الجيش والأجهزة الأمنية منذ وقت ليس بقريب بالولاء للنظام/الطائفة، وذلك بالنظر إلى التغير الذى طرأ على بينة الجيش السورى بعد انقلاب 1966 الذى أدى إلى صبغ الجيش وأجهزة الأمن بصبغة طائفية بسيطرة العلويين على مفاصلهما ولم تظهر سلبيات هذا التحول فى بنية الجيش السورى فى ظل حالة الحشد والتعبئة السياسية فى إطار الإيديولوجية القومية العروبية التى رفعها النظام، إلا أن موقف الجيش من الأزمة كشف عن طبيعة هذا التحول ومدى تأثيره، وخصوصا ما يعرف بفرق النخبة وهى الحرس الجمهورى والفرقة المدرعة الثالثة والرابعة والقوات الخاصة، والتى دخلت المدن وضربت الأحياء السكنية وشاركت فى قمع التظاهرات فى كل أنحاء سورية وذلك إلى جانب أجهزة الأمن التى تتبع الرئيس الأسد مباشرة وكذلك الاستعانة بما يعرف بالشبيحة وقد تورطت هذه القوى فى جرائم بحق الشعب السورى وهى تقود معركتها إلى جانب النظام حتى النهاية وهو الأمر الذى يجعل معادلة الصراع فى الداخل لازالت فى صالح النظام. وقد اتجه النظام إلى تجنيب وحدات الجيش التى يغلب على تكوينها الجنود السنة المشاركة فى قمع الاحتجاجات، حيث أظهرت خبرة الاستعانة بهذه الوحدات فى كل مرة حدوث حركات انشقاق واسعة، لهذا يعول النظام على وحداته الخاصة والتى تتكون أغلبيتها من العلويين والتى تتحدث التقارير عن أعدادها الضخمة وذلك بجانب الأجهزة الأمنية وفرق الشبيحة التابعين مباشرة لنفوذ عائلة الأسد.
2- لكن يواجه تماسك الجيش معضلة تزايد الانشقاقات بين عناصره وخصوصا على مستوى القيادات الوسيطة والعليا والتى كان أخرها هروب احد ضباط القوات الجوية بطائرته الى الأردن وطلبه اللجوء السياسي فى 21 من يونيو 2012، وكذلك انشقاق العميد فى الحرس الجمهورى مناف طلاس فى 5 يوليو 2012، وهو ابن وزير الدفاع السورى السابق مصطفى طلاس والمقرب من الرئيس السورى وذهابه الى فرنسا والذى تروج دوائر غربية لإمكانية قيادته المرحلة الانتقالية بعد رحيل الأسد، كما تتحدث بعض التقارير عن تعاظم عدد وقوة الجيش السورى الحر وسيطرته على 40 % من الاراضى السورية خصوصا على امتداد الشريط الحدودى مع تركيا، التى يبدو أنها منفذ مهم للدعم المادى واللوجيستى وتوفير الحماية لعناصر الجيش الحر، هذا علاوة على وصول حركة الانشقاقات الى ضباط الامن الداخلي السوري وإعلانهم عن تشكيل قيادة لقوى الأمن الداخلي تابعة للثورة السورية، بالإضافة الى انشقاق عناصر من جهاز المخابرات التابع لنظام الاسد. وبالطبع تصب كل هذه الانشقاقات فى إضعاف جبهة النظام ، لكن فى الواقع يبقى النظام فى هذا الإطار متماسكا الى حد يمكنه من وقف تمدد حركة الاحتجاجات ومواجهة المعارضة المسلحة وإن كانت تطورات المعركة على الأرض تشير إلى أن عمليات الجيش الحر بدأت تدخل مرحلة مهمة من حيث جغرافيتها ونوعيتها حتى أنها شجعت على انخراط فئات فى مناطق متعددة من حلب ودمشق على الانضمام للثورة.
ثالثا: الدعم الدولي والإقليمي
1- يمثل استمرار توفير الدعم المادى وتوفير الغطاء السياسى للنظام السورى سواء على المستوي الدولى من جانب روسيا والصين أو على المستوى الاقليمى من جانب إيران وحلفائها فى المنطقة أحد أهم عوامل بقاء النظام، فمنذ البداية تراهن روسيا على بقاء النظام وكان واضحا أن هناك إصرارا روسيا على مواجهة اى قرار لا يأخذ بعين الاعتبار رؤيتها كاملة، وعدم استعدادها لأي تغيير فى موقفها تجاه الأزمة لأن عملية التغيير فى سورية صعبة ومكلفة بالنسبة إلى حجم مصالحها، خصوصا أن روسيا تدير جزءاً من سياستها الخارجية فى الشرق الأوسط من خلال علاقتها المتطورة مع النظام السورى فى السنوات الأخيرة، وهى على غير استعداد لخسارة وجودها العسكرى على السواحل السورية وترك الساحة للمخططات الأمريكية والأوروبية حيث تمثل خسارتها لسورية نهاية لوجودها فى الشرق الأوسط ككل. ويرتكز الموقف الروسى على معارضة أية قرارات دولية تحمل النظام بمفرده المسئولية عن العنف فى سورية، وترفض دعوة الرئيس السورى للتنازل عن السلطة من أى طرف، كما تعارض فرض أى عقوبات على سورية أو فرض أى حظر على الأسلحة المتجهة إلى سورية بالإضافة إلى استبعاد استخدام القوة ضد سورية، مع التأكيد على ضرورة فتح حوار سياسى بين النظام والمعارضة كحل وحيد للازمة، هذا فى الوقت الذى تقدم فيه الدعم العسكرى للنظام السورى وتمده باحتياجاته من الأسلحة.
أما الصين فقد بنت موقفها من الأزمة السورية بناء على رفض استخدام القوة فى معالجة الأزمة، لأنه ينتهك الأعراف الأساسية المنظمة للعلاقات الدولية، كما تعارض الصين تغيير النظام السورى بالقوة، ومن هنا تتكفل روسيا والصين بتوفير غطاء دولى لحماية النظام كما توفر له روسيا الدعم المادى اللازم لبقائه. ويمثل هذا الموقف عودة لأجواء الحرب الباردة، بل إنه ربما يكون بداية لتحولات كبرى فى هيكل النظام الدولى ربما لن تتوقف ساحات المواجهة فيها عند الأزمة السورية.
وعلى المستوى الاقليمى تلعب إيران وحزب الله دورا مركزيا فى دعم النظام السورى بالسلاح وتحدثت بعض أطراف المعارضة عن وجود عناصر من الحرس الثورى الإيرانى وعناصر حزب الله تقدم الدعم إلى النظام داخل سورية، حيث تعتبر ايران سورية خط دفاع اول عن وجودها باعتبارها نافذة مهمة لمد نفوذها فى المنطقة بجانب حزب الله ومنظمات المقاومة الفلسطينية فى مواجهة الضغوط الاقليمية والدولية ومحاولات عزلها وتقويض قدرتها على امتلاح السلاح النووي وهيمنتها على الاقليم وخصوصا الخليج العربى.
وبفضل موقعها الجيوسياسي فى المنطقة يمتلك النظام السورى رصيدا كبيرا من المناورة وقدرة فعلية على التأثير من خلال استغلال تقاطع هذه المصالح الإقليمية والدولية فى المنطقة بما يسمح له بالبقاء لفترة أطول، خصوصا أن التغيير فى سورية أصبح يستلزم عند البعض ضرورة تدخل خارجي أو تسليح للجيش السورى الحر وهو أمر صعب حيث لا زال الغرب يستبعد هذان الخياران ويكتفى بمحاولة خلق اجماع دولى حول خروج الأسد من السلطة وبداية مرحلة انتقالية وهو ما تعارضه روسيا والصين وإيران بشدة. كما أن هناك مخاوف كبيرة من انفجار الوضع التعددى فى المنطقة وتأثيره على استقرار الاوضاع فى لبنان والعراق ومن ثم المنطقة ككل.
2- لكن فى مواجهة هذا العامل نجد هناك دفع من بعض القوى الإقليمية والدولية باتجاه تغيير النظام كحل للأزمة من جانب وتحقيقا لمصالحها فى المنطقة من جانب آخر، وتأتى هذه الضغوط على المستوى الاقليمى من جانب دول الخليج وجامعة الدول العربية، حيث قادت قطر والسعودية التفاعلات الخاصة بسورية على مستوى مجلسى التعاون الخليجى وجامعة الدول العربية وصولا إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان وكذلك تشكيل مجموعة أصدقاء الشعب السوري، مع محاولة الضغط على روسيا والصين لتغيير موقفهما المساند للنظام، وكذلك دعم المعارضة والاعتراف بها ممثلا عن الشعب السورى..الخ، هذا علاوة على الموقف التركى الذى يعد محورا رئيسيا فى التفاعلات الخاصة بسورية من منطلق تأييد عملية التغيير فى سورية خصوصا بعد حادث إسقاط الطائرة التركية فوق المياه الإقليمية السورية، وعلى مستوى آخر يأتى الموقف الامريكى والغربى الذى يضغط على الرئيس السورى للابتعاد عن السلطة وبدأ عملية إصلاح داخلية حقيقية، وقد ساهمت كل هذه القوى فى عزلة النظام ومحدودية حركته والضغط عليه عبر سلسلة من القرارات والإجراءات والعقوبات وبالفعل شلت قدرته على الحركة الخارجية وقوضت كثير من علاقاته التى كان لتوه قبل الثورة قد بناها سواء على مستوى الاقليم او على المستوى العالمى.
وربما يمثل تطور هذه الضغوط فى مرحلة ما إلى توافق حول تدخل عسكرى ضد النظام السورى على غرار الحالة الليبية، أو إقامة منطقة عازلة لحماية المدنيين، أو تنحية الرئيس عن المشهد وتنازله عن السلطة على شاكلة النموذج اليمنى تهديدا حقيقيا لعامل القوة الثانى الذى يستند إليه النظام لكن حتى الان يبقى الموقف الروسى الصينى صلبا ويبقى احتمال التدخل خارج إطار الشرعية الدولية مستبعدا.
وفى النهاية يمكن القول أن مصادر قوة النظام السوري قد بدأ بعضها فى التآكل وبعضها لازال يمثل مصدرا من مصادر قوة النظام وضمانة لبقائه، فعلى المستوى الداخلى يفقد النظام بعضا من مصادر قوته مع مرور الوقت، ومن المرجح أن يمثل أى تحول فى موازين القوة بين الأطراف فى الداخل المتغير الأهم فى حسم الصراع لكن يبقى خطر تمزق البنية الاجتماعية مع طول أمد الأزمة أو تقسيم سورية على أساس قومى أو مذهبى أو طائفى ...الخ الخطر الأكبر، أما على مستوى الإقليم فإن حلفاء سورية التقليديين إيران وحزب الله لا يملكان سوى البقاء مع النظام إلى النهاية، أما على المستوى الدولى فرغم تعرض الصين وروسيا لضغوط شديدة أخلاقية وسياسية فإن موقفهما لازال يدعم النظام، ورغم الحديث بعد اجتماع جنيف فى 30 يونيو 2012 عن تغير الموقف الروسى والموافقة على رحيل الأسد لبداية مرحلة انتقالية جديدة غير دقيق ودليل ذلك مشروع القرار الروسى الذى يسمح بتمديد عمل بعثة مراقبي الأمم المتحدة في سورية الذي ينتهي في 20 يوليو لمدة ثلاثة شهور وذلك دون أن يتضمن مشروع القرار اي تهديدات بعقوبات محتملة، ومن ناحية أخرى وزعت بريطانيا بالنيابة عن الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا مشروع قرار بموجب الفصل السابع وما يترتب عليه من آثار، وبهذا نكون أمام عودة لمأزق الدبلوماسية الدولية فى سورية حيث الخلاف هو سيد الموقف والفيتو هو خيار روسيا فى مواجهة أى حل دولى حاسم للأزمة فى سورية، ومن ثم نكون أمام أزمة يلعب فيها عامل الزمن دورا مهما بحيث يمثل توقيت حدوث تغيرات كبرى فى العلاقة بين اي من هذه المتغيرات المتباينة بداية مرحلة فاصلة فى تاريخ سورية وربما الإقليم بأسره، ولا شك أن الأسد الابن ونظامه لن يكون طرفا مهما فيها.
وصف الرئيس السورى بشار الأسد الوضع فى سورية فى الاجتماع الأول للحكومة الجديدة فى 26 من يونيو 2012 بقوله أن "سورية تعيش حالة حرب حقيقية" ولم يحدد ضد من تكون هذه الحرب، وأضاف بقوله "عندما نكون فى حالة حرب، كل سياساتنا وكل توجهاتنا وكل القطاعات تكون موجهة من أجل الانتصار فى هذه الحرب"، وأكد على أن سورية ستنتصر فى النهاية، فهل النظام السورى من الناحية العملية قادر على حسم الصراع لصالحه وضمان بقائه؟، أم أن الوضع يشير إلى عكس ذلك؟. الواقع يشير إلى امتلاك النظام السورى أرصدة متراكمة مهمة فى إطار صراعه من أجل البقاء لكن مستقبله مرهون بمدى احتفاظه بهذه المصادر أو دعمها كضمانة لاستمراره، ويمكن الإشارة إلى بعض هذه العوامل والمصادر وتحديات استمرارها على النحو الآتى:
أولا: القدرة على مواجهة الحراك الداخلى
1- استطاع النظام بناء تحالفات وعلاقات زبائنية مع شرائح واسعة من رجال الأعمال والتجار وأصحاب المصالح والنفوذ خصوصا فى مدينتى حلب ودمشق والذين لا يزالون يؤمنون بأن مصالحهم مرتبطة بالأساس ببقاء النظام هذا على جانب، وعلى جانب آخر استغل النظام تعقيدات بنية المجتمع وتعددياته كفزاعة فى مواجهة الداخل والإقليم بل والعالم، وبناء على ذلك أصبح هناك حاجز من الخوف بين هذه القوى وبين الثورة خوفا على وجودها أو مصالحها، وهذا الانقسام فى بنية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية بل والمؤسساتية أعطى للنظام فرصة أطول للبقاء لأن النظام ولعقود طويلة لم يعمل على بناء مجتمع يقوم على المواطنة والاعتراف بالتنوع الغني للهويات الاجتماعية والدينية والإثنية والإقليمية والسياسية في سورية بل قام بفرض قيود على الفضاء السياسي وجعل الحوار السياسي خاصا ومحصورا إضافة إلى توليد العداوات الطائفية واستمالة بعض عناصر وكسب ولائها بتسكينها فى التركيبة الاجتماعية فى مراكز السلطة والثروة.
2- لكن فى الواقع مع دخول جيل جديد من المحتجين من خارج الفضاء السياسى المنظور ومن خارج شبكة المصالح وبراعتهم وقدراتهم على الحشد وعلى تصدير صورة المشهد إعلاميا، وذلك فى مواجهة ضعف قدرة النظام على التكيف مع المستجدات وغلبة المعالجة الأمنية على نية الإصلاح الحقيقية، كل ذلك أدى فى النهاية إلى اتساع نطاق ونوعية الاحتجاجات وسقوط آلاف الضحايا الذين بدورهم يعطون تغذية عكسية للاحتجاجات، التى يبدو أنها كسرت حاجز الخوف تماما وشجعت الجماهير على تحدى السلطة، التى لم تتورع فى ارتكاب مجازر وجرائم استفزت بعض القيادات والجنود ودفعتهم للانشقاق عن الجيش، والذين كانوا بدورهم النواة الحقيقية للمعارضة المسلحة وبفضل الحصول على بعض الدعم الخارجى تمكنت من توجيه ضربات موجعة للنظام وأجهزته، ويمثل إصرار معارضتا الداخل بشقيها السلمى والمسلح ومعارضة الخارج على خيار سقوط النظام ورفض التفاوض معه أو الاستجابة لخطواته الإصلاحية العقبة الاولى أمام بقاء الأسد الابن ونظامه، ولا شك أن تواتر دخول شرائح جديدة من الطبقات الوسطى والوسطى/العليا من حلفاء النظام فى المدن الكبرى خصوصا حلب ودمشق يمثل دفعة مدينية قوية للثورة فى الداخل، وربما يدفع باتجاه تقويض تحالفات نظام الأسد الابن وإنهاء مفعول فزاعته الطائفية وفزاعة الهيمنة الإسلامية على سورية فى مرحلة ما بعد الثورة.
ثانيا: ولاء الجيش والأجهزة الأمنية للنظام
1- يدين غالب قادة الجيش والأجهزة الأمنية منذ وقت ليس بقريب بالولاء للنظام/الطائفة، وذلك بالنظر إلى التغير الذى طرأ على بينة الجيش السورى بعد انقلاب 1966 الذى أدى إلى صبغ الجيش وأجهزة الأمن بصبغة طائفية بسيطرة العلويين على مفاصلهما ولم تظهر سلبيات هذا التحول فى بنية الجيش السورى فى ظل حالة الحشد والتعبئة السياسية فى إطار الإيديولوجية القومية العروبية التى رفعها النظام، إلا أن موقف الجيش من الأزمة كشف عن طبيعة هذا التحول ومدى تأثيره، وخصوصا ما يعرف بفرق النخبة وهى الحرس الجمهورى والفرقة المدرعة الثالثة والرابعة والقوات الخاصة، والتى دخلت المدن وضربت الأحياء السكنية وشاركت فى قمع التظاهرات فى كل أنحاء سورية وذلك إلى جانب أجهزة الأمن التى تتبع الرئيس الأسد مباشرة وكذلك الاستعانة بما يعرف بالشبيحة وقد تورطت هذه القوى فى جرائم بحق الشعب السورى وهى تقود معركتها إلى جانب النظام حتى النهاية وهو الأمر الذى يجعل معادلة الصراع فى الداخل لازالت فى صالح النظام. وقد اتجه النظام إلى تجنيب وحدات الجيش التى يغلب على تكوينها الجنود السنة المشاركة فى قمع الاحتجاجات، حيث أظهرت خبرة الاستعانة بهذه الوحدات فى كل مرة حدوث حركات انشقاق واسعة، لهذا يعول النظام على وحداته الخاصة والتى تتكون أغلبيتها من العلويين والتى تتحدث التقارير عن أعدادها الضخمة وذلك بجانب الأجهزة الأمنية وفرق الشبيحة التابعين مباشرة لنفوذ عائلة الأسد.
2- لكن يواجه تماسك الجيش معضلة تزايد الانشقاقات بين عناصره وخصوصا على مستوى القيادات الوسيطة والعليا والتى كان أخرها هروب احد ضباط القوات الجوية بطائرته الى الأردن وطلبه اللجوء السياسي فى 21 من يونيو 2012، وكذلك انشقاق العميد فى الحرس الجمهورى مناف طلاس فى 5 يوليو 2012، وهو ابن وزير الدفاع السورى السابق مصطفى طلاس والمقرب من الرئيس السورى وذهابه الى فرنسا والذى تروج دوائر غربية لإمكانية قيادته المرحلة الانتقالية بعد رحيل الأسد، كما تتحدث بعض التقارير عن تعاظم عدد وقوة الجيش السورى الحر وسيطرته على 40 % من الاراضى السورية خصوصا على امتداد الشريط الحدودى مع تركيا، التى يبدو أنها منفذ مهم للدعم المادى واللوجيستى وتوفير الحماية لعناصر الجيش الحر، هذا علاوة على وصول حركة الانشقاقات الى ضباط الامن الداخلي السوري وإعلانهم عن تشكيل قيادة لقوى الأمن الداخلي تابعة للثورة السورية، بالإضافة الى انشقاق عناصر من جهاز المخابرات التابع لنظام الاسد. وبالطبع تصب كل هذه الانشقاقات فى إضعاف جبهة النظام ، لكن فى الواقع يبقى النظام فى هذا الإطار متماسكا الى حد يمكنه من وقف تمدد حركة الاحتجاجات ومواجهة المعارضة المسلحة وإن كانت تطورات المعركة على الأرض تشير إلى أن عمليات الجيش الحر بدأت تدخل مرحلة مهمة من حيث جغرافيتها ونوعيتها حتى أنها شجعت على انخراط فئات فى مناطق متعددة من حلب ودمشق على الانضمام للثورة.
ثالثا: الدعم الدولي والإقليمي
1- يمثل استمرار توفير الدعم المادى وتوفير الغطاء السياسى للنظام السورى سواء على المستوي الدولى من جانب روسيا والصين أو على المستوى الاقليمى من جانب إيران وحلفائها فى المنطقة أحد أهم عوامل بقاء النظام، فمنذ البداية تراهن روسيا على بقاء النظام وكان واضحا أن هناك إصرارا روسيا على مواجهة اى قرار لا يأخذ بعين الاعتبار رؤيتها كاملة، وعدم استعدادها لأي تغيير فى موقفها تجاه الأزمة لأن عملية التغيير فى سورية صعبة ومكلفة بالنسبة إلى حجم مصالحها، خصوصا أن روسيا تدير جزءاً من سياستها الخارجية فى الشرق الأوسط من خلال علاقتها المتطورة مع النظام السورى فى السنوات الأخيرة، وهى على غير استعداد لخسارة وجودها العسكرى على السواحل السورية وترك الساحة للمخططات الأمريكية والأوروبية حيث تمثل خسارتها لسورية نهاية لوجودها فى الشرق الأوسط ككل. ويرتكز الموقف الروسى على معارضة أية قرارات دولية تحمل النظام بمفرده المسئولية عن العنف فى سورية، وترفض دعوة الرئيس السورى للتنازل عن السلطة من أى طرف، كما تعارض فرض أى عقوبات على سورية أو فرض أى حظر على الأسلحة المتجهة إلى سورية بالإضافة إلى استبعاد استخدام القوة ضد سورية، مع التأكيد على ضرورة فتح حوار سياسى بين النظام والمعارضة كحل وحيد للازمة، هذا فى الوقت الذى تقدم فيه الدعم العسكرى للنظام السورى وتمده باحتياجاته من الأسلحة.
أما الصين فقد بنت موقفها من الأزمة السورية بناء على رفض استخدام القوة فى معالجة الأزمة، لأنه ينتهك الأعراف الأساسية المنظمة للعلاقات الدولية، كما تعارض الصين تغيير النظام السورى بالقوة، ومن هنا تتكفل روسيا والصين بتوفير غطاء دولى لحماية النظام كما توفر له روسيا الدعم المادى اللازم لبقائه. ويمثل هذا الموقف عودة لأجواء الحرب الباردة، بل إنه ربما يكون بداية لتحولات كبرى فى هيكل النظام الدولى ربما لن تتوقف ساحات المواجهة فيها عند الأزمة السورية.
وعلى المستوى الاقليمى تلعب إيران وحزب الله دورا مركزيا فى دعم النظام السورى بالسلاح وتحدثت بعض أطراف المعارضة عن وجود عناصر من الحرس الثورى الإيرانى وعناصر حزب الله تقدم الدعم إلى النظام داخل سورية، حيث تعتبر ايران سورية خط دفاع اول عن وجودها باعتبارها نافذة مهمة لمد نفوذها فى المنطقة بجانب حزب الله ومنظمات المقاومة الفلسطينية فى مواجهة الضغوط الاقليمية والدولية ومحاولات عزلها وتقويض قدرتها على امتلاح السلاح النووي وهيمنتها على الاقليم وخصوصا الخليج العربى.
وبفضل موقعها الجيوسياسي فى المنطقة يمتلك النظام السورى رصيدا كبيرا من المناورة وقدرة فعلية على التأثير من خلال استغلال تقاطع هذه المصالح الإقليمية والدولية فى المنطقة بما يسمح له بالبقاء لفترة أطول، خصوصا أن التغيير فى سورية أصبح يستلزم عند البعض ضرورة تدخل خارجي أو تسليح للجيش السورى الحر وهو أمر صعب حيث لا زال الغرب يستبعد هذان الخياران ويكتفى بمحاولة خلق اجماع دولى حول خروج الأسد من السلطة وبداية مرحلة انتقالية وهو ما تعارضه روسيا والصين وإيران بشدة. كما أن هناك مخاوف كبيرة من انفجار الوضع التعددى فى المنطقة وتأثيره على استقرار الاوضاع فى لبنان والعراق ومن ثم المنطقة ككل.
2- لكن فى مواجهة هذا العامل نجد هناك دفع من بعض القوى الإقليمية والدولية باتجاه تغيير النظام كحل للأزمة من جانب وتحقيقا لمصالحها فى المنطقة من جانب آخر، وتأتى هذه الضغوط على المستوى الاقليمى من جانب دول الخليج وجامعة الدول العربية، حيث قادت قطر والسعودية التفاعلات الخاصة بسورية على مستوى مجلسى التعاون الخليجى وجامعة الدول العربية وصولا إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان وكذلك تشكيل مجموعة أصدقاء الشعب السوري، مع محاولة الضغط على روسيا والصين لتغيير موقفهما المساند للنظام، وكذلك دعم المعارضة والاعتراف بها ممثلا عن الشعب السورى..الخ، هذا علاوة على الموقف التركى الذى يعد محورا رئيسيا فى التفاعلات الخاصة بسورية من منطلق تأييد عملية التغيير فى سورية خصوصا بعد حادث إسقاط الطائرة التركية فوق المياه الإقليمية السورية، وعلى مستوى آخر يأتى الموقف الامريكى والغربى الذى يضغط على الرئيس السورى للابتعاد عن السلطة وبدأ عملية إصلاح داخلية حقيقية، وقد ساهمت كل هذه القوى فى عزلة النظام ومحدودية حركته والضغط عليه عبر سلسلة من القرارات والإجراءات والعقوبات وبالفعل شلت قدرته على الحركة الخارجية وقوضت كثير من علاقاته التى كان لتوه قبل الثورة قد بناها سواء على مستوى الاقليم او على المستوى العالمى.
وربما يمثل تطور هذه الضغوط فى مرحلة ما إلى توافق حول تدخل عسكرى ضد النظام السورى على غرار الحالة الليبية، أو إقامة منطقة عازلة لحماية المدنيين، أو تنحية الرئيس عن المشهد وتنازله عن السلطة على شاكلة النموذج اليمنى تهديدا حقيقيا لعامل القوة الثانى الذى يستند إليه النظام لكن حتى الان يبقى الموقف الروسى الصينى صلبا ويبقى احتمال التدخل خارج إطار الشرعية الدولية مستبعدا.
وفى النهاية يمكن القول أن مصادر قوة النظام السوري قد بدأ بعضها فى التآكل وبعضها لازال يمثل مصدرا من مصادر قوة النظام وضمانة لبقائه، فعلى المستوى الداخلى يفقد النظام بعضا من مصادر قوته مع مرور الوقت، ومن المرجح أن يمثل أى تحول فى موازين القوة بين الأطراف فى الداخل المتغير الأهم فى حسم الصراع لكن يبقى خطر تمزق البنية الاجتماعية مع طول أمد الأزمة أو تقسيم سورية على أساس قومى أو مذهبى أو طائفى ...الخ الخطر الأكبر، أما على مستوى الإقليم فإن حلفاء سورية التقليديين إيران وحزب الله لا يملكان سوى البقاء مع النظام إلى النهاية، أما على المستوى الدولى فرغم تعرض الصين وروسيا لضغوط شديدة أخلاقية وسياسية فإن موقفهما لازال يدعم النظام، ورغم الحديث بعد اجتماع جنيف فى 30 يونيو 2012 عن تغير الموقف الروسى والموافقة على رحيل الأسد لبداية مرحلة انتقالية جديدة غير دقيق ودليل ذلك مشروع القرار الروسى الذى يسمح بتمديد عمل بعثة مراقبي الأمم المتحدة في سورية الذي ينتهي في 20 يوليو لمدة ثلاثة شهور وذلك دون أن يتضمن مشروع القرار اي تهديدات بعقوبات محتملة، ومن ناحية أخرى وزعت بريطانيا بالنيابة عن الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا مشروع قرار بموجب الفصل السابع وما يترتب عليه من آثار، وبهذا نكون أمام عودة لمأزق الدبلوماسية الدولية فى سورية حيث الخلاف هو سيد الموقف والفيتو هو خيار روسيا فى مواجهة أى حل دولى حاسم للأزمة فى سورية، ومن ثم نكون أمام أزمة يلعب فيها عامل الزمن دورا مهما بحيث يمثل توقيت حدوث تغيرات كبرى فى العلاقة بين اي من هذه المتغيرات المتباينة بداية مرحلة فاصلة فى تاريخ سورية وربما الإقليم بأسره، ولا شك أن الأسد الابن ونظامه لن يكون طرفا مهما فيها.