الاقليات المسلمة في اوروبا
مرسل: الثلاثاء إبريل 30, 2013 2:11 am
مفكرة الإسلام : تحدثنا في الجزء الأول من هذا الموضوع عن تاريخ الأقليات المسلمة في القارة الأوربية، وكيف انتشر الإسلام فيها، واليوم نبدأ من حيث انتهينا.
وقد أوضحنا كيف أن تلك الأقليات تحاول الحفاظ على هويتها الإسلامية، لكن ضعف الإمكانيات والموارد، وندرة الدعاة المتخصصين يقف عائقًا دون تحقيق ما تصبو إليه، مما ينعكس سلبًا على أوضاعها الاجتماعية والثقافية؛ فالكثير من المسلمين يعيشون في ظروف صعبة، فهم إما في أحزمة البؤس التي تحيط بالمدن الأوروبية الكبرى، أو في تجمعات سكانية مكتظة، وفي حالة تهميش وتقوقع ثقافيين، ويزيد من حدة هذه المشكلة عدم وجود تنظيم عربي وإسلامي قوي، يدافع أمام الحكومات الأوروبية عن حقوق تلك الأقليات، وسرعة تنفيذ مطالبها.
ونحن اليوم نتناول بشيء من التفصيل مستقبل المسلمين والدعوة للإسلام في الغرب, وكذلك أهم التحديات التي تواجه المسلمين هناك.
منذ العقد السادس من القرن العشرين، وأوروبا تشهد موجات متعاقبة من الهجرة من الدول الإسلامية، كانت الموجة الأولى في الخمسينيات والستينيات، وكانت مع حركات التحرر الوطني واستقلال الدول الإسلامية، مثل تركيا وباكستان -التي كانت شرقية أو غربية في هذا الوقت- ومعظم الدول العربية وإندونيسيا، وكان معظم المهاجرين من الفقراء، الذين يبحثون عن فرصة عمل في الدول المستعمرة الغنية، وشكلت تلك الموجة ما عرف باسم الجيل الأول.
ثم شهدت السبعينيات والثمانينيات حركة الصحوة الإسلامية في الدول الإسلامية، وشهدت أيضًا في أوروبا ظهور الجيل الثاني، وكذلك ازدياد عدد المساجد كنتيجة لاهتمام الحكومات الأوروبية والإسلامية بالتعاون في هذا المجال، واحتواء هذا العدد المتزايد, ولكن مع بداية الاتحاد الأوروبي، وزيادة الضغوط الاقتصادية، وتقلص فرص العمل؛ ازداد التمييز العنصري، وصارت الأحياء ذات الأغلبية المسلمة مأوى للجريمة والفقر، وتشير الإحصاءات الأخيرة إلى أن نسبة عدد المسجونين من المسلمين في الاتحاد الأوروبي قد تضاعفت مرتين في السنوات العشر الأخيرة.
الجيل الثاني وجد نفسه منصهرًا بصورة أكبر في المجتمع الأوروبي الذي عمل وتعلم فيه، ولا يعرف له أرضًا أو وطنًا غيره، ولكنه وجد نفسه أيضًا معزولًا من خلال آليات الرفض الاقتصادي، وظهور ظاهرة الخوف من الأجانب، أو بمعنى أكثر صراحة 'الخوف من الإسلام والمسلمين'؛ وذلك بسبب ازدياد عدد النشطاء المسلمين في أوروبا كنتيجة لاضطهادهم في بلادهم الأصلية، مما شكَّل ما عُرف بالموجة الثانية للهجرة، والتي تميزت بأنها موجة سياسية لا اقتصادية، وأنها وجدت أرضية خصبة في الشباب المسلم الأوروبي من الجيل الثاني، حيث أصبح الإسلام جزءًا أساسيًّا من هويته، ومن خلال هؤلاء النشطاء؛ تعرف الجيل الثاني على شكل جديد من الإسلام: ثوري، وإيجابي، ورافض لطمس هويته، وازدادت المساجد والمراكز الإسلامية، وظهرت الجمعيات النشطة في مختلف التجمعات.
وفي التسعينيات حدث الكثير من التغيرات الإقليمية والجغرافية في أوروبا، وواكب هذه التغيرات تغيرات اقتصادية وسياسية، وقد كان لهذه المتغيرات تأثيرًا كبيرًا على أحوال المسلمين، مما دفع المسلمين في أوروبا من أقصى شرقها حتى أقصى غربها إلى التوحد حول إحساس واحد، وهو الإسلام كهوية.
ويتأجج هذا الإحساس الآن بالنسبة لبعض المسلمين في غرب أوروبا مع إحساسهم بالاضطهاد للمسلمين عامة، أو للحرب الصليبية التي يشنها الغرب على الإسلام، أو لأي سبب آخر يرتبط بالدين، الذي أصبح المظهر الوحيد للهوية، والسبيل الوحيد للخلاص من كافة المشكلات، وكذلك الحال عند مسلمي أوروبا الشرقية، الذين عانوا طويلًا من فرض طغيان الشيوعية عليهم، ثم إحساسهم بأنهم أقلية وسط المجتمع المسيحي، سواء الأرثوذكسي أو الكاثوليكي، وفقًا للبلد الذي ينتمون إليه.
لكن الحكومات الأوروبية تحاول إدماج المسلمين داخل المنظومة السياسية، إلا أننا نجدها تأخذ خطوة للأمام ثم عدة خطوات للخلف، وذلك بسبب تخوفها من الآراء التي ينشرها بعض المحللين السياسيين والمستشرقين والتي دائمًا ما تضع الإسلام والمسلمين مع الإرهاب في قفص واحد, إلا أن هذه الصورة التي يحاول بعض الغربيين الغير منصفين جعلها الصورة السائدة في الغرب ليست الصورة الكاملة للحاضر المسلم في تلك القارة, فهناك صورة أخرى أكثر إشراقًا تتمثل الدور المتنامي للجانب الاقتصادي، الذي يلعب دورًا كبيرًا في عملية دمج المسلمين في أوروبا، وأيضًا في إقناع أوروبا بدور المسلمين الحيوي, حيث نرى تزايدًا في عدد البنوك الإسلامية التي أصبح حجم تعاملاتها ما يقارب 300 بليون دولار.
إلا أننا ننظر بحذر إلى هذا الاندماج، وذلك لما لهذا المفهوم من أوجه متعددة, فهو من وجهة النظر الأوروبية يعني أن يصير المواطن المهاجر أو المسلم أوروبيًّا أولًا ثم مسلمًا ثانيًا، أو ما يسمَّى أحيانًا بالاعتدال، ويعتبر هذا الرأي خلطًا وتعدٍّ على حق المواطن والفرد في اختيار أولويات انتماءاته، بمعنى أن الفهم الأوروبي لمفهوم الاندماج يؤدي إلى تعنت وقسر، ومن ثَمَّ ضغط واضطهاد.
وعلى الجانب الآخر نجد أن الاندماج في الفهم المسلم -أحيانًا- هو حقوق دون واجبات، والتزامات من قِبَل الدولة دون التزامات بالمقابل من جهة الفرد، وأحيانًا -وهي الصورة السائدة الآن- يمثل فاعلية المواطن المسلم من خلال مؤسساته المتعددة, ومن ثَمَّ فالاندماج الإسلامي في أوروبا هو أمر واقع، ولكن ينقصه تجاوز إشكالية ضد الآخر، أو نحن ضد الآخرين؛ حتى لا يكون المواطن المسلم الأوروبي مطالبًا باتخاذ قرار ضد دينه ليكون أوروبيًّا أو العكس، وهذا سيحدث عندما يدرك المواطن أنه لا تعارض بين انتمائه الديني وانتمائه الأوروبي، ومن ثَمَّ يتخلص من فكرة الاضطهاد.
وللتخلص من هذه الفكرة على الحكومات الأوروبية أن تدرك أن الإسلام لا يشكل خطرًا عليها، والأهم أن الإسلام ما زال أحد مكونات الحضارة الأوروبية منذ فجر الدعوة الإسلامية وحتى الآن، وأن أوروبا ليست بالنادي المسيحي المغلق على غيره من البشر، بمعنى أن على أوروبا أن تتوحد بمعنى الكلمة، وتتجاوز الرؤية المنغلقة للدولة القومية، ومن ثَمَّ يصبح الاندماج الأوروبي أمرًا واقعًا, وحدثًا فعليًّا.
ولكن هذا أمل -وليس واقعًا في حقيقة الأمر- قد أدى إلى تعرض الأقلية المسلمة في أوروبا لمواجهة الكثير من المشاكل و التحديات, وهي ليست واحدة عند عموم المسلمين، فهي تختلف بين بلد وآخر، وذلك باختلاف قوانينه، وباختلاف نظرة سكانه إلى الإسلام والمسلمين, ونستطيع تقسيم هذه المشاكل والتحديات إلى أربعة أقسام:
· تحديات مصدرها أوروبا نفسها.
· وتحديات مصدرها الأقلية المسلمة ذاتها.
· وتحديات مصدرها العالم الإسلامي.
· وأخرى فكرية وثقافية.
أما التحديات ذات المصدر الأوروبي فالدول الأوربية تعتبر الأقلية المسلمة هي المسؤول الأول عن كل ما يحدث من تخريب و إرهاب, وترى أنها تشكل تهديدًا خطيرًا على المجتمع الغربي، وذلك بمحاولتها تسليط الأضواء على بعض التصرفات الشاذة والغير مسؤولة من أفراد مسلمين، وقد تكون تصرفاتهم الغير مسؤولة نتجت عن عدم وجود مرجعية واحدة تستطيع أن توجه هؤلاء الأفراد- الذين يمثلون غالب الجالية المسلمة- فكل فئة جاءت من بلادها جاءت بثقافتها، وجاءت كذلك بمشاكلها.
فهناك مجموعة من القيم التي يستهجنها المجتمع الغربي هي ليست من الإسلام، إنما هي عبارة عن عادات موروثة ليست من التعاليم الإسلامية، وللأسف الشديد أن الغرب يظن أن هذه تعاليم إسلامية، وهي ليست إلا موروثات وتقاليد قبلية ليس لها علاقة بالإسلام, وللأسف فإن الغربيين يروا الإسلام من خلال هذه الفئة, لذلك يجب على تلك الجالية أن يوحدوا جهودهم، ويتخلصوا من العادات التي ليست من الإسلام، ويركزوا على النقاط الإيجابية في المجتمع الذي يعيشون فيه، ومن ثمة دمج ثقافتهم الإسلامية بهذا المجتمع؛ ليقدموا صيغة طيبة ونموذجًا حضاريًا عن الإسلام، فهم رسل للإسلام في هذه البلاد.
وهناك أسباب أخرى متعلقة بالتحديات ذات المصدر الأوروبي، منها النقص الفادح في معلوماتهم عن الإسلام الصحيح, حيث أن ما يكتبه المسلمون باللغة العربية لا يصل إليهم، كما أن التاريخ العربي والإسلامي الموجود بين أيدي الأوروبيين تاريخ مشوه إلى حد كبير، مما يستدعي تصحيح هذا المنظور من خلال وقائع تاريخية سليمة.
هذا إلى جانب التأثير السلبي لوسائل الإعلام الغربي، التي تقف مؤسساتها ذات الأغراض المشبوهة -التي لا تخفى على أحد- وراء تشويه صورة الإسلام والمسلمين، والتركيز على الجوانب السلبية التي تسخر من الإسلام، وتقلل من شأنه، مما يسهم في إيجاد بيئة عدائية ضد الأقليات المسلمة في الغرب.
ولا شك أن الربط بين الإسلام والإرهاب، وصعوبة ذوبان الأقلية المسلمة في المجتمعات الأوربية؛ أدى إلى عدم اعتراف العديد من الدول الغربية بحقوق الأقليات الإسلامية، وفرض القيود عليها من كافة الاتجاهات سياسية واقتصادية واجتماعية، مما أدى إلى الحد من تأثيرها، وعدم السماح لها في بعض الدول بأي مظهر إسلامي بزعم مخالفته لعادات وتقاليد الدولة, وهناك أيضًا التحفظ على الدراسات الإسلامية في مراحل التعليم الأولى.
أضف إلى ذلك فرض تعليم قواعد الدين النصراني على أبناء المسلمين, وملاحقتهم في مصادر أرزاقهم، وقلة أماكن العبادة، وما تفرضه بعض الدول من معوقات أمام إنشائها, ووضع العراقيل أمام تعليم اللغة العربية لأبناء المهاجرين, وهناك الزواج المختلط وما يترتب عليه من مشكلات اجتماعية, وما يواجهه المسلمون من عمليات التنصير التي تتولى كبرها الهيئات الصليبية وبعثات التنصير.
وقد أوضحنا كيف أن تلك الأقليات تحاول الحفاظ على هويتها الإسلامية، لكن ضعف الإمكانيات والموارد، وندرة الدعاة المتخصصين يقف عائقًا دون تحقيق ما تصبو إليه، مما ينعكس سلبًا على أوضاعها الاجتماعية والثقافية؛ فالكثير من المسلمين يعيشون في ظروف صعبة، فهم إما في أحزمة البؤس التي تحيط بالمدن الأوروبية الكبرى، أو في تجمعات سكانية مكتظة، وفي حالة تهميش وتقوقع ثقافيين، ويزيد من حدة هذه المشكلة عدم وجود تنظيم عربي وإسلامي قوي، يدافع أمام الحكومات الأوروبية عن حقوق تلك الأقليات، وسرعة تنفيذ مطالبها.
ونحن اليوم نتناول بشيء من التفصيل مستقبل المسلمين والدعوة للإسلام في الغرب, وكذلك أهم التحديات التي تواجه المسلمين هناك.
منذ العقد السادس من القرن العشرين، وأوروبا تشهد موجات متعاقبة من الهجرة من الدول الإسلامية، كانت الموجة الأولى في الخمسينيات والستينيات، وكانت مع حركات التحرر الوطني واستقلال الدول الإسلامية، مثل تركيا وباكستان -التي كانت شرقية أو غربية في هذا الوقت- ومعظم الدول العربية وإندونيسيا، وكان معظم المهاجرين من الفقراء، الذين يبحثون عن فرصة عمل في الدول المستعمرة الغنية، وشكلت تلك الموجة ما عرف باسم الجيل الأول.
ثم شهدت السبعينيات والثمانينيات حركة الصحوة الإسلامية في الدول الإسلامية، وشهدت أيضًا في أوروبا ظهور الجيل الثاني، وكذلك ازدياد عدد المساجد كنتيجة لاهتمام الحكومات الأوروبية والإسلامية بالتعاون في هذا المجال، واحتواء هذا العدد المتزايد, ولكن مع بداية الاتحاد الأوروبي، وزيادة الضغوط الاقتصادية، وتقلص فرص العمل؛ ازداد التمييز العنصري، وصارت الأحياء ذات الأغلبية المسلمة مأوى للجريمة والفقر، وتشير الإحصاءات الأخيرة إلى أن نسبة عدد المسجونين من المسلمين في الاتحاد الأوروبي قد تضاعفت مرتين في السنوات العشر الأخيرة.
الجيل الثاني وجد نفسه منصهرًا بصورة أكبر في المجتمع الأوروبي الذي عمل وتعلم فيه، ولا يعرف له أرضًا أو وطنًا غيره، ولكنه وجد نفسه أيضًا معزولًا من خلال آليات الرفض الاقتصادي، وظهور ظاهرة الخوف من الأجانب، أو بمعنى أكثر صراحة 'الخوف من الإسلام والمسلمين'؛ وذلك بسبب ازدياد عدد النشطاء المسلمين في أوروبا كنتيجة لاضطهادهم في بلادهم الأصلية، مما شكَّل ما عُرف بالموجة الثانية للهجرة، والتي تميزت بأنها موجة سياسية لا اقتصادية، وأنها وجدت أرضية خصبة في الشباب المسلم الأوروبي من الجيل الثاني، حيث أصبح الإسلام جزءًا أساسيًّا من هويته، ومن خلال هؤلاء النشطاء؛ تعرف الجيل الثاني على شكل جديد من الإسلام: ثوري، وإيجابي، ورافض لطمس هويته، وازدادت المساجد والمراكز الإسلامية، وظهرت الجمعيات النشطة في مختلف التجمعات.
وفي التسعينيات حدث الكثير من التغيرات الإقليمية والجغرافية في أوروبا، وواكب هذه التغيرات تغيرات اقتصادية وسياسية، وقد كان لهذه المتغيرات تأثيرًا كبيرًا على أحوال المسلمين، مما دفع المسلمين في أوروبا من أقصى شرقها حتى أقصى غربها إلى التوحد حول إحساس واحد، وهو الإسلام كهوية.
ويتأجج هذا الإحساس الآن بالنسبة لبعض المسلمين في غرب أوروبا مع إحساسهم بالاضطهاد للمسلمين عامة، أو للحرب الصليبية التي يشنها الغرب على الإسلام، أو لأي سبب آخر يرتبط بالدين، الذي أصبح المظهر الوحيد للهوية، والسبيل الوحيد للخلاص من كافة المشكلات، وكذلك الحال عند مسلمي أوروبا الشرقية، الذين عانوا طويلًا من فرض طغيان الشيوعية عليهم، ثم إحساسهم بأنهم أقلية وسط المجتمع المسيحي، سواء الأرثوذكسي أو الكاثوليكي، وفقًا للبلد الذي ينتمون إليه.
لكن الحكومات الأوروبية تحاول إدماج المسلمين داخل المنظومة السياسية، إلا أننا نجدها تأخذ خطوة للأمام ثم عدة خطوات للخلف، وذلك بسبب تخوفها من الآراء التي ينشرها بعض المحللين السياسيين والمستشرقين والتي دائمًا ما تضع الإسلام والمسلمين مع الإرهاب في قفص واحد, إلا أن هذه الصورة التي يحاول بعض الغربيين الغير منصفين جعلها الصورة السائدة في الغرب ليست الصورة الكاملة للحاضر المسلم في تلك القارة, فهناك صورة أخرى أكثر إشراقًا تتمثل الدور المتنامي للجانب الاقتصادي، الذي يلعب دورًا كبيرًا في عملية دمج المسلمين في أوروبا، وأيضًا في إقناع أوروبا بدور المسلمين الحيوي, حيث نرى تزايدًا في عدد البنوك الإسلامية التي أصبح حجم تعاملاتها ما يقارب 300 بليون دولار.
إلا أننا ننظر بحذر إلى هذا الاندماج، وذلك لما لهذا المفهوم من أوجه متعددة, فهو من وجهة النظر الأوروبية يعني أن يصير المواطن المهاجر أو المسلم أوروبيًّا أولًا ثم مسلمًا ثانيًا، أو ما يسمَّى أحيانًا بالاعتدال، ويعتبر هذا الرأي خلطًا وتعدٍّ على حق المواطن والفرد في اختيار أولويات انتماءاته، بمعنى أن الفهم الأوروبي لمفهوم الاندماج يؤدي إلى تعنت وقسر، ومن ثَمَّ ضغط واضطهاد.
وعلى الجانب الآخر نجد أن الاندماج في الفهم المسلم -أحيانًا- هو حقوق دون واجبات، والتزامات من قِبَل الدولة دون التزامات بالمقابل من جهة الفرد، وأحيانًا -وهي الصورة السائدة الآن- يمثل فاعلية المواطن المسلم من خلال مؤسساته المتعددة, ومن ثَمَّ فالاندماج الإسلامي في أوروبا هو أمر واقع، ولكن ينقصه تجاوز إشكالية ضد الآخر، أو نحن ضد الآخرين؛ حتى لا يكون المواطن المسلم الأوروبي مطالبًا باتخاذ قرار ضد دينه ليكون أوروبيًّا أو العكس، وهذا سيحدث عندما يدرك المواطن أنه لا تعارض بين انتمائه الديني وانتمائه الأوروبي، ومن ثَمَّ يتخلص من فكرة الاضطهاد.
وللتخلص من هذه الفكرة على الحكومات الأوروبية أن تدرك أن الإسلام لا يشكل خطرًا عليها، والأهم أن الإسلام ما زال أحد مكونات الحضارة الأوروبية منذ فجر الدعوة الإسلامية وحتى الآن، وأن أوروبا ليست بالنادي المسيحي المغلق على غيره من البشر، بمعنى أن على أوروبا أن تتوحد بمعنى الكلمة، وتتجاوز الرؤية المنغلقة للدولة القومية، ومن ثَمَّ يصبح الاندماج الأوروبي أمرًا واقعًا, وحدثًا فعليًّا.
ولكن هذا أمل -وليس واقعًا في حقيقة الأمر- قد أدى إلى تعرض الأقلية المسلمة في أوروبا لمواجهة الكثير من المشاكل و التحديات, وهي ليست واحدة عند عموم المسلمين، فهي تختلف بين بلد وآخر، وذلك باختلاف قوانينه، وباختلاف نظرة سكانه إلى الإسلام والمسلمين, ونستطيع تقسيم هذه المشاكل والتحديات إلى أربعة أقسام:
· تحديات مصدرها أوروبا نفسها.
· وتحديات مصدرها الأقلية المسلمة ذاتها.
· وتحديات مصدرها العالم الإسلامي.
· وأخرى فكرية وثقافية.
أما التحديات ذات المصدر الأوروبي فالدول الأوربية تعتبر الأقلية المسلمة هي المسؤول الأول عن كل ما يحدث من تخريب و إرهاب, وترى أنها تشكل تهديدًا خطيرًا على المجتمع الغربي، وذلك بمحاولتها تسليط الأضواء على بعض التصرفات الشاذة والغير مسؤولة من أفراد مسلمين، وقد تكون تصرفاتهم الغير مسؤولة نتجت عن عدم وجود مرجعية واحدة تستطيع أن توجه هؤلاء الأفراد- الذين يمثلون غالب الجالية المسلمة- فكل فئة جاءت من بلادها جاءت بثقافتها، وجاءت كذلك بمشاكلها.
فهناك مجموعة من القيم التي يستهجنها المجتمع الغربي هي ليست من الإسلام، إنما هي عبارة عن عادات موروثة ليست من التعاليم الإسلامية، وللأسف الشديد أن الغرب يظن أن هذه تعاليم إسلامية، وهي ليست إلا موروثات وتقاليد قبلية ليس لها علاقة بالإسلام, وللأسف فإن الغربيين يروا الإسلام من خلال هذه الفئة, لذلك يجب على تلك الجالية أن يوحدوا جهودهم، ويتخلصوا من العادات التي ليست من الإسلام، ويركزوا على النقاط الإيجابية في المجتمع الذي يعيشون فيه، ومن ثمة دمج ثقافتهم الإسلامية بهذا المجتمع؛ ليقدموا صيغة طيبة ونموذجًا حضاريًا عن الإسلام، فهم رسل للإسلام في هذه البلاد.
وهناك أسباب أخرى متعلقة بالتحديات ذات المصدر الأوروبي، منها النقص الفادح في معلوماتهم عن الإسلام الصحيح, حيث أن ما يكتبه المسلمون باللغة العربية لا يصل إليهم، كما أن التاريخ العربي والإسلامي الموجود بين أيدي الأوروبيين تاريخ مشوه إلى حد كبير، مما يستدعي تصحيح هذا المنظور من خلال وقائع تاريخية سليمة.
هذا إلى جانب التأثير السلبي لوسائل الإعلام الغربي، التي تقف مؤسساتها ذات الأغراض المشبوهة -التي لا تخفى على أحد- وراء تشويه صورة الإسلام والمسلمين، والتركيز على الجوانب السلبية التي تسخر من الإسلام، وتقلل من شأنه، مما يسهم في إيجاد بيئة عدائية ضد الأقليات المسلمة في الغرب.
ولا شك أن الربط بين الإسلام والإرهاب، وصعوبة ذوبان الأقلية المسلمة في المجتمعات الأوربية؛ أدى إلى عدم اعتراف العديد من الدول الغربية بحقوق الأقليات الإسلامية، وفرض القيود عليها من كافة الاتجاهات سياسية واقتصادية واجتماعية، مما أدى إلى الحد من تأثيرها، وعدم السماح لها في بعض الدول بأي مظهر إسلامي بزعم مخالفته لعادات وتقاليد الدولة, وهناك أيضًا التحفظ على الدراسات الإسلامية في مراحل التعليم الأولى.
أضف إلى ذلك فرض تعليم قواعد الدين النصراني على أبناء المسلمين, وملاحقتهم في مصادر أرزاقهم، وقلة أماكن العبادة، وما تفرضه بعض الدول من معوقات أمام إنشائها, ووضع العراقيل أمام تعليم اللغة العربية لأبناء المهاجرين, وهناك الزواج المختلط وما يترتب عليه من مشكلات اجتماعية, وما يواجهه المسلمون من عمليات التنصير التي تتولى كبرها الهيئات الصليبية وبعثات التنصير.